الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعرف الله تَعَالَى، أَو لَا يعرفهُ، وَإِمَّا أَن يرد الْوَدِيعَة، أَو لَا يردهَا، بِخِلَاف نَحْو الصَّلَاة، وَالصَّوْم، وَالْبيع، وَالْإِجَارَة، وَنَحْوهَا، فَإِن صورته تقع على وَجْهَيْن:
مَا اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط، وانتفت عَنهُ الْمَوَانِع يكون صَحِيحا. وَمَا اخْتَلَّ فِيهِ شَيْء من ذَلِك يكون فَاسِدا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: صورته كَذَلِك؛ لِأَن الْإِطْلَاق الشَّرْعِيّ على المختل بِرُكْن أَو شَرط منفي بِالْحَقِيقَةِ، لِأَن الْمركب يَنْتَفِي بِانْتِفَاء جزئه، وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
للمسيء فِي صلَاته: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ".)
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَهُوَ أحسن مَا حمل عَلَيْهِ نَحْو: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ
"،
و " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب "، أَي: لَا عمل شَرْعِيًّا، وَلَا صَلَاة شَرْعِيَّة، [فنفيه] نفي حَقِيقِيّ، حَيْثُ كَانَ خَالِيا مِمَّا ذكر، حَتَّى لَا يحْتَاج لتقدير مَحْذُوف) انْتهى.
وَقد حكى الْأَصْفَهَانِي فِي تنَاول الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة الْفَاسِد من صَلَاة وَبيع وَنِكَاح وَغَيرهَا، ثَلَاثَة أَقْوَال:(ثَالِثهَا: تَشْمَل مَا كَانَ من أَسمَاء الْأَفْعَال والأعيان من غسل وَوَطْء، وَلَا تَشْمَل مَا كَانَ من أَسمَاء الْأَحْكَام: كتسمية الْغسْل طَهَارَة) انْتهى.
ولأصحابنا قَولَانِ فِي الْأَيْمَان وَغَيرهَا فِي الْعُقُود، أصَحهمَا: اخْتِصَاصه بِالصَّحِيحِ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَو حلف لَا يَبِيع، وَنَحْوه، لَا يَحْنَث بالفاسد مِنْهَا على الْأَصَح بِخِلَاف الْعِبَادَات فَلَا يَشْمَل إِلَّا الصَّحِيح فَقَط، قولا وَاحِدًا، واستثنوا من ذَلِك الْحَج فَيحنث بِالْحَجِّ الْفَاسِد.
ورد الكوراني فِي " شرح جمع الْجَوَامِع " تَعْرِيفه فِي " جمع الْجَوَامِع "، وَغَيره، وَقَالَ: (رد الْوَدِيعَة مِنْهَا صَحِيح، وَمِنْهَا فَاسد: كَمَا لَو ردهَا إِلَى صَاحبهَا بعد جُنُونه، وَكَذَلِكَ الْمعرفَة بِاللَّه؛ لِأَن الْمعرفَة - أَيْضا - إِن لم تكن على الْوَجْه الْمُوَافق للشَّرْع، تكون معرفَة بَاطِلَة؛ لانْتِفَاء مُوجب صِحَّتهَا، وَهُوَ مُطَابقَة الْوَاقِع، وَلَا يضرنا كَونهَا جهلا، إِذْ لَا تنَافِي بَين كَونه جهلا، وَمَعْرِفَة بَاطِلَة.
وَيدل على مَا قُلْنَا: مَا قَالَه عضد الْملَّة وَالدّين، والعلامة التَّفْتَازَانِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا المواقف، والمقاصد، فِي بحث النّظر فِي معرفَة الله تَعَالَى ردا على الْمُعْتَزلَة، حَيْثُ استدلوا: بِأَن النّظر فِي معرفَة الله تَعَالَى وَاجِب عقلا، إِذْ الَّذِي حصل الْمعرفَة أحسن حَالا من غَيره.
قُلْنَا: نعم إِذا حصل الْمعرفَة على وَجههَا، والعرفان على وَجه الصَّوَاب، فَإِن التَّقْيِيد بِالْوَجْهِ صَرِيح فِيمَا ذكرنَا) انْتهى.
وَقَالَ: (لَو قيل: الصِّحَّة مُطلقًا: عبارَة عَن ترَتّب الْأَثر الْمَطْلُوب من الْفِعْل عَلَيْهِ، ليشْمل الْعِبَادَات من غير تَطْوِيل، [لَكَانَ] أولى.
غَايَته: أَن ذَلِك الْأَثر عِنْد الْمُتَكَلِّمين: مُوَافقَة الشَّرْع، وَعند الْفُقَهَاء إِسْقَاط الْقَضَاء.
وعَلى هَذَا يكون الْخلاف رَاجعا إِلَى تعْيين الْأَثر الْمَطْلُوب، لَا إِلَى تَفْسِير الصِّحَّة) انْتهى.
وَلذَلِك تابعناه على هَذَا الْحَد، وَالله أعلم.
وَقد قَالَ القطب الشِّيرَازِيّ: (لَو قيل: الْمُعَامَلَات ترَتّب ثَمَرَة الْمَطْلُوب مِنْهُ عَلَيْهِ شرعا، اطرد.
وَلَو قيل: الْعِبَادَة صَحِيحَة بِهَذَا التَّفْسِير، فَلَا حرج) انْتهى.
قَوْله: {فبصحة العقد [ترَتّب] أَثَره من ملك وَغَيره} .
آثَار الْعُقُود: هُوَ التَّمَكُّن من التَّصَرُّف فِيمَا هُوَ لَهُ: كَالْبيع إِذا صَحَّ العقد ترَتّب أَثَره من ملك وَجَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ، من هبة، ووقف، وَأكل، وَلبس، وانتفاع، وَغير ذَلِك، وَكَذَلِكَ إِذا صَحَّ عقد النِّكَاح، وَالْإِجَارَة، وَالْوَقْف، وَغَيرهَا من الْعُقُود، ترَتّب عَلَيْهَا أَثَرهَا مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِع لَهُ بِهِ، فينشأ ذَلِك عَن العقد.
تَنْبِيه: يرد على قَوْلنَا: (فبصحة العقد ترَتّب أَثَره) ، الْكِتَابَة الْفَاسِدَة، وَنَحْوهَا، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهَا أَثَرهَا من الْعتْق مَعَ أَنَّهَا غير صَحِيحَة.
وَيُجَاب عَنهُ: بِأَن ترَتّب الْأَثر فِيهَا لَيْسَ من جِهَة العقد، بل للتعليق، وَهُوَ صَحِيح لَا خلل فِيهِ.
وَنَظِير ذَلِك: الْمُضَاربَة وَالْوكَالَة الفاسدتان، يَصح فيهمَا التَّصَرُّف لوُجُود الْإِذْن، وَإِن لم يَصح العقد.
قَوْله: {وبصحة الْعِبَادَة يَتَرَتَّب إجزاؤها} .
[أَي] إِجْزَاء الْعِبَادَة ينشأ عَن صِحَّتهَا، فَيُقَال: صحت الْعِبَادَة وأجزأت.
{و} قد قيل فِي معنى الْإِجْزَاء
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
فَقيل: {هُوَ الْكِفَايَة فِي إِسْقَاط التَّعَبُّد، [وَهُوَ الْأَظْهر] } ، فَإِذا صحت الْعِبَادَة ترَتّب الْإِجْزَاء، وَهُوَ إِسْقَاط التَّعَبُّد، وينقل عَن الْمُتَكَلِّمين.
وَقيل: الْإِجْزَاء: هُوَ الْكِفَايَة فِي إِسْقَاط الْقَضَاء، وينقل عَن الْفُقَهَاء على مَا سبق تَقْرِير فِي الْغَايَة فِي الصِّحَّة، لِأَنَّهُ قريب من معنى الصِّحَّة، وَلَكِن الْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن.
أَحدهمَا: أَن مَحل الصِّحَّة أَعم من مَحل الْإِجْزَاء، فَإِن الصِّحَّة موردها الْعِبَادَة وَغَيرهَا، ومورد الْإِجْزَاء الْعِبَادَة فَقَط، بل زعم بَعضهم: اخْتِصَاصه بِالْوَاجِبِ، على مَا يَأْتِي قَرِيبا بَيَانه.
الثَّانِي: أَن معنى الْإِجْزَاء عدمي، وَمعنى الصِّحَّة وجودي، وَذَلِكَ لِأَن الْعِبَادَة المأتي بهَا على وَجه الشَّرْع لازمها وصفان: وجودي: وَهُوَ مُوَافقَة الشَّرْع، وَهَذَا هُوَ الصِّحَّة.
[وَالْآخر عدمي] : وَهُوَ سُقُوط التَّعَبُّد بِهِ، أَو سُقُوط الْقَضَاء - على الْخلاف فِيهِ - وَهَذَا هُوَ الْإِجْزَاء.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (قلت: وَفرق ثَالِث: أَن الْإِجْزَاء مُرَتّب على الصِّحَّة.
فالإجزاء - حِينَئِذٍ - كَون الْفِعْل على وَجه يسْقط التَّعَبُّد، لَا نفس السُّقُوط، وَلَا الْإِسْقَاط، كَمَا وَقع لبَعض الْأُصُولِيِّينَ) .
قَوْله: { [فَفعل الْمَأْمُور بِهِ] بِشُرُوطِهِ يستلزمه إِجْمَاعًا} .
أَي: يسْتَلْزم الْإِجْزَاء، إِذا فسرنا الْإِجْزَاء بِإِسْقَاط التَّعَبُّد، فالامتثال مُحَصل للإجزاء بِلَا خلاف، وَلذَلِك أَتَيْنَا بِالْفَاءِ، فَإِنَّهُ مُرَتّب على قَوْلنَا:(وَهُوَ الْكِفَايَة فِي إِسْقَاط التَّعَبُّد) .
قَالَ ابْن مُفْلِح: (الْإِجْزَاء: امْتِثَال الْأَمر.
فَفعل الْمَأْمُور بِهِ بِشُرُوطِهِ يحققه إِجْمَاعًا) .
قَوْله: {وَقيل: فِي إِسْقَاط الْقَضَاء} .
تقدم أَن الْإِجْزَاء: هُوَ الْكِفَايَة فِي إِسْقَاط التَّعَبُّد، وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا تقدم.
وَقيل: هُوَ الْكِفَايَة فِي إِسْقَاط الْقَضَاء، فعلى هَذَا القَوْل يسْتَلْزم الْإِتْيَان بالمأمور الْإِجْزَاء - أَيْضا - عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر.
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَكَذَا إِن فسر الْإِجْزَاء بِسُقُوط الْقَضَاء، عندنَا وَعند عَامَّة الْفُقَهَاء والمتكلمين) .
وَإِلَّا لَكَانَ الْأَمر بعد الِامْتِثَال مقتضيا، إِمَّا لما فعل، وَهُوَ تَحْصِيل الْحَاصِل، وَإِمَّا لغيره، فالمجموع مَأْمُور بِهِ، فَلم يفعل إِلَّا بعضه، وَالْفَرْض خِلَافه.
والمخالف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: أَبُو هَاشم، وَعبد الْجَبَّار، فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يسْتَلْزم الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ الْإِجْزَاء، كَمَا لَا يسْتَلْزم النَّهْي الْفساد، وَنَقله ابْن مُفْلِح عَن ابْن الباقلاني.
وَتَقْرِير الْجَامِع بَين الْأَمر وَالنَّهْي: أَن كلا مِنْهُمَا طلب جازم لَا إِشْعَار لَهُ بذلك، وَأَيْضًا: الْأَمر ضد النَّهْي، وَالنَّهْي لَا يدل على الْفساد، فَلَا يدل الْأَمر على الْإِجْزَاء، لِأَن الشَّيْء يحمل على ضِدّه، كَمَا يحمل على مثله، وَالْفرق: أَن الْأَمر هُوَ: اقْتِضَاء الْفِعْل، فَإِذا أُدي مرّة فقد انْتهى الِاقْتِضَاء، وَأما النَّهْي فمدلوله الْمَنْع من الْفِعْل، فَإِن خَالف وأتى بِهِ، فَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يَقْتَضِي التَّعَرُّض لحكمه، وَلَا مُنَافَاة بَين النَّهْي عَنهُ، وَبَين أَن يَقُول: فَإِن أتيت بِهِ جعلته سَببا لحكم آخر، مَعَ كَونه مَمْنُوعًا مِنْهُ، قَالَ ذَلِك جمع.
قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (وَجه الأول: لَو لم يسْتَلْزم لم يعلم امْتِثَال.
رد: بِصَلَاة من عدم مَاء وترابا، امتثل مَعَ بَقَاء التَّكْلِيف، كَذَا قيل.
وَلِأَن الْقَضَاء اسْتِدْرَاك مَا فَاتَ من الْأَدَاء، وَقد أَتَى بِجَمِيعِ الْمَأْمُور بِهِ، فَيكون تحصيلا للحاصل.
ورد: بِأَن الْأَدَاء الْمُسْتَدْرك بِالْقضَاءِ، غير الْأَدَاء الْحَاصِل، كَذَا قيل.
وَلِأَنَّهُ لَو لم يسْقط بِالْأَمر قيل فِي الْقَضَاء مثله، لِأَنَّهُ مَأْمُور بِهِ، فَلَا يتَصَوَّر إِجْزَاء بِفعل مَأْمُور بِهِ.
وَاحْتج ابْن عقيل وَغَيره: (بِأَن الذِّمَّة إِنَّمَا اشتغلت بِهِ وبالنهي) .
وَاحْتج أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": (بِأَنَّهُ لَا يجوز قَوْله لعَبْدِهِ: افْعَل كَذَا، فَإِذا فعلته كَمَا أَمرتك لم يجزئك، وَعَلَيْك الْقَضَاء، للتناقض) .
قَالُوا: لَو استلزم، لزم أَن لَا يُعِيد، أَو يَأْثَم إِذا علم الْحَدث بَعْدَمَا صلى بِظَنّ الطَّهَارَة، لِأَنَّهُ إِمَّا مَأْمُور بِالصَّلَاةِ بِظَنّ الطَّهَارَة، أَو بيقينها.
قَالَ الْآمِدِيّ: (لَا نسلم وجوب الْقَضَاء على قَول لنا) ، كَذَا قَالَ.
وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب فِي ذكر الْخلاف - كَمَا تقدم عَنهُ - وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع، لَكِن لَيْسَ قَضَاء لما أَتَى بِهِ، بل لما أَمر بِهِ أَولا من الصَّلَاة بشرطها.
وَذكر القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن - من أَصْحَابنَا -: (لَو صلى بِظَنّ الطَّهَارَة وَمَات عَقبهَا، سقط الْقَضَاء، وَلَا إِجْزَاء) .
وأبطله الْآمِدِيّ: (بِأَن الْأَجْزَاء لَيْسَ بِسُقُوط الْقَضَاء مُطلقًا، بل فِي حق من يتَصَوَّر فِي حَقه قَضَاء) .
قَالَ: وَقيل: الْإِجْزَاء: مَا كفى لسُقُوط التَّعَبُّد بِهِ، لِأَن سُقُوط الْقَضَاء يُعلل بالأجزاء، وَالْعلَّة غير الْمَعْلُول.
وَلِأَن الْقَضَاء لم يجب لانْتِفَاء مُوجبه، فَكيف سقط؟
قَالُوا: يُؤمر من أفسد حجه بِالْأَدَاءِ، وَلَا إِجْزَاء.
رد: أَمر بِحَجّ صَحِيح، وَلم يَأْتِ بِهِ، وَهَذَا غَيره، وَهُوَ مجز فِي إِسْقَاط الْأَمر بِهِ) انْتهى.
قَوْله: {فالإجزاء [مُخْتَصّ] بِالْعبَادَة} مُطلقًا.
يَعْنِي: سَوَاء كَانَت الْعِبَادَة وَاجِبَة، أَو مُسْتَحبَّة، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَنَقله السُّبْكِيّ عَن الْفُقَهَاء، وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ:(هَذَا الْمَشْهُور) .
فَيُقَال: قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَقَط تجزيء فِي النَّافِلَة، كَمَا يُقَال ذَلِك فِي الْوَاجِب.
وَلَا يُقَال لغير الْعِبَادَة، فَلَا يُقَال فِي الْمُعَامَلَات تجزيء، بل موردها الْعِبَادَة فَقَط، بِخِلَاف الصِّحَّة كَمَا تقدم.
وَقَالَ الْقَرَافِيّ والأصفهاني فِي شرحيهما ل " الْمَحْصُول "، و " شرح التَّنْقِيح " للقرافي وَغَيرهمَا: (يخْتَص الْإِجْزَاء بِالْوَاجِبِ من الْعِبَادَة