المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ من بدل دينه فاقتلوه "، ونحو ذلك من الألفاظ المفيدة للأحكام الوضعية، بخلاف خطاب التكليف؛ فإنه لا يستلزم خطاب الوضع، كما لو قال الشارع: توضؤوا لا عن حدث، فإن هذا خطاب تكليفي بفعل مجرد عن سبب موضوع أو غيره) انتهى - التحبير شرح التحرير - جـ ٣

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ فَمن ترك سنة من سنَنه فَرجل سوء) انْتهى.وَالَّذِي يظْهر: أَن إِطْلَاق الإِمَام أَحْمد أَنه رجل سوء، إِنَّمَا مُرَاده من اعْتقد أَنه غير سنة، وَتَركه لذَلِك، فَيبقى كَأَنَّهُ اعْتقد السّنة الَّتِي سنّهَا الرَّسُول غير سنة، فَهُوَ مُخَالف للرسول، ومعاند لما سنه.أَو أَنه تَركه

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ "، وَنَحْو ذَلِك من الْأَلْفَاظ المفيدة للْأَحْكَام الوضعية، بِخِلَاف خطاب التَّكْلِيف؛ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم خطاب الْوَضع، كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع: توضؤوا لَا عَن حدث، فَإِن هَذَا خطاب تكليفي بِفعل مُجَرّد عَن سَبَب مَوْضُوع أَو غَيره) انْتهى

- ‌ للمسيء فِي صلَاته: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ".)قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَهُوَ أحسن مَا حمل عَلَيْهِ نَحْو: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ

- ‌ لأبي بردة: " وَلنْ تجزيء عَن أحد بعْدك " على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي ضَبطه، وَهُوَ ضم التَّاء والهمزة، لَا على فتح التَّاء بِلَا همزَة، بِمَعْنى: تقضي وتغني.لَكِن نَحن نمْنَع ذَلِك، ونقول: بِأَن الدَّلِيل دلّ على أَنَّهَا سنة.وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على اسْتِعْمَال الْإِجْزَاء فِي

- ‌ من أَتَى عرافا لم تقبل لَهُ صَلَاة

- ‌ لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوله

- ‌ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك "، وفيهَا غرر، وَقد نهي عَنهُ.تَنْبِيه: فهم [مِمَّا] تقدم: أَن الرُّخْصَة لَا تكون مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أَمر أَبَا لَهب أَن يصدق بنزول هَذِه السُّورَة.فَقَوله: إِنَّه أَمر أَن يصدق بِأَن لَا يُؤمن، قَول بَاطِل لم يَنْقُلهُ أحد من عُلَمَاء الْمُسلمين، فنقله عَن الرَّسُول قَول بِلَا علم، بل كذب عَلَيْهِ.فَإِن قيل: فقد كَانَ الْإِيمَان وَاجِبا على أبي لَهب، وَمن الْإِيمَان أَن يُؤمن بِهَذَا

- ‌ فِي الْمَمْلُوك: " لَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا يُطيق " رَوَاهُ مُسلم، وَكَقَوْلِه:

- ‌ فِي أخباره، وَمِنْه: أَن لَا يصدقهُ، فقد كلف بتصديقه بِعَدَمِ تَصْدِيقه.ورد: كلفوا بتصديقه، وعِلم الله بِعَدَمِهِ، وإخباره بِهِ، لَا يمْنَع الْإِمْكَان الذاتي كَمَا سبق، لَكِن لَو كلفوا بتصديقه بعد علمهمْ بِعَدَمِهِ، لَكَانَ من بَاب مَا علم الْمُكَلف امْتنَاع وُقُوعه، وَمثله غير

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ "، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: (من منع تَكْلِيف الْمحَال، لم يجوز تَكْلِيف غافل.وَنقض: بِوُجُوب الْمعرفَة.ورد: باستثنائه) .قَالَ: (وَفِيه نظر)

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر "، وَفِي رِوَايَة: " يَحْتَلِم "، وَفِي رِوَايَة: " حَتَّى يبلغ "، " وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل

- ‌ مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، واضربوه عَلَيْهَا لعشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَمر بالعقوبة، وَلَا تشرع الْعقُوبَة إِلَّا لترك وَاجِب، لِأَن حد

- ‌ أَنه ثمل ".لَكِن فِي تَكْلِيفه إِشْكَال، من حَيْثُ إِنَّه يلْزم أَن يكون مُكَلّفا بالعبادات كلهَا، وَمِنْهَا الصَّلَاة، ومكلفا بِأَن لَا يُصَلِّي لهَذِهِ الْآيَة، وهما متنافيان.وَيُمكن الْجَواب: بِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن قرْبَان الصَّلَاة وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ يزِيل السكر وَيُصلي، كَمَا يُؤمر من هُوَ

- ‌(قَوْله {فصل} )

- ‌وَقَول من قَالَ: إِذا امْتنع خطاب الصَّبِي وَالْمَجْنُون، فالمعدوم أَجْدَر، ضَعِيف، لِأَنَّهُ فهم عَن الْحَنَابِلَة تَنْجِيز التَّكْلِيف، وَلم يعلم [التَّعْلِيق] ، وَأَن حكم الصَّبِي وَالْمَجْنُون كَحكم الْمَعْدُوم، وَمن الْأَدِلَّة - أَيْضا - للمسألة: قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّبعُوهُ}

- ‌ انْتهى

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {تَنْبِيه الْأَدِلَّة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس} )

- ‌ فَعَن الله [قبل] ) انْتهى.ثمَّ قيل: (الْقُرْآن: مَأْخُوذ من قَرَأَ: إِذا جمع، سمي بِهِ المقروء، كَمَا سمي الْمَكْتُوب كتابا) .قَالَ [أَبُو عُبَيْدَة] : (سمي بذلك لِأَنَّهُ يجمع السُّور ويضمها) .وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: (اخْتلف فِي الْقُرْآن: هَل هُوَ مُشْتَقّ أم لَا

- ‌(بَاب الْكتاب)

- ‌(قَوْله: {بَاب الْكتاب: الْقُرْآن} )

- ‌ معجز متعبد بتلاوته} .وَذكر ابْن الْحَاجِب وَغَيره: أَنه (الْكَلَام الْمنزل للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ) ، وَفِيه مَا فِيهِ، على مَا يَأْتِي فِي الاحترازات.فَالْكَلَام - فِي حَده -: جنس لكل مَا تكلم بِهِ من الْكتب وَغَيرهَا.والمنزل: احْتِرَاز عَن كَلَام النَّفس.وَقَوله:

- ‌ معجز متعبد بتلاوته) .فَفِيهِ تَنْقِيح زَائِد على حد ابْن الْحَاجِب وَغَيره.فقولنا: (كَلَام) جنس، وَهُوَ أولى من اللَّفْظ، لِأَن الْكَلَام أخص من اللَّفْظ، فَهُوَ جنس قريب، وَأولى من القَوْل، لموافقته الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} [

- ‌ أَمر أَن يتحداهم بِمَا جَاءَ بِهِ فَيَقُول: هَل تقدرون أَن تَأْتُوا بِمثل مَا قلته؟ فيعجز عَن ذَلِك، فقد أعجزهم ذَلِك القَوْل، فَهُوَ معجز.وَالسّنة معْجزَة بِالْقُوَّةِ، لكنه لم يطْلب مِنْهُم أَن يَأْتُوا بِمِثْلِهَا، وَالْقُرْآن معجز بِالْفِعْلِ، لكَونه تحداهم أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ، بِأَمْر الله لَهُ

- ‌ فَلَمَّا عجزوا، تحداهم بِدُونِ ذَلِك

- ‌ للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ، إِنَّمَا يقْصد مُرَاعَاة [الِاعْتِبَار] الأول، وَأما من يُرَاعِي الِاعْتِبَار الثَّانِي فَيكون: مَا أنزل للإعجاز، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول: بِسُورَة مِنْهُ، أَو يَقُول ذَلِك، وَيُرِيد: أَن " من " فِيهِ لابتداء الْغَايَة، لَا للتَّبْعِيض.وَقَالَ الْآمِدِيّ: (هُوَ الْقَابِل

- ‌ وبلغه

- ‌ قَالَ: " إِن الله تَعَالَى عَفا لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ ".وَقسم أهل اللِّسَان الْكَلَام إِلَى: اسْم، وَفعل، وحرف.وَاتفقَ الْفُقَهَاء كَافَّة: على أَن من حلف لَا يتَكَلَّم، لَا يَحْنَث بِدُونِ النُّطْق، وَإِن حدثته نَفسه.فَإِن

- ‌ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي "، وَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه: " مَا هَذَا كَلَامي وَلَا كَلَام صَاحِبي وَلكنه كَلَام الله تَعَالَى ".وَالْكَلَام: هُوَ الْحُرُوف الْمَنْظُومَة، والكلمات المفهومة، والأصوات الْمَعْلُومَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ من وَجْهَيْن:

- ‌ عُفيَ لأمي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ "، وَقَوله

- ‌ لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة…" الحَدِيث

- ‌ كل [كَلَام] ابْن آدم عَلَيْهِ لَا لَهُ…" الحَدِيث، وَقَالَ

- ‌ والحصى الَّذِي سبح فِي كفيه، والذراع المسمومة الَّتِي كَلمته.وَقَالَ ابْن مَسْعُود: " كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل

- ‌ إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما

- ‌ ويكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليما}

- ‌ غير حَدِيثه، فَإِن كَانَ ثَابتا فَإِنَّهُ يرجع إِلَى غَيره، كَمَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود - يَعْنِي: الَّذِي [قبله]- وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي: الَّذِي بعده -: إِن الْمَلَائِكَة يسمعُونَ عِنْد حُضُور الْوَحْي صَوتا، فَيحْتَمل أَن يكون الصَّوْت للسماء، أَو للْملك الْآتِي بِالْوَحْي، أَو لأجنحة

- ‌ ذكر الصَّوْت، وَصَححهُ الْحفاظ المقتدى بهم، فَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بتشبيه وَلَا تَعْطِيل، فقد صحت أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي

- ‌(سَأَلت أبي عَن قوم يَقُولُونَ: لما كلم الله مُوسَى، لم يتَكَلَّم بِصَوْت، فَقَالَ أبي: بلَى، تكلم بِصَوْت، هَذِه الْأَحَادِيث يمرونها كَمَا جَاءَت، وَقَالَ أبي: حَدِيث ابْن مَسْعُود: " إِذا تكلم الله سمع لَهُ صَوت كمر سلسلة على الصفوان ".وَقَالَ الْخلال: ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ

- ‌ أَنه كَانَ يحب أَن يكون الرجل خفيض الصَّوْت، وَأَن الله تَعَالَى يُنَادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب، فَلَيْسَ هَذَا لغير الله تَعَالَى.وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن صَوت الله تَعَالَى لَا يشبه صَوت الْخلق، لِأَن الله تَعَالَى يسمع من بعد كَمَا يسمع من قرب، وَأَن الْمَلَائِكَة

- ‌ ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب "، حمله بعض الْأَئِمَّة على مجَاز الْحَذف، أَي: يَأْمر من يُنَادي، واستبعده بعض من أثبت الصَّوْت: بِأَن فِي قَوْله: " يسمعهُ من بعد "، إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ من الْمَخْلُوقَات، لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثل هَذَا فيهم، وَبِأَن

- ‌ على لِسَان جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام، بعد مَا سَمعه جِبْرِيل من الله تَعَالَى، فتلاه جِبْرِيل على مُحَمَّد، وتلاه مُحَمَّد على أَصْحَابه، وتلاه أَصْحَابه على الْأمة، وَلم يصر بِتِلَاوَة المخلوقين لَهُ مخلوقا، [لِأَنَّهُ] ذَلِك الْكَلَام بِعَيْنِه الَّذِي تكلم الله بِهِ، وَأطَال فِي ذَلِك)

- ‌ أَرْبَعَة عشر حَدِيثا فِي الصَّوْت، كَمَا تقدم ذَلِك.وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه "، وَفِي " خلق أَفعَال الْعباد " جملَة من ذَلِك.وَكَذَلِكَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي " تصنيفه ".وَجمع الْحَافِظ الضياء الْمَقْدِسِي جُزْءا فِي ذَلِك.وَذكرت من ذَلِك فِي هَذَا الْكتاب جملَة صَالِحَة

- ‌ يَقُول: " يحْشر الله الْعباد - أَو قَالَ: يحْشر الله النَّاس - قَالَ: وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام عُرَاة غرلًا بهما.قَالَ: قلت: مَا بهما؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء، فينادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب: أَنا الْملك [أَنا] الديَّان، لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة

- ‌ حَدِيث فِي الْقصاص، وَكَانَ صَاحب الحَدِيث بِمصْر، فاشتريت بَعِيرًا، فشددت عَلَيْهِ رحلا، فسرت عَلَيْهِ حَتَّى وَردت مصر، فقصدت إِلَى بَاب الرجل الَّذِي بَلغنِي عَنهُ الحَدِيث، فقرعت الْبَاب، فَخرج إِلَيّ مَمْلُوك لَهُ، فَنظر فِي وَجْهي وَلم يكلمني، فَدخل على سَيّده فَقَالَ:

- ‌ فِي الْقصاص، وَلَا أَظن أحدا مِمَّن مضى أَو مِمَّن بَقِي أحفظ لَهُ مِنْك، قَالَ: نعم يَا جَابر: سَمِعت رَسُول الله

- ‌ قَالَ: " إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها تَصْدِيقًا لقَوْله، كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير…" إِلَى آخِره، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة

- ‌ إِن الله تَعَالَى إِذا تكلم بِالْوَحْي، سمع أهل السَّمَاء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصَّفَا، فيصعقون، فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عليه السلام، فَإِذا جَاءَهُم جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالَ: يَقُول الْحق، قَالَ:

- ‌ فزع أهل السَّمَوَات لانحطاطه، وسمعوا صَوت الْوَحْي كأشد مَا يكون صَوت الْحَدِيد على الصَّفَا، فَكلما مر بِأَهْل سَمَاء فُزّع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل بِمَ أمرت؟ فَيَقُول: نور الْعِزَّة الْعَظِيم، كَلَام الله بِلِسَان عَرَبِيّ ".الحَدِيث السَّابِع: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي

- ‌ يَقُول الله تَعَالَى: يَا آدم، فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك، فينادي بِصَوْت: إِن الله يَأْمُرك أَن تخرج من ذريتك بعثا إِلَى النَّار " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره.الحَدِيث التَّاسِع: مَا رَوَاهُ النواس بن سمْعَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله

- ‌ يعرض نَفسه على النَّاس بالموقف، وَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه؛ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة.الحَدِيث الْحَادِي عشر: مَا رَوَاهُ جَابر - أَيْضا - قَالَ: لما قتل أبي يَوْم

- ‌ يَا جَابر، أَلا أخْبرك بِمَا قَالَ الله تَعَالَى لأَبِيك، قَالَ: بلَى، قَالَ: وَمَا كلم الله أحدا إِلَّا من وَرَاء حجاب إِلَّا أَبَاك، فَكلم الله أَبَاك كفاحا، فَقَالَ: يَا عبد الله تمن عَليّ أعطك، قَالَ: يَا رب تردني فأقتل فِيك ثَانِيَة، فَقَالَ: سبق مني القَوْل: إِنَّهُم إِلَيْهَا

- ‌ مَا أذن الله لعبد فِي شَيْء أفضل من رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهمَا، وَإِن الْبر ليذر على رَأس العَبْد مَا دَامَ فِي صلَاته، وَمَا تقرب الْعباد إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ

- ‌ قَالَ: " فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الرب تَعَالَى على خلقه، وَذَلِكَ أَنه مِنْهُ

- ‌ فَقَالَ: " أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا، ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله؟ "، قَالُوا: بلَى، قَالَ: " فَإِن هَذَا الْقُرْآن سَبَب، طرفه بيد الله، وطرفه [بِأَيْدِيكُمْ] ، فَتمسكُوا بِهِ، فَإِنَّكُم لن تضلوا وَلنْ تهلكوا بعده أبدا "، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة "، وروى

- ‌ حَدِيث وَاحِد أَنه تكلم بِصَوْت، ورأينا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة - أَئِمَّة الْإِسْلَام الَّذين اعْتمد أهل الْإِسْلَام على أَقْوَالهم، وَعمِلُوا بهَا، ودونوها، ودانوا الله بهَا - صَرَّحُوا بِأَن الله تَعَالَى تكلم بِصَوْت لَا يُشبههُ صَوت مَخْلُوق بِوَجْه من الْوُجُوه الْبَتَّةَ، معتمدين على مَا صَحَّ عِنْدهم عَن

- ‌ قَالَ: " إِنَّكُم لن

- ‌ وَيَقُول بعقله هَذِه الْأَحَادِيث مشكلة، وَيلْزم مِنْهَا الْمَحْذُور الْعَظِيم.فَقَوْل من نتبع؟ قَول هَذَا الْقَائِل، أَو قَول من اتبع الْأَحَادِيث على حكم صِفَات الله اللائقة بجلاله وعظمته، وَالله أعلم.ونسأله التَّوْفِيق لما يرضيه عَنَّا من القَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، إِنَّه سميع

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِلَى الْأَئِمَّة فَمحل نظر، فَإِن أَسَانِيد الْأَئِمَّة السَّبْعَة بِهَذِهِ الْقرَاءَات [السَّبع] إِلَى النَّبِي

- ‌ وتواترت إِلَيْنَا، يكرهها أحد من الْعلمَاء، أَو من الْمُسلمين.فَعلمنَا بِهَذَا أَن هَذِه الصِّفَات لَيست متواترة، وَهُوَ وَاضح.وَكَذَلِكَ قِرَاءَة الْكسَائي، لِأَنَّهَا كَقِرَاءَة حَمْزَة فِي الإمالة والإدغام كَمَا نَقله [السرُوجِي] فِي الْغَايَة، فَلَو كَانَ ذَلِك متواترا لما كرهه أحد من

- ‌[فصل] )

- ‌ أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف ".) انْتهى.وَلم نر وَلم نسْمع أَن أحدا من الْعلمَاء الْقُرَّاء وَغَيرهم اسْتشْكل ذَلِك، وَلَا اعْترض عَلَيْهِ، فصح كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَنَقله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ بِكَلَام الله

- ‌ أَنه قَالَ: " من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ وَبِمَا لَا يعلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ.وَعَن جُنْدُب عَن النَّبِي

- ‌(بَاب السّنة)

- ‌{بَاب} [السّنة] )

- ‌ من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا " إِلَى آخِره

- ‌ وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالَه الطوفي، فَإِن عِبَارَته فِي " مُخْتَصره " كعبارتنا، وَحَاصِله: أَن للسّنة عرفا خَاصّا فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء.قَوْله: {قَول النَّبِي

- ‌ وَهُوَ نَوْعَانِ:

- ‌ عليا بِالْكِتَابَةِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَأمر بِالْكِتَابَةِ إِلَى الْمُلُوك، وَقَالَ

- ‌ وَارْتَفَعت أصواتهما حَتَّى سمعهما النَّبِي

- ‌ قُم فاقضه "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَاسم ابْن أبي حَدْرَد: عبد الله، وَاسم أَبِيه: سَلامَة بن عُمَيْر

- ‌[إِلَى] أبي بكر أَن يتَقَدَّم فِي الصَّلَاة، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَطَاف النَّبِي

- ‌ قَالَ: " فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه "، وَعقد تسعين

- ‌ بِيَدِهِ نَحْو الْيمن، فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَاهُنَا " الحَدِيث.وَفِي أبي دَاوُد عَن أبي حميد: " أَن النَّبِي

- ‌ الْإِشَارَة من الْجَارِيَة - فِي حَدِيث الأوضاح - مجْرى قَوْلهَا: إِن الْيَهُودِيّ قَتلهَا.وَمن ذَلِك قَول أَصْحَابنَا وَغَيرهم: إِشَارَة الْأَخْرَس بِمَنْزِلَة قَوْله، فِي الصَّلَاة، وَالْبيع، وَالطَّلَاق، وَغير ذَلِك، كَالْإِقْرَارِ، لَا فِي الشَّهَادَة وَنَحْوهَا.تَنْبِيه: من الْفِعْل - أَيْضا - عمل

- ‌ أَرَادَ

- ‌ أَن يكْتب إِلَى رَهْط أَو أنَاس من الْعَجم، فَقيل: إِنَّهُم لَا يقبلُونَ كتابا إِلَّا بِخَاتم، فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَمثله حَدِيث جَابر: " أَرَادَ النَّبِي

- ‌ أَنه ترك كَذَا، كَانَ - أَيْضا - من السّنة الفعلية، كَمَا ورد " أَنه

- ‌ عَادوا إِلَى الصَّلَاة، وَنَازع بعض الْعلمَاء فِي ذَلِك.وَلَكِن الْمُفِيد لهَذَا النَّوْع حَتَّى يرْوى عَنهُ، إِمَّا قَوْله: إِنَّه ترك كَذَا، أَو قيام الْقَرَائِن عِنْد الرَّاوِي الَّذِي يروي عَنهُ أَنه ترك كَذَا، إِذا لَا بُد من ذَلِك حَتَّى يعرف.تَنْبِيه آخر: قَوْلنَا: (غير الْوَحْي)

- ‌ من فعل أَو قَول غير الْقُرْآن) .وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَالْمرَاد هُنَا: قَول النَّبِي

- ‌ بِفعل وعاقه عَنهُ عائق، كَانَ ذَلِك الْفِعْل مَطْلُوبا شرعا؛ لِأَنَّهُ لَا يهم إِلَّا بِحَق مَحْبُوب مَطْلُوب شرعا؛ لأ [نه] مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات، وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان

- ‌ وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء، فَأَرَادَ رَسُول الله

- ‌ عَن إِنْكَار فعل أَو قَول بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه وَيعلم [بِهِ] .فإقرار من رَآهُ فعل أَو قَالَ شَيْئا على ذَلِك من السّنة قطعا، وَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك هُنَاكَ.وَزَاد الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: الْكِتَابَة، كَمَا تقدم.ورد: بأنما ذَلِك من قبيل القَوْل.وَزَاد - أَيْضا - التَّنْبِيه

- ‌ مَعْصُوم، والعصمة ثَابِتَة لَهُ ولسائر الْأَنْبِيَاء - صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ -.وَتَأْتِي تفاصيل أَفعاله، وَمَعَ أَقْوَاله - أَيْضا - وَمَا يجوز عَلَيْهِ، وَمَا لَا يجوز عَلَيْهِ.قَوْله: {وَهِي: سلب الْقُدْرَة على الْمعْصِيَة} .اخْتلف الْعلمَاء فِي حد الْعِصْمَة: فَقيل:

- ‌ قبل الْبعْثَة عقلا مَبْنِيّ على التقبيح الْعقلِيّ، فَمن أثْبته كالروافض منعهَا} ؛ للتنفير، فتنافي الْحِكْمَة، { [وقالته] الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر، [وَمن نفى التقبيح الْعقلِيّ لم يمْنَعهَا] } .إِنَّمَا قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل مَا بعْدهَا؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال بأفعالهم

- ‌ بِأَنَّهُ قصد بذلك التشريع، كَمَا فِي حَدِيث: " وَلَكِن أُنسى ".وَمِنْهُم من يعبر فِي هَذَا: بِأَنَّهُ تعتمد ذَلِك ليَقَع النسْيَان فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خطأ: لتصريحه

- ‌ إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم سبعين مرّة "، إِنَّمَا هُوَ [رُجُوعه من حَالَة إِلَى أرفع] مِنْهَا، لتزيد علومه، واطلاعه على أَمر الله، فَهُوَ يَتُوب من الْمنزلَة الأولى إِلَى الْأُخْرَى، وَالتَّوْبَة هُنَا لغوية) انْتهى، وَتقدم تَأْوِيل سَهْوه قَرِيبا

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ مُخْتَصًّا بِهِ فَوَاضِح} .وَله

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .قَوْله: {أَو جبليا} .أَعنِي: مَا كَانَ من أَفعاله جبليا وَاضحا: كالقيام وَالْقعُود، والذهاب وَالرُّجُوع، وَالْأكل وَالشرب، وَالنَّوْم والاستيقاظ، وَنَحْوهَا، {فمباح، قطع بِهِ الْأَكْثَر} وَلم يحكوا فِيهِ خلافًا

- ‌ فِي التَّسَرِّي، واختفائه فِي الْغَار ثَلَاثًا {وَقَالَ: " مَا بَلغنِي حَدِيث إِلَّا عملت بِهِ، حَتَّى أعطي الْحجام دِينَارا ".وَورد} أَيْضا {عَن} الإِمَام {الشَّافِعِي} ذَلِك، فَإِنَّهُ جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ

- ‌ شرب قَائِما ".ومنشأ الْخلاف فِي ذَلِك: تعَارض الأَصْل وَالظَّاهِر، فَإِن الأَصْل عدم التشريع، وَالظَّاهِر فِي أَفعاله التشريع؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات.قلت: أَكثر مَا حكيناه من الْأَمْثِلَة مَنْدُوب، نَص عَلَيْهِ إمامنا وَأَصْحَابه: كذهابه من طَرِيق ورجوعه فِي أُخْرَى فِي

- ‌ كَانَ يجلس إِذا رفع رَأسه من السُّجُود قبل أَن ينْهض " مُتَّفق عَلَيْهِ.وَحمله الْمُوفق وَجَمَاعَة: على أَن جُلُوسه كَانَ فِي آخر عمره حِين ضعف

- ‌ كَقَوْلِه

- ‌ الْإِعْلَام بِهِ، لوُجُوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ.فَإِن قلت: لَا يتَعَيَّن التَّبْلِيغ بِالْفِعْلِ.قلت: لَا يخرج ذَلِك عَن كَونه وَاجِبا، فَإِن الْوَاجِب الْمُخَير تُوصَف كل من خصاله بِالْوُجُوب

- ‌ سوى الْفِعْل، لِأَنَّهُ يفعل الشَّيْء لجِهَة الْفضل، ويفعله وَهُوَ خَاص بِهِ، وَإِذا أَمر بالشَّيْء فَهُوَ للْمُسلمين) .قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (ظَاهره الْوَقْف فِي تعديته إِلَى أمته وَإِن علمت صفته؛ لتعليله بِاحْتِمَال تَخْصِيصه) .وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه أَقيس، وَقَالَهُ بعض الْأُصُولِيِّينَ

- ‌ هَل هُوَ وَاجِب، أَو مَنْدُوب، أَو مُبَاح؟ { [بِأُمُور] :[مِنْهَا: النَّص] } مِنْهُ على ذَلِك، بِأَن يَقُول: هَذَا وَاجِب عَليّ، أَو مُسْتَحبّ، أَو مُبَاح، أَو معنى ذَلِك، بِذكر خَاصَّة من خواصه، أَو نَحْو ذَلِك

- ‌ يجب عَلَيْهِ بَيَان الشَّرْع للْأمة بقوله أَو فعله، فَإِذا أَتَى بِالْفِعْلِ بَيَانا أَتَى بِوَاجِب، وَإِن كَانَ الْفِعْل بَيَانا لأمر ندب أَو إِبَاحَة بِالنِّسْبَةِ للْأمة.فللفعل حِينَئِذٍ جهتان: جِهَة التشريع وَصفته الْوُجُوب، وجهة مَا يتَعَلَّق بِفعل الْأمة تَابع لأصله من ندب أَو إِبَاحَة

- ‌ يُفِيد الْإِبَاحَة، إِذا لم يكن فِيهِ معنى الْقرْبَة، فِي قَول الْجُمْهُور) .{ [وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه] وَاجِب} ، اخْتَارَهُ جمَاعَة، وَحكي عَن ابْن سُرَيج، والإصطخري، وَابْن خيران، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهم، كَمَا تقدم.قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (وَلَا وَجه لَهُ) على مَا

- ‌(فصل)

- ‌ نَعله فِي الصَّلَاة خلعوا نعَالهمْ، رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَرُوِيَ مُرْسلا.وَلما أَمرهم بالتحلل فِي صلح الْحُدَيْبِيَة - رَوَاهُ البُخَارِيّ - تمسكوا.وَسَأَلَهُ

- ‌ إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان، فقد وَجب الْغسْل "، أَو بِفعل هُوَ بَيَان لقَوْله: {وَإِن كُنْتُم جنبا} [الْمَائِدَة:

- ‌ لأجل أَنه فعل، وَكَذَا التّرْك}

- ‌ الْمَكْرُوه ليبين بِهِ الْجَوَاز، بل فعله يَنْفِي

- ‌ لبَيَان الْجَوَاز، وَيكون أفضل فِي حَقه) .وَخلاف الأولى كالمكروه، وَإِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ.وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي وضوء النَّبِي

- ‌ محصورة فِي الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب، وَأما الْمحرم فَلَا يَفْعَله الْبَتَّةَ، وَاخْتلف فِي الْمَكْرُوه، وَالصَّحِيح: أَنه لَا يَفْعَله كَمَا قَالَه من أَصْحَابنَا القَاضِي وَغَيره، أَو يَفْعَله لبَيَان الْجَوَاز للمعارض، كَمَا قَالَه ابْن مُفْلِح وَغَيره، أَو يَفْعَله نَادرا كَمَا قَالَ جمَاعَة، كَمَا تقدم ذَلِك كُله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ عَن إِنْكَار [فعل أَو قَول] ، بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه [عَالما بِهِ] ، دلّ على جَوَازه [حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح] ، وَإِن سبق تَحْرِيمه فنسخ} ؛ لِئَلَّا يكون سُكُوته محرما، وَلِأَن فِيهِ تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، لإيهام الْجَوَاز والنسخ، ولاسيما إِن استبشر بِهِ.وَلذَلِك احْتج

- ‌ بذلك وَأَعْجَبهُ "، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَضعف ابْن الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي هَذِه الْحجَّة، لِأَن ترك إِنْكَاره لموافقته الْحق، وسُر لإلزام من طعن فِي نسب أُسَامَة، لما يلْزم على اعْتِقَاده فِي إِثْبَات النّسَب بالقافة.ورد: بِأَن مُوَافقَة الْحق لَا تجوز ترك إِنْكَار طَرِيق مُنكر

- ‌ أَن وجوب إِنْكَاره الْمُنكر لَا يسْقط عَنهُ بالخوف على نَفسه، وَإِن كَانَ ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لعدم تحقق خَوفه، بعد إِخْبَار الله تَعَالَى عَنهُ بعصمته من النَّاس.وَقَوْلنَا: (حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح) .أَعنِي: أَن الْجَوَاز لَا يخْتَص بالفاعل الَّذِي سكت عَنهُ، بل يتَعَدَّى إِلَى غَيره من

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌[وَلَو اخْتلفَا] ، وَأمكن اجْتِمَاعهمَا كَصَوْم وَصَلَاة، أَو لَا، لَكِن لَا [يتناقض] حكماهما، فَلَا تعَارض، وَكَذَا إِن تنَاقض، كصومه فِي وَقت وَأكله فِي مثله، لَكِن: إِن دلّ دَلِيل على وجوب تكَرر [الأول لَهُ، أَو لأمته] ، أَو أقرّ من أكل فِي مثله، فنسخ} .الصَّادِر مِنْهُ

- ‌ إِن تماثلا: كَفعل صَلَاة، ثمَّ فعلهَا مرّة أُخْرَى فِي [وَقت] آخر، أَو اخْتلفَا وَأمكن اجْتِمَاعهمَا: كَفعل صَوْم وَفعل صَلَاة، أَو لَا يُمكن اجْتِمَاعهمَا لَكِن لَا يتناقض حكماهما، فَلَا تعَارض بَينهمَا؛ لِإِمْكَان الْجمع، وَحَيْثُ أمكن الْجمع امْتنع التَّعَارُض، وَكَذَا إِن تنَاقض: كصومه

- ‌ وَلِهَذَا جَاءَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّوْم فِي السّفر، مَعَ أَنه قد صَحَّ عَنهُ التَّخْيِير فِي الْأَمريْنِ) ، انْتهى كَلَام الْمجد

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ قَول وَفعل كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر، فَفِيهِ [اثْنَتَانِ] وَسَبْعُونَ مَسْأَلَة

- ‌ فَلَو [عَملنَا] بالْقَوْل أمكن الْجمع بَينهمَا من وَجه، وَلَو [عَملنَا] بِالْفِعْلِ لم يُمكن، وَالْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ وَلَو بِوَجْه أولى.وَاسْتدلَّ لوُجُوب الْعَمَل بِالْفِعْلِ: أَن الْفِعْل أقوى دلَالَة من القَوْل؛ لِأَن الْفِعْل يتَبَيَّن بِهِ القَوْل، لِأَن مثل قَوْله

- ‌ كَمَا سبق؟قيل: لِأَن القَوْل بالتوقف ضَعِيف هُنَا، لأَنا متعبدون بِالْعَمَلِ، والتوقف فِيهِ إبِْطَال الْعَمَل، وَنفي للتعبد بِهِ، بِخِلَاف الَّذِي قبله، وَهُوَ التَّوَقُّف فِي حق الرَّسُول، لعدم تعبدنا بِهِ.قَوْله: {وَإِن عَم القَوْل، فالمتأخر نَاسخ [فِي حَقه وحقنا] } ، لوُجُوب

- ‌[فالمتأخر] نَاسخ} ، إِن علم التَّارِيخ.قَوْله: {فَإِن جهل} .أَي: التَّارِيخ، فِي حَقه { [فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة] } الْمُتَقَدّمَة

- ‌ لعدم وجوب تكَرر الْفِعْل.{ [وَأما فِي حق الْأمة، فَالْقَوْل الْمُتَأَخر] نَاسخ} للْفِعْل [قبل]

- ‌ لثُبُوت الْعِصْمَة) .وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، خلافًا لِابْنِ الباقلاني.قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (الأول قَول الْجُمْهُور، حَتَّى أحالوا الْخَطَأ مِنْهُم فِيهِ، إِذا لم يشترطوا انْقِرَاض الْعَصْر) انْتهى.قلت: تَأتي هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا فِي أول الْإِجْمَاع، وَالله أعلم

الفصل: ‌ من بدل دينه فاقتلوه "، ونحو ذلك من الألفاظ المفيدة للأحكام الوضعية، بخلاف خطاب التكليف؛ فإنه لا يستلزم خطاب الوضع، كما لو قال الشارع: توضؤوا لا عن حدث، فإن هذا خطاب تكليفي بفعل مجرد عن سبب موضوع أو غيره) انتهى

وجود أَسبَابهَا وشروطها، وَانْتِفَاء موانعها، وَعَكسه) انْتهى.

وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ وَغَيره: (وَالْفرق بَين خطاب الْوَضع وخطاب التَّكْلِيف من حَيْثُ الْحَقِيقَة: أَن الحكم فِي خطاب الْوَضع هُوَ قَضَاء الشَّرْع على الْوَصْف بِكَوْنِهِ سَببا أَو شرطا أَو مَانِعا، وخطاب التَّكْلِيف لطلب أَدَاء مَا تقرر بالأسباب والشروط والموانع) انْتهى.

قَالَ الطوفي: (خطاب الْوَضع يسْتَلْزم خطاب التَّكْلِيف، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يعلم بِهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} [الْمَائِدَة: 38]، و {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا} [النُّور: 2] ، وَقَوله صلى الله عليه وسلم َ -: "‌

‌ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ "، وَنَحْو ذَلِك من الْأَلْفَاظ المفيدة للْأَحْكَام الوضعية، بِخِلَاف خطاب التَّكْلِيف؛ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم خطاب الْوَضع، كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع: توضؤوا لَا عَن حدث، فَإِن هَذَا خطاب تكليفي بِفعل مُجَرّد عَن سَبَب مَوْضُوع أَو غَيره) انْتهى

.

ص: 1049

وَقَالَ - أَيْضا -: (الصَّوَاب فِي الْقِسْمَة أَن يُقَال: خطاب الشَّرْع إِمَّا لَفْظِي أَو وضعي، أَي: إِمَّا ثَابت بالألفاظ نَحْو: {أقِيمُوا الصَّلَاة} [الْأَنْعَام: 72] ، أَو عِنْد الْأَسْبَاب وَنَحْوهَا، كَقَوْلِه: إِذا زَالَت الشَّمْس وَجَبت عَلَيْكُم الظّهْر، فاللفظ أثبت وجوب الصَّلَاة، والوضع عين وَقت وُجُوبهَا) .

قلت: تقدّمت هَذِه الْمَسْأَلَة وَالْخلاف فِيهَا، فِي أول خطاب التَّكْلِيف - بعد قَوْلنَا:(ثمَّ الْخطاب إِمَّا أَن يرد)، بعد قَوْله:(وَإِلَّا فوضعي) - وَذكرنَا كَلَام الْقَرَافِيّ هُنَاكَ محررا فليعاود.

قَوْله: { [وَهُوَ] خبر} .

تقدم أَن خطاب التَّكْلِيف إنْشَاء، وخطاب الْوَضع خبر، وَقدمنَا قَرِيبا [أَن] الْفرق بَين خطاب الْوَضع وخطاب التَّكْلِيف من حَيْثُ الْحَد والحقيقة، وَالْفرق بَينهمَا الْآن من حَيْثُ الحكم: أَن خطاب الشَّرْع يشْتَرط

ص: 1050

فِيهِ: علم الْمُكَلف، وَقدرته على الْفِعْل، وَكَونه من كَسبه: كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْم، وَالْحج، وَنَحْوهَا، على مَا سبق فِي شُرُوط التَّكْلِيف.

وَأما خطاب الْوَضع فَلَا يشْتَرط فِيهِ شَيْء من ذَلِك إِلَّا مَا اسْتثْنِي.

أما عدم اشْتِرَاط الْعلم: فكالنائم يتْلف شَيْئا حَال نَومه، والرامي إِلَى صيد فِي ظلمَة، أَو من وَرَاء حَائِل، فَيقْتل إنْسَانا، فَإِنَّهُمَا يضمنَانِ وَإِن لم يعلمَا، وكالمرأة تحل بِعقد وَليهَا عَلَيْهَا، وَتحرم بِطَلَاق زَوجهَا، وَإِن كَانَت غَائِبَة لَا تعلم ذَلِك.

وَأما عدم اشْتِرَاط الْقُدْرَة وَالْكَسْب: فكالدابة تتْلف شَيْئا، وَالصَّبِيّ أَو الْبَالِغ يقتل خطأ، فَيضمن صَاحب الدَّابَّة، والعاقلة، وَإِن

ص: 1051

لم يكن الْقَتْل والإتلاف مَقْدُورًا وَلَا [مكتسبا] لَهُم، وَطَلَاق الْمُكْره عِنْد من يوقعه، وَهُوَ غير مَقْدُور لَهُ بِمُطلق الْإِكْرَاه، أَو مَعَ الإلجاء.

وَأما الْمُسْتَثْنى من عدم اشْتِرَاط الْعلم وَالْقُدْرَة، فقاعدتان: إِحْدَاهمَا: أَسبَاب الْعُقُوبَات: كَالْقصاصِ لَا يجب على مخطيء فِي الْقَتْل، لعدم الْعلم، وحد الزِّنَا لَا يجب على من وطيء أَجْنَبِيَّة يَظُنهَا زَوجته، لعدم الْعلم أَيْضا، وَلَا على من أكره على الزِّنَا، لعدم الْقُدْرَة على الِامْتِنَاع، إِذا الْعُقُوبَات تستدعي وجود الْجِنَايَات الَّتِي تنتهك بهَا حُرْمَة الشَّرْع، زجرا عَنْهَا وردعا، والانتهاك إِنَّمَا يتَحَقَّق مَعَ الْعلم، وَالْقُدْرَة، وَالِاخْتِيَار، و [الْقَادِر] الْمُخْتَار هُوَ: الَّذِي إِن شَاءَ فعل، وَإِن شَاءَ ترك، وَالْجَاهِل وَالْمكْره قد انْتَفَى ذَلِك فِيهِ - وَهُوَ شَرط تحقق الانتهاك - لانْتِفَاء شَرطه، فتنتفي الْعقُوبَة، لانْتِفَاء سَببهَا.

الْقَاعِدَة الثَّانِيَة: [الْأَسْبَاب] الناقلة للأملاك: كَالْبيع، وَالْهِبَة، وَالْوَصِيَّة، وَنَحْوهَا يشْتَرط فِيهَا الْعلم وَالْقُدْرَة، فَلَو تلفظ بِلَفْظ ناقل للْملك وَهُوَ لَا يعلم مُقْتَضَاهُ، لكَونه أعجميا بَين الْعَرَب، أَو عَرَبيا بَين الْعَجم، أَو أكره على ذَلِك، لم يلْزمه مُقْتَضَاهُ.

ص: 1052

وَالْحكمَة فِي اسْتثِْنَاء هَاتين القاعدتين: الْتِزَام الشَّرْع قانون الْعدْل فِي الْخلق، والرفق بهم، [وإعفاؤه] عَن تَكْلِيف المشاق، أَو التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق، وَهُوَ [حَكِيم] .

قَوْله: {وَهُوَ أَقسَام} . أَي: خطاب الْوَضع أَقسَام.

{أَحدهَا} . أَي: أحد الْأَقْسَام.

{الْعلَّة} .

وَقد اخْتلف فِيهَا، هَل هِيَ من خطاب الْوَضع، أم لَا؟ على مَا يَأْتِي آخر أَحْكَام الْوَضع محررا.

فَنحْن تابعنا بذكرها هُنَا: الشَّيْخ فِي " الرَّوْضَة "، والطوفي، وَابْن قَاضِي الْجَبَل.

قَوْله: {وَهِي [فِي] الأَصْل: الْعرض الْمُوجب لخُرُوج الْبدن الحيواني عَن الِاعْتِدَال الطبيعي} .

ص: 1053

أَي: الْعلَّة فِي أصل الْوَضع اللّغَوِيّ أَو الاصطلاحي هِيَ: الْعرض الْمُوجب لخُرُوج الْبدن الحيواني عَن الِاعْتِدَال الطبيعي.

وَذَلِكَ لِأَن الْعلَّة فِي اللُّغَة: هِيَ الْمَرَض، وَالْمَرَض: هُوَ هَذَا الْعرض الْمَذْكُور، وَهُوَ فِي اللُّغَة: الظَّاهِر بعد أَن لم يكن.

قَالَ الْجَوْهَرِي: (عرض لَهُ كَذَا يعرض، أَي: ظهر) .

وَفِي اصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمين: مَا لَا يقوم بِنَفسِهِ: كالألوان، والطعوم، والحركات، والأصوات.

وَهُوَ كَذَلِك عِنْد الْأَطِبَّاء؛ لِأَنَّهُ عِنْدهم: عبارَة عَن حَادث مَا، إِذا قَامَ بِالْبدنِ أخرجه عَن الِاعْتِدَال.

وَقَوْلنَا: (الْمُوجب لخُرُوج [الْبدن] )، هُوَ إِيجَاب حسي: كإيجاب الْكسر للانكسار، والتسويد للاسوداد، فَكَذَلِك الْأَمْرَاض الْبَدَنِيَّة مُوجبَة لاضطراب الْبدن إِيجَابا محسوسا.

قَوْلنَا: (الْبدن الحيواني) ، احْتِرَاز عَن النباتي والجمادي، فَإِن الْأَعْرَاض المخرجة لَهَا عَن حَال [اعْتِدَال] مَا من شَأْنه الِاعْتِدَال مِنْهَا، لَا يُسمى فِي الِاصْطِلَاح [عللا] .

ص: 1054

وَقَوْلنَا: (عَن الِاعْتِدَال الطبيعي) ، هُوَ إِشَارَة إِلَى حَقِيقَة المزاج، وَهُوَ: الْحَال المتوسطة الْحَاصِلَة عَن تفَاعل كيفيات العناصر بَعْضهَا فِي بعض، فَتلك الْحَال هِيَ الِاعْتِدَال الطبيعي، فَإِذا انحرفت عَن التَّوَسُّط [بِغَلَبَة] الْحَرَارَة أَو غَيرهَا، كَانَ ذَلِك هُوَ انحراف المزاج، وَهُوَ الْعلَّة، وَالْمَرَض، والسقم.

قَوْله: {ثمَّ استعيرت عقلا لما أوجب الحكم الْعقلِيّ لذاته، كالكسر للانكسار} .

استعيرت الْعلَّة من الْوَضع اللّغَوِيّ، فَجعلت فِي التَّصَرُّفَات الْعَقْلِيَّة لما أوجب الحكم الْعقلِيّ لذاته، كالكسر للانكسار، والتسويد الْمُوجب - أَي الْمُؤثر - للسواد.

لذاته، أَي: لكَونه كسرا أَو تسويدا، لَا لأمر خَارج من وضعي أَو اصطلاحي.

ص: 1055

وَهَكَذَا الْعِلَل الْعَقْلِيَّة، هِيَ مُؤثرَة لذواتها، بِهَذَا الْمَعْنى: كالتحرك الْمُوجب للحركة، والتسكين الْمُوجب للسكون.

قَوْله: {ثمَّ شرعا} .

أَي: ثمَّ استعيرت شرعا، أَي: استعيرت الْعلَّة من التَّصَرُّف الْعقلِيّ إِلَى التَّصَرُّف الشَّرْعِيّ، فَجعلت فِيهِ {لمعان} ثَلَاثَة.

{أَحدهَا: مَا أوجب الحكم الشَّرْعِيّ} .

أَي: مَا وجد عِنْده {لَا محَالة} ، أَي: يُوجد عِنْده قطعا، {وَهُوَ الْمَجْمُوع الْمركب من مقتضي الحكم، وَشَرطه، وَمحله، وَأَهله} ، تَشْبِيها بأجزاء الْعلَّة الْعَقْلِيَّة.

وَذَلِكَ لِأَن الْمُتَكَلِّمين وَغَيرهم قَالُوا: كل حَادث لَا بُد لَهُ من عِلّة، لَكِن الْعلَّة، إِمَّا مادية: كالفضة للخاتم، والخشب للسرير، أَو صورية: كاستدارة الْخَاتم، وتربيع السرير، أَو فاعلية: كالصائغ، أَو النجار، أَو غائية: كالتحلي بالخاتم، وَالنَّوْم على السرير.

فَهَذِهِ أَجزَاء الْعلَّة الْعَقْلِيَّة، مجموعها الْمركب من أَجْزَائِهَا هُوَ الْعلَّة التَّامَّة، فَلذَلِك اسْتعْمل الْفُقَهَاء لَفْظَة (الْعلَّة) بِإِزَاءِ الْمُوجب للْحكم الشَّرْعِيّ، والموجب - لَا محَالة - ومقتضية، وَشَرطه، وَمحله، وَأَهله.

ص: 1056

مِثَاله: وجوب الصَّلَاة، حكم شَرْعِي، ومقتضيه: أَمر الشَّارِع بِالصَّلَاةِ، وَشَرطه: أَهْلِيَّة الْمُصَلِّي لتوجه الْخطاب إِلَيْهِ، بِأَن يكون عَاقِلا، بَالغا، وَمحله: الصَّلَاة، وَأَهله: الْمُصَلِّي.

وَكَذَلِكَ حُصُول الْملك فِي البيع وَالنِّكَاح، حكم شَرْعِي، ومقتضيه: حكم الْحَاجة إِلَيْهِمَا، والإيجاب وَالْقَبُول فيهمَا، وَشَرطه: مَا ذكر من شُرُوط صِحَة البيع وَالنِّكَاح فِي كتب الْفِقْه، وَمحله: هُوَ الْعين الْمَبِيعَة، وَالْمَرْأَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا، وَأَهله: كَون الْعَاقِد صَحِيح الْعبارَة وَالتَّصَرُّف.

وافرض ذَلِك فِي غَيره.

قَالَ الشَّيْخ الْمُوفق: (لَا فرق بَين الْمُقْتَضِي، وَالشّرط، وَالْمحل، والأهل، بل الْعلَّة الْمَجْمُوع، والأهل وَالْمحل وصفان من أوصافها) .

قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": (قلت: الأولى أَن يُقَال: هما ركنان من أَرْكَانهَا، لِأَنَّهُ قد ثَبت أَنَّهُمَا جزءان من أَجْزَائِهَا، وركن الشَّيْء هُوَ: جزؤه الدَّاخِل فِي حَقِيقَته.

ص: 1057

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة مجموعها يُسمى: عِلّة، ومقتضي الحكم هُوَ: الْمَعْنى الطَّالِب لَهُ، وَشَرطه يَأْتِي، وَأَهله هُوَ: الْمُخَاطب بِهِ، وَمحله: مَا تعلق بِهِ، وَقد ظهر بالمثال) .

قَوْله: {الثَّانِي مقتضي الحكم، وَإِن تخلف لفَوَات شَرط، أَو وجود مَانع} .

أَي: وَإِن تخلف عَنهُ الحكم لفَوَات شَرطه، أَو وجود مانعه.

مِثَاله: الْيَمين، هِيَ الْمُقْتَضِي لوُجُوب الْكَفَّارَة، فتسمى عِلّة لَهُ، وَإِن كَانَ وجوب الْكَفَّارَة إِنَّمَا يتَحَقَّق بِوُجُود أَمريْن: الْحلف الَّذِي هُوَ الْيَمين، والحنث فِيهَا، لَكِن الْحِنْث شَرط فِي الْوُجُوب، وَالْحلف هُوَ السَّبَب الْمُقْتَضِي لَهُ، فَقَالُوا: عِلّة.

فَإِذا حلف الْإِنْسَان على فعل شَيْء، أَو تَركه، قيل: قد وجدت مِنْهُ عِلّة وجوب الْكَفَّارَة، وَإِن كَانَ الْوُجُوب لَا يُوجد حَتَّى يَحْنَث، وَإِنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّد [الْحلف] انْعَقَد سَببه.

وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي مُجَرّد ملك النّصاب وَنَحْوه، وَلِهَذَا لما انْعَقَدت أَسبَاب الْوُجُوب بِمُجَرَّد هَذِه المقتضيات، جَازَ فعل الْوَاجِب بعد وجودهَا، وَقبل وجود شَرطهَا عندنَا، كالتكفير قبل الْحِنْث، وَإِخْرَاج الزَّكَاة قبل الْحول.

وَقَوله: (وَإِن تخلف لفَوَات شَرط) .

ص: 1058

كَالْقَتْلِ الْعمد الْعدوان، يُسمى عِلّة لوُجُوب الْقصاص، وَإِن تخلف وُجُوبه لفَوَات الْمُكَافَأَة، وَهِي شَرط لَهُ، بِأَن يكون الْمَقْتُول عبدا، أَو كَافِرًا.

أَو لوُجُود مَانع، مثل: أَن يكون الْقَاتِل أَبَا، فَإِن الإيلاد مَانع من [وجوب] الْقصاص.

وَكَذَا النّصاب يُسمى عِلّة لوُجُوب الزَّكَاة، وَإِن تخلف الْوُجُوب لفَوَات شَرط كحولان الْحول، أَو لوُجُود مَانع كَالدّين.

قَوْله: {الثَّالِث: الْحِكْمَة، [وَهِي] : الْمَعْنى الْمُنَاسب الَّذِي ينشأ عَنهُ الحكم} .

الْحِكْمَة، أَي: حِكْمَة الحكم.

وَالْحكمَة هِيَ: الْمَعْنى الْمُنَاسب الَّذِي نَشأ عَنهُ الحكم: {كمشقة السّفر للقصر وَالْفطر، وَالدّين لمنع الزَّكَاة، والأبوة لمنع الْقصاص} .

وَبَيَان الْمُنَاسبَة فِي هَذِه الْأَمْثِلَة: أَن حُصُول الْمَشَقَّة على الْمُسَافِر معنى مُنَاسِب لتخفيف الصَّلَاة عَنهُ بقصرها، وَالتَّخْفِيف عِنْد بِالْفطرِ، وافتقاره مَالك النّصاب بِالدّينِ الَّذِي عَلَيْهِ، معنى مُنَاسِب لإِسْقَاط وجوب الزَّكَاة عَنهُ، وَكَون الْأَب سَببا لوُجُود الابْن، معنى مُنَاسِب لسُقُوط الْقصاص عَنهُ، لِأَنَّهُ لما كَانَ سَببا لإيجاده لم تقتض الْحِكْمَة أَن يكون الْوَلَد سَببا لإعدامه وهلاكه، لمحض حَقه.

واحترزنا بِهَذَا عَن وجوب رجمه إِذا زنى بابنته، فَهِيَ إِذن سَبَب

ص: 1059

إعدامه، مَعَ كَونه سَبَب إيجادها، لَكِن ذَلِك لمحض حق الله تَعَالَى، حَتَّى لَو قَتلهَا لم يجب قَتله بهَا لِأَن [الْحق] لَهَا.

وَسَيَأْتِي فِي الْقيَاس حد الْعلَّة، وَهل هِيَ معرفَة، أَو مُؤثرَة؟

قَوْله: {الْقسم الثَّانِي: السَّبَب، وَهُوَ لُغَة: مَا توصل بِهِ إِلَى غَيره} .

كالطريق وَنَحْوهَا.

قَالَ الْجَوْهَرِي: (السَّبَب: الْحَبل، وكل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى غَيره) .

قَالَ فِي " الْمِصْبَاح ": (السَّبَب: الْحَبل، وَهُوَ: مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الاستعلاء، ثمَّ استعير لكل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَمر من الْأُمُور، فَقيل: هَذَا سَبَب، وَهَذَا مسبب عَن هَذَا.

قَوْله: {وَشرعا: مَا يلْزم من وجود الْوُجُود، وَمن عَدمه الْعَدَم لذاته، فيوجد الحكم عِنْده، لَا بِهِ} .

ص: 1060

اشْتهر هَذَا الْحَد فِي كتب كثير من الْأُصُولِيِّينَ.

فَالْأول: احْتِرَاز من الشَّرْط، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من وجود الْوُجُود.

وَالثَّانِي: احْتِرَاز من الْمَانِع، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عَدمه وجود وَلَا عدم.

وَالثَّالِث: احْتِرَاز مِمَّا لَو قَارن السَّبَب فقدان الشَّرْط، أَو وجود الْمَانِع: كالنصاب قبل تَمام الْحول، أَو مَعَ وجود الدّين، فَإِنَّهُ لَا يلْزم من وجوده الْوُجُود، لَكِن لَا لذاته، بل لأمر خَارج عَنهُ، وَهُوَ انْتِفَاء الشَّرْط، وَوُجُود الْمَانِع.

فالتقييد بِكَوْن ذَلِك لذاته، للاستظهار على مَا لَو تخلف وجود الْمُسَبّب مَعَ وجدان السَّبَب لفقد شَرط، أَو مَانع: كالنصاب قبل الْحول كَمَا تقدم، وَمن فِيهِ سَبَب الْإِرْث وَلكنه قَاتل، أَو رَقِيق، أَو نَحْوهمَا.

وعَلى مَا لَو وجد الْمُسَبّب مَعَ فقدان السَّبَب، لَكِن لوُجُود سَبَب آخر: كالردة الْمُقْتَضِيَة للْقَتْل، إِذا فقدت وَوجد قتل يُوجب الْقصاص، أَو زنى

ص: 1061

مُحصن، فَتخلف هَذَا التَّرْتِيب عَن السَّبَب لَا لذاته، بل لِمَعْنى خَارج كَمَا تقدم.

إِذا علم ذَلِك؛ فالسبب هُوَ: الَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ الحكم، كَقَوْلِه تَعَالَى:{أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} [الْإِسْرَاء: 78]، و {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} [النُّور: 2] .

إِذْ لله تَعَالَى فِي دلوك الشَّمْس حكمان:

أَحدهمَا: كَون الدلوك سَببا.

وَالْآخر: وجوب الصَّلَاة عِنْده.

وَكَذَلِكَ لله تَعَالَى فِي الزَّانِي حكمان:

أَحدهمَا: وجوب الرَّجْم.

وَالثَّانِي: كَون الزِّنَى سَببا.

وَلَا شكّ أَن الْأَسْبَاب معرفات، إِذْ الممكنات مستندة إِلَى الله تَعَالَى

ص: 1062

ابْتِدَاء عِنْد أهل الْحق، وَبَين الْمُعَرّف الَّذِي هُوَ السَّبَب، وَالْحكم الَّذِي نيط بِهِ ارتباط ظَاهر، فالإضافة إِلَيْهِ وَاضِحَة.

وَأما عِنْد من يَجْعَل الْوَصْف مؤثرا بِذَاتِهِ فَلَا خَفَاء عِنْده؛ إِذْ الْأَثر يُضَاف إِلَى الْمُؤثر قطعا.

قَوْله: { [واستعير شرعا لمعان] : أَحدهَا: مَا يُقَابل الْمُبَاشرَة، كحفر الْبِئْر مَعَ التردية، فَالْأول سَبَب، وَالثَّانِي عِلّة} .

فَإِذا حفر شخص بِئْرا، وَدفع آخر إنْسَانا فتردى فِيهَا فَهَلَك، فَالْأول - وَهُوَ الْحَافِر - متسبب إِلَى هَلَاكه، وَالثَّانِي - وَهُوَ الدَّافِع - مبَاشر، فَأطلق الْفُقَهَاء السَّبَب على مَا يُقَابل الْمُبَاشرَة، فَقَالُوا: إِذا اجْتمع المتسبب والمباشر، غلبت الْمُبَاشرَة، وَوَجَب الضَّمَان على الْمُبَاشر، وَانْقطع حكم التَّسَبُّب.

وَمن أمثلته: لَو أَلْقَاهُ من شَاهِق، فَتَلقاهُ آخر بِسيف فَقده، فَالضَّمَان على المتلقي بِالسَّيْفِ، وَلَو أَلْقَاهُ فِي مَاء مغرق، فَتَلقاهُ حوت فابتلعه،

ص: 1063

فَالضَّمَان على الملقي، لعدم قبُول الْحُوت الضَّمَان، وَكَذَا لَو أَلْقَاهُ فِي زبية أَسد فَقتله.

قَوْله: {الثَّانِي: عِلّة الْعلَّة: كالرمي هُوَ سَبَب الْقَتْل، وَهُوَ} - أَعنِي: الرَّمْي - {عِلّة الْإِصَابَة، [والإصابة] عِلّة [لزهوق النَّفس] } الَّذِي هُوَ الْقَتْل، فالرمي هُوَ عِلّة عِلّة الْقَتْل، وَقد سموهُ سَببا لَهُ.

قَوْله: {الثَّالِث: الْعلَّة بِدُونِ شَرطهَا: كالنصاب بِدُونِ الْحول} ، أَعنِي: الثَّالِث من الْمعَانِي الَّتِي استعير لَهَا لفظ السَّبَب: الْعلَّة بِدُونِ شَرطهَا: كالنصاب بِدُونِ حولان الْحول، يُسمى سَببا لوُجُوب الزَّكَاة كَمَا تقدم فِي تَسْمِيَته عِلّة، فاستعيرت الْعلَّة وَسميت سَببا.

قَوْله: {الرَّابِع: الْعلَّة الشَّرْعِيَّة كَامِلَة} .

وَهِي الْمَجْمُوع الْمركب من: مُقْتَضى الحكم، وَشَرطه، وَانْتِفَاء الْمَانِع، وَوُجُود الْأَهْل وَالْمحل.

سمي سَببا - أَيْضا - اسْتِعَارَة؛ لِأَنَّهُ لم يتَخَلَّف عَنهُ فِي حَال من الْأَحْوَال: كالكسر للانكسار.

وَسميت الْعلَّة الشَّرْعِيَّة الْكَامِلَة سَببا؛ لِأَن عليتها لَيست لذاتها، بل

ص: 1064

بِنصب الشَّارِع لَهَا أَمارَة على الحكم بِهِ، بِدَلِيل وجودهَا دونه: كالإسكار قبل التَّحْرِيم، وَلَو كَانَ الْإِسْكَار عِلّة للتَّحْرِيم لذاته لم يتَخَلَّف عَنهُ فِي حَال، كالكسر للانكسار فِي الْعَقْلِيَّة، فَأَشْبَهت لذَلِك السَّبَب، وَهُوَ مَا يحصل الحكم عِنْده لَا بِهِ، فَهُوَ معرف للْحكم، لَا مُوجب لَهُ لذاته، وَإِلَّا لوَجَبَ قبل الشَّرْع.

قَوْله: {وَهُوَ وقتي: كالزوال لِلظهْرِ، ومعنوي يسْتَلْزم حِكْمَة باعثة: كالإسكار للتَّحْرِيم، [وَالْملك لإباحة الِانْتِفَاع] وَنَحْوه} .

السَّبَب قِسْمَانِ: أَحدهمَا: وقتي، وَالْآخر: معنوي.

والوقتي: هُوَ مَا لَا يسْتَلْزم فِي تَعْرِيفه للْحكم حِكْمَة باعثة: كزوال الشَّمْس، فَإِنَّهُ يعرف وَقت وجوب الظّهْر، وَلَا يكون مستلزما لحكمة باعثة.

والمعنوي: مَا يسْتَلْزم حِكْمَة باعثة فِي تَعْرِيفه للْحكم الشَّرْعِيّ: كالإسكار، فَإِنَّهُ أَمر معنوي جعل عِلّة للتَّحْرِيم، وَالْملك، فَإِنَّهُ جعل سَببا لإباحة الِانْتِفَاع، وَالضَّمان، فَإِنَّهُ جعل سَببا لمطالبة الضَّامِن بِالدّينِ، والعقوبات، فَإِنَّهَا جعلت سَببا لوُجُوب الْقصاص أَو الدِّيَة.

ص: 1065

قَالَ الْآمِدِيّ: (السَّبَب عبارَة عَن وصف ظَاهر منضبط، دلّ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على كَونه مُعَرفا لثُبُوت حكم شَرْعِي)، طرديا كَانَ: كجعل زَوَال الشَّمْس سَببا للصَّلَاة، أَو غير طردي: كالشدة المطربة، سَوَاء اطرد الحكم مَعَه أَو لم يطرد؛ لِأَن السَّبَب الشَّرْعِيّ يجوز تَخْصِيصه، وَهُوَ الْمُسَمّى تَخْصِيص الْعلَّة، إِذْ لَا معنى لتخصيص الْعلَّة، إِلَّا وجود حكمهَا فِي بعض صور وجودهَا دون بعض، وَهُوَ عدم الاطراد.

قَوْله: {الْقسم الثَّالِث: الشَّرْط، وَهُوَ لُغَة: الْعَلامَة} ، لِأَنَّهُ عَلامَة على الْمَشْرُوط، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{فَهَل ينظرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَن تأتيهم بَغْتَة فقد جَاءَ أشراطها} [مُحَمَّد: 18]، أَي: علامتها، قَالَه الْمُوفق وَغَيره.

قَالَ الْجَوْهَرِي: (بِالسُّكُونِ، مَعْرُوف، وبالتحريك: الْعَلامَة، وأشراط السَّاعَة: علاماتها) .

ص: 1066

وَقَالَ فِي " الْمِصْبَاح ": (الشَّرْط - مخفف من الشَّرْط بِفَتْح الرَّاء - هُوَ: الْعَلامَة، وَجمعه: أَشْرَاط، وَجمع الشَّرْط - بِالسُّكُونِ -: شُرُوط، وَيُقَال لَهُ: شريطة، وَجمعه: شَرَائِط) .

وَقَالَ فِي " المطلع ": (الشَّرْط - بِسُكُون الرَّاء - يجمع على شُرُوط وعَلى شَرَائِط، والأشراط وَاحِدهَا شَرط - بِفَتْح الرَّاء والشين -) انْتهى.

وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (الشَّرْط - بِالتَّحْرِيكِ -: الْعَلامَة، جمعه: أَشْرَاط، وَالشّرط: إِلْزَام الشَّيْء والتزامه فِي البيع وَنَحْوه، كالشريطة، وَجمعه شُرُوط) انْتهى.

قَوْله: {وَشرعا: مَا يلْزم من عَدمه الْعَدَم، وَلَا يلْزم من وجوده وجود وَلَا عدم لذاته} .

فَالْأول: احْتِرَاز من الْمَانِع؛ لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عَدمه وجود وَلَا عدم.

وَالثَّانِي: احْتِرَاز من السَّبَب، وَالْمَانِع أَيْضا.

أما من السَّبَب؛ فَلِأَنَّهُ يلْزم من وجوده الْوُجُود لذاته كَمَا سبق.

وَأما من الْمَانِع؛ فَلِأَنَّهُ يلْزم من وجوده الْعَدَم.

ص: 1067

وَالثَّالِث: احْتِرَاز من مُقَارنَة الشَّرْط وجود السَّبَب، فَيلْزم الْوُجُود، أَو قيام الْمَانِع، فَيلْزم الْعَدَم، لَكِن [لَا] لذاته - وَهُوَ كَونه شرطا - بل لأمر خَارج، وَهُوَ مُقَارنَة السَّبَب، أَو قيام الْمَانِع.

إِذا علم ذَلِك؛ فللشرط [ثَلَاثَة] إطلاقات.

الأول: مَا يذكر فِي الْأُصُول هُنَا، مُقَابلا للسبب وَالْمَانِع، وَفِي نَحْو قَول الْمُتَكَلِّمين: شَرط الْعلم [الْحَيَاة]، وَقَول الْفُقَهَاء: شَرط الصَّلَاة الطَّهَارَة، شَرط صِحَة البيع كَذَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يذكر هُنَا تَعْرِيفه.

الثَّانِي: الشَّرْط اللّغَوِيّ، وَالْمرَاد بِهِ: صِيغ التَّعْلِيق ب " إِن " وَنَحْوهَا من أدوات الشَّرْط، وَهُوَ مَا يذكر فِي أصُول الْفِقْه فِي المخصصات للْعُمُوم، نَحْو:{وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاق: 6]، وَمِنْه قَوْلهم فِي الْفِقْه: الطَّلَاق وَالْعِتْق الْمُعَلق بِشَرْط، وَنَحْوهمَا، نَحْو: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق، أَو حرَّة، وَقَوْلهمْ: لَا يجوز تَعْلِيق البيع على شَرط وَنَحْوه، فَإِن دُخُول الدَّار لَيْسَ شرطا لوُقُوع الطَّلَاق شرعا وَلَا عقلا، بل من الشُّرُوط الَّتِي وَضعهَا أهل اللُّغَة.

وَهَذَا - كَمَا قَالَ الْقَرَافِيّ وَغَيره -: (يرجع إِلَى كَونه سَببا يوضع للمعلق، حَتَّى يلْزم من وجوده الْوُجُود، وَمن عَدمه الْعَدَم لذاته) .

ص: 1068

وَوهم من فسره - هُنَاكَ تَفْسِير الشَّرْط الْمُقَابل للسبب وَالْمَانِع، كَمَا وَقع لكثير من الْأُصُولِيِّينَ، وَسَيَأْتِي - هُنَاكَ - بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الثَّالِث: جعل شَيْء قيدا فِي شَيْء: كَشِرَاء الدَّابَّة بِشَرْط كَونهَا حَامِلا، وَبيع العَبْد بِشَرْط الْعتْق، وَهُوَ المُرَاد بِحَدِيث:" نهى عَن بيع وَشرط "، و " مَا بَال رجال يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله "، وَنَحْو ذَلِك.

وَهَذَا الثَّالِث يحْتَمل أَن يُعَاد إِلَى الأول، بِسَبَب مواضعة الْمُتَعَاقدين، كَأَنَّهُمَا قَالَا: جَعَلْنَاهُ مُعْتَبرا فِي عَقدنَا، يعْدم بِعَدَمِهِ، وَإِن ألغاه الشَّرْع لغى العقد، وَإِن اعْتَبرهُ لَا يلغى العقد، بل يثبت الْخِيَار إِن أخلف، كَمَا نقل ذَلِك فِي الْفِقْه.

وَيحْتَمل أَن يُعَاد إِلَى الثَّانِي، كَأَنَّهُمَا قَالَا: إِن كَانَ كَذَا فَالْعقد صَحِيح، وَإِلَّا فَلَا.

إِذا عرفت ذَلِك؛ فالمقصود هُنَا هُوَ الْقسم الأول، وَقد اشْتهر تَعْرِيفه بِمَا ذَكرْنَاهُ أَولا.

ص: 1069

قَوْله: {فَإِن أخل عَدمه بحكمة السَّبَب فَشرط السَّبَب: كالقدرة على تَسْلِيم الْمَبِيع، وَإِن استلزم عَدمه حِكْمَة تَقْتَضِي نقيض الحكم، فَشرط الحكم: كالطهارة للصَّلَاة} .

هَذَا الشَّرْط على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يُسمى شَرط السَّبَب، وَالثَّانِي: يُسمى شَرط الحكم.

فَالْأول: مَا يكون عَدمه مخلا بحكمة السَّبَب: كالقدرة على تَسْلِيم الْمَبِيع وَنَحْوه، فَإِنَّهَا شَرط البيع، الَّذِي هُوَ سَبَب ثُبُوت الْملك، الْمُشْتَمل على مصلحَة، وَهُوَ حَاجَة الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ، وَهِي متوقفة على الْقُدْرَة على التَّسْلِيم، فَكَانَ عَدمه مخلا بحكمة الْمصلحَة الَّتِي شرع لَهَا البيع.

وَالثَّانِي: مَا اشْتَمَل عَدمه على [حِكْمَة] تَقْتَضِي نقيض حِكْمَة السَّبَب، مَا بَقَاء حِكْمَة السَّبَب: كالطهارة فِي بَاب الصَّلَاة، فَإِن عدم الطَّهَارَة حَال الْقُدْرَة عَلَيْهَا مَعَ الْإِتْيَان بِالصَّلَاةِ يَقْتَضِي نقيض حِكْمَة الصَّلَاة، وَهُوَ الْعقَاب، فَإِنَّهُ نقيض وُصُول الثَّوَاب.

قَوْله: {وَهُوَ عَقْلِي: كالحياة للْعلم} .

تقدم لنا أَن للشّرط إطلاقات مِنْهَا مَا هُوَ للمتكلمين، وَهُوَ قَوْلنَا: عَقْلِي: كالحياة للْعلم؛ لِأَن من شَرط الْعلم الْحَيَاة، فَإِذا انْتَفَت الْحَيَاة، انْتَفَى الْعلم، وَلَا يلْزم من وجود الْحَيَاة الْعلم.

ص: 1070

{ولغوي: كَأَنْت طَالِق إِن [دخلت الدَّار] } وَنَحْوه، كَمَا تقدم.

{ [وشرعي: كالطهارة للصَّلَاة] } وَنَحْوه.

وَزَادُوا رَابِعا {و} هُوَ { [العادي] : كالغذاء للحيوان} ، إِذْ الْغَالِب فِيهِ أَنه يلْزم من انْتِفَاء الْغذَاء انْتِفَاء الْحَيَاة، وَمن وجوده وجودهَا، إِذْ لَا يتغذى إِلَّا حَيّ، وكالسلم للصعود. فعلى هَذَا يكون الشَّرْط العادي كالشرط اللّغَوِيّ فِي أَنه مطرد منعكس، ويكونان من قبيل الْأَسْبَاب لَا من قبيل الشُّرُوط، كَمَا تقدم فِي الشَّرْط اللّغَوِيّ، بِخِلَاف الشُّرُوط الْعَقْلِيَّة.

وَقَوله: { [وَمَا جعل قيدا فِي شَيْء لِمَعْنى كَشَرط فِي عقد فكالشرعي لَا اللّغَوِيّ فِي الْأَصَح] } .

تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِطْلَاق الثَّالِث فِي إطلاقات الشَّرْط فليعاود.

ص: 1071

قَوْله: {واللغوي} - أَي: وَالشّرط اللّغَوِيّ - {أغلب اسْتِعْمَاله فِي السَّبَبِيَّة الْعَقْلِيَّة} ، نَحْو: إِذا طلعت الشَّمْس فالعالم مضيء، { [و] الشَّرْعِيَّة} ، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} [الْمَائِدَة: 6] وَنَحْوه.

فَإِن طُلُوع الشَّمْس سَبَب ضوء الْعَالم عقلا، والجنابة سَبَب لوُجُود التَّطْهِير شرعا، {وَاسْتعْمل لُغَة فِي شَرط لم يبْق للمسبب سواهُ [أَي] } يسْتَعْمل { [فِي الشَّرْط الْأَخير] } ، وَذَلِكَ مثل قَوْلك: إِن تأتني أكرمك، فَإِن الْإِتْيَان شَرط لم يبْق للإكرام سواهُ، لِأَنَّهُ إِذا أَدخل الشَّرْط اللّغَوِيّ عَلَيْهِ، علم أَن أَسبَاب الْإِكْرَام حَاصِلَة، لَكِن متوقفة على حُصُول الْإِتْيَان.

قَوْله: {الْقسم الرَّابِع: الْمَانِع، وَهُوَ: مَا يلْزم من وجوده الْعَدَم، وَلَا يلْزم من عَدمه وجود وَلَا عدم لذاته} .

الْمَانِع اسْم فَاعل من الْمَنْع، وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح مَا ذكرنَا.

فَالْأول: احْتِرَاز من السَّبَب؛ لِأَنَّهُ يلْزم من وجوده الْوُجُود.

ص: 1072

وَالثَّانِي: احْتِرَاز من الشَّرْط؛ لِأَنَّهُ يلْزم من عَدمه الْعَدَم.

وَالثَّالِث: - وَهُوَ قَوْلنَا: لذاته -: احْتِرَاز من مُقَارنَة الْمَانِع لوُجُود سَبَب آخر، فَإِنَّهُ يلْزم الْوُجُود لَا لعدم الْمَانِع، بل لوُجُود السَّبَب: كَالْأَبِ الْقَاتِل فِي الْمِثَال الْآتِي [إِذا ارْتَدَّ زمن] قَتله وَلَده، فَإِنَّهُ يقتل بِالرّدَّةِ وَإِن لم يقتل قصاصا؛ لِأَن الْمَانِع إِنَّمَا هُوَ لأحد السببين.

{ [وَالْمَنْع] إِمَّا للْحكم} ، وَهُوَ وصف وجودي ظَاهر منضبط مُسْتَلْزم لحكمة تَقْتَضِي نقيض حكم السَّبَب، مَعَ بَقَاء [حِكْمَة السَّبَب] :{كالأبوة فِي الْقصاص مَعَ الْقَتْل الْعمد} الْعدوان، وَهُوَ كَون الْأَب سَببا لوُجُود الْوَلَد، فَلَا يحسن كَونه سَببا لعدمه، فَيَنْتَفِي الحكم مَعَ وجود مقتضيه وَهُوَ الْقَتْل.

{ [وَإِمَّا] لسَبَب الحكم} ، وَهُوَ وصف يخل وجوده بحكمة السَّبَب:{كَالدّين فِي الزَّكَاة مَعَ ملك [النّصاب] } ، وَوجه ذَلِك: أَن حِكْمَة وجوب الزَّكَاة فِي النّصاب - الَّذِي هُوَ السَّبَب - كثرته كَثْرَة تحْتَمل الْمُوَاسَاة مِنْهُ، شكرا على نعْمَة ذَلِك، لَكِن لما كَانَ الْمَدِين مطالبا بِصَرْف الَّذِي يملكهُ فِي الدّين، صَار كَالْعدمِ.

ص: 1073

وَسمي الأول: مَانع الحكم؛ لِأَن سَببه مَعَ بَقَاء حكمته [لَا] يُؤثر.

وَالثَّانِي: مَانع السَّبَب؛ لِأَن حكمته فقدت مَعَ وجود صورته فَقَط.

فالمانع يَنْتَفِي الحكم لوُجُوده، وَالشّرط يَنْتَفِي الحكم لانتفائه.

فَوَائِد: إِحْدَاهَا: قد يلتبس السَّبَب بِالشّرطِ، من حَيْثُ إِن الحكم يتَوَقَّف وجوده على وجودهما، وينتفي بانتفائها، وَإِن كَانَ السَّبَب؛ يلْزم من وجوده وجوده بِخِلَاف الشَّرْط، فَإِذا شكّ فِي وصف، أهوَ سَبَب أَو شَرط؟ نظر، إِن كَانَت كلهَا مُنَاسبَة للْحكم فَالْكل سَبَب، أَو كل مِنْهَا مُنَاسِب فَكل وَاحِد سَبَب.

فَالْأول: كَالْقَتْلِ الْعمد الْمَحْض الْعدوان.

وَالثَّانِي: كأسباب الْحَدث.

وَإِن ناسب الْبَعْض فِي ذَاته، وَالْبَعْض فِي غَيره، فَالْأول سَبَب، وَالثَّانِي شَرط: كالنصاب والحول فالنصاب يحمل على الْغنى ونعمة الْملك فِي نَفسه، فَهُوَ السَّبَب والحول مكمل لنعمة الْملك بالتمكن من التنمية فِي مدَّته فَهُوَ شَرط، قَالَه الْقَرَافِيّ.

قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَلَكِن هَذَا لَا يكون إِلَّا فِي السَّبَب الْمَعْنَوِيّ الَّذِي يكون عِلّة، لَا فِي السَّبَب الزماني وَنَحْوه.

ص: 1074

فَالصَّوَاب أَن يُقَال: إِن كَانَ الْوَصْف هُوَ المتوقف عَلَيْهِ الشَّيْء فِي تَعْرِيفه، أَو تَأْثِيره - على الْخلاف - فالسبب، وَإِلَّا فَالشَّرْط) انْتهى.

الثَّانِيَة: الشَّرْط وَعدم الْمَانِع كِلَاهُمَا يعْتَبر فِي [ترَتّب] الحكم، فقد يلتبسان، حَتَّى أَن بعض الْفُقَهَاء جعله إِيَّاه، كَمَا عد الفوراني وَالْغَزالِيّ من شَرَائِط الصَّلَاة ترك المناهي، من الْأَفْعَال، وَالْكَلَام، وَالْأكل، وَنَحْوه، وتبعهما الرَّافِعِيّ فِي " شرح الْوَجِيز "، وَفِي " الْمُحَرر "، وَالنَّوَوِيّ فِي " الرَّوْضَة "، وَلَكِن قَالَ فِي " شرح الْمُهَذّب ":(الصَّوَاب أَنَّهَا لَيست شُرُوطًا، وَإِن سميت بذلك فمجاز، وَإِنَّمَا هِيَ مبطلات) .

ص: 1075

وَقَالَ فِي " التَّحْقِيق ": (غلط من عدهَا شُرُوطًا) انْتهى.

وَالْفرق بَينهمَا - على تَقْدِير التغاير -: أَن الشَّرْط لَا بُد أَن يكون وَصفا وجوديا، وَأما عدم الْمَانِع فعدمي.

وَيظْهر أثر ذَلِك فِي أَن عدم الْمَانِع يكْتَفى فِيهِ بِالْأَصْلِ، وَالشّرط لَا بُد من تحَققه، فَإِذا شكّ فِي شَيْء يرجع لهَذَا الأَصْل.

وَلذَلِك عدت الطَّهَارَة شرطا؛ لِأَن الشَّك فِيهَا مَعَ تَيَقّن ضدها المستصحب يمْنَع انْعِقَاد الصَّلَاة.

قَالُوا: وَيلْزم من ادّعى اتحادهما اجْتِمَاع النقيضين، فِيمَا إِذا شككنا فِي طريان الْمَانِع؛ لأَنا - حِينَئِذٍ - نشك فِي عَدمه، وَالْفَرْض أَن عَدمه شَرط، فَمن حَيْثُ إِنَّه شَرط لَا يُوجد الْمَشْرُوط، وَمن حَيْثُ إِن الشَّك فِي طريان الْمَانِع لَا أثر لَهُ، فيوجد الْمَشْرُوط وَهُوَ تنَاقض.

الثَّالِثَة: سَبَب السَّبَب ينزل منزلَة السَّبَب، لِأَن مَا توقف على المتوقف عَلَيْهِ مُتَوَقف عَلَيْهِ: كالإعتاق فِي الْكَفَّارَة سَبَب للسقوط عَن الذِّمَّة،

ص: 1076

وَالْإِعْتَاق يتَوَقَّف على اللَّفْظ المحصل لَهُ.

وَقَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": (الشَّرْط، وجزؤه، وجزء الْعلَّة، كل مِنْهَا يلْزم من عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وجود وَلَا عدم فَهِيَ تَلْتَبِس.

وَالْفرق: أَن مُنَاسبَة الشَّرْط وجزئه فِي غَيره، ومناسبة جُزْء الْعلَّة فِي نَفسه.

مِثَاله: الْحول، مناسبته فِي السَّبَب الَّذِي هُوَ النّصاب، لتكملته الْغنى الْحَاصِل بِهِ التنمية، وجزء الْعلَّة الَّذِي هُوَ النّصاب مناسبته من نَفسه، من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَمل على بعض الْغنى، فالعلة وجزؤها مؤثران، وَالشّرط مكمل لتأثير الْعلَّة.

وَمن ثمَّ عرف بَعضهم الشَّرْط: بِمَا توقف عَلَيْهِ تَأْثِير الْمُؤثر.

قَالَ: وَمِنْهَا: الحكم، كَمَا يتَوَقَّف على وجود سَببه، يتَوَقَّف على وجود شَرطه، فَمَا الْفرق؟

وَالْجَوَاب: بِمَا سبق، من كَون السَّبَب مؤثرا مناسبا فِي نَفسه، وَالشّرط مكمل مُنَاسِب فِي غَيره.

ص: 1077

قَالَ: وَمِنْهَا: أَن أَجزَاء الْعلَّة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الحكم، والعلل المتعددة إِذا وجدت ترَتّب الحكم، فَمَا الْفرق؟

وَالْجَوَاب: أَن جُزْء الْعلَّة إِذا انْفَرد لَا يَتَرَتَّب [عَلَيْهِ] الحكم، بل لَا بُد من وجود بَقِيَّة أَجْزَائِهَا: كأوصاف الْقَتْل الْعمد الْعدوان، إِذا اجْتمعت وَجب الْقود، وَلَو انْفَرد بَعْضهَا كَالْقَتْلِ خطأ أَو عمدا فِي حد أَو قصاص، أَو قتل الْعَادِل الْبَاغِي، لم يجب الْقود، بِخِلَاف الْعِلَل المتعددة، فَإِن بَعْضهَا إِذا انْفَرد اسْتَقل بالحكم: كمن لمس ونام وبال، وَجب الْوضُوء بجميعها، وَبِكُل وَاحِد مِنْهَا.

نعم، إِذا اجْتمعت كَانَ حكما ثَابتا بعلل كَمَا يَأْتِي) انْتهى.

وَهُوَ معنى مَا تقدم من كَلَام الْقَرَافِيّ، وَلكنه نقحه.

وَيَأْتِي فِي الْعلَّة الْفرق بَين الْعلَّة وَالسَّبَب.

الرَّابِعَة: الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة، مِنْهَا: مَا يمْنَع ابْتِدَاء الحكم واستمراره: كالرضاع يمْنَع ابْتِدَاء النِّكَاح واستمراره إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا: مَا يمْنَع ابتداءه فَقَط: كالعدة تمنع ابْتِدَاء النِّكَاح، وَلَا تبطل استمراره.

ص: 1078

وَمِنْهَا: مَا اخْتلف فِيهِ: كالإحرام، يمْنَع ابْتِدَاء الصَّيْد، فَإِن طَرَأَ على الصَّيْد إِحْرَام، فَهَل تجب إِزَالَة الْيَد عَنهُ؟ وَالصَّحِيح: أَنه يجب.

وكالطول، يمْنَع ابْتِدَاء نِكَاح الْأمة، فَإِن طَرَأَ عَلَيْهِ فَهَل يُبطلهُ؟ وَالصَّحِيح: أَنه لَا يُبطلهُ.

وكوجود المَاء، يمْنَع ابْتِدَاء التَّيَمُّم فَلَو طَرَأَ وجود المَاء عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة، هَل يبطل؟ وَالصَّحِيح: أَنه يُبطلهُ، وَمَا ذَاك إِلَّا لتردد هَذَا الْقسم بَين الْقسمَيْنِ قبله، وَالله أعلم.

قَوْله: {وَنصب هَذِه الْأَشْيَاء مفيدة مقتضياتها، حكم شَرْعِي} .

هَذِه الْأَشْيَاء، إِشَارَة إِلَى مَا سبق من أَصْنَاف الْعلم الْمَنْصُوب لتعريف الحكم الشَّرْعِيّ الوضعي، وَهِي: الْعلَّة، وَالسَّبَب، وَالشّرط، وَالْمَانِع.

وَقَوله: (مفيدة) ، مَنْصُوب على الْحَال، أَي: نصبها حَال إفادتها، أَو معدة لإفادتها.

ص: 1079

وَمعنى الْكَلَام: أَن نصب هَذِه الْأَشْيَاء لتفيد مَا اقتضته من الْأَحْكَام هُوَ حكم شَرْعِي، أَي: قَضَاء من الشَّارِع بذلك، ومقتضاها - أَيْضا - حكم شَرْعِي، فَجعل الزِّنَى سَببا لوُجُوب الْحَد حكم شَرْعِي، وَوُجُوب الْحَد حكم آخر.

وَذَلِكَ أَن لله تَعَالَى فِي الزَّانِي حكمين: وجوب الْحَد، وَهُوَ حكم لَفْظِي، وسببية الزِّنَى، أَي: كَون الزِّنَى سَببا لوُجُوب الْحَد حكم آخر.

وَكَذَلِكَ وجوب حد الْقَذْف، مَعَ جعل الْقَذْف سَببا لَهُ، وَوُجُوب الْقطع، مَعَ نصب السّرقَة سَببا لَهُ، وَوُجُوب الْقَتْل بِالرّدَّةِ وَالْقصاص، مَعَ نصب الرِّدَّة وَالْقَتْل سَببا لَهما، ونظائره كَثِيرَة.

وَتقدم أَن خطاب الْوَضع وخطاب التَّكْلِيف مجتمعان، وَهل يتَصَوَّر انفكاك أَحدهمَا عَن الآخر؟ عِنْد تَقْسِيم الْخطاب.

قَوْله: {وَالصِّحَّة وَالْفساد مِنْهُ} .

ص: 1080

أَي: من خطاب الْوَضع، هَذَا الصَّحِيح، وَاخْتَارَهُ أَصْحَابنَا وَغَيرهم، لِأَنَّهُمَا من الْأَحْكَام، وليسا داخلين فِي الِاقْتِضَاء والتخيير، لِأَن الحكم بِصِحَّة الْعِبَادَة وبطلانها، وبصحة الْمُعَامَلَة وبطلانها، لَا يفهم مِنْهُ اقْتِضَاء وَلَا تَخْيِير، فَكَانَا من خطاب الْوَضع.

{ [وَقَالَ جمَاعَة] : معنى الصِّحَّة: الْإِبَاحَة، و} معنى {الْبطلَان: الْحُرْمَة

و [ذهب] ابْن الْحَاجِب وَجمع: [إِلَى أَن الصِّحَّة والبطلان] أَمر عَقْلِي} ، غير مُسْتَفَاد من الشَّرْع، فَلَا يكون دَاخِلا فِي الحكم الشَّرْعِيّ.

وَإِنَّمَا قَالُوا إنَّهُمَا أَمر عَقْلِي، لِأَن الصِّحَّة فِي الْعِبَادَة، إِمَّا لكَون الْفِعْل مسْقطًا للْقَضَاء، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْفُقَهَاء، أَو لموافقة الْأَمر الشَّرِيعَة، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين.

ص: 1081

فَصَلَاة من ظن الطَّهَارَة ثمَّ تبين خَطؤُهُ، غير [صَحِيحَة] على الأول، لعدم سُقُوط الْقَضَاء، وصحيحة على الثَّانِي، لكَونهَا مُوَافقَة لأمر الشَّارِع.

وَلَا شكّ أَن الْعِبَادَة إِذا اشْتَمَلت على أَرْكَانهَا وشرائطها حكم الْعقل بِصِحَّتِهَا بِكُل من التفسيرين، سَوَاء حكم الشَّارِع بهَا، أَو لَا.

قَالَ الْآمِدِيّ: (يبعد أَن يكون الحكم بهما شَرْعِيًّا، لِأَن كَون الْفِعْل مُوَافقا للشَّرْع، أَو غير مُوَافق، مدرك بِالْعقلِ) .

وَلَكِن رد: بِأَن الشَّرْع إِذا كَانَ لَهُ فِي ذَلِك مدْخل، كَيفَ يكون عقليا؟

وَزعم القطب الشِّيرَازِيّ: إِنَّمَا ذَلِك فِي الْعِبَادَات فَقَط، وَأما ترَتّب آثَار الْعُقُود عَلَيْهَا فشرعي قطعا.

وَهُوَ مَرْدُود بِعَدَمِ الْفرق؛ لِأَن التَّرْتِيب فيهمَا مَعًا مدرك بِالْعقلِ، وَإِنَّمَا حكم بالْقَوْل الرَّاجِح بِأَنَّهُ شَرْعِي لكَون الشَّرْع لَهُ فِيهِ مدْخل، وَلذَلِك يحكم القَاضِي فِي الْعُقُود بِالصِّحَّةِ وَالْفساد، وَهُوَ لَا يحكم إِلَّا بِأَمْر شَرْعِي لَا عَقْلِي.

قَوْله: {فالصحة فِي الْعِبَادَة: سُقُوط الْقَضَاء بِالْفِعْلِ، عِنْد الْفُقَهَاء،

ص: 1082

وَعند الْمُتَكَلِّمين وَغَيرهم: مُوَافقَة الْأَمر} ، وَجب الْقَضَاء أم لَا.

ورد ذَلِك: بِأَن وجوب الْقَضَاء إِنَّمَا يتَحَقَّق بعد خُرُوج الْوَقْت، لَا سِيمَا إِذا قُلْنَا: بِأَمْر جَدِيد لَا بِالْأَمر الأول، وَإِذا لم يجب فَكيف يسْقط؟ ثمَّ إِن هَذَا قَاصِر على مُؤَقّت يدْخلهُ الْقَضَاء، والبحث فِي صِحَة الْعِبَادَة مُطلقًا.

قولهن: {فَصَلَاة من ظن الطَّهَارَة صَحِيحَة على الثَّانِي فَقَط} .

يَعْنِي: وعَلى الأول غير صَحِيحَة، كَأَن الْمُتَكَلِّمين نظرُوا لظن الْمُكَلف، وَالْفُقَهَاء لما فِي نفس الْأَمر.

لَكِن قَالَ الْبرمَاوِيّ: (اللَّائِق بقواعد الْفَرِيقَيْنِ الْعَكْس.

وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: " هَذَا الْبناء فِيهِ نظر، لِأَن من قَالَ: مُوَافقَة الْأَمر، إِن أَرَادَ الْأَمر الْأَصْلِيّ فَلم يسْقط، أَو الْأَمر بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ، فقد تبين فَسَاد الظَّن، فَيلْزم أَن لَا يكون صَحِيحا، من حَيْثُ عدم مُوَافقَة الْأَمر الْأَصْلِيّ، وَلَا الْأَمر بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ ".

وَمَا قَالَه ظَاهر) .

وَقَالَ بَعضهم: (النَّقْل عَن الْفُقَهَاء فِيهِ نظر؛ لأَنهم لَهُم فروعا تدل على خلاف ذَلِك) .

ص: 1083

قَوْله: {وَالْقَضَاء وَاجِب، عَلَيْهِمَا} - أَي: على الْقَوْلَيْنِ: قَول الْفُقَهَاء وَقَول الْمُتَكَلِّمين - {عِنْد الْأَكْثَر} ، وَقَطعُوا بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيح، { [وَيكون الْخلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ لفظيا] } .

وَقد صرح الْغَزالِيّ والقرافي: أَن الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْغَايَة للصِّحَّة لَفْظِي، لِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ على أَنه إِن لم يتَبَيَّن الْحَدث فقد أدّى مَا عَلَيْهِ، ويثاب، وَإِلَّا فَيجب الْقَضَاء.

قَالَ الْبرمَاوِيّ: (لَكِن دَعْوَى الِاتِّفَاق فِي الْحَالة الثَّانِيَة على الْقَضَاء مَرْدُود، فقد حكى ابْن الْحَاجِب فِي " مُخْتَصره " فِي مَسْأَلَة الْإِجْزَاء: أَنه لَا قَضَاء) .

قَالَه تبعا للآمدي، ورده ابْن مُفْلِح على مَا يَأْتِي.

قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَكَأن المُرَاد: أَن الْمُتَكَلِّمين إِنَّمَا لم يوجبوا الْقَضَاء، على تَقْدِير اسْتِمْرَار الْحَال لَو لم يرد نَص بِلُزُوم الْقَضَاء، لكنه ورد بِأَمْر جَدِيد، كَمَا حَكَاهُ الْغَزالِيّ فِي " الْمُسْتَصْفى " عَنْهُم) .

ص: 1084

قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَعِنْدنَا قَول مثله، فِيمَا إِذا صلى بِنَجس لم يُعلمهُ، أَو مَكْشُوف الْعَوْرَة سَاهِيا، أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلَا قَضَاء، نظرا لموافقة الْأَمر حَال التَّلَبُّس) .

قلت: وَهُوَ قَول لنا قوي، فِيمَا إِذا صلى بِنَجس سَاهِيا أَو جَاهِلا.

قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيص ": (إِنَّمَا صَار الْفُقَهَاء إِلَى هَذَا فِي أصل، وَهُوَ أَن الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة صَحِيحَة، مَعَ كَونهَا على خلاف مُقْتَضى الشَّرْع، يدل على أَن الصَّحِيح: مَا لم يجب قَضَاؤُهُ، وَلَو خَالف مُقْتَضى الشَّرْع) .

وَقَالَ الْغَزالِيّ: (يتَخَرَّج على الْخلاف فِيمَا قطع صلَاته لأجل غريق، فَهِيَ صَحِيحَة عِنْد الْمُتَكَلِّمين، بَاطِلَة عِنْد الْفُقَهَاء) .

قَوْله: {وَفِي الْمُعَامَلَة: ترَتّب أَحْكَامهَا الْمَقْصُودَة بهَا عَلَيْهَا} .

وَذَلِكَ لِأَن العقد لم يوضع إِلَّا لإِفَادَة مَقْصُود كَمَال النَّفْع فِي البيع، وَملك الْبضْع فِي النِّكَاح، فَإِذا أَفَادَ مَقْصُوده فَهُوَ صَحِيح، وَحُصُول مَقْصُوده: هُوَ ترَتّب حكمه عَلَيْهِ، لِأَن العقد مُؤثر لحكمه وَمُوجب لَهُ.

قَالَ الْآمِدِيّ: (وَلَا بَأْس بتفسير الصِّحَّة فِي الْعِبَادَات بِهَذَا) .

ص: 1085

قَالَ الطوفي: (لِأَن مَقْصُود الْعِبَادَة، رسم التَّعَبُّد، وَبَرَاءَة ذمَّة العَبْد مِنْهَا، فَإِذا أفادت ذَلِك، كَانَ هُوَ معنى قَوْلنَا: إِنَّهَا كَافِيَة فِي سُقُوط الْقَضَاء، فَتكون صَحِيحَة) انْتهى.

قَوْله: { [ويجمعهما: ترَتّب الْأَثر الْمَطْلُوب من الْفِعْل عَلَيْهِ] } .

أَكثر الْأُصُولِيِّينَ يفرد كل وَاحِد من الصِّحَّة فِي الْعِبَادَات، وَالصِّحَّة فِي الْمُعَامَلَات بِحَدّ، لِأَن جمع الْحَقَائِق الْمُخْتَلفَة فِي حد وَاحِد لَا يُمكن.

صرح بِهِ ابْن الْحَاجِب فِي تَقْسِيم الِاسْتِثْنَاء إِلَى مُنْقَطع ومتصل، لَكِن ذَلِك مَخْصُوص بِمَا إِذا أُرِيد تَمْيِيز الْحَقِيقَة عَن الْأُخْرَى بالذاتيات، وَأما غَيره فَيجوز، فَلذَلِك جَمعنَا بَينهمَا فِي تَعْرِيف وَاحِد، لصدقه عَلَيْهِمَا، تبعا للكوراني فِي ذَلِك لما يَأْتِي فِي كَلَامه، وجمعهما فِي " جمع الْجَوَامِع "، والبرماوي وَغَيرهمَا بِحَدّ وَاحِد فَقَالُوا: (رسم الصِّحَّة: مُوَافقَة ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْع سَوَاء كَانَ ذَلِك الْمُوَافق عبَادَة أَو مُعَاملَة. فَمَا لَيْسَ لَهُ وَجْهَان لَا يُوصف بِصِحَّة وَلَا فَسَاد: كمعرفة الله تَعَالَى، ورد الْوَدِيعَة، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن

ص: 1086