الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {تَنْبِيه الْأَدِلَّة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس} )
.
لما فَرغْنَا - بِحَمْد الله - من أَحْكَام الْمُقدمَة، ومسائلها، وَمَا يتَعَلَّق بهَا، شرعنا فِي بَيَان مَوْضُوع علم أصُول الْفِقْه، وَهُوَ أَدِلَّة الْفِقْه، والمتفق عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة أَرْبَعَة: الْكتاب، وَالسّنة - وَهَذَا بِلَا نزاع - وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، وَالْمرَاد: اتِّفَاق الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وَمن نحا نحوهم، وَلَا اعْتِبَار بِخِلَاف من لَا يعْتد بقوله كالنظام فِي مُخَالفَته فِي الْإِجْمَاع، على اخْتِلَاف النَّقْل عَنهُ، هَل مذْهبه: أَن الْإِجْمَاع لَا يتَصَوَّر، أَو يتَصَوَّر وَلَكِن يتَعَذَّر نَقله على وَجهه، أَو لَا يتَعَذَّر وَلَكِن لَا حجَّة فِيهِ؟ ، وَهَذَا الثَّالِث هُوَ الْمُحَقق عَنهُ.
والنظام اسْمه: إِبْرَاهِيم بن [سيار] الْبَصْرِيّ، شيخ الْمُعْتَزلَة، وَإِلَيْهِ تنْسب النظامية إِحْدَى فرق الْمُعْتَزلَة، ينْسب إِلَيْهِ عظائم مِنْهَا: إِنْكَار الْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر، وَنَحْو ذَلِك، مِمَّا جعل بِهِ زنديقا.
وَسمي بالنظام؛ لِأَنَّهُ كَانَ ينظم الخرز فِي سوق الْبَصْرَة، وَيَزْعُم بعض الْمُعْتَزلَة: أَن ذَلِك لكَونه ينظم الْكَلَام.
يُقَال: إِنَّه سقط وَهُوَ سَكرَان فَمَاتَ سنة بضع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
وَكَذَا خَالف بعض الْخَوَارِج والرافضة فِيهِ، وَيَأْتِي ذَلِك فِي الْإِجْمَاع.
قَوْله: {فَهُوَ [مِنْهَا] } - أَي: من الْأُصُول - {خلافًا لأبي [الْمَعَالِي] } .
الصَّحِيح الَّذِي ذهب إِلَيْهِ جَمَاهِير الْعلمَاء وَقطع بِهِ كثير مِنْهُم: أَن الْقيَاس من جملَة أصُول الْفِقْه.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَجمع: لَيْسَ الْقيَاس من الْأُصُول، وتعلقوا بِأَنَّهُ لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن، وَالْحق هُوَ الأول، وَالثَّانِي ضَعِيف جدا، فَإِن الْقيَاس قد
يُفِيد الْقطع كَمَا سَيَأْتِي، وَإِن قُلْنَا: لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن، فخبر الْوَاحِد وَنَحْوه لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن.
قَوْله: {وَيَأْتِي غَيرهَا} .
أَي: يَأْتِي غير هَذِه الْأَرْبَعَة، وَهِي الْأُصُول الَّتِي اشْتهر الْخلاف فِيهَا: كالاستصحاب، وَشرع من قبلنَا، والاستقراء، وَمذهب الصَّحَابِيّ، وَالِاسْتِحْسَان، وَنَحْوهَا، تَأتي أَحْكَامهَا محررة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: {فَالْأَصْل: الْكتاب} ، وَهُوَ الْقُرْآن.
لَا شكّ أَن الْقُرْآن هُوَ أصل الْأَدِلَّة كلهَا، وَقد قَالَ الله تَعَالَى:{ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء} [النَّحْل: 89] فَفِيهِ الْبَيَان لجَمِيع الْأَحْكَام.
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي " الرسَالَة ": (لَيْسَ ينزل بِأحد فِي الدُّنْيَا نازلة إِلَّا وَفِي كتاب الله تَعَالَى الدَّلِيل على سَبِيل الْهدى) .
وَأورد بَعضهم مَا ثَبت ابْتِدَاء بِالسنةِ أَو غَيرهَا.
فَأجَاب ابْن السَّمْعَانِيّ: (بِأَنَّهُ مَأْخُوذ من كتاب الله تَعَالَى فِي الْحَقِيقَة، لِأَنَّهُ أوجب علينا فِيهِ اتِّبَاع الرَّسُول، وحذرنا من مُخَالفَته) .