الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
إِذا تعَارض قَوْله وَفعله
…
إِلَى آخِره.
مَا تقدم فَهُوَ فِي تعَارض فَعَلَيهِ، وَمَا ذكر هُنَا فَهُوَ فِي تعَارض قَوْله وَفعله، وَيَأْتِي فِي التَّرْجِيح إِذا تعَارض قولاه.
[وَاعْلَم أَنه إِذا] صدر مِنْهُ صلى الله عليه وسلم َ -
قَول وَفعل كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر، فَفِيهِ [اثْنَتَانِ] وَسَبْعُونَ مَسْأَلَة
.
وَوجه الْحصْر فِي ذَلِك: أَنه لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يدل دَلِيل على التّكْرَار والتأسي، أَو لَا يدل على شَيْء مِنْهُمَا، أَو يدل على الأول - وَهُوَ التكرر - دون الثَّانِي - وَهُوَ التأسي -، أَو بِالْعَكْسِ، فَيدل على التأسي دون التكرر، فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام، كل [مِنْهَا] يتنوع إِلَى ثَمَانِيَة عشر نوعا، فَيصير الْمَجْمُوع اثْنَيْنِ وَسبعين، لِأَن كل وَاحِد من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون القَوْل [خَاصّا بِهِ، أَو بِنَا، أَو عَاما لَهُ وَلنَا، وعَلى كل تَقْدِير من ذَلِك لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون القَوْل] مقدما على الْفِعْل، أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ، أَو مَجْهُول التَّارِيخ، فَهَذِهِ تِسْعَة أَنْوَاع، من ضرب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة، وعَلى كل تَقْدِير مِنْهَا لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يظْهر أَثَره فِي حَقه، أَو حَقنا، صَارَت ثَمَانِيَة عشرَة، مَضْرُوبَة فِي الْأَرْبَعَة الْأَقْسَام، كَمَا تقدم.
إِذا عرف ذَلِك؛ فَقَوله: {إِذا تعَارض [قَوْله وَفعله] [وَلم يدل دَلِيل على تكرره فِي حَقه، وَلَا على التأسي] } ، فَهَذَا هُوَ الْقسم الأول، فَإِن كَانَ القَوْل خَاصّا وَتَأَخر عَن الْفِعْل: كَفِعْلِهِ شَيْئا فِي وَقت، ثمَّ يَقُول بعد
ذَلِك الْفِعْل على الْفَوْر، أَو متراخيا: لَا يجوز لي مثل هَذَا الْفِعْل فِي مثل هَذَا الْوَقْت، فَلَا تعَارض بَينهمَا أصلا فِي حَقه، وَلَا فِي حق أمته؛ لِإِمْكَان الْجمع، لعدم تكْرَار الْفِعْل، وَلم يكن رَافعا لحكم فِي الْمَاضِي وَلَا الْمُسْتَقْبل.
أما فِي حَقه؛ فَلِأَن القَوْل لم يتَنَاوَل الزَّمَان الَّذِي وَقع فِيهِ الْفِعْل، وَالْفِعْل - أَيْضا - لم يتَنَاوَل الزَّمَان الَّذِي تعلق بِهِ القَوْل، فَلَا يكون أَحدهمَا رَافعا لحكم الآخر.
وَأما فِي حق الْأمة، فَظَاهر؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لوَاحِد من القَوْل وَالْفِعْل تعلق بالأمة.
وَقَوله: {وَإِن تقدم} .
أَي: { [القَوْل] على الْفِعْل، كَقَوْلِه: يجب عَليّ كَذَا وَقت كَذَا، { [ويتلبس] [بضده فِيهِ] ، فالفعل نَاسخ} لحكمه، { [عِنْد من جوز النّسخ قبل التَّمَكُّن] } من الْفِعْل، كَمَا هُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا، على مَا يَأْتِي فِي النّسخ.
وَمن لم يجوزه كالمعتزلة مَنعه، وَقَالَ: لَا يتَصَوَّر صُدُور مثل هَذَا الْفِعْل بعد القَوْل إِلَّا على سَبِيل الْمعْصِيَة، لِأَن النّسخ قبل التَّمَكُّن [غير جَائِز] عِنْدهم، وَيَأْتِي الْخلاف فِي ذَلِك فِي النّسخ.
وَإِن كَانَ الْفِعْل بعد التَّمَكُّن من مُقْتَضى القَوْل، لم يكن نَاسِخا لِلْقَوْلِ، إِلَّا أَن يدل دَلِيل على وجوب تكَرر مُقْتَضى القَوْل، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون الْفِعْل نَاسِخا، لتكرر مُقْتَضى القَوْل، ذكره الْأَصْفَهَانِي فِي " شرح الْمُخْتَصر "، وَلم يذكرهُ ابْن الْحَاجِب، وَلَا ابْن مُفْلِح، وتابعتهما على ذَلِك.
قَوْله: {وَإِن جهل، [فكالجهل الْآتِي] } .
أَي: إِذا لم يعلم هَل القَوْل مقدم على الْفِعْل، أَو عَكسه؟ بل جهلنا ذَلِك، فَحكمه حكم الْجَهْل الْآتِي بعد ذَلِك، وَهُوَ قَوْلنَا:(فَإِن جهل فَلَا تعَارض فِي حَقنا، وَفِي حَقه الْخلاف) .
قَالَ الْأَصْفَهَانِي: (وَإِن كَانَ القَوْل خَاصّا وَجَهل التَّارِيخ، فَحكمه حكم الْقسم الَّذِي دلّ على وجوب التّكْرَار والتأسي وَالْقَوْل خَاص بِهِ وَجَهل التَّارِيخ) انْتهى.
تَنْبِيه: تقدم ثَلَاث مسَائِل فِيمَا إِذا لم يدل دَلِيل على تكرره فِي حَقه،
وَلَا على التأسي بِهِ، وَالْقَوْل خَاص بِهِ: إِذا تقدم القَوْل على الْفِعْل، وَعَكسه، وَالْجهل.
قَوْله: {وَإِن اخْتصَّ القَوْل بِنَا، [فَلَا تعَارض مُطلقًا] } .
أَعنِي: سَوَاء تقدم الْفِعْل، أَو تَأَخّر، لعدم اجْتِمَاع القَوْل وَالْفِعْل فِي مَحل وَاحِد، لِأَن الْفِعْل خَاص بِهِ، إِذْ لَا دَلِيل على وجوب التأسي بِهِ، وَالْقَوْل خَاص بِنَا، فَلم يتحد مَحلهمَا.
قَوْله: { [أَو عَم] } .
أَعنِي: عَم القَوْل لنا وَله، فَتَارَة يتَقَدَّم الْفِعْل، وَتارَة يتَقَدَّم القَوْل، وَتارَة يجهل.
فَإِن تقدم فَلَا تعَارض فِي حَقه كَمَا سبق، وَلَا فِي حَقنا، لِأَن فعله لم يتَعَلَّق بِنَا.
قَوْله: {وَإِن تقدم القَوْل، [فكالقول] الْخَاص بِهِ} .
فَهُوَ فِي حَقه كَمَا سبق فِي القَوْل الْخَاص بِهِ، {وَلَا تعَارض فِي حَقنا} ؛ لِأَنَّهُمَا لم يتواردا علينا.
قَوْله: {فَإِن كَانَ الْعَام ظَاهرا فِيهِ، فالفعل تَخْصِيص} ، كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْله: {وَإِن دلّ [عَلَيْهِمَا] } .
أَي: دلّ على التكرر فِي حَقه، وعَلى التأسي بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّانِي من الْأَرْبَعَة الْمُتَقَدّمَة، هُوَ عكس الأول.
فَإِذا دلّ الدَّلِيل على التكرر فِي حَقه، وعَلى وجوب تأسي الْأمة بِهِ، { [فَإِن كَانَ القَوْل خَاصّا] بِهِ [فَلَا تعَارض فِينَا] ، [سَوَاء تقدم القَوْل، أَو الْفِعْل] } ؛ لِأَن القَوْل لم يتناولهم.
{ [وَأما فِي حَقه؛ فالمتأخر نَاسخ] } ، لَكِن الْفِعْل ينْسَخ القَوْل الْمُتَقَدّم بعد التَّمَكُّن من الِامْتِثَال، وَقَبله فِيهِ الْخلاف، وَمُوجب للْفِعْل علينا.
قَوْله: { [وَإِن] جهل، فَلَا تعَارض [فِي حَقنا] } ؛ لِأَن القَوْل لم يعمنا.
{ [وَأما فِي حَقه، فَاخْتَارَ] [أَبُو الْخطاب] } فِي " التَّمْهِيد " { [و]
ابْن حمدَان} فِي " الْمقنع "{ [وجوب الْعَمَل] بالْقَوْل} ، لِأَن الْفِعْل يحْتَاج إِلَى القَوْل فِي بَيَان وَجه وُقُوعه.
قَالَ فِي " التَّمْهِيد ": (وَأما إِن لم يعلم تقدم أَحدهمَا على الآخر، فالتعلق بالْقَوْل) ، وَذكر الْقَوْلَيْنِ الآخرين وردهما.
{وَقيل} : يجب الْعَمَل {بِالْفِعْلِ} ؛ لِأَنَّهُ أقوى فِي الْبَيَان.
{ [وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب] } وَجَمَاعَة: {الْوَقْف} فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى يتَبَيَّن التَّارِيخ؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل تقدم الْفِعْل على القَوْل، وَبِالْعَكْسِ، [وَلَا تَرْجِيح لتقدم أَحدهمَا على الآخر، فالقطع بِوُجُوب الْعَمَل بِأَحَدِهِمَا على التَّعْيِين تحكم بِلَا دَلِيل، وَهُوَ بَاطِل] .
[ {و} قَالَ أَبُو الْخطاب - أَيْضا - {فِي التَّمْهِيد} - فِيمَا يرد بِهِ الْخَبَر: { (إِن ورد] خبر يُخَالف فعله، إِن لم يعمه فَلَا تعَارض، [وَإِن
عَمه] تَعَارضا، [فتعمل بالتخصيص] ، ثمَّ التَّوَاتُر، ثمَّ التَّرْجِيح، ثمَّ الْوَقْف، [وَالله أعلم] ) } .
قَوْله: {وَإِن اخْتصَّ القَوْل بِنَا، [فَلَا تعَارض][فِي حَقه]عليه السلام سَوَاء تقدم القَوْل، أَو تَأَخّر، لعدم تنَاول القَوْل لَهُ.
[وَأما فِي حق الْأمة، إِن علم][الْمُتَأَخر] } فَهُوَ {نَاسخ} ، سَوَاء كَانَ القَوْل مُتَقَدما وَالْفِعْل مُتَأَخِّرًا، أَو بِالْعَكْسِ، إِلَّا أَن يتَقَدَّم القَوْل على الْفِعْل، وَالْفِعْل بعد التَّمَكُّن من مُقْتَضى القَوْل، وَالْقَوْل لم يقتض التّكْرَار، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مُعَارضَة فِي حَقنا - أَيْضا -، قَالَه الْأَصْفَهَانِي فِي " شرح الْمُخْتَصر ".
قَوْله: {فَإِن جهل} .
أَي: التَّارِيخ من تقدم القَوْل أَو الْفِعْل، { [فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة] } الْمُتَقَدّمَة، وَهِي: الْعَمَل بالْقَوْل، أَو بِالْفِعْلِ، أَو الْوَقْف.
{ [لَكِن اخْتَار] [ابْن الْحَاجِب و] ابْن قَاضِي الْجَبَل [وَغَيرهمَا] } . [الْعَمَل] } هُنَا {بالْقَوْل} .
وَاسْتدلَّ لهَذَا القَوْل بِوُجُوه.
أَحدهَا: أَن القَوْل أقوى دلَالَة من الْفِعْل؛ لِأَن القَوْل دلَالَته على الْوُجُوب وَغَيره بِلَا وَاسِطَة، لِأَن القَوْل وضع لذَلِك، بِخِلَاف الْفِعْل، فَإِنَّهُ لم يوضع لذَلِك.
الثَّانِي: أَن الْفِعْل مَخْصُوص بالمحسوس؛ لِأَنَّهُ لَا [ينبيء] عَن الْمَعْقُول، وَالْقَوْل يدل على الْمَعْقُول والمحسوس، فَيكون أَعم فَائِدَة، فَهُوَ أولى.
الثَّالِث: أَن القَوْل لم يخْتَلف فِي كَونه دَالا، وَالْفِعْل اخْتلف فِيهِ، والمتفق عَلَيْهِ أولى من الْمُخْتَلف فِيهِ.
الرَّابِع: أَن الْعَمَل بِالْفِعْلِ يبطل القَوْل بِالْكُلِّيَّةِ، أما فِي حَقه عليه السلام: فلعدم تنَاول القَوْل لَهُ، وَأما فِي حق الْأمة: فلوجوب الْعَمَل بِالْفِعْلِ