المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(قوله: {فصل} ) - التحبير شرح التحرير - جـ ٣

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ فَمن ترك سنة من سنَنه فَرجل سوء) انْتهى.وَالَّذِي يظْهر: أَن إِطْلَاق الإِمَام أَحْمد أَنه رجل سوء، إِنَّمَا مُرَاده من اعْتقد أَنه غير سنة، وَتَركه لذَلِك، فَيبقى كَأَنَّهُ اعْتقد السّنة الَّتِي سنّهَا الرَّسُول غير سنة، فَهُوَ مُخَالف للرسول، ومعاند لما سنه.أَو أَنه تَركه

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ "، وَنَحْو ذَلِك من الْأَلْفَاظ المفيدة للْأَحْكَام الوضعية، بِخِلَاف خطاب التَّكْلِيف؛ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم خطاب الْوَضع، كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع: توضؤوا لَا عَن حدث، فَإِن هَذَا خطاب تكليفي بِفعل مُجَرّد عَن سَبَب مَوْضُوع أَو غَيره) انْتهى

- ‌ للمسيء فِي صلَاته: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ".)قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَهُوَ أحسن مَا حمل عَلَيْهِ نَحْو: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ

- ‌ لأبي بردة: " وَلنْ تجزيء عَن أحد بعْدك " على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي ضَبطه، وَهُوَ ضم التَّاء والهمزة، لَا على فتح التَّاء بِلَا همزَة، بِمَعْنى: تقضي وتغني.لَكِن نَحن نمْنَع ذَلِك، ونقول: بِأَن الدَّلِيل دلّ على أَنَّهَا سنة.وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على اسْتِعْمَال الْإِجْزَاء فِي

- ‌ من أَتَى عرافا لم تقبل لَهُ صَلَاة

- ‌ لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوله

- ‌ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك "، وفيهَا غرر، وَقد نهي عَنهُ.تَنْبِيه: فهم [مِمَّا] تقدم: أَن الرُّخْصَة لَا تكون مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أَمر أَبَا لَهب أَن يصدق بنزول هَذِه السُّورَة.فَقَوله: إِنَّه أَمر أَن يصدق بِأَن لَا يُؤمن، قَول بَاطِل لم يَنْقُلهُ أحد من عُلَمَاء الْمُسلمين، فنقله عَن الرَّسُول قَول بِلَا علم، بل كذب عَلَيْهِ.فَإِن قيل: فقد كَانَ الْإِيمَان وَاجِبا على أبي لَهب، وَمن الْإِيمَان أَن يُؤمن بِهَذَا

- ‌ فِي الْمَمْلُوك: " لَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا يُطيق " رَوَاهُ مُسلم، وَكَقَوْلِه:

- ‌ فِي أخباره، وَمِنْه: أَن لَا يصدقهُ، فقد كلف بتصديقه بِعَدَمِ تَصْدِيقه.ورد: كلفوا بتصديقه، وعِلم الله بِعَدَمِهِ، وإخباره بِهِ، لَا يمْنَع الْإِمْكَان الذاتي كَمَا سبق، لَكِن لَو كلفوا بتصديقه بعد علمهمْ بِعَدَمِهِ، لَكَانَ من بَاب مَا علم الْمُكَلف امْتنَاع وُقُوعه، وَمثله غير

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ "، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: (من منع تَكْلِيف الْمحَال، لم يجوز تَكْلِيف غافل.وَنقض: بِوُجُوب الْمعرفَة.ورد: باستثنائه) .قَالَ: (وَفِيه نظر)

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر "، وَفِي رِوَايَة: " يَحْتَلِم "، وَفِي رِوَايَة: " حَتَّى يبلغ "، " وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل

- ‌ مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، واضربوه عَلَيْهَا لعشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَمر بالعقوبة، وَلَا تشرع الْعقُوبَة إِلَّا لترك وَاجِب، لِأَن حد

- ‌ أَنه ثمل ".لَكِن فِي تَكْلِيفه إِشْكَال، من حَيْثُ إِنَّه يلْزم أَن يكون مُكَلّفا بالعبادات كلهَا، وَمِنْهَا الصَّلَاة، ومكلفا بِأَن لَا يُصَلِّي لهَذِهِ الْآيَة، وهما متنافيان.وَيُمكن الْجَواب: بِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن قرْبَان الصَّلَاة وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ يزِيل السكر وَيُصلي، كَمَا يُؤمر من هُوَ

- ‌(قَوْله {فصل} )

- ‌وَقَول من قَالَ: إِذا امْتنع خطاب الصَّبِي وَالْمَجْنُون، فالمعدوم أَجْدَر، ضَعِيف، لِأَنَّهُ فهم عَن الْحَنَابِلَة تَنْجِيز التَّكْلِيف، وَلم يعلم [التَّعْلِيق] ، وَأَن حكم الصَّبِي وَالْمَجْنُون كَحكم الْمَعْدُوم، وَمن الْأَدِلَّة - أَيْضا - للمسألة: قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّبعُوهُ}

- ‌ انْتهى

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {تَنْبِيه الْأَدِلَّة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس} )

- ‌ فَعَن الله [قبل] ) انْتهى.ثمَّ قيل: (الْقُرْآن: مَأْخُوذ من قَرَأَ: إِذا جمع، سمي بِهِ المقروء، كَمَا سمي الْمَكْتُوب كتابا) .قَالَ [أَبُو عُبَيْدَة] : (سمي بذلك لِأَنَّهُ يجمع السُّور ويضمها) .وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: (اخْتلف فِي الْقُرْآن: هَل هُوَ مُشْتَقّ أم لَا

- ‌(بَاب الْكتاب)

- ‌(قَوْله: {بَاب الْكتاب: الْقُرْآن} )

- ‌ معجز متعبد بتلاوته} .وَذكر ابْن الْحَاجِب وَغَيره: أَنه (الْكَلَام الْمنزل للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ) ، وَفِيه مَا فِيهِ، على مَا يَأْتِي فِي الاحترازات.فَالْكَلَام - فِي حَده -: جنس لكل مَا تكلم بِهِ من الْكتب وَغَيرهَا.والمنزل: احْتِرَاز عَن كَلَام النَّفس.وَقَوله:

- ‌ معجز متعبد بتلاوته) .فَفِيهِ تَنْقِيح زَائِد على حد ابْن الْحَاجِب وَغَيره.فقولنا: (كَلَام) جنس، وَهُوَ أولى من اللَّفْظ، لِأَن الْكَلَام أخص من اللَّفْظ، فَهُوَ جنس قريب، وَأولى من القَوْل، لموافقته الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} [

- ‌ أَمر أَن يتحداهم بِمَا جَاءَ بِهِ فَيَقُول: هَل تقدرون أَن تَأْتُوا بِمثل مَا قلته؟ فيعجز عَن ذَلِك، فقد أعجزهم ذَلِك القَوْل، فَهُوَ معجز.وَالسّنة معْجزَة بِالْقُوَّةِ، لكنه لم يطْلب مِنْهُم أَن يَأْتُوا بِمِثْلِهَا، وَالْقُرْآن معجز بِالْفِعْلِ، لكَونه تحداهم أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ، بِأَمْر الله لَهُ

- ‌ فَلَمَّا عجزوا، تحداهم بِدُونِ ذَلِك

- ‌ للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ، إِنَّمَا يقْصد مُرَاعَاة [الِاعْتِبَار] الأول، وَأما من يُرَاعِي الِاعْتِبَار الثَّانِي فَيكون: مَا أنزل للإعجاز، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول: بِسُورَة مِنْهُ، أَو يَقُول ذَلِك، وَيُرِيد: أَن " من " فِيهِ لابتداء الْغَايَة، لَا للتَّبْعِيض.وَقَالَ الْآمِدِيّ: (هُوَ الْقَابِل

- ‌ وبلغه

- ‌ قَالَ: " إِن الله تَعَالَى عَفا لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ ".وَقسم أهل اللِّسَان الْكَلَام إِلَى: اسْم، وَفعل، وحرف.وَاتفقَ الْفُقَهَاء كَافَّة: على أَن من حلف لَا يتَكَلَّم، لَا يَحْنَث بِدُونِ النُّطْق، وَإِن حدثته نَفسه.فَإِن

- ‌ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي "، وَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه: " مَا هَذَا كَلَامي وَلَا كَلَام صَاحِبي وَلكنه كَلَام الله تَعَالَى ".وَالْكَلَام: هُوَ الْحُرُوف الْمَنْظُومَة، والكلمات المفهومة، والأصوات الْمَعْلُومَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ من وَجْهَيْن:

- ‌ عُفيَ لأمي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ "، وَقَوله

- ‌ لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة…" الحَدِيث

- ‌ كل [كَلَام] ابْن آدم عَلَيْهِ لَا لَهُ…" الحَدِيث، وَقَالَ

- ‌ والحصى الَّذِي سبح فِي كفيه، والذراع المسمومة الَّتِي كَلمته.وَقَالَ ابْن مَسْعُود: " كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل

- ‌ إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما

- ‌ ويكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليما}

- ‌ غير حَدِيثه، فَإِن كَانَ ثَابتا فَإِنَّهُ يرجع إِلَى غَيره، كَمَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود - يَعْنِي: الَّذِي [قبله]- وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي: الَّذِي بعده -: إِن الْمَلَائِكَة يسمعُونَ عِنْد حُضُور الْوَحْي صَوتا، فَيحْتَمل أَن يكون الصَّوْت للسماء، أَو للْملك الْآتِي بِالْوَحْي، أَو لأجنحة

- ‌ ذكر الصَّوْت، وَصَححهُ الْحفاظ المقتدى بهم، فَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بتشبيه وَلَا تَعْطِيل، فقد صحت أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي

- ‌(سَأَلت أبي عَن قوم يَقُولُونَ: لما كلم الله مُوسَى، لم يتَكَلَّم بِصَوْت، فَقَالَ أبي: بلَى، تكلم بِصَوْت، هَذِه الْأَحَادِيث يمرونها كَمَا جَاءَت، وَقَالَ أبي: حَدِيث ابْن مَسْعُود: " إِذا تكلم الله سمع لَهُ صَوت كمر سلسلة على الصفوان ".وَقَالَ الْخلال: ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ

- ‌ أَنه كَانَ يحب أَن يكون الرجل خفيض الصَّوْت، وَأَن الله تَعَالَى يُنَادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب، فَلَيْسَ هَذَا لغير الله تَعَالَى.وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن صَوت الله تَعَالَى لَا يشبه صَوت الْخلق، لِأَن الله تَعَالَى يسمع من بعد كَمَا يسمع من قرب، وَأَن الْمَلَائِكَة

- ‌ ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب "، حمله بعض الْأَئِمَّة على مجَاز الْحَذف، أَي: يَأْمر من يُنَادي، واستبعده بعض من أثبت الصَّوْت: بِأَن فِي قَوْله: " يسمعهُ من بعد "، إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ من الْمَخْلُوقَات، لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثل هَذَا فيهم، وَبِأَن

- ‌ على لِسَان جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام، بعد مَا سَمعه جِبْرِيل من الله تَعَالَى، فتلاه جِبْرِيل على مُحَمَّد، وتلاه مُحَمَّد على أَصْحَابه، وتلاه أَصْحَابه على الْأمة، وَلم يصر بِتِلَاوَة المخلوقين لَهُ مخلوقا، [لِأَنَّهُ] ذَلِك الْكَلَام بِعَيْنِه الَّذِي تكلم الله بِهِ، وَأطَال فِي ذَلِك)

- ‌ أَرْبَعَة عشر حَدِيثا فِي الصَّوْت، كَمَا تقدم ذَلِك.وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه "، وَفِي " خلق أَفعَال الْعباد " جملَة من ذَلِك.وَكَذَلِكَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي " تصنيفه ".وَجمع الْحَافِظ الضياء الْمَقْدِسِي جُزْءا فِي ذَلِك.وَذكرت من ذَلِك فِي هَذَا الْكتاب جملَة صَالِحَة

- ‌ يَقُول: " يحْشر الله الْعباد - أَو قَالَ: يحْشر الله النَّاس - قَالَ: وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام عُرَاة غرلًا بهما.قَالَ: قلت: مَا بهما؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء، فينادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب: أَنا الْملك [أَنا] الديَّان، لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة

- ‌ حَدِيث فِي الْقصاص، وَكَانَ صَاحب الحَدِيث بِمصْر، فاشتريت بَعِيرًا، فشددت عَلَيْهِ رحلا، فسرت عَلَيْهِ حَتَّى وَردت مصر، فقصدت إِلَى بَاب الرجل الَّذِي بَلغنِي عَنهُ الحَدِيث، فقرعت الْبَاب، فَخرج إِلَيّ مَمْلُوك لَهُ، فَنظر فِي وَجْهي وَلم يكلمني، فَدخل على سَيّده فَقَالَ:

- ‌ فِي الْقصاص، وَلَا أَظن أحدا مِمَّن مضى أَو مِمَّن بَقِي أحفظ لَهُ مِنْك، قَالَ: نعم يَا جَابر: سَمِعت رَسُول الله

- ‌ قَالَ: " إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها تَصْدِيقًا لقَوْله، كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير…" إِلَى آخِره، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة

- ‌ إِن الله تَعَالَى إِذا تكلم بِالْوَحْي، سمع أهل السَّمَاء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصَّفَا، فيصعقون، فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عليه السلام، فَإِذا جَاءَهُم جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالَ: يَقُول الْحق، قَالَ:

- ‌ فزع أهل السَّمَوَات لانحطاطه، وسمعوا صَوت الْوَحْي كأشد مَا يكون صَوت الْحَدِيد على الصَّفَا، فَكلما مر بِأَهْل سَمَاء فُزّع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل بِمَ أمرت؟ فَيَقُول: نور الْعِزَّة الْعَظِيم، كَلَام الله بِلِسَان عَرَبِيّ ".الحَدِيث السَّابِع: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي

- ‌ يَقُول الله تَعَالَى: يَا آدم، فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك، فينادي بِصَوْت: إِن الله يَأْمُرك أَن تخرج من ذريتك بعثا إِلَى النَّار " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره.الحَدِيث التَّاسِع: مَا رَوَاهُ النواس بن سمْعَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله

- ‌ يعرض نَفسه على النَّاس بالموقف، وَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه؛ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة.الحَدِيث الْحَادِي عشر: مَا رَوَاهُ جَابر - أَيْضا - قَالَ: لما قتل أبي يَوْم

- ‌ يَا جَابر، أَلا أخْبرك بِمَا قَالَ الله تَعَالَى لأَبِيك، قَالَ: بلَى، قَالَ: وَمَا كلم الله أحدا إِلَّا من وَرَاء حجاب إِلَّا أَبَاك، فَكلم الله أَبَاك كفاحا، فَقَالَ: يَا عبد الله تمن عَليّ أعطك، قَالَ: يَا رب تردني فأقتل فِيك ثَانِيَة، فَقَالَ: سبق مني القَوْل: إِنَّهُم إِلَيْهَا

- ‌ مَا أذن الله لعبد فِي شَيْء أفضل من رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهمَا، وَإِن الْبر ليذر على رَأس العَبْد مَا دَامَ فِي صلَاته، وَمَا تقرب الْعباد إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ

- ‌ قَالَ: " فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الرب تَعَالَى على خلقه، وَذَلِكَ أَنه مِنْهُ

- ‌ فَقَالَ: " أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا، ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله؟ "، قَالُوا: بلَى، قَالَ: " فَإِن هَذَا الْقُرْآن سَبَب، طرفه بيد الله، وطرفه [بِأَيْدِيكُمْ] ، فَتمسكُوا بِهِ، فَإِنَّكُم لن تضلوا وَلنْ تهلكوا بعده أبدا "، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة "، وروى

- ‌ حَدِيث وَاحِد أَنه تكلم بِصَوْت، ورأينا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة - أَئِمَّة الْإِسْلَام الَّذين اعْتمد أهل الْإِسْلَام على أَقْوَالهم، وَعمِلُوا بهَا، ودونوها، ودانوا الله بهَا - صَرَّحُوا بِأَن الله تَعَالَى تكلم بِصَوْت لَا يُشبههُ صَوت مَخْلُوق بِوَجْه من الْوُجُوه الْبَتَّةَ، معتمدين على مَا صَحَّ عِنْدهم عَن

- ‌ قَالَ: " إِنَّكُم لن

- ‌ وَيَقُول بعقله هَذِه الْأَحَادِيث مشكلة، وَيلْزم مِنْهَا الْمَحْذُور الْعَظِيم.فَقَوْل من نتبع؟ قَول هَذَا الْقَائِل، أَو قَول من اتبع الْأَحَادِيث على حكم صِفَات الله اللائقة بجلاله وعظمته، وَالله أعلم.ونسأله التَّوْفِيق لما يرضيه عَنَّا من القَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، إِنَّه سميع

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِلَى الْأَئِمَّة فَمحل نظر، فَإِن أَسَانِيد الْأَئِمَّة السَّبْعَة بِهَذِهِ الْقرَاءَات [السَّبع] إِلَى النَّبِي

- ‌ وتواترت إِلَيْنَا، يكرهها أحد من الْعلمَاء، أَو من الْمُسلمين.فَعلمنَا بِهَذَا أَن هَذِه الصِّفَات لَيست متواترة، وَهُوَ وَاضح.وَكَذَلِكَ قِرَاءَة الْكسَائي، لِأَنَّهَا كَقِرَاءَة حَمْزَة فِي الإمالة والإدغام كَمَا نَقله [السرُوجِي] فِي الْغَايَة، فَلَو كَانَ ذَلِك متواترا لما كرهه أحد من

- ‌[فصل] )

- ‌ أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف ".) انْتهى.وَلم نر وَلم نسْمع أَن أحدا من الْعلمَاء الْقُرَّاء وَغَيرهم اسْتشْكل ذَلِك، وَلَا اعْترض عَلَيْهِ، فصح كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَنَقله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ بِكَلَام الله

- ‌ أَنه قَالَ: " من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ وَبِمَا لَا يعلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ.وَعَن جُنْدُب عَن النَّبِي

- ‌(بَاب السّنة)

- ‌{بَاب} [السّنة] )

- ‌ من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا " إِلَى آخِره

- ‌ وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالَه الطوفي، فَإِن عِبَارَته فِي " مُخْتَصره " كعبارتنا، وَحَاصِله: أَن للسّنة عرفا خَاصّا فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء.قَوْله: {قَول النَّبِي

- ‌ وَهُوَ نَوْعَانِ:

- ‌ عليا بِالْكِتَابَةِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَأمر بِالْكِتَابَةِ إِلَى الْمُلُوك، وَقَالَ

- ‌ وَارْتَفَعت أصواتهما حَتَّى سمعهما النَّبِي

- ‌ قُم فاقضه "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَاسم ابْن أبي حَدْرَد: عبد الله، وَاسم أَبِيه: سَلامَة بن عُمَيْر

- ‌[إِلَى] أبي بكر أَن يتَقَدَّم فِي الصَّلَاة، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَطَاف النَّبِي

- ‌ قَالَ: " فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه "، وَعقد تسعين

- ‌ بِيَدِهِ نَحْو الْيمن، فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَاهُنَا " الحَدِيث.وَفِي أبي دَاوُد عَن أبي حميد: " أَن النَّبِي

- ‌ الْإِشَارَة من الْجَارِيَة - فِي حَدِيث الأوضاح - مجْرى قَوْلهَا: إِن الْيَهُودِيّ قَتلهَا.وَمن ذَلِك قَول أَصْحَابنَا وَغَيرهم: إِشَارَة الْأَخْرَس بِمَنْزِلَة قَوْله، فِي الصَّلَاة، وَالْبيع، وَالطَّلَاق، وَغير ذَلِك، كَالْإِقْرَارِ، لَا فِي الشَّهَادَة وَنَحْوهَا.تَنْبِيه: من الْفِعْل - أَيْضا - عمل

- ‌ أَرَادَ

- ‌ أَن يكْتب إِلَى رَهْط أَو أنَاس من الْعَجم، فَقيل: إِنَّهُم لَا يقبلُونَ كتابا إِلَّا بِخَاتم، فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَمثله حَدِيث جَابر: " أَرَادَ النَّبِي

- ‌ أَنه ترك كَذَا، كَانَ - أَيْضا - من السّنة الفعلية، كَمَا ورد " أَنه

- ‌ عَادوا إِلَى الصَّلَاة، وَنَازع بعض الْعلمَاء فِي ذَلِك.وَلَكِن الْمُفِيد لهَذَا النَّوْع حَتَّى يرْوى عَنهُ، إِمَّا قَوْله: إِنَّه ترك كَذَا، أَو قيام الْقَرَائِن عِنْد الرَّاوِي الَّذِي يروي عَنهُ أَنه ترك كَذَا، إِذا لَا بُد من ذَلِك حَتَّى يعرف.تَنْبِيه آخر: قَوْلنَا: (غير الْوَحْي)

- ‌ من فعل أَو قَول غير الْقُرْآن) .وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَالْمرَاد هُنَا: قَول النَّبِي

- ‌ بِفعل وعاقه عَنهُ عائق، كَانَ ذَلِك الْفِعْل مَطْلُوبا شرعا؛ لِأَنَّهُ لَا يهم إِلَّا بِحَق مَحْبُوب مَطْلُوب شرعا؛ لأ [نه] مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات، وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان

- ‌ وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء، فَأَرَادَ رَسُول الله

- ‌ عَن إِنْكَار فعل أَو قَول بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه وَيعلم [بِهِ] .فإقرار من رَآهُ فعل أَو قَالَ شَيْئا على ذَلِك من السّنة قطعا، وَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك هُنَاكَ.وَزَاد الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: الْكِتَابَة، كَمَا تقدم.ورد: بأنما ذَلِك من قبيل القَوْل.وَزَاد - أَيْضا - التَّنْبِيه

- ‌ مَعْصُوم، والعصمة ثَابِتَة لَهُ ولسائر الْأَنْبِيَاء - صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ -.وَتَأْتِي تفاصيل أَفعاله، وَمَعَ أَقْوَاله - أَيْضا - وَمَا يجوز عَلَيْهِ، وَمَا لَا يجوز عَلَيْهِ.قَوْله: {وَهِي: سلب الْقُدْرَة على الْمعْصِيَة} .اخْتلف الْعلمَاء فِي حد الْعِصْمَة: فَقيل:

- ‌ قبل الْبعْثَة عقلا مَبْنِيّ على التقبيح الْعقلِيّ، فَمن أثْبته كالروافض منعهَا} ؛ للتنفير، فتنافي الْحِكْمَة، { [وقالته] الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر، [وَمن نفى التقبيح الْعقلِيّ لم يمْنَعهَا] } .إِنَّمَا قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل مَا بعْدهَا؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال بأفعالهم

- ‌ بِأَنَّهُ قصد بذلك التشريع، كَمَا فِي حَدِيث: " وَلَكِن أُنسى ".وَمِنْهُم من يعبر فِي هَذَا: بِأَنَّهُ تعتمد ذَلِك ليَقَع النسْيَان فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خطأ: لتصريحه

- ‌ إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم سبعين مرّة "، إِنَّمَا هُوَ [رُجُوعه من حَالَة إِلَى أرفع] مِنْهَا، لتزيد علومه، واطلاعه على أَمر الله، فَهُوَ يَتُوب من الْمنزلَة الأولى إِلَى الْأُخْرَى، وَالتَّوْبَة هُنَا لغوية) انْتهى، وَتقدم تَأْوِيل سَهْوه قَرِيبا

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ مُخْتَصًّا بِهِ فَوَاضِح} .وَله

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .قَوْله: {أَو جبليا} .أَعنِي: مَا كَانَ من أَفعاله جبليا وَاضحا: كالقيام وَالْقعُود، والذهاب وَالرُّجُوع، وَالْأكل وَالشرب، وَالنَّوْم والاستيقاظ، وَنَحْوهَا، {فمباح، قطع بِهِ الْأَكْثَر} وَلم يحكوا فِيهِ خلافًا

- ‌ فِي التَّسَرِّي، واختفائه فِي الْغَار ثَلَاثًا {وَقَالَ: " مَا بَلغنِي حَدِيث إِلَّا عملت بِهِ، حَتَّى أعطي الْحجام دِينَارا ".وَورد} أَيْضا {عَن} الإِمَام {الشَّافِعِي} ذَلِك، فَإِنَّهُ جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ

- ‌ شرب قَائِما ".ومنشأ الْخلاف فِي ذَلِك: تعَارض الأَصْل وَالظَّاهِر، فَإِن الأَصْل عدم التشريع، وَالظَّاهِر فِي أَفعاله التشريع؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات.قلت: أَكثر مَا حكيناه من الْأَمْثِلَة مَنْدُوب، نَص عَلَيْهِ إمامنا وَأَصْحَابه: كذهابه من طَرِيق ورجوعه فِي أُخْرَى فِي

- ‌ كَانَ يجلس إِذا رفع رَأسه من السُّجُود قبل أَن ينْهض " مُتَّفق عَلَيْهِ.وَحمله الْمُوفق وَجَمَاعَة: على أَن جُلُوسه كَانَ فِي آخر عمره حِين ضعف

- ‌ كَقَوْلِه

- ‌ الْإِعْلَام بِهِ، لوُجُوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ.فَإِن قلت: لَا يتَعَيَّن التَّبْلِيغ بِالْفِعْلِ.قلت: لَا يخرج ذَلِك عَن كَونه وَاجِبا، فَإِن الْوَاجِب الْمُخَير تُوصَف كل من خصاله بِالْوُجُوب

- ‌ سوى الْفِعْل، لِأَنَّهُ يفعل الشَّيْء لجِهَة الْفضل، ويفعله وَهُوَ خَاص بِهِ، وَإِذا أَمر بالشَّيْء فَهُوَ للْمُسلمين) .قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (ظَاهره الْوَقْف فِي تعديته إِلَى أمته وَإِن علمت صفته؛ لتعليله بِاحْتِمَال تَخْصِيصه) .وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه أَقيس، وَقَالَهُ بعض الْأُصُولِيِّينَ

- ‌ هَل هُوَ وَاجِب، أَو مَنْدُوب، أَو مُبَاح؟ { [بِأُمُور] :[مِنْهَا: النَّص] } مِنْهُ على ذَلِك، بِأَن يَقُول: هَذَا وَاجِب عَليّ، أَو مُسْتَحبّ، أَو مُبَاح، أَو معنى ذَلِك، بِذكر خَاصَّة من خواصه، أَو نَحْو ذَلِك

- ‌ يجب عَلَيْهِ بَيَان الشَّرْع للْأمة بقوله أَو فعله، فَإِذا أَتَى بِالْفِعْلِ بَيَانا أَتَى بِوَاجِب، وَإِن كَانَ الْفِعْل بَيَانا لأمر ندب أَو إِبَاحَة بِالنِّسْبَةِ للْأمة.فللفعل حِينَئِذٍ جهتان: جِهَة التشريع وَصفته الْوُجُوب، وجهة مَا يتَعَلَّق بِفعل الْأمة تَابع لأصله من ندب أَو إِبَاحَة

- ‌ يُفِيد الْإِبَاحَة، إِذا لم يكن فِيهِ معنى الْقرْبَة، فِي قَول الْجُمْهُور) .{ [وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه] وَاجِب} ، اخْتَارَهُ جمَاعَة، وَحكي عَن ابْن سُرَيج، والإصطخري، وَابْن خيران، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهم، كَمَا تقدم.قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (وَلَا وَجه لَهُ) على مَا

- ‌(فصل)

- ‌ نَعله فِي الصَّلَاة خلعوا نعَالهمْ، رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَرُوِيَ مُرْسلا.وَلما أَمرهم بالتحلل فِي صلح الْحُدَيْبِيَة - رَوَاهُ البُخَارِيّ - تمسكوا.وَسَأَلَهُ

- ‌ إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان، فقد وَجب الْغسْل "، أَو بِفعل هُوَ بَيَان لقَوْله: {وَإِن كُنْتُم جنبا} [الْمَائِدَة:

- ‌ لأجل أَنه فعل، وَكَذَا التّرْك}

- ‌ الْمَكْرُوه ليبين بِهِ الْجَوَاز، بل فعله يَنْفِي

- ‌ لبَيَان الْجَوَاز، وَيكون أفضل فِي حَقه) .وَخلاف الأولى كالمكروه، وَإِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ.وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي وضوء النَّبِي

- ‌ محصورة فِي الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب، وَأما الْمحرم فَلَا يَفْعَله الْبَتَّةَ، وَاخْتلف فِي الْمَكْرُوه، وَالصَّحِيح: أَنه لَا يَفْعَله كَمَا قَالَه من أَصْحَابنَا القَاضِي وَغَيره، أَو يَفْعَله لبَيَان الْجَوَاز للمعارض، كَمَا قَالَه ابْن مُفْلِح وَغَيره، أَو يَفْعَله نَادرا كَمَا قَالَ جمَاعَة، كَمَا تقدم ذَلِك كُله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ عَن إِنْكَار [فعل أَو قَول] ، بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه [عَالما بِهِ] ، دلّ على جَوَازه [حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح] ، وَإِن سبق تَحْرِيمه فنسخ} ؛ لِئَلَّا يكون سُكُوته محرما، وَلِأَن فِيهِ تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، لإيهام الْجَوَاز والنسخ، ولاسيما إِن استبشر بِهِ.وَلذَلِك احْتج

- ‌ بذلك وَأَعْجَبهُ "، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَضعف ابْن الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي هَذِه الْحجَّة، لِأَن ترك إِنْكَاره لموافقته الْحق، وسُر لإلزام من طعن فِي نسب أُسَامَة، لما يلْزم على اعْتِقَاده فِي إِثْبَات النّسَب بالقافة.ورد: بِأَن مُوَافقَة الْحق لَا تجوز ترك إِنْكَار طَرِيق مُنكر

- ‌ أَن وجوب إِنْكَاره الْمُنكر لَا يسْقط عَنهُ بالخوف على نَفسه، وَإِن كَانَ ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لعدم تحقق خَوفه، بعد إِخْبَار الله تَعَالَى عَنهُ بعصمته من النَّاس.وَقَوْلنَا: (حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح) .أَعنِي: أَن الْجَوَاز لَا يخْتَص بالفاعل الَّذِي سكت عَنهُ، بل يتَعَدَّى إِلَى غَيره من

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌[وَلَو اخْتلفَا] ، وَأمكن اجْتِمَاعهمَا كَصَوْم وَصَلَاة، أَو لَا، لَكِن لَا [يتناقض] حكماهما، فَلَا تعَارض، وَكَذَا إِن تنَاقض، كصومه فِي وَقت وَأكله فِي مثله، لَكِن: إِن دلّ دَلِيل على وجوب تكَرر [الأول لَهُ، أَو لأمته] ، أَو أقرّ من أكل فِي مثله، فنسخ} .الصَّادِر مِنْهُ

- ‌ إِن تماثلا: كَفعل صَلَاة، ثمَّ فعلهَا مرّة أُخْرَى فِي [وَقت] آخر، أَو اخْتلفَا وَأمكن اجْتِمَاعهمَا: كَفعل صَوْم وَفعل صَلَاة، أَو لَا يُمكن اجْتِمَاعهمَا لَكِن لَا يتناقض حكماهما، فَلَا تعَارض بَينهمَا؛ لِإِمْكَان الْجمع، وَحَيْثُ أمكن الْجمع امْتنع التَّعَارُض، وَكَذَا إِن تنَاقض: كصومه

- ‌ وَلِهَذَا جَاءَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّوْم فِي السّفر، مَعَ أَنه قد صَحَّ عَنهُ التَّخْيِير فِي الْأَمريْنِ) ، انْتهى كَلَام الْمجد

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ قَول وَفعل كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر، فَفِيهِ [اثْنَتَانِ] وَسَبْعُونَ مَسْأَلَة

- ‌ فَلَو [عَملنَا] بالْقَوْل أمكن الْجمع بَينهمَا من وَجه، وَلَو [عَملنَا] بِالْفِعْلِ لم يُمكن، وَالْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ وَلَو بِوَجْه أولى.وَاسْتدلَّ لوُجُوب الْعَمَل بِالْفِعْلِ: أَن الْفِعْل أقوى دلَالَة من القَوْل؛ لِأَن الْفِعْل يتَبَيَّن بِهِ القَوْل، لِأَن مثل قَوْله

- ‌ كَمَا سبق؟قيل: لِأَن القَوْل بالتوقف ضَعِيف هُنَا، لأَنا متعبدون بِالْعَمَلِ، والتوقف فِيهِ إبِْطَال الْعَمَل، وَنفي للتعبد بِهِ، بِخِلَاف الَّذِي قبله، وَهُوَ التَّوَقُّف فِي حق الرَّسُول، لعدم تعبدنا بِهِ.قَوْله: {وَإِن عَم القَوْل، فالمتأخر نَاسخ [فِي حَقه وحقنا] } ، لوُجُوب

- ‌[فالمتأخر] نَاسخ} ، إِن علم التَّارِيخ.قَوْله: {فَإِن جهل} .أَي: التَّارِيخ، فِي حَقه { [فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة] } الْمُتَقَدّمَة

- ‌ لعدم وجوب تكَرر الْفِعْل.{ [وَأما فِي حق الْأمة، فَالْقَوْل الْمُتَأَخر] نَاسخ} للْفِعْل [قبل]

- ‌ لثُبُوت الْعِصْمَة) .وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، خلافًا لِابْنِ الباقلاني.قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (الأول قَول الْجُمْهُور، حَتَّى أحالوا الْخَطَأ مِنْهُم فِيهِ، إِذا لم يشترطوا انْقِرَاض الْعَصْر) انْتهى.قلت: تَأتي هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا فِي أول الْإِجْمَاع، وَالله أعلم

الفصل: ‌(قوله: {فصل} )

قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب وَأَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ: (هُوَ ظَاهر مَذْهَب مَالك) .

وَذَلِكَ [لوُرُود] الْآيَات الشاملة لَهُم، مثل:{يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم} [الْبَقَرَة: 21]، {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} [النِّسَاء: 1، وَالْحج: 1، ولقمان: 33] ، {يَا عباد فاتقون} [الزمر: 16] ، {أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} ، {كتب عَلَيْكُم الصّيام} [الْبَقَرَة:

ص: 1145

183 -

] ، {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} [آل عمرَان: 97] ، {يَا بني آدم} [الْأَعْرَاف: 26، 27، 31، 35، وَيس: 60] {يَا أولي الْأَبْصَار} [الْحَشْر: 2]، {يَا أولي الْأَلْبَاب} [الْبَقَرَة: 179، 197، والمائدة: 100، وَالطَّلَاق: 10] وَغير ذَلِك مِمَّا [لَا] يحصر، وَالْكفْر غير مَانع لِإِمْكَان إِزَالَته، كالأمر بِالْكِتَابَةِ والقلم حَاضر يُمكنهُ تنَاوله.

وَأَيْضًا فقد ورد الْوَعيد على ذَلِك، أَو يتضمنه نَحْو:{مَا سلككم فِي سقر} [المدثر: 42] الْآيَة، وذم قوم شُعَيْب بِنَقص الْمِكْيَال، وَقوم لوط بإتيان الذُّكُور، وَقوم هود لشدَّة الْبَطْش، مَعَ ذمّ الْكل بالْكفْر.

ص: 1146

وَقَالَ تَعَالَى - بعد ذكر قتل النَّفس والزنى -: {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما} [الْفرْقَان: 68] ، وَلذَلِك يحد على الزِّنَى من أحكامنا، وَلَا يحد على الْمُبَاح.

وأوضح من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} [النَّحْل: 88]، أَي: فَوق عَذَاب الْكفْر، وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ على بَقِيَّة عبادات الشَّرْع.

وَاحْتج فِي [الْعدة] و " التَّمْهِيد ": " بِأَنَّهُ مُخَاطب بِالْإِيمَان، وَهُوَ شَرط الْعِبَادَة، وَمن خُوطِبَ بِالشّرطِ كالطهارة، كَانَ مُخَاطبا بِالصَّلَاةِ) .

وَكَذَا احْتج ابْن عقيل: (بخطابه بِصدق الرُّسُل، وَهِي مَشْرُوطَة بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى، وَهِي على النّظر.

وَإِن هَذَا - لقُوته - مُفسد لكل شُبْهَة للخصم) .

ص: 1147

فَائِدَة: أَكثر من يَقُول بِأَنَّهُم مخاطبون يَقُولُونَ: الْعَاقِبَة بترك الْفِعْل، وَأَبُو الْمَعَالِي يَقُول: بترك التَّوَصُّل إِلَى الْفِعْل، وَهُوَ خلف لَفْظِي، فَإِذا مضى الزَّمَان الأول يَعْصِي عِنْد أبي الْمَعَالِي بالْكفْر، وَعند الْأَكْثَر بِهِ وبالفروع.

فَإِذا جرينا على مَا قَالَه أَبُو الْمَعَالِي: أَن الْمُكَلف بِهِ التَّوَصُّل، استقام مَا يتَكَرَّر فِي الْفِقْه: أَن الْكَافِر فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج لم تجب عَلَيْهِ، فينفع فِي الْجمع بَين قَوْلهم فِي الْأُصُول: إِنَّه مُكَلّف، وَفِي الْفِقْه: إِنَّه غير مُكَلّف.

وَهُوَ أحسن من جمع الرَّازِيّ، وَالنَّوَوِيّ، وَغَيرهمَا: بِأَن مُرَاد الْفُقَهَاء عدم الْمُطَالبَة فِي الدُّنْيَا، وَمُرَاد الْأُصُولِيِّينَ الْعقَاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة، وَقد صرح بذلك خلق كثير من الْعلمَاء مِنْهُم أَصْحَابنَا على مَا يَأْتِي.

ص: 1148

قلت: قَوْله: (إِن جمعه أحسن من جمع الرَّازِيّ وَالنَّوَوِيّ) ، فِيهِ نظر، فَإِن أَكثر الْعلمَاء يَقُول خلاف مَا قَالَه أَبُو الْمَعَالِي، لِأَن الْجمع على قَول الْأَكْثَر، إِلَّا مَا قَالَه هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة.

قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شرح الْمُهَذّب ": (اتّفق أَصْحَابنَا على أَن الْكَافِر الْأَصْلِيّ لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَغَيرهَا من فروع الْإِسْلَام، وَالصَّحِيح فِي كتب الْأُصُول: أَنه مُخَاطب بالفروع، كَمَا هُوَ مُخَاطب بِأَصْل الْإِيمَان.

قَالَ: وَلَيْسَ مُخَالفا لما تقدم؛ لِأَن المُرَاد هُنَاكَ غير المُرَاد هُنَا، فَالْمُرَاد هُنَاكَ: أَنهم لَا يطالبون بهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كفرهم، وَإِذا أسلم أحدهم لم يلْزمه قَضَاء الْمَاضِي، وَلم يتَعَرَّضُوا لعقاب الْآخِرَة.

ومرادهم فِي كتب الْأُصُول: أَنهم يُعَذبُونَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة زِيَادَة على عَذَاب الْكفْر، فيعذبون عَلَيْهَا وعَلى الْكفْر جَمِيعًا، لَا على الْكفْر وَحده، وَلم يتَعَرَّضُوا للمطالبة فِي الدُّنْيَا، فَذكرُوا فِي الْأُصُول حكم طرف، وَفِي الْفُرُوع حكم الطّرف الآخر) انْتهى كَلَامه.

{وَعنهُ} : مخاطبون {بالنواهي} فَقَط، فَلَا يخاطبون بغَيْرهَا،

ص: 1149

{اخْتَارَهُ ابْن حَامِد [من أَصْحَابنَا] ، وَالْقَاضِي [أَبُو يعلى] فِي " الْمُجَرّد "، وَبَعض الْحَنَفِيَّة} وَهُوَ الْجِرْجَانِيّ.

{قَالَ الْأُسْتَاذ} أَبُو إِسْحَاق الأسفراييني فِي " أُصُوله ": ( { [لَا خلاف] بَين الْمُسلمين} أَن خطاب الزواجر من الزِّنَى وَالْقَذْف [يتَوَجَّه] عَلَيْهِم كالمسلمين) .

ص: 1150

5

- وَقواهُ السُّبْكِيّ؛ لِأَن الْكَفّ مُمكن حَالَة الْكفْر، بِخِلَاف فعل الطَّاعَات، - وَأَيْضًا - فَإِنَّهُم يعاقبون على ترك الْإِيمَان بِالْقَتْلِ، والسبي، وَأخذ الْجِزْيَة، وَالْحَد فِي الزِّنَى وَالْقَذْف، وَقطع السّرقَة، وَلَا يُؤمر بِقَضَاء شَيْء من الْعِبَادَات.

وَقد نقل صَاحب " اللّبَاب " هَذَا القَوْل عَن أبي حنيفَة، وَعَامة أَصْحَابه، وَحكي عَن بعض الشَّافِعِيَّة.

{وَقيل} : مخاطبون {بِغَيْر الْجِهَاد} .

صرح بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي " النِّهَايَة "، فَقَالَ: (وَالذِّمِّيّ لَيْسَ مُخَاطبا بِقِتَال

ص: 1151

الْكفَّار) ، وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيّ فِي كتاب السّير.

قَالَ الْقَرَافِيّ: (وَمر بِي فِي بعض الْكتب الَّتِي لَا أستحضرها الْآن: أَنهم مكلفون بِمَا عدا الْجِهَاد) .

{وَقيل} : لَا يُخَاطب إِلَّا {الْمُرْتَد فَقَط} .

حَكَاهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي فِي " الملخص "، والطرطوشي فِي " الْعمد "، وَيفهم من كَلَام الْفُقَهَاء فِي بعض مسَائِل الْفِقْه.

قلت: الْفرق بَينه وَبَين غَيره وَاضح، وَذَلِكَ لِأَن مؤاخذته بسابق الْتِزَامه حكم الْإِسْلَام، وَلِهَذَا قُلْنَا: يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَهُ فِي الرِّدَّة من الْعِبَادَات، على تفاصيل فِي الْفِقْه.

{ [وَعَن أَحْمد] لَا} يخاطبون {مُطلقًا، [اخْتَارَهُ أَكثر]

ص: 1152

الْحَنَفِيَّة، و [أَبُو] حَامِد [الإِسْفِرَايِينِيّ] } ، وَعبد الْجَبَّار من الْمُعْتَزلَة.

قَالَ ابْن كج فِي كِتَابه فِي " الْأُصُول ": (إِنَّه ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي) .

وَقَالَ [الأبياري] : (إِنَّه ظَاهر مَذْهَب مَالك) .

ص: 1153

لِأَنَّهُ لَو كلف بِالْعبَادَة لصحت، ولأمكنه الِامْتِثَال، وَفِي الْكفْر لَا يُمكنهُ، وبإسلامه تسْقط.

رد: معنى التَّكْلِيف اسْتِحْقَاق الْعقَاب، وَيصِح بِشَرْطِهِ، وَيسلم ويفعلها كالمحدث.

وَلَا مُلَازمَة بَين التَّكْلِيف وَالْقَضَاء، بِدَلِيل الْجُمُعَة، مَعَ أَنه بِأَمْر جَدِيد.

وَفِيه تنفير عَن الْإِيمَان.

وأبطله فِي " الْوَاضِح " بالمرتد، لَا تصح مِنْهُ وَهُوَ مُخَاطب.

فَقيل لَهُ: [لالتزامه] حكم الْإِسْلَام.

فَقَالَ: وَهَذَا ألزمهُ الشَّرْع.

وَذكر غَيره فِيهِ الْخلاف.

قَالُوا: الْمنْهِي عَنهُ يَصح تَركه مَعَ كفره، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكمه وَهُوَ الْحَد وَالتَّعْزِير، وَهُوَ محرم كالكفر.

أجَاب ابْن عقيل وَغَيره: وَهُوَ لَا يَصح مِنْهُ إِلَّا على وَجه مكابدة النَّفس لاحترام الناهي، وَالْحَد لالتزامه [حكمنَا] عُقُوبَة، وَلنَا: كَفَّارَة، أَو بلوى، ونمنعه من الْمحرم لَا الْكفْر.

ص: 1154

وَقَالَ بَعضهم: (لَا يَكْفِي مُجَرّد ترك وَفعل) فِيهِ نظر.

وَاسْتدلَّ: لَو اشْترط فِي التَّكْلِيف بمشروط وجود شَرطه، لم تجب صَلَاة على مُحدث، وَلَا قبل نِيَّتهَا.

ورد: بِأَن الشَّرْط تَابع يجب بِوُجُوب مشروطه.

{وَقيل: بِالْوَقْفِ} .

هَذَا قَول - أَيْضا - فِي الْمَسْأَلَة، وَذَلِكَ لتعارض الْأَدِلَّة.

{وَحكي عَن الْأَشْعَرِيّ، وَبَعض [أَصْحَابه] } ، حَكَاهُ سليم الرَّازِيّ فِي " التَّقْرِيب " عَن بعض الأشاعرة، وَحَكَاهُ أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ عَن الْأَشْعَرِيّ نَفسه.

قَوْله: {كالإيمان إِجْمَاعًا} .

لَا نزاع أَنهم مخاطبون بِالْإِيمَان، وَالْمرَاد بِهِ العقائد الْأَوَائِل الَّتِي لَا تتَوَقَّف على سبق شَيْء.

وَيلْحق بهَا كَمَا قَالَ الباقلاني: (تَصْدِيق الرُّسُل، والكف عَن أذاهم بقتل، أَو قتال، أَو غير ذَلِك، وَإِن كَانَ ذَلِك من الْفُرُوع.

ص: 1155

وَتردد بعض الْمُتَأَخِّرين فِي كلمتي الشَّهَادَة، هَل هِيَ من الْفُرُوع - فَيجْرِي فِيهَا الْخلاف - أَو لَا، بل هم مكلفون بهَا قطعا؟

وَالَّذِي يَنْبَغِي: الْقطع بِالثَّانِي، بل هِيَ من الْإِيمَان على الْمَذْهَب الصَّحِيح، بل أعظمه، فَإِذا المُرَاد بالفروع: مَا سوى ذَلِك، من صَلَاة، وَزَكَاة، وَصَوْم، وَحج، وَنَحْوهَا.

قَوْله: { [وملتزمهم فِي إِتْلَاف] ، وَجِنَايَة، وترتب أثر عقد [كغيرهم، إِجْمَاعًا] } .

إِنَّمَا ذكرنَا هَذِه الْمَسْأَلَة لكَون السُّبْكِيّ قَالَ: (لَا يَشْمَل الْخلاف إتلافا، وَلَا جِنَايَة، وَلَا ترَتّب أثر عقد) ، وَقَالُوا [عَن] كَلَامه إِنَّه تَنْقِيح لمحل الْخلاف، وَهُوَ أَن الْخلاف لَا يَشْمَل ذَلِك، بل هم [مؤاخذون] بالإتلافات، والجنايات، وَمَا يَتَرَتَّب على العقد من الْآثَار من غير نزاع، وَهَذَا وَاضح، وَهُوَ فِي كتب الْفُقَهَاء من أَرْبَاب الْمذَاهب، لَكِن هَذِه

ص: 1156

الْأَحْكَام من خطاب الْوَضع لَا من خطاب التَّكْلِيف، فَلَا مدْخل لهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِيمَا تقدم حَتَّى تخرج، بل هم أولى من الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي الضَّمَان بِالْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَة. وَلَا بُد من وجود الشُّرُوط فِي معاملاتهم، وَانْتِفَاء الْمَوَانِع، وَالْحكم بِصِحَّتِهَا وفسادها، وترتب آثَار كل عَلَيْهِ، من بيع وَنِكَاح وَطَلَاق وَغَيرهَا.

وَيشْهد لذَلِك: أَن أَبَا حنيفَة قَالَ بِصِحَّة أنكحتهم مَعَ قَوْله بِعَدَمِ تكليفهم بالفروع.

وَمحل ذَلِك فِي الْكَافِر الْمُلْتَزم، فَأَما الْحَرْبِيّ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْإِتْلَاف وَالْجِنَايَة وَغَيرهمَا، وَلذَلِك قُلْنَا فِي الْمَتْن:(ملتزمهم) .

قَالَ الكوراني فِي " شرح جمع الْجَوَامِع " عَن كَلَام السُّبْكِيّ: (هَذَا كَلَام لَا طائل تَحْتَهُ، وَذَلِكَ لِأَن مَحل النزاع: أَن مَاله شَرط شَرْعِي، هَل يجوز التَّكْلِيف بِهِ قبل وجود الشَّرْط أم لَا؟ وَمَا لَا خطاب تَكْلِيف فِيهِ لَا صَرِيحًا وَلَا ضمنا فَهُوَ خَارج عَن الْبَحْث، ثمَّ مَسْأَلَة تَكْلِيف الْكَافِر بالفروع من جزئيات تِلْكَ الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، [فِيمَا] كَانَ لَهُ شَرط شَرْعِي: كالإيمان، وَالطَّهَارَة، وَستر الْعَوْرَة للصَّلَاة، وَأما مَا لَا شَرط لَهُ شَرْعِي يتَوَقَّف عَلَيْهِ

ص: 1157

كالإتلاف، وَالْجِنَايَة، وترتب آثَار الْعُقُود، فَلَا وَجه للْخلاف فِيهِ، وَالْحَاصِل: أَن مَا ذكره خَارج عَن مَحل النزاع) انْتهى.

وَهُوَ كَمَا قَالَ:

قَوْله: {تَنْبِيه: [فَائِدَة هَذِه الْمَسْأَلَة] : عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر فِي الْآخِرَة، بِكَثْرَة الْعقَاب} فِي الْآخِرَة.

قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": (حسب) يَعْنِي: لَا غير ذَلِك.

وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (هُوَ قَول الْجُمْهُور بِنَاء على كَثْرَة الْعقَاب وَخِفته، فَإِنَّهُ إِذا قيل: يخاطبون، وفعلوا تِلْكَ الْأَفْعَال، قد يكون سَببا لتخفيف الْعقَاب، وَإِن كَانَ مُؤْذِيًا.

ثمَّ قَالَ: قلت: { [ذكر أَبُو بكر غُلَام الْخلال - من أَصْحَابنَا - وَجْهَيْن] } فِي عمل الْكَافِر، {هَل يجازى [بِهِ] فِي دُنْيَاهُ، أَو يُخَفف عَنهُ فِي عقباه} ) انْتهى.

ص: 1158

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": (إِذا علم أَنه مُكَلّف كَانَ أدعى لَهُ إِلَى الاستجابة، وَينْتَفع بِهِ إِذا آمن) .

{وَقَالَ ابْن الصَّيْرَفِي [الْحَرَّانِي] } - من أَصْحَابنَا -: { [يتَفَرَّع عَنهُ مسَائِل] } مِنْهَا: ظِهَار الذِّمِّيّ يَصح عندنَا، لَا عِنْدهم:

ص: 1159

لتعقبه كَفَّارَة لَيْسَ من أَهلهَا.

وَمِنْهَا: أَن الْكفَّار لَا يملكُونَ أَمْوَالنَا بِالِاسْتِيلَاءِ فِي صَحِيح الْمَذْهَب، لحُرْمَة التَّنَاوُل، وَعِنْدهم: يملكونها؛ لِأَن حُرْمَة التَّنَاوُل من فروع الْإِسْلَام.

وَمِنْهَا: وجوب الصَّلَاة على الْمُرْتَد، يَعْنِي: الْقَضَاء.

وَاخْتَارَهُ فِي الْمَسْأَلَة الْوُسْطَى الطوفي.

قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَهُوَ مُتَوَجّه، لكنه لَيْسَ بِصَحِيح الْمَذْهَب) .

وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (وَقيل: يظْهر أثر ذَلِك فِي الدُّنْيَا من وُجُوه:

أَحدهَا: قد يكون سَببا لإسلامه.

ص: 1160

وَالثَّانِي: وُقُوع الْإِسْلَام فِي صَدره، إِذا علم غفران مَا أوقعه من الْفساد بِإِسْلَامِهِ.

وَالثَّالِث: إِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم، كَمَا هُوَ مَذْهَب أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ.

وَالرَّابِع: اسْتِحْبَاب قَضَاء الصَّوْم إِذا أسلم فِي أثْنَاء الشَّهْر، مُلَاحظَة لعدم الْخطاب.

وَالْخَامِس: اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي الْكَافِر إِذا طلق أَو أعتق، هَل يلْزمه ذَلِك أم لَا؟

وَالسَّادِس: الْوَقْف وَالصَّدَََقَة، إِذا باعوها بعد صُدُور أَسبَابهَا [لَا نمنعهم] من ذَلِك على القَوْل بِعَدَمِ الْخطاب) انْتهى.

وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي " شرح التَّنْقِيح ": (من فوائدها: تيسير الْإِسْلَام عَلَيْهِ، وَالتَّرْغِيب فِيهِ، وَالْحكم بتَخْفِيف الْعَذَاب عَنهُ بِفعل الْخَيْر وَترك الشرور، إِذا علم أَنه مُخَاطب بهَا ويفعلها) .

ص: 1161

وأحال على فَوَائِد أخر، ذكرهَا فِي " شرح الْمَحْصُول ".

وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي " الِانْتِصَار " - فِيمَن أسلم على أَكثر من [عشر] نسْوَة -: (قَول الْحَنَفِيَّة: النَّهْي عَن الْجمع قَائِم فِي حَال الشّرك، لَا يَصح، لِأَن عِنْدهم الْكفَّار غير مخاطبين، وَهُوَ رِوَايَة لنا) انْتهى.

ص: 1162