الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر: يَصح [التَّكْلِيف] بِالْفِعْلِ قبل حُدُوثه} .
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (هُوَ قَول عَامَّة أَصْحَابنَا والمتكلمين، خلافًا لشذوذ) .
قَالَ الْآمِدِيّ: (اتّفق النَّاس على جَوَاز التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ قبل حُدُوثه، سوى شذوذ من أَصْحَابنَا) .
قَالَ [الْقَرَافِيّ فِي] هَذِه الْمَسْأَلَة: (أغمض مَسْأَلَة فِي أصُول الْفِقْه،
مَعَ قلَّة جدواها، وَأَنه لَا يظْهر لَهَا أثر فِي الْفُرُوع.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (هِيَ من أشكل مسَائِل أصُول الْفِقْه، لما فِيهَا من اضْطِرَاب الْمَنْقُول، وغموض الْمَعْقُول، وَهِي فِي الْحَقِيقَة دخيلة فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ من عظائم مسَائِل الْكَلَام، وَهِي قَليلَة الجدوى فِي الْفِقْه) .
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: (الْإِجْمَاع على أَن أَمر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ - يتناولنا، وَهُوَ مقدم، وَهِي أوَامِر فَالْقَوْل بالإعلام بَاطِل، وَلم يفْتَقر إِلَى أَمر آخر) .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن: (قد قيل: إِن كَانَ لغير غَرَض لم يجز فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة) .
قَوْله: {حَقِيقَة عِنْد ابْن عقيل، و [الْأَكْثَر] ، [وَإِن كَانَ فِيهِ إِعْلَام] } .
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي: (الْأَكْثَرُونَ أَنه حَقِيقَة) ، نَقله ابْن قَاضِي الْجَبَل.
قَالَ فِي " المسودة ": (قَالَ ابْن عقيل: إِذا تقدم الْأَمر على الْفِعْل كَانَ أمرا عندنَا على الْحَقِيقَة أَيْضا، وَإِن كَانَ فِي [طيه] إيذان وإعلام) .
{وَقيل: [أَمر إِعْلَام] } وإيذان، لَا حَقِيقَة، قَالَه جمع مِنْهُم: الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه.
وَضَعفه إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَان " بعد أَن نَقله عَن أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ بِمَا مَعْنَاهُ: (أَنه يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل، وَأَنه لَا يرتضيه لنَفسِهِ عَاقل) .
وَتقدم كَلَام الْمُحَقِّقين.
{وَقيل: عِنْد الْمُبَاشرَة} ، اخْتَارَهُ التَّاج السُّبْكِيّ فِي " جمع الْجَوَامِع ".
وَنسب قَائِله إِلَى التَّحْقِيق.
قَالَ: (وَإِن الملام قبلهَا على التَّلَبُّس بالكف الْمنْهِي) .
هَذَا جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر، هَذَا على القَوْل الْأَخير، تَقْدِيره: إِن القَوْل بِهِ يُؤَدِّي إِلَى سلب التكاليف، فَإِنَّهُ [يَقُول] : لَا أفعل حَتَّى أكلف، وَالْفَرْض: أَنه لَا يُكَلف حَتَّى يفعل.
وَجَوَابه: إِنَّه قبل الْمُبَاشرَة متلبس بِالتّرْكِ، وَهُوَ فعل، فَإِنَّهُ كف النَّفس عَن الْفِعْل، فقد بَاشر التّرْك، فَتوجه إِلَيْهِ التَّكْلِيف بترك التّرْك حَالَة مُبَاشَرَته للترك، وَذَلِكَ بِالْفِعْلِ، وَصَارَ الملام على ذَلِك.
وَهَذَا جَوَاب نَفِيس، أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي مَسْأَلَة تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَهُوَ عَجِيب، فَإِن النَّهْي عَن الضِّدّ فرع تعلق الْأَمر، فَإِذا لم يتَعَلَّق على قَوْله، فَكيف يلام على التَّلَبُّس بالكف الْمنْهِي) انْتهى.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل وَغَيره: (اخْتلفُوا فِي جَوَاز تعلق التَّكْلِيف بِهِ فِي أول زمَان حُدُوثه، فَذهب الْأَكْثَر إِلَى جَوَازه، ذكره الْمجد فِي المسودة) .
قَالَ ابْن برهَان: (هَذَا مَذْهَبنَا) ، وَهُوَ قَول الْأَشْعَرِيّ وَأَتْبَاعه، خلافًا للمعتزلة، وَوَافَقَهُمْ الرَّازِيّ.
قَوْله: {وَيسْتَمر حَال حُدُوث الْفِعْل، عِنْد الْأَشْعَرِيّ، وَالْأَكْثَر} ، كَمَا تقدم قبل هَذَا قَرِيبا؛ لِأَن الْفِعْل فِي هَذِه الْحَالة مَقْدُور، وكل مَقْدُور يجوز التَّكْلِيف بِهِ.
أما الأولى؛ فَلِأَن الْقُدْرَة، إِمَّا حَال الْفِعْل، أَو قبله مستمرة إِلَى حِين صُدُور الْفِعْل، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ، فالقدرة عِنْد الْفِعْل حَاصِلَة، فَيصح بِهِ.
وَأما الثَّانِيَة: فَلِأَن الْمَقْدُور يَصح إيجاده، والتكليف إِنَّمَا هُوَ الْأَمر بالإيجاد، والتكليف هُنَا تعلق بِمَجْمُوع الْفِعْل من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، لَا بِأول جُزْء مِنْهُ، فَلَا يَنْقَطِع التَّكْلِيف إِلَّا بِتمَام الْفِعْل، وَيكون التَّكْلِيف بإيجاد مَا لم يُوجد مِنْهُ، لَا بإيجاد مَا قد وجد، فَلَا تَكْلِيف بإيجاد موجوده فَلَا محَال.
{وَقَالَت الْمُعْتَزلَة، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالْغَزالِيّ، والرازي، والطوفي، وَغَيرهم: يَنْقَطِع} .
احْتج ابْن عقيل للمعتزلة وَمن تَبِعَهُمْ: (بِأَنَّهُ لَيْسَ بمقدور حَال وجوده، وَحَال حُدُوثه، وَإِلَّا كَانَ مَقْدُورًا حَال بَقَائِهِ، لوُجُوده فِي الْحَالين) .
وَأجَاب عَنهُ: (بِأَنَّهُ حَال حُدُوثه مفعول مُتَعَلق بفاعل، بِخِلَاف حَال بَقَائِهِ، وكالإرادة يَصح تعلقهَا بِهِ حَال حُدُوثه لَا بَقَائِهِ عِنْد الْجَمِيع) .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (هَذَا ضَعِيف، بل هُوَ مَقْدُور وَمُرَاد فِي الْحَالين) .
وألزم الْآمِدِيّ الْمُعْتَزلَة: (أَن لَا يكون الْفِعْل أول زمن حُدُوثه أثرا لقدرة قديمَة، أَو حَادِثَة، على اخْتِلَاف المذهبين، وَلَا [موجدة] لَهُ، لما فِيهِ من [إِيجَاد] الْمَوْجُود، وجوابهم فِي [إِيجَاد] الْقُدْرَة لَهُ، جَوَابنَا فِي تعلق الْأَمر بِهِ) .
قَوْله: {وَلَا يَصح أَمر بموجود، عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر} .
قَالَ الْمجد فِي " المسودة " - وَتَبعهُ ابْن مُفْلِح -: (لَا يَصح الْأَمر بالموجود عِنْد أَصْحَابنَا وَالْجُمْهُور) .
وَقَالَ ابْن عقيل: (يَنْبَنِي على أصل - بَان بِهَذَا أَن أَصْحَابنَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ ودانوا بِهِ - هُوَ: أَن الْأَمر [بالمستحيل] لَا يجوز، خلافًا للأشعري) انْتهى.
قَالَ الْمجد: (وَأَجَازَهُ بعض الْمُتَكَلِّمين) .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (وَهَذَا القَوْل أَجود) .
قَالَ: (وَهَذِه تشبه إِرَادَة الْمَوْجُود ومحبة الْمَوْجُود، وتشبه مَسْأَلَة افتقار الْمَوْجُود إِلَى الْمُؤثر، وَأَن [عِلّة] الافتقار الْإِمْكَان والحدوث) انْتهى.
{وَقَالَ ابْن عقيل: (يَصح أَن يقارن الْأَمر الْفِعْل حَال وجوده} ووقوعه من الْمُكَلف، [و] لَيْسَ من شَرط صِحَة الْأَمر [تقدمه] على الْفِعْل، { [وَبِه قَالَ عَامَّة سلف الْأمة، وَعَامة الْفُقَهَاء] ، خلافًا
للمعتزلة} ، فعندهم: لَا بُد أَن يتَقَدَّم الْأَمر الْفِعْل، {فبعضهم: جوزه بِوَقْت، وَأَكْثَرهم: بأوقات) } .
وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (اخْتلفت الْمُعْتَزلَة فِي مِقْدَار التَّقَدُّم، بعد اتِّفَاقهم مَعَ الْجُمْهُور على وَقت يحصل للْمَأْمُور بِهِ السماع والفهم، فبعضهم: بأزمنة كَثِيرَة، وَقيل: بِوَقْت وَاحِد) .
وَقَالَ الباقلاني: (يجب تقدمه بوقتين، الأول: السماع، وَالثَّانِي: الْفَهم، والتكليف يَقع فِي الثَّالِث) .
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (اخْتلفُوا فِي مِقْدَار زمن التَّقَدُّم، فَقيل: بِوَقْت وَاحِد، وَالْأَكْثَر: بأوقات.
ثمَّ اخْتلفُوا من وَجه آخر، هَل يشْتَرط أَن يكون فِيمَا قبل الْفِعْل بأوقات [لطف] ومصلحة زَائِدَة على التَّبْلِيغ من الْمبلغ وَالْقَبُول من الْمُخَاطب أم لَا؟) .
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (الْأَكْثَر قَالَ بأوقات كَثِيرَة، وَبَعْضهمْ: بِوَقْت وَاحِد، وَبَعْضهمْ علق تَقْدِيمه بأوقات على الْمصلحَة، وعلق بَعضهم جَوَاز تقدمه بأوقات: أَن يكون فِي تِلْكَ الْأَوْقَات كلهَا تتكامل شُرُوط التَّكْلِيف من الْعَمَل وَالصِّحَّة والسلامة) انْتهى.
تَنْبِيه: هَذِه الْمَسْأَلَة وَالْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا ذكر ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي صفة الْخلاف طَرِيقين فَقَالَ: (يجوز التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ قبل حُدُوثه خلافًا لشذوذ، وَيمْتَنع بعد حُدُوثه، وَاخْتلف فِي جَوَاز تعلق التَّكْلِيف بِهِ فِي أول زمَان حُدُوثه، وَقيل: الْخلاف فِي دوَام التَّكْلِيف إِلَى حَال حُدُوثه فَقَط، فيدوم عِنْد الْأَكْثَر، وَعند الْمُعْتَزلَة: يَنْقَطِع تعلق الْأَمر بِالدُّخُولِ فِي الملابسة، لانْتِفَاء الْعَدَم الَّذِي هُوَ زمن التَّعَلُّق، وَعند الْجُمْهُور: يسْتَمر التَّعَلُّق من فرَاغ الملابسة، وَفِي حَال الملابسة، قَولَانِ) .
وَذكر قبل ذَلِك: أَن الْأَمر بالموجود بَاطِل، قَالَ:(وَصَححهُ شَيخنَا) .
فَذكر الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذكر فِي الْمَتْن، وَكَذَلِكَ ذكرهمَا فِي " المسودة ".