الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفظ الْمحل من التأثيم أَو التَّضْمِين، فَهُوَ مَعْصُوم من فعل الْمحرم قطعا، وَيَأْتِي حكم الْمَكْرُوه.
وَيحْتَمل: أَن تكون (الْبَاء) بَاء السَّبَبِيَّة، وَيكون معنى الْكَلَام: حفظ الْمحل بِسَبَب التأثيم أَو التَّضْمِين، فَإِذا علم أَن الْفِعْل أَو التّرْك يُوجب إِثْمًا أَو تضمينا تَركه، فَكَانَ التأثيم أَو التَّضْمِين حاجزا و [مَانِعا] عَن فعل مَا يُوجب ذَلِك، وَالله أعلم.
قَوْله: { [فامتناع الْمعْصِيَة] مِنْهُ صلى الله عليه وسلم َ -
قبل الْبعْثَة عقلا مَبْنِيّ على التقبيح الْعقلِيّ، فَمن أثْبته كالروافض منعهَا} ؛ للتنفير، فتنافي الْحِكْمَة، { [وقالته] الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر، [وَمن نفى التقبيح الْعقلِيّ لم يمْنَعهَا] } .
إِنَّمَا قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل مَا بعْدهَا؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال بأفعالهم
وأقوالهم مُتَوَقف على عصمتهم، وَقد ذهب أَكثر الْعلمَاء: إِلَى أَنه لَا يمْتَنع عقلا أَن يصدر قبل الْبعْثَة من الْأَنْبِيَاء مَعْصِيّة كَبِيرَة أَو صَغِيرَة، وَخَالفهُم
الروافض مُطلقًا، فَقَالُوا: لَا يجوز أَن يصدر مِنْهُم قبل الْبعْثَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَوَافَقَهُمْ الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر وجوزوا الصَّغَائِر كالأكثر، فَوَافَقُوا الروافض فِي الْكَبَائِر، ووافقوا أَكثر الْعلمَاء فِي الصَّغَائِر.
ومعتمد الْفَرِيقَيْنِ فِي ذَلِك؛ أَن فِيهِ هضما واحتقارا، فتنفر الطباع عَن اتباعهم، فيخل بالحكمة من بعثتهم، وَذَلِكَ قَبِيح عقلا.
وَقد علمت مِمَّا مضى بطلَان قَاعِدَة التقبيح الْعقلِيّ، وَقد رد ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الرَّد على الرافضي ردا بليغا كَافِيا شافيا وَأطَال فِي ذَلِك.
قَوْله: { [وَبعد الْبعْثَة] } : مَعْصُوم من تعمد مَا يخل بصدقه، فِيمَا دلّت
المعجزة على صدقه [فِيهِ] ، من رِسَالَة وتبليغ إِجْمَاعًا} حَكَاهُ الْآمِدِيّ وَغَيره من الْعلمَاء.
فالإجماع مُنْعَقد على عصمتهم من تعمد الْكَذِب فِي الْأَحْكَام وَمَا يتَعَلَّق بهَا؛ لِأَن المعجزة قد دلّت على صدقهم فِيهَا، فَلَو جَازَ كذبهمْ فِيهَا لبطل دلَالَة المعجزة.
قَوْله: {وَلَا يَقع [سَهوا وغلطا] عِنْد الْأَكْثَر} .
اخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز وُقُوع الْكَذِب مِنْهُم غَلطا وسهوا.
قَالَ ابْن حمدَان فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (هُوَ مَعْصُوم فِيمَا يُؤَدِّي عَن الله، وَلَيْسَ مَعْصُوما فِي ذَلِك من الْخَطَأ والزلل وَالنِّسْيَان والسهو والصغائر فِي الْأَشْهر فِيهَا، {وَجوزهُ} - أَيْضا - {القَاضِي} أَبُو يعلى من أَصْحَابنَا، {و} القَاضِي أَبُو بكر {الباقلاني، والآمدي} ، وَذكره بعض أَصْحَابنَا قَول الْجُمْهُور، وَأَنه يدل عَلَيْهِ الْقُرْآن.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ - لما سلم من رَكْعَتَيْنِ من ربَاعِية فَقَالَ لَهُ، فَقَالَ:" لم أنس وَلم تقصر "، فَقَالَ: بلَى قد نسيت.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: " إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون، فَإِذا نسيت فذكروني "، مُتَّفق عَلَيْهِمَا.
قَالَ الباقلاني: دلَالَة المعجزة على صدقهم فِيمَا صدر عَنْهُم قصدا واعتقادا، وَمَا صدر عَنْهُم غَلطا فالمعجزة لَا تدل على صدقهم فِيهِ) انْتهى.
وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْأَكْثَر أَنه لَا يَقع مِنْهُم ذَلِك.
قَالَ القَاضِي عضد الدّين: (وَأما الْكَذِب غَلطا، فجوزه القَاضِي - يَعْنِي الباقلاني - وَمنعه الْبَاقُونَ؛ لما مر من دلَالَة المعجزة على الصدْق) .
وَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": (وللعلماء فِي جَوَازه غَلطا ونسيانا قَولَانِ، بِنَاء: على أَن المعجزة هَل دلّت على صدقه فِيهِ؟ وَاخْتلف فِيهِ كَلَام ابْن عقيل) انْتهى.
وَحَاصِله: أَن دلَالَة المعجزة، هَل دلّت على صدقهم مُطلقًا فِي الْعمد والسهو؟ أَو مَا دلّت إِلَّا على مَا صدر عَنْهُم عمدا.