المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أنه ثمل ".لكن في تكليفه إشكال، من حيث إنه يلزم أن يكون مكلفا بالعبادات كلها، ومنها الصلاة، ومكلفا بأن لا يصلي لهذه الآية، وهما متنافيان.ويمكن الجواب: بأنه منهي عن قربان الصلاة وهو سكران، ثم يزيل السكر ويصلي، كما يؤمر من هو - التحبير شرح التحرير - جـ ٣

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ فَمن ترك سنة من سنَنه فَرجل سوء) انْتهى.وَالَّذِي يظْهر: أَن إِطْلَاق الإِمَام أَحْمد أَنه رجل سوء، إِنَّمَا مُرَاده من اعْتقد أَنه غير سنة، وَتَركه لذَلِك، فَيبقى كَأَنَّهُ اعْتقد السّنة الَّتِي سنّهَا الرَّسُول غير سنة، فَهُوَ مُخَالف للرسول، ومعاند لما سنه.أَو أَنه تَركه

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ "، وَنَحْو ذَلِك من الْأَلْفَاظ المفيدة للْأَحْكَام الوضعية، بِخِلَاف خطاب التَّكْلِيف؛ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم خطاب الْوَضع، كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع: توضؤوا لَا عَن حدث، فَإِن هَذَا خطاب تكليفي بِفعل مُجَرّد عَن سَبَب مَوْضُوع أَو غَيره) انْتهى

- ‌ للمسيء فِي صلَاته: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ".)قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَهُوَ أحسن مَا حمل عَلَيْهِ نَحْو: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ

- ‌ لأبي بردة: " وَلنْ تجزيء عَن أحد بعْدك " على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي ضَبطه، وَهُوَ ضم التَّاء والهمزة، لَا على فتح التَّاء بِلَا همزَة، بِمَعْنى: تقضي وتغني.لَكِن نَحن نمْنَع ذَلِك، ونقول: بِأَن الدَّلِيل دلّ على أَنَّهَا سنة.وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على اسْتِعْمَال الْإِجْزَاء فِي

- ‌ من أَتَى عرافا لم تقبل لَهُ صَلَاة

- ‌ لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوله

- ‌ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك "، وفيهَا غرر، وَقد نهي عَنهُ.تَنْبِيه: فهم [مِمَّا] تقدم: أَن الرُّخْصَة لَا تكون مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أَمر أَبَا لَهب أَن يصدق بنزول هَذِه السُّورَة.فَقَوله: إِنَّه أَمر أَن يصدق بِأَن لَا يُؤمن، قَول بَاطِل لم يَنْقُلهُ أحد من عُلَمَاء الْمُسلمين، فنقله عَن الرَّسُول قَول بِلَا علم، بل كذب عَلَيْهِ.فَإِن قيل: فقد كَانَ الْإِيمَان وَاجِبا على أبي لَهب، وَمن الْإِيمَان أَن يُؤمن بِهَذَا

- ‌ فِي الْمَمْلُوك: " لَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا يُطيق " رَوَاهُ مُسلم، وَكَقَوْلِه:

- ‌ فِي أخباره، وَمِنْه: أَن لَا يصدقهُ، فقد كلف بتصديقه بِعَدَمِ تَصْدِيقه.ورد: كلفوا بتصديقه، وعِلم الله بِعَدَمِهِ، وإخباره بِهِ، لَا يمْنَع الْإِمْكَان الذاتي كَمَا سبق، لَكِن لَو كلفوا بتصديقه بعد علمهمْ بِعَدَمِهِ، لَكَانَ من بَاب مَا علم الْمُكَلف امْتنَاع وُقُوعه، وَمثله غير

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ "، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: (من منع تَكْلِيف الْمحَال، لم يجوز تَكْلِيف غافل.وَنقض: بِوُجُوب الْمعرفَة.ورد: باستثنائه) .قَالَ: (وَفِيه نظر)

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر "، وَفِي رِوَايَة: " يَحْتَلِم "، وَفِي رِوَايَة: " حَتَّى يبلغ "، " وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل

- ‌ مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، واضربوه عَلَيْهَا لعشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَمر بالعقوبة، وَلَا تشرع الْعقُوبَة إِلَّا لترك وَاجِب، لِأَن حد

- ‌ أَنه ثمل ".لَكِن فِي تَكْلِيفه إِشْكَال، من حَيْثُ إِنَّه يلْزم أَن يكون مُكَلّفا بالعبادات كلهَا، وَمِنْهَا الصَّلَاة، ومكلفا بِأَن لَا يُصَلِّي لهَذِهِ الْآيَة، وهما متنافيان.وَيُمكن الْجَواب: بِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن قرْبَان الصَّلَاة وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ يزِيل السكر وَيُصلي، كَمَا يُؤمر من هُوَ

- ‌(قَوْله {فصل} )

- ‌وَقَول من قَالَ: إِذا امْتنع خطاب الصَّبِي وَالْمَجْنُون، فالمعدوم أَجْدَر، ضَعِيف، لِأَنَّهُ فهم عَن الْحَنَابِلَة تَنْجِيز التَّكْلِيف، وَلم يعلم [التَّعْلِيق] ، وَأَن حكم الصَّبِي وَالْمَجْنُون كَحكم الْمَعْدُوم، وَمن الْأَدِلَّة - أَيْضا - للمسألة: قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّبعُوهُ}

- ‌ انْتهى

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {تَنْبِيه الْأَدِلَّة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس} )

- ‌ فَعَن الله [قبل] ) انْتهى.ثمَّ قيل: (الْقُرْآن: مَأْخُوذ من قَرَأَ: إِذا جمع، سمي بِهِ المقروء، كَمَا سمي الْمَكْتُوب كتابا) .قَالَ [أَبُو عُبَيْدَة] : (سمي بذلك لِأَنَّهُ يجمع السُّور ويضمها) .وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: (اخْتلف فِي الْقُرْآن: هَل هُوَ مُشْتَقّ أم لَا

- ‌(بَاب الْكتاب)

- ‌(قَوْله: {بَاب الْكتاب: الْقُرْآن} )

- ‌ معجز متعبد بتلاوته} .وَذكر ابْن الْحَاجِب وَغَيره: أَنه (الْكَلَام الْمنزل للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ) ، وَفِيه مَا فِيهِ، على مَا يَأْتِي فِي الاحترازات.فَالْكَلَام - فِي حَده -: جنس لكل مَا تكلم بِهِ من الْكتب وَغَيرهَا.والمنزل: احْتِرَاز عَن كَلَام النَّفس.وَقَوله:

- ‌ معجز متعبد بتلاوته) .فَفِيهِ تَنْقِيح زَائِد على حد ابْن الْحَاجِب وَغَيره.فقولنا: (كَلَام) جنس، وَهُوَ أولى من اللَّفْظ، لِأَن الْكَلَام أخص من اللَّفْظ، فَهُوَ جنس قريب، وَأولى من القَوْل، لموافقته الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} [

- ‌ أَمر أَن يتحداهم بِمَا جَاءَ بِهِ فَيَقُول: هَل تقدرون أَن تَأْتُوا بِمثل مَا قلته؟ فيعجز عَن ذَلِك، فقد أعجزهم ذَلِك القَوْل، فَهُوَ معجز.وَالسّنة معْجزَة بِالْقُوَّةِ، لكنه لم يطْلب مِنْهُم أَن يَأْتُوا بِمِثْلِهَا، وَالْقُرْآن معجز بِالْفِعْلِ، لكَونه تحداهم أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ، بِأَمْر الله لَهُ

- ‌ فَلَمَّا عجزوا، تحداهم بِدُونِ ذَلِك

- ‌ للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ، إِنَّمَا يقْصد مُرَاعَاة [الِاعْتِبَار] الأول، وَأما من يُرَاعِي الِاعْتِبَار الثَّانِي فَيكون: مَا أنزل للإعجاز، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول: بِسُورَة مِنْهُ، أَو يَقُول ذَلِك، وَيُرِيد: أَن " من " فِيهِ لابتداء الْغَايَة، لَا للتَّبْعِيض.وَقَالَ الْآمِدِيّ: (هُوَ الْقَابِل

- ‌ وبلغه

- ‌ قَالَ: " إِن الله تَعَالَى عَفا لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ ".وَقسم أهل اللِّسَان الْكَلَام إِلَى: اسْم، وَفعل، وحرف.وَاتفقَ الْفُقَهَاء كَافَّة: على أَن من حلف لَا يتَكَلَّم، لَا يَحْنَث بِدُونِ النُّطْق، وَإِن حدثته نَفسه.فَإِن

- ‌ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي "، وَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه: " مَا هَذَا كَلَامي وَلَا كَلَام صَاحِبي وَلكنه كَلَام الله تَعَالَى ".وَالْكَلَام: هُوَ الْحُرُوف الْمَنْظُومَة، والكلمات المفهومة، والأصوات الْمَعْلُومَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ من وَجْهَيْن:

- ‌ عُفيَ لأمي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ "، وَقَوله

- ‌ لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة…" الحَدِيث

- ‌ كل [كَلَام] ابْن آدم عَلَيْهِ لَا لَهُ…" الحَدِيث، وَقَالَ

- ‌ والحصى الَّذِي سبح فِي كفيه، والذراع المسمومة الَّتِي كَلمته.وَقَالَ ابْن مَسْعُود: " كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل

- ‌ إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما

- ‌ ويكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليما}

- ‌ غير حَدِيثه، فَإِن كَانَ ثَابتا فَإِنَّهُ يرجع إِلَى غَيره، كَمَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود - يَعْنِي: الَّذِي [قبله]- وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي: الَّذِي بعده -: إِن الْمَلَائِكَة يسمعُونَ عِنْد حُضُور الْوَحْي صَوتا، فَيحْتَمل أَن يكون الصَّوْت للسماء، أَو للْملك الْآتِي بِالْوَحْي، أَو لأجنحة

- ‌ ذكر الصَّوْت، وَصَححهُ الْحفاظ المقتدى بهم، فَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بتشبيه وَلَا تَعْطِيل، فقد صحت أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي

- ‌(سَأَلت أبي عَن قوم يَقُولُونَ: لما كلم الله مُوسَى، لم يتَكَلَّم بِصَوْت، فَقَالَ أبي: بلَى، تكلم بِصَوْت، هَذِه الْأَحَادِيث يمرونها كَمَا جَاءَت، وَقَالَ أبي: حَدِيث ابْن مَسْعُود: " إِذا تكلم الله سمع لَهُ صَوت كمر سلسلة على الصفوان ".وَقَالَ الْخلال: ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ

- ‌ أَنه كَانَ يحب أَن يكون الرجل خفيض الصَّوْت، وَأَن الله تَعَالَى يُنَادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب، فَلَيْسَ هَذَا لغير الله تَعَالَى.وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن صَوت الله تَعَالَى لَا يشبه صَوت الْخلق، لِأَن الله تَعَالَى يسمع من بعد كَمَا يسمع من قرب، وَأَن الْمَلَائِكَة

- ‌ ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب "، حمله بعض الْأَئِمَّة على مجَاز الْحَذف، أَي: يَأْمر من يُنَادي، واستبعده بعض من أثبت الصَّوْت: بِأَن فِي قَوْله: " يسمعهُ من بعد "، إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ من الْمَخْلُوقَات، لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثل هَذَا فيهم، وَبِأَن

- ‌ على لِسَان جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام، بعد مَا سَمعه جِبْرِيل من الله تَعَالَى، فتلاه جِبْرِيل على مُحَمَّد، وتلاه مُحَمَّد على أَصْحَابه، وتلاه أَصْحَابه على الْأمة، وَلم يصر بِتِلَاوَة المخلوقين لَهُ مخلوقا، [لِأَنَّهُ] ذَلِك الْكَلَام بِعَيْنِه الَّذِي تكلم الله بِهِ، وَأطَال فِي ذَلِك)

- ‌ أَرْبَعَة عشر حَدِيثا فِي الصَّوْت، كَمَا تقدم ذَلِك.وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه "، وَفِي " خلق أَفعَال الْعباد " جملَة من ذَلِك.وَكَذَلِكَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي " تصنيفه ".وَجمع الْحَافِظ الضياء الْمَقْدِسِي جُزْءا فِي ذَلِك.وَذكرت من ذَلِك فِي هَذَا الْكتاب جملَة صَالِحَة

- ‌ يَقُول: " يحْشر الله الْعباد - أَو قَالَ: يحْشر الله النَّاس - قَالَ: وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام عُرَاة غرلًا بهما.قَالَ: قلت: مَا بهما؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء، فينادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب: أَنا الْملك [أَنا] الديَّان، لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة

- ‌ حَدِيث فِي الْقصاص، وَكَانَ صَاحب الحَدِيث بِمصْر، فاشتريت بَعِيرًا، فشددت عَلَيْهِ رحلا، فسرت عَلَيْهِ حَتَّى وَردت مصر، فقصدت إِلَى بَاب الرجل الَّذِي بَلغنِي عَنهُ الحَدِيث، فقرعت الْبَاب، فَخرج إِلَيّ مَمْلُوك لَهُ، فَنظر فِي وَجْهي وَلم يكلمني، فَدخل على سَيّده فَقَالَ:

- ‌ فِي الْقصاص، وَلَا أَظن أحدا مِمَّن مضى أَو مِمَّن بَقِي أحفظ لَهُ مِنْك، قَالَ: نعم يَا جَابر: سَمِعت رَسُول الله

- ‌ قَالَ: " إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها تَصْدِيقًا لقَوْله، كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير…" إِلَى آخِره، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة

- ‌ إِن الله تَعَالَى إِذا تكلم بِالْوَحْي، سمع أهل السَّمَاء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصَّفَا، فيصعقون، فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عليه السلام، فَإِذا جَاءَهُم جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالَ: يَقُول الْحق، قَالَ:

- ‌ فزع أهل السَّمَوَات لانحطاطه، وسمعوا صَوت الْوَحْي كأشد مَا يكون صَوت الْحَدِيد على الصَّفَا، فَكلما مر بِأَهْل سَمَاء فُزّع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل بِمَ أمرت؟ فَيَقُول: نور الْعِزَّة الْعَظِيم، كَلَام الله بِلِسَان عَرَبِيّ ".الحَدِيث السَّابِع: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي

- ‌ يَقُول الله تَعَالَى: يَا آدم، فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك، فينادي بِصَوْت: إِن الله يَأْمُرك أَن تخرج من ذريتك بعثا إِلَى النَّار " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره.الحَدِيث التَّاسِع: مَا رَوَاهُ النواس بن سمْعَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله

- ‌ يعرض نَفسه على النَّاس بالموقف، وَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه؛ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة.الحَدِيث الْحَادِي عشر: مَا رَوَاهُ جَابر - أَيْضا - قَالَ: لما قتل أبي يَوْم

- ‌ يَا جَابر، أَلا أخْبرك بِمَا قَالَ الله تَعَالَى لأَبِيك، قَالَ: بلَى، قَالَ: وَمَا كلم الله أحدا إِلَّا من وَرَاء حجاب إِلَّا أَبَاك، فَكلم الله أَبَاك كفاحا، فَقَالَ: يَا عبد الله تمن عَليّ أعطك، قَالَ: يَا رب تردني فأقتل فِيك ثَانِيَة، فَقَالَ: سبق مني القَوْل: إِنَّهُم إِلَيْهَا

- ‌ مَا أذن الله لعبد فِي شَيْء أفضل من رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهمَا، وَإِن الْبر ليذر على رَأس العَبْد مَا دَامَ فِي صلَاته، وَمَا تقرب الْعباد إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ

- ‌ قَالَ: " فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الرب تَعَالَى على خلقه، وَذَلِكَ أَنه مِنْهُ

- ‌ فَقَالَ: " أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا، ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله؟ "، قَالُوا: بلَى، قَالَ: " فَإِن هَذَا الْقُرْآن سَبَب، طرفه بيد الله، وطرفه [بِأَيْدِيكُمْ] ، فَتمسكُوا بِهِ، فَإِنَّكُم لن تضلوا وَلنْ تهلكوا بعده أبدا "، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة "، وروى

- ‌ حَدِيث وَاحِد أَنه تكلم بِصَوْت، ورأينا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة - أَئِمَّة الْإِسْلَام الَّذين اعْتمد أهل الْإِسْلَام على أَقْوَالهم، وَعمِلُوا بهَا، ودونوها، ودانوا الله بهَا - صَرَّحُوا بِأَن الله تَعَالَى تكلم بِصَوْت لَا يُشبههُ صَوت مَخْلُوق بِوَجْه من الْوُجُوه الْبَتَّةَ، معتمدين على مَا صَحَّ عِنْدهم عَن

- ‌ قَالَ: " إِنَّكُم لن

- ‌ وَيَقُول بعقله هَذِه الْأَحَادِيث مشكلة، وَيلْزم مِنْهَا الْمَحْذُور الْعَظِيم.فَقَوْل من نتبع؟ قَول هَذَا الْقَائِل، أَو قَول من اتبع الْأَحَادِيث على حكم صِفَات الله اللائقة بجلاله وعظمته، وَالله أعلم.ونسأله التَّوْفِيق لما يرضيه عَنَّا من القَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، إِنَّه سميع

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِلَى الْأَئِمَّة فَمحل نظر، فَإِن أَسَانِيد الْأَئِمَّة السَّبْعَة بِهَذِهِ الْقرَاءَات [السَّبع] إِلَى النَّبِي

- ‌ وتواترت إِلَيْنَا، يكرهها أحد من الْعلمَاء، أَو من الْمُسلمين.فَعلمنَا بِهَذَا أَن هَذِه الصِّفَات لَيست متواترة، وَهُوَ وَاضح.وَكَذَلِكَ قِرَاءَة الْكسَائي، لِأَنَّهَا كَقِرَاءَة حَمْزَة فِي الإمالة والإدغام كَمَا نَقله [السرُوجِي] فِي الْغَايَة، فَلَو كَانَ ذَلِك متواترا لما كرهه أحد من

- ‌[فصل] )

- ‌ أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف ".) انْتهى.وَلم نر وَلم نسْمع أَن أحدا من الْعلمَاء الْقُرَّاء وَغَيرهم اسْتشْكل ذَلِك، وَلَا اعْترض عَلَيْهِ، فصح كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَنَقله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ بِكَلَام الله

- ‌ أَنه قَالَ: " من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ وَبِمَا لَا يعلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ.وَعَن جُنْدُب عَن النَّبِي

- ‌(بَاب السّنة)

- ‌{بَاب} [السّنة] )

- ‌ من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا " إِلَى آخِره

- ‌ وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالَه الطوفي، فَإِن عِبَارَته فِي " مُخْتَصره " كعبارتنا، وَحَاصِله: أَن للسّنة عرفا خَاصّا فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء.قَوْله: {قَول النَّبِي

- ‌ وَهُوَ نَوْعَانِ:

- ‌ عليا بِالْكِتَابَةِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَأمر بِالْكِتَابَةِ إِلَى الْمُلُوك، وَقَالَ

- ‌ وَارْتَفَعت أصواتهما حَتَّى سمعهما النَّبِي

- ‌ قُم فاقضه "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَاسم ابْن أبي حَدْرَد: عبد الله، وَاسم أَبِيه: سَلامَة بن عُمَيْر

- ‌[إِلَى] أبي بكر أَن يتَقَدَّم فِي الصَّلَاة، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَطَاف النَّبِي

- ‌ قَالَ: " فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه "، وَعقد تسعين

- ‌ بِيَدِهِ نَحْو الْيمن، فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَاهُنَا " الحَدِيث.وَفِي أبي دَاوُد عَن أبي حميد: " أَن النَّبِي

- ‌ الْإِشَارَة من الْجَارِيَة - فِي حَدِيث الأوضاح - مجْرى قَوْلهَا: إِن الْيَهُودِيّ قَتلهَا.وَمن ذَلِك قَول أَصْحَابنَا وَغَيرهم: إِشَارَة الْأَخْرَس بِمَنْزِلَة قَوْله، فِي الصَّلَاة، وَالْبيع، وَالطَّلَاق، وَغير ذَلِك، كَالْإِقْرَارِ، لَا فِي الشَّهَادَة وَنَحْوهَا.تَنْبِيه: من الْفِعْل - أَيْضا - عمل

- ‌ أَرَادَ

- ‌ أَن يكْتب إِلَى رَهْط أَو أنَاس من الْعَجم، فَقيل: إِنَّهُم لَا يقبلُونَ كتابا إِلَّا بِخَاتم، فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَمثله حَدِيث جَابر: " أَرَادَ النَّبِي

- ‌ أَنه ترك كَذَا، كَانَ - أَيْضا - من السّنة الفعلية، كَمَا ورد " أَنه

- ‌ عَادوا إِلَى الصَّلَاة، وَنَازع بعض الْعلمَاء فِي ذَلِك.وَلَكِن الْمُفِيد لهَذَا النَّوْع حَتَّى يرْوى عَنهُ، إِمَّا قَوْله: إِنَّه ترك كَذَا، أَو قيام الْقَرَائِن عِنْد الرَّاوِي الَّذِي يروي عَنهُ أَنه ترك كَذَا، إِذا لَا بُد من ذَلِك حَتَّى يعرف.تَنْبِيه آخر: قَوْلنَا: (غير الْوَحْي)

- ‌ من فعل أَو قَول غير الْقُرْآن) .وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَالْمرَاد هُنَا: قَول النَّبِي

- ‌ بِفعل وعاقه عَنهُ عائق، كَانَ ذَلِك الْفِعْل مَطْلُوبا شرعا؛ لِأَنَّهُ لَا يهم إِلَّا بِحَق مَحْبُوب مَطْلُوب شرعا؛ لأ [نه] مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات، وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان

- ‌ وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء، فَأَرَادَ رَسُول الله

- ‌ عَن إِنْكَار فعل أَو قَول بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه وَيعلم [بِهِ] .فإقرار من رَآهُ فعل أَو قَالَ شَيْئا على ذَلِك من السّنة قطعا، وَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك هُنَاكَ.وَزَاد الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: الْكِتَابَة، كَمَا تقدم.ورد: بأنما ذَلِك من قبيل القَوْل.وَزَاد - أَيْضا - التَّنْبِيه

- ‌ مَعْصُوم، والعصمة ثَابِتَة لَهُ ولسائر الْأَنْبِيَاء - صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ -.وَتَأْتِي تفاصيل أَفعاله، وَمَعَ أَقْوَاله - أَيْضا - وَمَا يجوز عَلَيْهِ، وَمَا لَا يجوز عَلَيْهِ.قَوْله: {وَهِي: سلب الْقُدْرَة على الْمعْصِيَة} .اخْتلف الْعلمَاء فِي حد الْعِصْمَة: فَقيل:

- ‌ قبل الْبعْثَة عقلا مَبْنِيّ على التقبيح الْعقلِيّ، فَمن أثْبته كالروافض منعهَا} ؛ للتنفير، فتنافي الْحِكْمَة، { [وقالته] الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر، [وَمن نفى التقبيح الْعقلِيّ لم يمْنَعهَا] } .إِنَّمَا قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل مَا بعْدهَا؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال بأفعالهم

- ‌ بِأَنَّهُ قصد بذلك التشريع، كَمَا فِي حَدِيث: " وَلَكِن أُنسى ".وَمِنْهُم من يعبر فِي هَذَا: بِأَنَّهُ تعتمد ذَلِك ليَقَع النسْيَان فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خطأ: لتصريحه

- ‌ إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم سبعين مرّة "، إِنَّمَا هُوَ [رُجُوعه من حَالَة إِلَى أرفع] مِنْهَا، لتزيد علومه، واطلاعه على أَمر الله، فَهُوَ يَتُوب من الْمنزلَة الأولى إِلَى الْأُخْرَى، وَالتَّوْبَة هُنَا لغوية) انْتهى، وَتقدم تَأْوِيل سَهْوه قَرِيبا

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ مُخْتَصًّا بِهِ فَوَاضِح} .وَله

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .قَوْله: {أَو جبليا} .أَعنِي: مَا كَانَ من أَفعاله جبليا وَاضحا: كالقيام وَالْقعُود، والذهاب وَالرُّجُوع، وَالْأكل وَالشرب، وَالنَّوْم والاستيقاظ، وَنَحْوهَا، {فمباح، قطع بِهِ الْأَكْثَر} وَلم يحكوا فِيهِ خلافًا

- ‌ فِي التَّسَرِّي، واختفائه فِي الْغَار ثَلَاثًا {وَقَالَ: " مَا بَلغنِي حَدِيث إِلَّا عملت بِهِ، حَتَّى أعطي الْحجام دِينَارا ".وَورد} أَيْضا {عَن} الإِمَام {الشَّافِعِي} ذَلِك، فَإِنَّهُ جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ

- ‌ شرب قَائِما ".ومنشأ الْخلاف فِي ذَلِك: تعَارض الأَصْل وَالظَّاهِر، فَإِن الأَصْل عدم التشريع، وَالظَّاهِر فِي أَفعاله التشريع؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات.قلت: أَكثر مَا حكيناه من الْأَمْثِلَة مَنْدُوب، نَص عَلَيْهِ إمامنا وَأَصْحَابه: كذهابه من طَرِيق ورجوعه فِي أُخْرَى فِي

- ‌ كَانَ يجلس إِذا رفع رَأسه من السُّجُود قبل أَن ينْهض " مُتَّفق عَلَيْهِ.وَحمله الْمُوفق وَجَمَاعَة: على أَن جُلُوسه كَانَ فِي آخر عمره حِين ضعف

- ‌ كَقَوْلِه

- ‌ الْإِعْلَام بِهِ، لوُجُوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ.فَإِن قلت: لَا يتَعَيَّن التَّبْلِيغ بِالْفِعْلِ.قلت: لَا يخرج ذَلِك عَن كَونه وَاجِبا، فَإِن الْوَاجِب الْمُخَير تُوصَف كل من خصاله بِالْوُجُوب

- ‌ سوى الْفِعْل، لِأَنَّهُ يفعل الشَّيْء لجِهَة الْفضل، ويفعله وَهُوَ خَاص بِهِ، وَإِذا أَمر بالشَّيْء فَهُوَ للْمُسلمين) .قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (ظَاهره الْوَقْف فِي تعديته إِلَى أمته وَإِن علمت صفته؛ لتعليله بِاحْتِمَال تَخْصِيصه) .وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه أَقيس، وَقَالَهُ بعض الْأُصُولِيِّينَ

- ‌ هَل هُوَ وَاجِب، أَو مَنْدُوب، أَو مُبَاح؟ { [بِأُمُور] :[مِنْهَا: النَّص] } مِنْهُ على ذَلِك، بِأَن يَقُول: هَذَا وَاجِب عَليّ، أَو مُسْتَحبّ، أَو مُبَاح، أَو معنى ذَلِك، بِذكر خَاصَّة من خواصه، أَو نَحْو ذَلِك

- ‌ يجب عَلَيْهِ بَيَان الشَّرْع للْأمة بقوله أَو فعله، فَإِذا أَتَى بِالْفِعْلِ بَيَانا أَتَى بِوَاجِب، وَإِن كَانَ الْفِعْل بَيَانا لأمر ندب أَو إِبَاحَة بِالنِّسْبَةِ للْأمة.فللفعل حِينَئِذٍ جهتان: جِهَة التشريع وَصفته الْوُجُوب، وجهة مَا يتَعَلَّق بِفعل الْأمة تَابع لأصله من ندب أَو إِبَاحَة

- ‌ يُفِيد الْإِبَاحَة، إِذا لم يكن فِيهِ معنى الْقرْبَة، فِي قَول الْجُمْهُور) .{ [وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه] وَاجِب} ، اخْتَارَهُ جمَاعَة، وَحكي عَن ابْن سُرَيج، والإصطخري، وَابْن خيران، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهم، كَمَا تقدم.قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (وَلَا وَجه لَهُ) على مَا

- ‌(فصل)

- ‌ نَعله فِي الصَّلَاة خلعوا نعَالهمْ، رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَرُوِيَ مُرْسلا.وَلما أَمرهم بالتحلل فِي صلح الْحُدَيْبِيَة - رَوَاهُ البُخَارِيّ - تمسكوا.وَسَأَلَهُ

- ‌ إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان، فقد وَجب الْغسْل "، أَو بِفعل هُوَ بَيَان لقَوْله: {وَإِن كُنْتُم جنبا} [الْمَائِدَة:

- ‌ لأجل أَنه فعل، وَكَذَا التّرْك}

- ‌ الْمَكْرُوه ليبين بِهِ الْجَوَاز، بل فعله يَنْفِي

- ‌ لبَيَان الْجَوَاز، وَيكون أفضل فِي حَقه) .وَخلاف الأولى كالمكروه، وَإِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ.وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي وضوء النَّبِي

- ‌ محصورة فِي الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب، وَأما الْمحرم فَلَا يَفْعَله الْبَتَّةَ، وَاخْتلف فِي الْمَكْرُوه، وَالصَّحِيح: أَنه لَا يَفْعَله كَمَا قَالَه من أَصْحَابنَا القَاضِي وَغَيره، أَو يَفْعَله لبَيَان الْجَوَاز للمعارض، كَمَا قَالَه ابْن مُفْلِح وَغَيره، أَو يَفْعَله نَادرا كَمَا قَالَ جمَاعَة، كَمَا تقدم ذَلِك كُله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ عَن إِنْكَار [فعل أَو قَول] ، بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه [عَالما بِهِ] ، دلّ على جَوَازه [حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح] ، وَإِن سبق تَحْرِيمه فنسخ} ؛ لِئَلَّا يكون سُكُوته محرما، وَلِأَن فِيهِ تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، لإيهام الْجَوَاز والنسخ، ولاسيما إِن استبشر بِهِ.وَلذَلِك احْتج

- ‌ بذلك وَأَعْجَبهُ "، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَضعف ابْن الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي هَذِه الْحجَّة، لِأَن ترك إِنْكَاره لموافقته الْحق، وسُر لإلزام من طعن فِي نسب أُسَامَة، لما يلْزم على اعْتِقَاده فِي إِثْبَات النّسَب بالقافة.ورد: بِأَن مُوَافقَة الْحق لَا تجوز ترك إِنْكَار طَرِيق مُنكر

- ‌ أَن وجوب إِنْكَاره الْمُنكر لَا يسْقط عَنهُ بالخوف على نَفسه، وَإِن كَانَ ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لعدم تحقق خَوفه، بعد إِخْبَار الله تَعَالَى عَنهُ بعصمته من النَّاس.وَقَوْلنَا: (حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح) .أَعنِي: أَن الْجَوَاز لَا يخْتَص بالفاعل الَّذِي سكت عَنهُ، بل يتَعَدَّى إِلَى غَيره من

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌[وَلَو اخْتلفَا] ، وَأمكن اجْتِمَاعهمَا كَصَوْم وَصَلَاة، أَو لَا، لَكِن لَا [يتناقض] حكماهما، فَلَا تعَارض، وَكَذَا إِن تنَاقض، كصومه فِي وَقت وَأكله فِي مثله، لَكِن: إِن دلّ دَلِيل على وجوب تكَرر [الأول لَهُ، أَو لأمته] ، أَو أقرّ من أكل فِي مثله، فنسخ} .الصَّادِر مِنْهُ

- ‌ إِن تماثلا: كَفعل صَلَاة، ثمَّ فعلهَا مرّة أُخْرَى فِي [وَقت] آخر، أَو اخْتلفَا وَأمكن اجْتِمَاعهمَا: كَفعل صَوْم وَفعل صَلَاة، أَو لَا يُمكن اجْتِمَاعهمَا لَكِن لَا يتناقض حكماهما، فَلَا تعَارض بَينهمَا؛ لِإِمْكَان الْجمع، وَحَيْثُ أمكن الْجمع امْتنع التَّعَارُض، وَكَذَا إِن تنَاقض: كصومه

- ‌ وَلِهَذَا جَاءَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّوْم فِي السّفر، مَعَ أَنه قد صَحَّ عَنهُ التَّخْيِير فِي الْأَمريْنِ) ، انْتهى كَلَام الْمجد

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ قَول وَفعل كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر، فَفِيهِ [اثْنَتَانِ] وَسَبْعُونَ مَسْأَلَة

- ‌ فَلَو [عَملنَا] بالْقَوْل أمكن الْجمع بَينهمَا من وَجه، وَلَو [عَملنَا] بِالْفِعْلِ لم يُمكن، وَالْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ وَلَو بِوَجْه أولى.وَاسْتدلَّ لوُجُوب الْعَمَل بِالْفِعْلِ: أَن الْفِعْل أقوى دلَالَة من القَوْل؛ لِأَن الْفِعْل يتَبَيَّن بِهِ القَوْل، لِأَن مثل قَوْله

- ‌ كَمَا سبق؟قيل: لِأَن القَوْل بالتوقف ضَعِيف هُنَا، لأَنا متعبدون بِالْعَمَلِ، والتوقف فِيهِ إبِْطَال الْعَمَل، وَنفي للتعبد بِهِ، بِخِلَاف الَّذِي قبله، وَهُوَ التَّوَقُّف فِي حق الرَّسُول، لعدم تعبدنا بِهِ.قَوْله: {وَإِن عَم القَوْل، فالمتأخر نَاسخ [فِي حَقه وحقنا] } ، لوُجُوب

- ‌[فالمتأخر] نَاسخ} ، إِن علم التَّارِيخ.قَوْله: {فَإِن جهل} .أَي: التَّارِيخ، فِي حَقه { [فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة] } الْمُتَقَدّمَة

- ‌ لعدم وجوب تكَرر الْفِعْل.{ [وَأما فِي حق الْأمة، فَالْقَوْل الْمُتَأَخر] نَاسخ} للْفِعْل [قبل]

- ‌ لثُبُوت الْعِصْمَة) .وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، خلافًا لِابْنِ الباقلاني.قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (الأول قَول الْجُمْهُور، حَتَّى أحالوا الْخَطَأ مِنْهُم فِيهِ، إِذا لم يشترطوا انْقِرَاض الْعَصْر) انْتهى.قلت: تَأتي هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا فِي أول الْإِجْمَاع، وَالله أعلم

الفصل: ‌ أنه ثمل ".لكن في تكليفه إشكال، من حيث إنه يلزم أن يكون مكلفا بالعبادات كلها، ومنها الصلاة، ومكلفا بأن لا يصلي لهذه الآية، وهما متنافيان.ويمكن الجواب: بأنه منهي عن قربان الصلاة وهو سكران، ثم يزيل السكر ويصلي، كما يؤمر من هو

وَأما الثَّالِث، فَلِأَنَّهُ يلْزم أَن من بِهِ مباديء النشاة وَله تَمْيِيز تحرم عَلَيْهِ الصَّلَاة، وَهُوَ بَاطِل، على أَن لفظ الثمل لَيْسَ هُوَ كَمَا [فهم] من حملهَا على النشوان الَّذِي فِيهِ أَوَائِل الطَّرب، فَإِنَّهُ خلاف قَول أهل اللُّغَة إِن الثمل: هُوَ الطافح، وَلذَلِك جَاءَ فِي حَدِيث حَمْزَة: " فَعرف النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -‌

‌ أَنه ثمل ".

لَكِن فِي تَكْلِيفه إِشْكَال، من حَيْثُ إِنَّه يلْزم أَن يكون مُكَلّفا بالعبادات كلهَا، وَمِنْهَا الصَّلَاة، ومكلفا بِأَن لَا يُصَلِّي لهَذِهِ الْآيَة، وهما متنافيان.

وَيُمكن الْجَواب: بِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن قرْبَان الصَّلَاة وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ يزِيل السكر وَيُصلي، كَمَا يُؤمر من هُوَ

مُحدث بِإِزَالَة الْحَدث وَيُصلي، مَعَ أَنه مَنْهِيّ عَن الصَّلَاة حَال [حَدثهُ] ، فَهُوَ مَأْمُور مَنْهِيّ باعتبارين، فَإِن كَانَ إِزَالَته

ص: 1191

لَيست مقدورة لَهُ، فَهُوَ معاقب تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، لِأَن التَّفْرِيع على كَونه لَيْسَ عَاقِلا، وَأَنه تعلق بِهِ الْخطاب، غَايَته - هُنَا - أَن يكون مُكَلّفا بِمَا لَا يطيقه، فَهُوَ من جَوَاز التَّكْلِيف بالمحال، وَالله أعلم.

وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ على تَكْلِيفه: أَن النَّص لم يذكرهُ فِي جملَة من رفع عَنهُ الْقَلَم.

وَقَالَ عَليّ رضي الله عنه: (إِذا سكر هذى، وَإِذا هذى افترى، وعَلى المفتري ثَمَانُون جلدَة) إِسْنَاده جيد، رَوَاهُ مَالك وَالدَّارَقُطْنِيّ.

وَجمع عمر أَصْحَابه رضي الله عنهم فاستشارهم، فَقَالَ عَليّ:(إِذا سكر افترى) رَوَاهُ أَحْمد.

ص: 1192

فارغة

ص: 1193

وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل وَغَيره: (وُقُوع طَلَاقه من بَاب ربط الْأَحْكَام بالأسباب) .

قَوْله: {كمعذور بِهِ، [أَو مغمى عَلَيْهِ] وآكل بنج، نصا، ونائم، وناس، وَفِي " الْمقنع ": ومخط، فِي الْأَصَح فِيهِنَّ} .

ذكرنَا فِي هَذِه الْجُمْلَة مسَائِل لَا يُكَلف صَاحبهَا على الْأَصَح من الْمَذْهَب.

إِحْدَاهَا: الْمَعْذُور بالسكر - كالمكره عَلَيْهِ - هَل يُكَلف أم لَا؟

فِيهِ خلاف، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب: أَن حكمه حكم الْمغمى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُون فِي تَكْلِيفه وَعَدَمه، على مَا يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ.

قَالَ ابْن مُفْلِح: (فَدلَّ: أَن السكر لَا يزِيل الْعقل، لكنه يغطيه: كالنوم وَالْإِغْمَاء، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم، وَفِي كَلَام أَصْحَابنَا مَا يدل على خلاف ذَلِك) .

ص: 1194

وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى فِي " الْجَامِع الْكَبِير " فِي كتاب الطَّلَاق: (فَأَما إِن أكره على شربهَا، احْتمل أَن يكون حكمه حكم الْمُخْتَار، لما فِيهِ من اللَّذَّة، وَاحْتمل أَن لَا يكون حكمه حكم الْمُخْتَار لسُقُوط المأثم عَنهُ وَالْحَد.

قَالَ: وَإِنَّمَا يخرج هَذَا على الرِّوَايَة الَّتِي تَقول: إِن الْإِكْرَاه يُؤثر فِي شربهَا، فَأَما إِن قُلْنَا: إِن الْإِكْرَاه لَا يُؤثر فِي شربهَا فَحكمه حكم الْمُخْتَار) انْتهى.

الثَّانِيَة: الْمغمى عَلَيْهِ، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب: أَنه غير مُكَلّف حَال إغمائه، بل هُوَ أولى من السَّكْرَان الْمُكْره فِي عدم التَّكْلِيف، وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد.

وَقيل: مُكَلّف.

ص: 1195

فالمغمى عَلَيْهِ فرع مُتَرَدّد بَين النَّائِم وَالْمَجْنُون، فبالنظر إِلَى كَون عقله لم يزل، بل ستره الْإِغْمَاء فَهُوَ كالنائم، وَلِهَذَا قيل: بِأَنَّهُ إِذا شم البنج أَفَاق، وبالنظر إِلَى كَونه إِذا نبه لم ينتبه يشبه الْمَجْنُون، وَلِهَذَا اخْتلف فِي الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِهِ، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب: أَنه مُلْحق فِي الْأَحْكَام بالنائم.

وَفِيه أَحْكَام كَثِيرَة ذكرهَا فِي " قَوَاعِد الْأُصُول ".

الثَّالِثَة: آكل البنج، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب: إِن أكله لغيره حَاجَة - إِذا زَالَ الْعقل - كَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَقع طَلَاق من تنَاوله، وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، لِأَنَّهُ لَا لَذَّة فِيهِ، وَفرق الإِمَام أَحْمد بَين آكله وَبَين شَارِب الْخمر، فألحقه بالمجنون.

وَعنهُ: هُوَ كَالسَّكْرَانِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين.

ص: 1196

قَالَ: (لِأَنَّهُ قصد إِزَالَة الْعقل بِسَبَب محرم) .

وَقَالَ القَاضِي فِي " الْجَامِع الْكَبِير ": (إِن زل عقله بالبنج نظرت، فَإِن تداوى بِهِ فَهُوَ مَعْذُور، وَيكون الحكم فِيهِ كَالْمَجْنُونِ، وَإِن تنَاول مَا يزِيل عقله لغير حَاجَة كَانَ حكمه كَالسَّكْرَانِ) .

وَالرَّابِعَة، وَالْخَامِسَة: النَّائِم وَالنَّاسِي، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب: أَنَّهُمَا غير مكلفين حَال النّوم وَالنِّسْيَان؛ [لِأَن] الْإِتْيَان بِالْفِعْلِ الْمعِين على وَجه الِامْتِثَال يتَوَقَّف على الْعلم بِالْفِعْلِ الْمَأْمُور بِهِ، لِأَن الِامْتِثَال: عبارَة عَن قصد إِيقَاع الْمَأْمُور بِهِ على وَجه الطَّاعَة، وَيلْزم من ذَلِك علم الْمَأْمُور بتوجه الْأَمر نَحوه وبالفعل، فَهُوَ مُسْتَحِيل عقلا لعدم الْفَهم، كَمَا تقدم فِي السَّكْرَان، بِدَلِيل عدم تحرزهم من المضار وَقصد الْفِعْل بلطف ومداراة، بِخِلَاف الطِّفْل وَالْمَجْنُون، فَإِنَّهُمَا يفهمان ويقصدان الْفِعْل عِنْد التلطف بهما، ويحترزان من المضار، بل والبهيمة كَذَلِك.

ص: 1197

ويخص النَّائِم وَالنَّاسِي لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: " رفع الْقَلَم عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ "، و " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان ".

ص: 1198

وَألْحق ابْن حمدَان فِي " مقنعه " المخطيء بهما، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد نَص عَلَيْهِ صَاحب الشَّرِيعَة - صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ - وَقَوله تَعَالَى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ} [الْأَحْزَاب: 5] ، وَهُوَ معنى الحَدِيث، والْحَدِيث فِيهِ ضعف.

فَقَالَ فِي " الْمقنع ": (المخطيء غير مُكَلّف بِمَا هُوَ مخط فِيهِ.

ثمَّ قَالَ: قلت: فالنائم والمغمى عَلَيْهِ أَسْوَأ حَالا من المخطيء، فَلَا يكلفان، وَالْقَضَاء إِن وَجب فبخطاب وضع وإخبار، لوُجُود سَببه فِي حَقّهمَا، وَهُوَ الْأَهْلِيَّة الْقَرِيبَة حصولا، حَقِيقَة، لَا بِأَمْر أول أَو ثَان) .

فَائِدَة: المخطيء: اسْم فَاعل من أَخطَأ يخطيء إخطاء خلاف الْعمد، وَاسم الْمصدر: الْخَطَأ - بِفَتْح الْخَاء والطاء -، وَأما خطيء - بِكَسْر الطَّاء - يخطأ بِفَتْحِهَا، بِوَزْن علم يعلم - فَمَعْنَاه: أَثم، والمصدر: الخطء - بِكَسْر الْخَاء

ص: 1199

وَسُكُون الطَّاء -، قَالَ الله تَعَالَى:{إِن قَتلهمْ كَانَ خطئا كَبِيرا} [الْإِسْرَاء: 31]، أَي: إِثْمًا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتغْفر لنا ذنوبها إِنَّا كُنَّا خاطئين} [يُوسُف: 97] ، وَقد يُطلق الخاطيء بِمَعْنى المخطيء.

قَوْله: {وَالْمكْره الْمَحْمُول كالآلة غير مُكَلّف، عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر} .

وَهُوَ مِمَّا لَا يُطَاق.

قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (إِذا انْتهى الْإِكْرَاه إِلَى سلب الْقُدْرَة وَالِاخْتِيَار، فَهَذَا غير مُكَلّف إِجْمَاعًا) انْتهى.

ص: 1200

وَقَالَت الْحَنَفِيَّة: مُكَلّف، حَكَاهُ عَنْهُم ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ".

ص: 1201

{وَلنَا وَجه: [أَنه إِذا حلف: لَا يفعل كَذَا، فأكره على فعله حَتَّى بَقِي كالآلة، فَإِنَّهُ يَحْنَث] } ، وَحكي رِوَايَة عَن أَحْمد.

قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَذكر بعض أَصْحَابنَا وَجها، وَبَعْضهمْ رِوَايَة فِي الْيَمين: يَحْنَث) .

وَحكى الطوفي فِي " مُخْتَصره " عَن الْأَصْحَاب: أَنه مُكَلّف مُطلقًا كالحنفية.

قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَهُوَ سَهْو) ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وحكاية ابْن قَاضِي الْجَبَل الْإِجْمَاع فِيهِ نظر أَيْضا، إِلَّا أَن يُرِيد أَنه غير مأثوم، فَمُسلم.

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (الْمُكْره كالآلة يمْتَنع تَكْلِيفه، قيل: بِاتِّفَاق، لَكِن الْآمِدِيّ أَشَارَ إِلَى أَن تطرقه الْخلاف من التَّكْلِيف بالمحال، لتصور الِابْتِلَاء مِنْهُ، بِخِلَاف الغافل.

ص: 1202

وَفِي مَذْهَبنَا وَجه أَن الصَّائِم إِذا أوجر مكْرها يفْطر، لَكِن لَيْسَ لكَونه مُكَلّفا، بل لِأَن الْفطر عِنْده: مَا يصل إِلَى الْجوف مُطلقًا، فَيرجع إِلَى خطاب الْوَضع، فَلَا تَكْلِيف بِفعل الملجأ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِب الْوُقُوع، وَلَا بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنع) .

قَوْله: {وبالتهديد وَالضَّرْب مُكَلّف عندنَا وَعند الْأَكْثَر خلافًا للمعتزلة والطوفي} .

وَالْمذهب: الأول - وَهُوَ مَذْهَب أَكثر الْعلمَاء، مِنْهُم: الشَّافِعِيَّة، وَغَيرهم - لصِحَّة الْفِعْل مِنْهُ وَتَركه، وَنسبَة الْفِعْل إِلَيْهِ حَقِيقَة، وَلِهَذَا يَأْثَم الْمُكْره بِالْقَتْلِ بِلَا خلاف، قَالَه الْمُوفق فِي " الْمُغنِي "، مَعَ أَنه علل أحد الْقَوْلَيْنِ لنا وللشافعية فِيمَا إِذا علق طَلَاقا بقدوم زيد، فَقدم مكْرها: لَا يَحْنَث، لزوَال اخْتِيَاره بِالْإِكْرَاهِ.

وَذَهَبت الْمُعْتَزلَة والطوفي - من أَصْحَابنَا - إِلَى أَنه غير مُكَلّف.

فَقَالَ فِي " مُخْتَصره ": (وَالْعدْل الظَّاهِر الشَّرْعِيّ، يَقْتَضِي عدم تَكْلِيفه) .

ص: 1203

وَقَالَ قبل ذَلِك فِي بِنَاء الْمَسْأَلَة: (وَالْحق: أَن الْخلاف فِيهِ مَبْنِيّ على خلق الْأَفْعَال، وَمن رَآهَا خلق الله قَالَ بتكليف الْمُكْره، إِذْ جَمِيع الْأَفْعَال وَاجِبَة بِفعل الله تَعَالَى، فالتكليف بإيجاد الْمَأْمُور بِهِ مِنْهَا، وَترك الْمنْهِي، غير مَقْدُور، وَهَذَا أبلغ، وَمن لَا فَلَا) انْتهى.

قَالَت الْمُعْتَزلَة: (لَا يجوز تَكْلِيفه بِعبَادة، لِأَن من أصلهم وجوب إثابة الْمُكَلف، والمحمول على الشَّيْء لَا يُثَاب عَلَيْهِ) .

وَأطلق جمَاعَة عَنْهُم: لَا يُكَلف، وألزمهم الباقلاني: الْإِكْرَاه على الْقَتْل.

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَهِي هفوة عَظِيمَة؛ لأَنهم لم يمنعوا النَّهْي عَن الشَّيْء مَعَ الْإِكْرَاه، بل الِاضْطِرَار إِلَى فعل شَيْء مَعَ الْأَمر بِهِ) .

فَمحل الْخلاف فِي التَّكْلِيف بِعَين الْمُكْره عَلَيْهِ، وَتَحْرِيم الْقَتْل تَكْلِيف بِتَرْكِهِ.

وَفِي كَلَام أبي الْمَعَالِي نظر، لِأَن القَاضِي إِنَّمَا رد عَلَيْهِم بذلك، لِأَن

ص: 1204

الْقُدْرَة عِنْدهم شَرط فِي تَكْلِيفه، وَلَا تتَحَقَّق إِلَّا بِأَن يقدر على الشَّيْء وضده عِنْدهم أَيْضا، فتحريم الْقَتْل الَّذِي أكره عَلَيْهِ دَلِيل على أَنه قَادر، فَلَا وَجه لمنعهم التَّكْلِيف بِعَين الْمُكْره عَلَيْهِ مُطلقًا، هَذَا كُله معنى كَلَام ابْن التلمساني.

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَأما الْمُكْره غير الملجأ فَلَا يمْتَنع تَكْلِيفه، وَمُقَابِله ينْقل عَن الْحَنَفِيَّة، وَرُبمَا نقل عَن الْمُعْتَزلَة، لَكِن الأثبت فِي النَّقْل عَنْهُم، كَمَا قَالَ ابْن التلمساني، أَنه يمْتَنع التَّكْلِيف بِفعل الْمُكْره، لاشْتِرَاط كَون الْمَأْمُور بِهِ بِحَيْثُ يُثَاب عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُثَاب هُنَا، لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ لداعي الْإِكْرَاه لَا لداعي الشَّرْع، وَلَا يمْتَنع التَّكْلِيف بِتَرْكِهِ، فَإِنَّهُ إِذا ترك كَانَ أبلغ فِي إِجَابَة دَاعِي الشَّرْع) .

تَنْبِيه: هَذِه الْمَسْأَلَة مُخْتَلفَة الحكم فِي الْفُرُوع فِي الْمَذْهَب، بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَقْوَال، وَالْأَفْعَال، فِي حق الله وَحقّ العَبْد، على مَا لَا يخفى، وَالْأَشْهر عندنَا: نَفْيه فِي حق الله تَعَالَى، وثبوته فِي حق العَبْد.

وَضَابِط الْمَذْهَب - أَيْضا -: أَن الْإِكْرَاه لَا يُبِيح [الْأَفْعَال، وَإِنَّمَا

ص: 1205

يُبِيح] الْأَقْوَال، وَإِن اخْتلف فِي بعض الْأَفْعَال، وَاخْتلف التَّرْجِيح.

وَلِصَاحِب الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة مسَائِل فِي ذَلِك كَثِيرَة، مُخْتَلفَة الْأَحْكَام.

قَوْله: {ويبيح الْإِكْرَاه مَا قبح ابْتِدَاء، خلافًا للمعتزلة} .

بِنَاء مِنْهُم على التحسين والتقبيح العقليين، وَقد مضى الْكَلَام فِي ذَلِك بِمَا فِيهِ مقنع.

وَاسْتدلَّ الْجَمَاعَة لذَلِك: بِإِبَاحَة كلمة الْكفْر بِالْإِكْرَاهِ بِالْآيَةِ، وبالإجماع، وَفِيهِمَا كِفَايَة.

ص: 1206

قَوْله: {وَالْمكْره بِحَق مُكَلّف، عِنْد الْأَرْبَعَة وَغَيرهم} .

وَقد ذكر الْفُقَهَاء فِي الْأَحْكَام من البيع وَغَيره، وَمن ذَلِك إِكْرَاه الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ على الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ يَصح مِنْهُمَا، وهما مكلفان بذلك، وإكراه الْحَاكِم الْمَدْيُون بِالْوَفَاءِ مَعَ الْقُدْرَة، وَنَحْو ذَلِك من الْأَحْكَام.

{فَائِدَة [تتَعَلَّق بهَا] :} قَالَ الإِمَام {أَحْمد و [أَكثر الْعلمَاء] : (لَا يجب على الله [تَعَالَى] شَيْء) .

ص: 1207

قَالَ ابْن عقيل [وَغَيره] : (لَا عقلا وَلَا شرعا) .

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَجمع [من] أَصْحَابنَا وَغَيرهم: (يجب عَلَيْهِ شرعا بفضله وَكَرمه) ، وَحكي عَن أهل السّنة.

قَالَ الشَّيْخ [تَقِيّ الدّين] : (أَكثر النَّاس يثبت استحقاقا زَائِدا على مُجَرّد الْوَعْد) .

وَعند الْمُعْتَزلَة: يجب عَلَيْهِ رِعَايَة الْأَصْلَح} .

وَجه تعلق هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَسْأَلَة الْإِكْرَاه: أَن الله تَعَالَى توعد العَاصِي، وتارك الْوَاجِب عَلَيْهِ من الْعِبَادَات وَغَيرهَا بالعقوبة، ووعد الْمُطِيع، وفاعل الْوَاجِب عَلَيْهِ من الْعِبَادَات وَغَيرهَا بالثواب، وَكَذَلِكَ فَاعل المستحبات، فَلَا يُقَال:[إِن من يتوعده] تَعَالَى يكون الْفَاعِل مكْرها كَمَا لَو أكرهه أحد من النَّاس على ذَلِك، هَذَا مَا ظهر لي من ذَلِك، فَإِن ابْن مُفْلِح أَدخل هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مَسْأَلَة الْمُكْره.

إِذا علم ذَلِك: فَأكْثر أهل السّنة قَالُوا: لَا يجب على الله تَعَالَى شَيْء، مِنْهُم: الإِمَام أَحْمد، وَغَيره من الْأَئِمَّة وأتباعهم، بل يثيب الْمُطِيع بفضله

ص: 1208

وَرَحمته وَكَرمه، حَتَّى قَالَ ابْن عقيل وَغَيره من الْعلمَاء:(لَا يجب على الله [شَيْء] لَا عقلا وَلَا شرعا) .

قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَمعنى كَلَام جمَاعَة من أَصْحَابنَا: أَنه يجب عَلَيْهِ شرعا بفضله وَكَرمه، وَلِهَذَا أوجبوا إِخْرَاج الْمُوَحِّدين من النَّار بوعده) .

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} [الرّوم: 47] : (أَي: وَاجِبا أوجبه هُوَ) .

وَذكره بعض الشَّافِعِيَّة عَن أهل السّنة.

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (أَكثر النَّاس يثبت استحقاقا زَائِدا على مُجَرّد الْوَعْد، لهَذِهِ الْآيَة، وَلِحَدِيث معَاذ:" أَتَدْرِي مَا حق الله على الْعباد، وَمَا حق الْعباد على الله ".

ص: 1209

وَعند الْمُعْتَزلَة: يجب عَلَيْهِ رِعَايَة الْأَصْلَح، وَهِي قَاعِدَة من قواعدهم، وَلِهَذَا قَالُوا هُنَا: لَا يجوز تَكْلِيف الْمُكْره بِعبَادة، لِأَن من أصلهم: وجوب إثابة الْمُكَلف، والمحمول على الشَّيْء كرها لَا يُثَاب عَلَيْهِ.

وَعِنْدنَا وَعند الْأَكْثَر: لَا يقف الْأَمر على الْمصلحَة، بل يجوز أَن يَأْمر بِمَا لَا مصلحَة فِيهِ للْمَأْمُور، وَلَكِن التَّكْلِيف إِنَّمَا وَقع على وَجه الْمصلحَة، بِنَاء على أَنه قد يَأْمر بِمَا لَا يُرِيد كَونه، وَأَنه لَا يجب عَلَيْهِ رِعَايَة الصّلاح والأصلح، وَأَنه سُبْحَانَهُ لَا يقبح مِنْهُ شَيْء، بل يفعل مَا يَشَاء.

هَذَا كَلَام القَاضِي، نَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وَذكر مَأْخَذ الْمَسْأَلَة وَطوله فِي " المسودة ".

ص: 1210