الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْه: جَوَاز الْمُضَاربَة، وَالْمُسَاقَاة، وَالْإِجَارَة، وَنَحْوهَا؛ لِأَنَّهَا عُقُود على مَعْدُوم لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك "، وفيهَا غرر، وَقد نهي عَنهُ.
تَنْبِيه: فهم [مِمَّا] تقدم: أَن الرُّخْصَة لَا تكون مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله
صلى الله عليه وسلم َ -: " إِن الله يحب أَن تُؤْتى رخصه ".
وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِيَّة: أَن الرُّخْصَة تَأتي فِي الْحَرَام وَالْمَكْرُوه، ومثلوا الأول بالاستنجاء بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَالثَّانِي بِالْقصرِ فِي أقل من ثَلَاث مراحل، وَكَذَا اتِّبَاع النِّسَاء الْجَنَائِز، وَأَجَابُوا عَن ذَلِك.
قلت: صرح صَاحب " النِّهَايَة " من أَصْحَابنَا: (أَنه لَا يجوز الِاسْتِجْمَار بِالذَّهَب وَالْفِضَّة) .
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": (وَلَعَلَّه مُرَاد غَيره لتَحْرِيم اسْتِعْمَاله) ، وَحكى أَن الشَّافِعِي منع من ذَلِك.
فَائِدَة: مَا لم يُخَالف دَلِيلا - كاستباحة الْمُبَاحَات، وَعدم وجوب صَوْم شَوَّال - لَا يُسمى رخصَة، وَمَا خفف عَنَّا من التَّغْلِيظ على الْأُمَم قبلنَا، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا رخصَة مجَازًا، بِمَعْنى: أَنه سهل علينا مَا شدد عَلَيْهِم، رفقا من الله تَعَالَى بِنَا، مَعَ جَوَاز إِيجَابه علينا كَمَا أوجبه عَلَيْهِم، لَا على معنى أَنا استحبنا شَيْئا من الْمُحرمَات عَلَيْهِم مَعَ قيام الْمحرم فِي حَقنا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حرم عَلَيْهِم لَا علينا، فَهَذَا وَجه التَّجَوُّز، وَعدم كَون الأول لَيْسَ بِرُخْصَة؛ لِأَنَّهُ لم يثبت على الْمَنْع من ذَلِك دَلِيل، فالتيمم لمَرض وَنَحْوه، وَزِيَادَة ثمن المَاء: رخصَة، وَمَعَ عدم المَاء وعجزه عَنهُ: لَيْسَ بِرُخْصَة.
قَوْله: {وهما} - أَي: الْعَزِيمَة والرخصة - {وصفان للْحكم الوضعي، وَقيل: التكليفي، [وَقَالَ] الرَّازِيّ وَغَيره: للْفِعْل} .
اخْتلف الْعلمَاء فِي الرُّخْصَة والعزيمة، هَل هما وصفان للْحكم، أَو وصفان للْفِعْل على قَوْلَيْنِ، وَإِذا قُلْنَا: هما وصفان للْحكم، فَهَل هُوَ الحكم
الوضعي أَو الحكم التكليفي؟ على قَوْلَيْنِ أَيْضا.
فتلخص فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال، وَالصَّحِيح: أَنَّهُمَا وصفان للْحكم، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْغَزالِيّ، وَصَاحب " الْحَاصِل "، والبيضاوي، والقرافي، وَغَيرهم.
فَتكون الرُّخْصَة: بِمَعْنى الترخيص، والعزيمة: بِمَعْنى التَّأْكِيد فِي طلب الشَّيْء وَمِنْه: " فاقبلوا رخصَة الله " وَقَول أم عَطِيَّة: " نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا ".
ثمَّ اخْتلف الْقَائِل بِأَنَّهُمَا وصفان للْحكم، فَقَالَ جمع: هما وصفان للْحكم الوضعي، مِنْهُم الْآمِدِيّ، نَقله عَنهُ الْبرمَاوِيّ، وَقطع بِهِ ابْن حمدَان فِي " مقنعه ".
وَقَالَ جمع: وصف للْحكم التكليفي لما فِيهَا من معنى الِاقْتِضَاء، وَلذَلِك قسموها إِلَى وَاجِبَة ومندوبة وَنَحْوهمَا، وَلَكِن ذَلِك لأمر خارجي عَن أصل الترخيص.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي " شرح الْمُخْتَصر " - بعد أَن تكلم على الرُّخْصَة -: (لَيست من أَقسَام خطاب الْوَضع، بل رَاجِعَة إِلَى الِاقْتِضَاء والتخيير؛ لكَونهَا وَاجِبَة ومندوبة ومباحة) انْتهى.
وَقيل: هما وصفان للْفِعْل المرخص فِيهِ، أَو المعزوم عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ تركا، أَي: الْمَطْلُوب بالعزم والتأكيد، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ، وَابْن الْحَاجِب، نَقله الْبرمَاوِيّ.
وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ فِي " شرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ ": (جعل المُصَنّف وَصَاحب الْحَاصِل الرُّخْصَة والعزيمة قسمَيْنِ للْحكم، وَكَذَا الْقَرَافِيّ، وجعلهما غَيرهم من أَقسَام الْفِعْل: كالآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَالْإِمَام) انْتهى.
وَأما كَلَام أَصْحَابنَا فِي ذَلِك، فَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " - لما تكلم على الرُّخْصَة والعزيمة -:(ظَاهر ذَلِك: أَن الرُّخْصَة والعزيمة لَيست من خطاب الْوَضع، خلافًا لبَعض أَصْحَابنَا) .
وَقَالَ ابْن حمدَان فِي " مقنعه ": (الْقسم السَّادِس: فِي خطاب الْوَضع، وَفِيه خَمْسَة فُصُول، ثمَّ قَالَ: الْفَصْل الْخَامِس: الْعَزِيمَة والرخصة) .
فَظَاهره: أَنَّهُمَا من خطاب الْوَضع.
تَنْبِيه: قد تقدم خطاب الْوَضع وَحكمه، وَقد اخْتلفُوا فِي مِقْدَاره.
فَقيل: هُوَ: السَّبَب، وَالشّرط، وَالْمَانِع، وَالصِّحَّة وَالْفساد، والعزيمة والرخصة، وَجرى على ذَلِك الْآمِدِيّ، وَتَبعهُ جمَاعَة كَثِيرَة.
وَزَاد الْمُوفق، والطوفي فِي " مُخْتَصره " و " شَرحه "، وَغَيرهمَا: الْعلَّة، فَقَالُوا: هِيَ من خطاب الْوَضع.
وَزَاد الْقَرَافِيّ نَوْعَيْنِ آخَرين وهما: التقديرات الشَّرْعِيَّة، وَالْحجاج.
فَالْأول: إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم: كَالْمَاءِ الَّذِي يخَاف الْمَرِيض من اسْتِعْمَاله فَوَات عُضْو وَنَحْوه، فيتمم مَعَ وجوده حسا، وَإِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود - عكس الَّذِي قبله -: كالمقتول تورث عَنهُ الدِّيَة، وَإِنَّمَا تجب بِمَوْتِهِ، وَلَا تورث عَنهُ إِلَّا إِذا دخلت فِي ملكه، فَيقدر دُخُولهَا قبل مَوته.
وَالثَّانِي: - وَهُوَ الْحجَّاج - مَا تستند إِلَيْهِ الْقُضَاة فِي الْأَحْكَام من بَيِّنَة وَإِقْرَار، وَنَحْو ذَلِك من الْحجَج.
قَالَ: وَهِي فِي الْحَقِيقَة رَاجِعَة إِلَى السَّبَب، فَلَيْسَتْ أقساما أُخْرَى) انْتهى.
وَقَالَ صَلَاح الدّين العلائي: (أَنْوَاع خطاب الْوَضع الْمَشْهُورَة: السَّبَب، وَالشّرط، وَالْمَانِع) ، وَاقْتصر عَلَيْهَا.