الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[فصل] )
{وَمَا لم يتواتر فَلَيْسَ بقرآن} .
إِذا علم أَن الْقُرْآن لَا يكون إِلَّا متواترا، نَشأ عَنهُ أَن الْقرَاءَات الشاذة لَيست قُرْآنًا، لِأَنَّهَا آحَاد، وَذَلِكَ لِأَن التَّوَاتُر يُفِيد الْقطع، وَثُبُوت الْقُرْآن لَا بُد فِيهِ من التَّوَاتُر، لكَونه مَقْطُوعًا بِهِ، لِأَنَّهُ معجز عَظِيم، فَكَانَ مِمَّا تتوافر الدَّوَاعِي عَادَة على نقل جمله وتفاصيله، لدوران الْإِسْلَام عَلَيْهِ، فَلَا بُد من تواتره وَالْقطع بِهِ، وَمَا لم يتواتر لَا يثبت كَونه قُرْآنًا، وَقطع بِهَذَا كثير من الْعلمَاء، حَتَّى أَنْكَرُوا على من حكى خلافًا.
لَكِن الصَّحِيح: أَن من غير الْمُتَوَاتر ظَاهرا مَا يكون قُرْآنًا، كَمَا لَو صَحَّ سَنَده وَلم يتواتر، على مَا يَأْتِي قَرِيبا محررا.
وَالله أعلم.
{والبسملة بعض آيَة
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
فارغة
[فِي][سُورَة][النَّمْل إِجْمَاعًا} ، فَهِيَ قرآ] ن قطعا، وَلَيْسَت فِي أول بَرَاءَة إِجْمَاعًا، إِمَّا لكَونهَا أَمَانًا، وَهَذِه [السُّورَة نزلت] بِالسَّيْفِ،
كَمَا قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقد كشفت أسرار الْمُنَافِقين، وَلذَلِك تسمى الفاضحة.
وَإِمَّا لِأَنَّهَا مُتَّصِلَة بالأنفال سُورَة وَاحِدَة.
وَإِمَّا لغير ذَلِك، على أَقْوَال.
وَأما حكم الْبَسْمَلَة فِي غير ذَلِك، فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر الْعلمَاء، مِنْهُم: الإِمَام أَحْمد وَالْإِمَام أَبُو حنيفَة وَالْإِمَام الشَّافِعِي: أَنَّهَا قُرْآن، نَقله ابْن مُفْلِح عَنْهُم فِي " أُصُوله " و " فروعه ".
لَكِن النَّقْل عَن الشَّافِعِي: أَنه قطع بِأَنَّهَا آيَة من أول الْفَاتِحَة، وَاخْتلف قَوْله فِيمَا سواهَا.
فَفِي قَول: أَنَّهَا آيَة من أول كل سُورَة.
وَفِي قَول: بعض آيَة.
وَفِي قَول: لَا آيَة، وَلَا بعض آيَة.
وَفِي قَول رَابِع: أَنَّهَا آيَة مُفْردَة للفصل بَين السُّور، وَهُوَ غَرِيب لم يَنْقُلهُ أحد من أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَلكنه فِي " الطارقيات " لِابْنِ خالويه عَن الرّبيع، قَالَ:(سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: أول الْحَمد " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "، وَأول الْبَقَرَة " الم ") .
قَالَ ابْن الصّلاح: (وَله حسن، وَهُوَ أَنَّهَا لما ثبتَتْ أَولا فِي سُورَة الْفَاتِحَة، كَانَت فِي بَاقِي السُّور إِعَادَة لَهَا وتكرارا، فَلَا تكون فِي تِلْكَ السُّور ضَرُورَة، وَلذَلِك لَا يُقَال: هِيَ آيَة من أول كل سُورَة، بل هِيَ آيَة فِي أول كل سُورَة) .
قَالَ بَعضهم: (وَهُوَ أحسن الْأَقْوَال، وَبِه تَجْتَمِع الْأَدِلَّة، فَإِن إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بَين السُّور، وَقد أجمع الصَّحَابَة أَلا يكون فِي الْمُصحف غير قُرْآن، [وَأَن] مَا بَين دفتي الْمُصحف كَلَام الله، فَإِن فِي ذَلِك دَلِيلا وَاضحا على ثُبُوتهَا) .
قَالَ جمَاعَة: (وَهَذَا من أحسن الْأَدِلَّة، وَلم يقم دَلِيل على كَونهَا آيَة من أول كل سُورَة) .
قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ: (هِيَ آيَة مُفْردَة، أنزلت للفصل بَين السُّور) .
قَالَ ابْن رَجَب فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة: (وَهُوَ الصَّحِيح عَن أبي حنيفَة) .
قلت: وَهَذَا مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد، وَعَلِيهِ أَصْحَابه.
قَالَ ابْن رَجَب: (هَذَا قَول أَكثر الْعلمَاء مِنْهُم: عَطاء، وَالشعْبِيّ، وَالزهْرِيّ، وَالثَّوْري، وَابْن الْمُبَارك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد،
وَإِسْحَاق، [وَأَبُو] عبيد، وَدَاوُد، وَمُحَمّد بن الْحسن) .
وَهُوَ أَيْضا قَول أَكثر الْقُرَّاء، من السَّبْعَة وَغَيرهم.
{ [وَذهب] الإِمَام مَالك، وَأَصْحَابه} ، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَغَيرهم: إِلَى أَنَّهَا لَيست بقرآن بِالْكُلِّيَّةِ، {و} قَالَه {بعض الْحَنَفِيَّة، وَرُوِيَ عَن أَحْمد} .
لَكِن قَالَ ابْن رَجَب فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة: (فِي ثُبُوت هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد نظر، بل هِيَ ذكر كالاستعاذة) .
قَوْله: {وَلَيْسَت من الْفَاتِحَة على [أصح الرِّوَايَتَيْنِ] } عَن الإِمَام أَحْمد، وَعَلَيْهَا مُعظم أَصْحَابه.
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: أَنَّهَا من الْفَاتِحَة، اخْتَارَهَا ابْن بطة، وَأَبُو حَفْص، العكبريان من أَصْحَابنَا.
وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي كَمَا تقدم.
قَوْله: {وَلَا تَكْفِير [من] الْجَانِبَيْنِ} .
وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن الْقطعِي، بل من الْحكمِي، وَهُوَ الْأَصَح للشَّافِعِيَّة؛ بِنَاء على أَنَّهَا هَل هِيَ قُرْآن على سَبِيل الْقطع كَسَائِر الْقُرْآن، أَو على سَبِيل الحكم لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهَا؟
وَقد حكى النَّوَوِيّ: (أَنه لَا يكفر النَّافِي بِأَنَّهَا قُرْآن إِجْمَاعًا)، وَإِن كَانَ العمراني حكى فِي زوائده عَن صَاحب " الْفُرُوع ":(أَنا إِذا قُلْنَا: إِنَّهَا من الْفَاتِحَة قطعا كفرنا نافيها، [وفسقنا] تاركها) ، لَكِن لَا الْتِفَات لذَلِك.
وَمن ذَلِك: قَالَ ابْن الْحَاجِب: (وَقُوَّة الشُّبْهَة فِي " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "، منعت من التَّكْفِير من الْجَانِبَيْنِ) المثبتين لَهَا كالشافعية، والنافين لَهَا كالأئمة الثَّلَاثَة، وَالْقَاضِي أبي بكر، لَكِن هَذَا إِنَّمَا هُوَ إِذا أثبتناها قُرْآنًا قَطْعِيا، أما إِذا أثبتناها حكميا، فَلَيْسَ هُنَا مُقْتَضى للتكفير حَتَّى يدْفع بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَا إِذا قُلْنَا: قطع بتواترها عِنْد الْقَائِل بِهِ دون غَيره، أَو أَن الْقطع بالقرائن، على أَن الْقطع لَا يُوجب تَكْفِير النَّافِي، بل لَا بُد أَن يكون الْمَقْطُوع بِهِ مجمعا عَلَيْهِ، مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ.
ثمَّ قَالَ ابْن الْحَاجِب: (وَالْقطع أَنَّهَا لم تتواتر
…
إِلَى آخِره) .
وَهُوَ عَجِيب، فَأَي قطع مَعَ قُوَّة الشُّبْهَة على قَوْله؟
وَكَذَلِكَ مُبَالغَة الباقلاني فِي تخطئة القَوْل بِأَنَّهَا من الْقُرْآن، لَا يلاقي مدعي: أَن ذَلِك حكى لَا قَطْعِيّ، أَو بتواتر حصل لَهُ، أَو يقطع
بقرائن، وَكَونه قُرْآنًا حكميا أصح الْأَوْجه الثَّلَاثَة؛ لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى تَوَاتر، وَبِه تنْدَفع الإشكالات كلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى) قَالَ ذَلِك الْبرمَاوِيّ فِي " شرح منظومته ".
قَوْله: {وَتكره قِرَاءَة مَا صَحَّ مِنْهُ} .
أَي: من غير الْمُتَوَاتر، وَهُوَ الشاذ، نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، قدمه ابْن مُفْلِح فِي " فروعه "، وَغَيره، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَاللَّيْل إِذا يغشى (1) وَالنَّهَار إِذا تجلى (2) وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} [اللَّيْل: 1 - 3] .
قَالَ الرَّافِعِيّ: من الشَّافِعِيَّة: (تسوغ الْقِرَاءَة بالسبع، وَكَذَا بِالْقِرَاءَةِ الشاذة، إِن لم يكن فِيهَا تَغْيِير معنى، وَلَا زِيَادَة حرف، وَلَا نقصانه) انْتهى، وَظَاهره مُطلقًا.
قَوْله: {وَلَا تصح الصَّلَاة [بِهِ] عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم} .
لِأَنَّهُ لَيْسَ بقرآن، لِأَن الْقُرْآن لَا يكون إِلَّا متواترا - كَمَا تقدم - وَهَذَا غير متواتر، فَلَا يكون قُرْآنًا، فَلَا تصح الصَّلَاة بِهِ.
{وَعنهُ: تصح، [وَرَوَاهُ ابْن وهب] عَن مَالك، وَاخْتَارَهُ ابْن
الْجَوْزِيّ، وَالشَّيْخ} تَقِيّ الدّين، وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَقدمه ابْن تَمِيم، وَصَاحب " الْفَائِق " من أَصْحَابنَا، لصَلَاة الصَّحَابَة بَعضهم خلف بعض، وَكَذَلِكَ لم يزل الْمُسلمُونَ يصلونَ خلف أَصْحَاب هَذِه الْقرَاءَات: كالحسن الْبَصْرِيّ، وَطَلْحَة بن مصرف، وَابْن مُحَيْصِن، وَالْأَعْمَش، وَغَيرهم من أضرابهم، وَلم يُنكر ذَلِك أحد عَلَيْهِم.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (هَذِه الرِّوَايَة أنصهما عَن أَحْمد) انْتهى.
وَاخْتَارَ الْمجد - جده - ابْن تَيْمِية: أَنَّهَا لَا تجزيء عَن ركن الْقِرَاءَة.
{و [قطع] النَّوَوِيّ فِي " الرَّوْضَة "} بِصِحَّة الصَّلَاة بِالْقِرَاءَةِ الشاذة، إِن لم يكن فِيهَا تَغْيِير معنى، وَلَا زِيَادَة حرف وَلَا نقصانه.
وَهُوَ معنى قَوْلنَا: {إِن بَقِي الْمَعْنى وَالصّفة} .
فالرافعي جوز الْقِرَاءَة بذلك، وَالنَّوَوِيّ صحّح الصَّلَاة بِهِ.
{ [وَعَن أَحْمد] تحرم} الْقِرَاءَة بِهِ، ذكرهمَا ابْن مُفْلِح فِي " فروعه "، وَغَيره، {وَحكي إِجْمَاعًا} .
[قَالَ ابْن عبد الْبر: (لَا تجوز الْقِرَاءَة بهَا إِجْمَاعًا) ] .
قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شرح الْمُهَذّب "، و " فَتَاوِيهِ ":
…
...
…
...
…
...
(لَا فِي الصَّلَاة وَلَا فِي غَيرهَا) .
وَكَذَا قَالَ السخاوي: (لَا تجوز الْقِرَاءَة بهَا لخروجها عَن إِجْمَاع الْمُسلمين) .
[وَاخْتَارَهُ] جمَاعَة.
{وَقيل: إِن غير الْمَعْنى} حرم، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ معنى مَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ، كَمَا تقدم عَنْهُمَا.
اخْتلف الْعلمَاء فِي الشاذ، فَالصَّحِيح من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَعَلِيهِ أَصْحَابه: أَن الشاذ مَا خَالف مصحف عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه الَّذِي كتبه وأرسله إِلَى الْآفَاق.
{فَتَصِح الصَّلَاة [بِقِرَاءَة مَا وَافقه] ، وَصَحَّ} ، سَنَده {وَإِن لم يكن من الْعشْرَة، [نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد] } .
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": (تصح بِمَا وَافق عُثْمَان، وفَاقا للأئمة الْأَرْبَعَة، زَاد بَعضهم: على الْأَصَح) .
وَقد رَأَيْت فِي كَلَام الإِمَام الْحَافِظ، الإِمَام فِي الْقرَاءَات بِلَا مدافعة، ابْن الْجَزرِي، فِي النشر، أَنه ذكر مَا يُوَافق ذَلِك، فَقَالَ: (كل قِرَاءَة وَافَقت [أحد] الْمَصَاحِف العثمانية وَلَو احْتِمَالا، ووافقت الْعَرَبيَّة وَلَو بِوَجْه وَاحِد، وَصَحَّ سندها، فَهِيَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة الَّتِي لَا يحل لمُسلم أَن ينكرها،
سَوَاء كَانَت عَن السَّبْعَة، أَو عَن الْعشْرَة، أَو عَن غَيرهم من الْأَئِمَّة المقبولين، وَمَتى اخْتَلَّ ركن من هَذِه الْأَركان الثَّلَاثَة، أطلق عَلَيْهَا ضَعِيفَة، أَو شَاذَّة، أَو بَاطِلَة، سَوَاء كَانَت عَن السَّبْعَة، أَو عَمَّن هُوَ أكبر مِنْهُم، هَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَئِمَّة التَّحْقِيق من السّلف وَالْخلف، صرح بذلك الداني، ومكي، والمهدوي، وَأَبُو شامة، وَهُوَ مَذْهَب السّلف الَّذِي لَا يعرف عَن
أحد مِنْهُم خِلَافه) انْتهى، وَأطَال فِي ذَلِك وأجاد.
{وَقيل} : الشاذ {مَا وَرَاء السَّبْعَة} .
اخْتَارَهُ جمَاعَة كَثِيرَة.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (الْمَشْهُور أَنَّهَا [مَا] وَرَاء السَّبْعَة الْمَعْرُوفَة، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الرَّافِعِيّ) .
{وَقَالَ الْبَغَوِيّ [وَجَمَاعَة كَثِيرَة] } الشاذ: { [مَا وَرَاء الْعشْرَة] } .
قلت: {وَهُوَ [أصح] } .
فالثلاثة الزَّائِدَة على السَّبْعَة: يَعْقُوب،
…
...
…
...
…
...
…
وَخلف، وَأَبُو جَعْفَر يزِيد بن الْقَعْقَاع.
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، والسبكي، وَغَيرهمَا.
وَقَالُوا: [الْقرَاءَات الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، قد تَوَاتَرَتْ كالسبعة] .
وَقد حكى الْبَغَوِيّ فِي " تَفْسِيره " الْإِجْمَاع على جَوَاز الْقِرَاءَة بهَا.
قَالَ أَبُو حَيَّان - وَهُوَ من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن -: (لَا نعلم أحدا من الْمُسلمين حظر الْقِرَاءَة بالقراءات [الثَّلَاث] الزَّائِدَة على السَّبع، بل قرأتها فِي سَائِر الْأَمْصَار) .