الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْن خويز منداد الْمَالِكِي: (الْبدع عِنْد مَالك وَسَائِر أَصْحَابه هِيَ: كتب الْكَلَام، والتنجيم، وَشبه ذَلِك، لَا تصح إِجَارَتهَا، وَلَا تقبل شَهَادَة أَهله) .
قلت أَنا: قَالَ الْحَافِظ أَبُو نصر: (فَإِن قيل: الصَّوْت والحرف إِذا ثبتا فِي الْكَلَام اقتضيا عددا، وَالله تَعَالَى وَاحِد من كل جِهَة.
قيل لَهُم: قد بَينا مرَارًا أَن اعْتِمَاد أولي الْحق فِي هَذِه الْأَبْوَاب على السّمع، وَقد ورد السّمع بِأَن الْقُرْآن ذُو عدد، وَأقر الْمُسلمُونَ بِأَنَّهُ كَلَام الله حَقِيقَة لَا مجَازًا، وَهُوَ صفة، وَقد عد الْأَشْعَرِيّ صِفَات الله [سبع عشرَة] صفة، وَبَين أَن مِنْهَا مَا لَا يعلم إِلَّا بِالسَّمْعِ، وَإِذا جَازَ أَن يُوصف بِصِفَات مَعْدُودَة لم يلْزمنَا بِدُخُول الْعدَد فِي الْحُرُوف شَيْء) انْتهى.
قَالَ الشَّيْخ الْمُوفق: (الْوَجْه الثَّانِي: أَن الله تَعَالَى كلم مُوسَى صلى الله عليه وسلم َ -،
ويكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ الله تَعَالَى:{وكلم الله مُوسَى تكليما}
[النِّسَاء: 164]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَكَلمه ربه} [الْأَعْرَاف: 143]، وَقَالَ تَعَالَى:{يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي} [الْأَعْرَاف: 144]، وَقَالَ تَعَالَى:{وناديناه من جَانب الطّور الْأَيْمن} [مَرْيَم: 52]، وَقَالَ تَعَالَى:{إِذْ ناداه ربه بالواد الْمُقَدّس طوى} [النازعات: 16] .
وأجمعنا على أَن مُوسَى عليه السلام سمع كَلَام الله تَعَالَى من الله، لَا من الشَّجَرَة، وَلَا من حجر، وَلَا غَيره، لِأَنَّهُ لَو سمع من غير الله كَانَ بنوا إِسْرَائِيل أفضل فِي ذَلِك مِنْهُ، لأَنهم سمعُوا من أفضل مِمَّن سمع مِنْهُ مُوسَى، لكَوْنهم سمعُوا من مُوسَى، فَلم سمي إِذا كليم الرَّحْمَن، وَإِذا ثَبت هَذَا؛ لم يجز أَن يكون الْكَلَام الَّذِي سَمعه مُوسَى إِلَّا صَوتا وحرفا، فَإِنَّهُ لَو كَانَ معنى فِي النَّفس وفكرة وروية لم يكن ذَلِك تكليما لمُوسَى، وَلَا هُوَ شَيْء يسمع، وَلَا يتَعَدَّى الْفِكر والرؤى، وَلَا يُسمى مناداة.
فَإِن قَالُوا: نَحن لَا نُسَمِّيه صَوتا مَعَ كَونه مسموعا.
قُلْنَا: الْجَواب من وُجُوه.
أَحدهَا: أَن هَذَا مُخَالفَة فِي اللَّفْظ مَعَ الْمُوَافقَة فِي الْمَعْنى، فإننا لَا نعني بالصوت إِلَّا مَا كَانَ مسموعا.
الثَّانِي: أَن لفظ الصَّوْت قد جَاءَت بِهِ الْأَخْبَار والْآثَار، وسأذكرها - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - على حِدة.
وَقَالَ الشَّيْخ الْمُوفق بعد ذَلِك: (النزاع فِي أَن الله تَعَالَى تكلم بِحرف وَصَوت أم لَا؟ وَمذهب أهل السّنة اتِّبَاع مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة، وَقد بَينا - بالأدلة القاطعة - أَن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي عندنَا هُوَ كَلَام الله تَعَالَى، فَإِنَّهُ
مسموع مقروء متلو مَحْفُوظ مَكْتُوب، وكيفما قريء وتلي وَسمع وَحفظ فَهُوَ الْقُرْآن الْقَدِيم، وَذكرنَا الْآيَات وَالْأَخْبَار الدَّالَّة على أَنه مسموع متلو مَكْتُوب مَحْفُوظ) انْتهى كَلَام شيخ الْإِسْلَام موفق الدّين، بِمَا أدخلْنَاهُ فِيهِ من كَلَام أبي نصر مُمَيّزا.
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ شهَاب الدّين ابْن حجر فِي " شرح البُخَارِيّ ": (قَالَ الْبَيْهَقِيّ: " الْكَلَام: مَا ينْطق بِهِ الْمُتَكَلّم، وَهُوَ مُسْتَقر فِي نَفسه كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عمر " - يَعْنِي: فِي قصَّة السَّقِيفَة - وَفِيه: " وَكنت زورت فِي نَفسِي مقَالَة "، وَفِي رِوَايَة:" كلَاما "، قَالَ:" فَسَماهُ كلَاما قبل التَّكَلُّم بِهِ ".
قَالَ: " فَإِن كَانَ الْمُتَكَلّم ذَا مخارج سمع كَلَامه ذَا حُرُوف وأصوات، وَإِن كَانَ غير ذِي مخارج فَهُوَ بِخِلَاف ذَلِك، والباري عز وجل لَيْسَ بِذِي مخارج، فَلَا يكون كَلَامه بحروف وأصوات "، ثمَّ ذكر حَدِيث جَابر عَن عبد الله بن أنيس، وَقَالَ: " اخْتلف الْحفاظ فِي الِاحْتِجَاج بروايات ابْن عقيل لسوء حفظه، وَلم يثبت لفظ الصَّوْت فِي حَدِيث صَحِيح [عَن] النَّبِي