الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحَاصِل ذَلِك: أَن الْقبُول هَل هُوَ مثل الصِّحَّة، أَو تُوجد صِحَة بِلَا قبُول، فَتكون الصِّحَّة أَعم، فَكلما وجد الْقبُول وجدت الصِّحَّة وَلَا عكس؟ فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء.
أَحدهمَا: أَن الصِّحَّة وَالْقَبُول متلازمان، فَإِذا نفي أَحدهمَا انْتَفَى الآخر، وَإِذا وجد أَحدهمَا وجد الآخر، وَهُوَ قَوْلنَا:(مُطلقًا)، أَي: فِي الْإِثْبَات وَالنَّفْي، وَهَذَا الَّذِي قدمْنَاهُ فِي الْمَتْن، وَهُوَ الَّذِي رَجحه ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح " - على مَا يَأْتِي - وَغَيره.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الصِّحَّة تنفك عَن الْقبُول؛ لِأَن الْقبُول أخص من الصِّحَّة، إِذْ كل مَقْبُول صَحِيح، وَلَيْسَ كل صَحِيح مَقْبُولًا.
وَاسْتدلَّ لذَلِك بقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
من أَتَى عرافا لم تقبل لَهُ صَلَاة
".
" إِذا أبق العَبْد لم تقبل لَهُ صَلَاة حَتَّى يرجع إِلَى موَالِيه "، و " من شرب الْخمر لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحا "، وَنَحْو ذَلِك.
فَيكون الْقبُول هُوَ الَّذِي يحصل بِهِ الثَّوَاب وَنَحْوه، وَالصِّحَّة قد تُوجد فِي الْفِعْل وَلَا ثَوَاب فِيهِ: كَالصَّلَاةِ فِي مَوضِع مَغْصُوب عِنْد الْقَائِل بِالصِّحَّةِ، كَمَا تقدم فِي الصَّلَاة فِي مَوضِع مَغْصُوب، فَلَا يلْزم - حِينَئِذٍ - من نفي الْقبُول نفي الصِّحَّة، لَكِن قد أَتَى نفي الْقبُول فِي الشَّرْع تَارَة بِمَعْنى نفي الصِّحَّة، كَمَا فِي حَدِيث:" لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول "،
و " لَا تقبل صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار "، و " لَا تقبل صَلَاة أحدكُم إِذا أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ "، وَكَقَوْلِه تَعَالَى:{فَلَنْ يقبل من أحدهم ملْء الأَرْض ذَهَبا وَلَو افتدى بِهِ} [آل عمرَان: 91]، {أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم} [التَّوْبَة: 54] . وَتارَة تَأتي بِنَفْي الْقبُول مَعَ وجود الصِّحَّة، كَمَا فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي الْآبِق، وشارب الْخمر، و " من أَتَى عرافا ".
وَقد حُكيَ الْقَوْلَيْنِ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح "، وَرجح أَن الصَّحِيح لَا يكون إِلَّا مَقْبُولًا، وَلَا يكون مردودا إِلَّا وَهُوَ بَاطِل.
وَيرد عَلَيْهِ مَجِيء الْأَمريْنِ من الشَّاعِر كَمَا تقدم.
وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: (ظهر لي فِي الْأَحَادِيث الَّتِي نفي فِيهَا الْقبُول، وَلم تنتف مَعَه الصِّحَّة - كَصَلَاة شَارِب الْخمر وَنَحْوه - أَنا نَنْظُر فِيمَا نفي فِيهِ الْقبُول، فَإِن قارنت ذَلِك الْفِعْل مَعْصِيّة - كَحَدِيث شَارِب الْخمر وَنَحْوه - أَجْزَأَ، فانتفاء الْقبُول، أَي: الثَّوَاب؛ لِأَن إِثْم الْمعْصِيَة أحبطه، وَإِن لم يقارنه مَعْصِيّة - كَحَدِيث " لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور " وَنَحْوه - فانتفاء الْقبُول سَببه انْتِفَاء الشَّرْط، وَهُوَ الطَّهَارَة وَنَحْوهَا، وَيلْزم من عدم الشَّرْط عدم الْمَشْرُوط) انْتهى.
قَوْله: {فأثر الْقبُول: الثَّوَاب، وَأثر الصِّحَّة: عدم الْقَضَاء} .
هَذَا مَبْنِيّ على القَوْل الثَّانِي، وَهُوَ أَن الْقبُول أخص من الصِّحَّة، فَيكون الْقبُول لَازمه الثَّوَاب، فَلَا يُوجد قبُول إِلَّا بِثَوَاب، وَالثَّوَاب لَا يلْزم الصِّحَّة، فقد تُوجد صِحَة بِلَا ثَوَاب، كَمَا قُلْنَا فِي الْمُصَلِّي فِي مَغْصُوب إِذا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا لَا ثَوَاب فِيهَا على الصَّحِيح كَمَا تقدم ذَلِك محررا.
وَقد تُوجد صِحَة بِثَوَاب إِذا كَانَ مَقْبُولًا.
وَأما إِذا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ الَّتِي لَا ثَوَاب فِيهَا، فَإِن الْقَضَاء يَنْتَفِي بهَا، ففائدة الصِّحَّة الَّتِي لَا ثَوَاب فِيهَا عدم الْقَضَاء قطعا.
وَأما حُصُول ثَوَاب مَعَ الصِّحَّة، فَإِن قارنها قبُول حصل، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْله: { [وَنفي الْإِجْزَاء كنفي الْقبُول] ، وَقيل: [نفي الْإِجْزَاء] أولى بِالْفَسَادِ} .