الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَأَول من منع الْوُقُوع الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي سَهْو النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
بِأَنَّهُ قصد بذلك التشريع، كَمَا فِي حَدِيث:" وَلَكِن أُنسى ".
وَمِنْهُم من يعبر فِي هَذَا: بِأَنَّهُ تعتمد ذَلِك ليَقَع النسْيَان فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خطأ: لتصريحه
صلى الله عليه وسلم َ - بِالنِّسْيَانِ فِي قَوْله: " إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون، فَإِذا نسيت فذكروني ".
وَلِأَن الْأَفْعَال العمدية تبطل الصَّلَاة، وَالْبَيَان كَاف بالْقَوْل فَلَا ضَرُورَة إِلَى الْفِعْل.
{وَذكر القَاضِي عِيَاض} وَغَيره: الْخلاف فِي الْأَفْعَال، وَأَنه {لَا [يجوز] فِي الْأَقْوَال البلاغية إِجْمَاعًا، [وَمَعْنَاهُ لِابْنِ عقيل] } فِي
" الْإِرْشَاد "، فَإِنَّهُ قَالَ:(الْأَنْبِيَاء لم يعصموا من الْأَفْعَال، بل فِي نفس الْأَدَاء، فَلَا يجوز عَلَيْهِم الْكَذِب فِي الْأَقْوَال فِيمَا [يؤدونه] عَن الله، وَلَا فِيمَا شَرعه من الْأَحْكَام، عمدا وَلَا سَهوا وَلَا نِسْيَانا) انْتهى.
قَوْله: {ثمَّ لَا يقر عَلَيْهِ إِجْمَاعًا} .
يَعْنِي: إِذا قُلْنَا يَقع ذَلِك مِنْهُم غَلطا ونسيانا، فَإِذا وَقع لم يقر عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، بل يعلم بِهِ.
{قَالَ الْأَكْثَر} : يعلم بِهِ {على الْفَوْر} .
{ [وَقَالَ طَائِفَة] :} يعلم بِهِ فِي {مُدَّة حَيَاته} ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، ورد الأول.
قَوْله: {وَمَا لَا يخل بصدقه: فمعصوم من كَبِيرَة عمدا إِجْمَاعًا} .
مَا تقدم هُوَ فِي حكم مَا يخل بصدقه، فِيمَا دلّت المعجزة على صدقه فِيهِ، من رِسَالَة وتبليغ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحدهمَا: فعله أَو قَوْله عمدا، فَهُوَ مَعْصُوم مِنْهُ إِجْمَاعًا.
وَالثَّانِي: قَوْله غَلطا أَو نِسْيَانا، فَهَل هُوَ مَعْصُوم مِنْهُ، أَو يجوز وُقُوعه مِنْهُ؟ فِيهِ الْخلاف الْمُتَقَدّم.
وَمَا قيل هُنَا: فِي حكم [مَا لَا يخل بتصديقه] مِمَّا دلّت المعجز على صدقه فِيهِ، نَوْعَانِ - أَيْضا - كَبَائِر وصغائر، والكبائر - أَيْضا - قِسْمَانِ: أَحدهمَا: فعلهَا عمدا، وَالثَّانِي: سَهوا.
فَالْأول: وَهُوَ فعل الْكَبِيرَة عمدا، فَهُوَ مَعْصُوم من فعلهَا إِجْمَاعًا، وَلَا عِبْرَة بالحشوية وَبَعض الْخَوَارِج.
وَكَذَا هُوَ مَعْصُوم من فعل مَا يُوجب خسة أَو إِسْقَاط مُرُوءَة عمدا.
قَالَ جمَاعَة: (إِجْمَاعًا) ، مِنْهُم الْآمِدِيّ وَمن تبعه.
وَقد قطع بعض أَصْحَابنَا: (بِأَن مَا يسْقط الْعَدَالَة لَا يجوز عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَلَعَلَّه مُرَاد غَيره) .
قلت: بل يتَعَيَّن أَنه مُرَاد غَيره.
وَهل مُسْتَند الْمَنْع: السّمع، أَو الْعقل؟ مَبْنِيّ على التحسين والتقبيح العقليين.
وَالْقسم الثَّانِي: فعله سَهوا، فَهَل يجوز وُقُوعه مِنْهُ، أَو هُوَ مَعْصُوم مِنْهُ كالعمد؟ فِيهِ قَولَانِ.
فَعِنْدَ القَاضِي - من أَصْحَابنَا - وَالْأَكْثَر يجوز ذَلِك، وَاخْتلف كَلَام ابْن عقيل فِي ذَلِك. وَقَالَ ابْن أبي مُوسَى:(لَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِ) .
[قَالَ] : (وَتجوز الهمة بهَا لَا الْفِعْل) .
وَالنَّوْع الثَّانِي الصَّغَائِر، وَهُوَ أَيْضا قِسْمَانِ:
أَحدهمَا: فعلهَا عمدا، وَالثَّانِي: سَهوا.
فَالْأول: وَهُوَ فعلهَا عمدا، هَل يجوز وُقُوعهَا مِنْهُ أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: الْجَوَاز، وَهُوَ قَول القَاضِي، وَابْن عقيل، والأشعرية، والمعتزلة، وَغَيرهم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: عدم الْجَوَاز، وَهُوَ قَول فِي مَذْهَبنَا، ذكره ابْن أبي مُوسَى.
وَعند الْحَنَفِيَّة: (مَعْصُوم من مَعْصِيّة وَهِي مَقْصُودَة، لَا زلَّة، وَهُوَ: فعل لم يقْصد جر إِلَيْهِ مُبَاح) .
الْقسم الثَّانِي: فعل الصَّغَائِر سَهوا، فَذهب الْأَكْثَر إِلَى
الْجَوَاز، وَمنع الشِّيعَة مِنْهَا، وَمنع الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الأسفراييني، وَجمع من أَصْحَابنَا وَغَيرهم من الذَّنب مُطلقًا، أَعنِي: سَوَاء كَانَ كَبِيرا أَو
صَغِيرا، عمدا أَو سَهوا، مَا يخل بصدقه أَو لَا، وَاخْتَارَهُ - أَيْضا - أَبُو الْمَعَالِي فِي " الْإِرْشَاد "، وَالْقَاضِي عِيَاض، وَأَبُو بكر ابْن مُجَاهِد، وَابْن
فورك، نَقله عَنهُ ابْن حزم فِي " الْملَل والنحل "، وَابْن حزم، وَابْن برهَان فِي " الْأَوْسَط "، وَنَقله فِي " الْوَجِيز " عَن اتِّفَاق الْمُحَقِّقين.
وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي " زَوَائِد الرَّوْضَة " عَن الْمُحَقِّقين، وَالْقَاضِي حُسَيْن، وَقَالَ:(هُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب أَصْحَابنَا) .
وَهُوَ قَول أبي الْفَتْح الشهرستاني، وَابْن عَطِيَّة الْمُفَسّر، وَشَيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ، والسبكي، وَولده التَّاج.
فالعصمة ثَابِتَة لَهُ ولسائر الْأَنْبِيَاء عليهم السلام من كل ذَنْب، صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا، عمدا كَانَ أَو سَهوا، فِي الْأَحْكَام وَغَيرهَا، مبرؤون من جَمِيع