الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: (يُكَلف ابْن عشر) أَيْضا.
اخْتَارَهُ أَبُو بكر، حَكَاهُ فِي " الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة " عَنهُ، لَكِن فِي الصَّلَاة لَا غير.
{وَعنهُ} رِوَايَة رَابِعَة: (يُكَلف { [مُمَيّز] ) } أَيْضا.
ذكرهَا الْمُوفق وَغَيره، واختارها أَبُو بكر، وَصَاحب " الْإِرْشَاد "، لَكِن فِي الصَّوْم لَا غير.
فَأخذ الْأَصْحَاب رِوَايَة تَكْلِيف الْمُرَاهق من قَول الإِمَام أَحْمد فِي ابْن أَربع عشرَة: (إِذا ترك الصَّلَاة قتل) .
وَدَلِيل وُجُوبهَا على ابْن عشر قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، واضربوه عَلَيْهَا لعشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَمر بالعقوبة، وَلَا تشرع الْعقُوبَة إِلَّا لترك وَاجِب، لِأَن حد
الْوَاجِب مَا عُوقِبَ على تَركه، وَالْأول: الصَّحِيح، للْحَدِيث الْمُتَقَدّم، وَالضَّرْب إِنَّمَا هُوَ للتمرين ليعتادها.
قَوْله: {وَوُجُوب زَكَاة، وَنَفَقَة، وَضَمان، من ربط الحكم بِالسَّبَبِ} .
أَعنِي: على القَوْل الصَّحِيح: أَنه غير مُكَلّف، فوجوب هَذِه الْأَشْيَاء عَلَيْهِ من ربط الْأَحْكَام بالأسباب، لتعلقها بِمَالِه، أَو ذمَّته الإنسانية الَّتِي بهَا يستعد لقُوَّة الْفَهم فِي ثَانِي الْحَال: كَالْمَجْنُونِ، بِخِلَاف الْبَهِيمَة.
قَالَ ابْن مُفْلِح - بعد هَذَا -: (وَبِمَا سبق يُجَاب عَن طَلَاقه إِن صَحَّ، وَهُوَ الْأَشْهر عَن أَحْمد وَأكْثر أَصْحَابه) ، وَكَذَلِكَ ظِهَاره، وَذَلِكَ: أَنه من بَاب ربط الْأَحْكَام بالأسباب، وَيكون من خطاب الْوَضع.
قَالَ: (وَظهر أَن تَخْرِيج بَعضهم لَهُ على تَكْلِيفه ضَعِيف، وَمثله نَظَائِره) انْتهى.
وَمرَاده بِالْبَعْضِ: الطوفي فِي " مُخْتَصر الرَّوْضَة "، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن مُفْلِح، فَإِن الصَّحِيح: أَنه غير مُكَلّف، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب: أَنه يَصح طَلَاقه، فَلَيْسَ بمخرج عَلَيْهِ.
قَوْله: {ويكلف سَكرَان يُمَيّز قطعا} .
إِن ميز السَّكْرَان بَين الْأَعْيَان، فَحكمه حكم سَائِر الْعُقَلَاء، بِلَا نزاع، لِأَنَّهُ عَاقل يفهم، مُكَلّف كَغَيْرِهِ من الْعُقَلَاء.
قَوْله: {وَكَذَا من لَا يُمَيّز عِنْد أَحْمد، [وَأكْثر أَصْحَابه، وَأبي حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ] } .
إِذا كَانَ لَا يُمَيّز بَين الْأَعْيَان، أَو يخلط فِي كَلَامه وقراءته، فَهَذَا مَحل الْخلاف، وَسَيَأْتِي تحريره.
وَالصَّحِيح من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد، وَأكْثر أَصْحَابه، القَاضِي،
وَغَيره، وَالشَّافِعِيّ، وَالْحَنَفِيَّة: أَنه مُكَلّف.
قَالَ ابْن برهَان: (مَذْهَب الْفُقَهَاء قاطبة أَنه مُخَاطب) .
وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة عبد الله: (السكر لَيْسَ بمرفوع عَنهُ الْقَلَم) .
وَفِي رِوَايَة أبي بكر ابْن هاني: (السَّكْرَان لَيْسَ بمرفوع عَنهُ الْقَلَم، فَيسْقط عَنهُ مَا صنع) .
وَفِي رِوَايَة حَنْبَل: (لَيْسَ السَّكْرَان بِمَنْزِلَة الْمَجْنُون الْمَرْفُوع عَنهُ الْقَلَم، هَذَا جِنَايَته من نَفسه) .
وَحكى الإِمَام أَحْمد عَن الإِمَام الشَّافِعِي أَنه كَانَ يَقُول: (وجدت السَّكْرَان لَيْسَ بمرفوع عَنهُ الْقَلَم) .
وَنَصّ عَلَيْهِ فِي " الْأُم " أَيْضا.
وَعَن أَحْمد فِي أَقْوَاله وأفعاله رِوَايَات:
إِحْدَاهمَا: أَنه كالصاحي، وَهَذَا الصَّحِيح من الْمَذْهَب.
وَالثَّانيَِة: أَنه كَالْمَجْنُونِ.
وَالثَّالِثَة: كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَاله، وكالصاحي فِي أَفعاله.
وَالرَّابِعَة: فِي الْحُدُود كالصاحي، وَفِي غَيرهَا كَالْمَجْنُونِ.
قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ: (تلْزم الْحُدُود وَلَا تلْزم الْحُقُوق) ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بكر.
وَالْخَامِسَة: أَنه فِيمَا يسْتَقلّ بِهِ - كقتله، وعتقه، وَنَحْوهمَا - كالصاحي، وَفِيمَا لَا يسْتَقلّ بِهِ - كَبَيْعِهِ، وشرائه، ومعاوضاته - كَالْمَجْنُونِ، حَكَاهَا ابْن حَامِد، وَأَوْمَأَ إِلَيْهَا فِي رِوَايَة البرزاطي، فَقَالَ:(لَا أَقُول فِي طَلَاقه شَيْئا)، قيل لَهُ:(فبيعه وشراؤه؟)، فَقَالَ:(أما بَيْعه وشراؤه فَغير جَائِز) .
قَالَ الزَّرْكَشِيّ: (قلت: وَنقل عَنهُ ابْن هَانِيء مَا يحْتَمل عكس الرِّوَايَة الْخَامِسَة فَقَالَ: لَا أَقُول فِي طَلَاق السَّكْرَان وعتقه شَيْئا، وَلَكِن بَيْعه وشراؤه جَائِز) .
وَعنهُ سابعة: لَا تصح ردته فَقَط.
أما الْعِبَادَة؛ فيقضيها إِذا أَفَاق، عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم، {وَخَالف} أَبُو ثَوْر، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين.
وَقَالَ {ابْن عقيل، والموفق} فِي الرَّوْضَة، {والطوفي، وَأكْثر
الْمُتَكَلِّمين} : لَيْسَ بمكلف، لعدم تحرزه من المضار وقصده للْفِعْل بلطف ومداراة، بِخِلَاف طِفْل، وَمَجْنُون، وبهيمة، فَهُوَ أولى.
وَقَالَ ابْن عقيل: (تحصل الغرامة، وَالْقَضَاء بالغرامات، بِأَمْر مُبْتَدأ) .
ورده ابْن مُفْلِح، وَقَالَ:(فَيلْزمهُ لَا غرم لَو لم يعقل) .
وَقَالَ فِي " الرَّوْضَة ": (هُوَ غير مُكَلّف) ، وَاخْتلف كَلَامه فِي " الْمُغنِي ".
وَخرج بعض أَصْحَابنَا فِي إثمه رِوَايَتَيْنِ.
وَجزم الْآمِدِيّ وَغَيره بِعَدَمِ تَكْلِيفه، لِأَن الْإِتْيَان بِالْفِعْلِ الْمعِين، على وَجه الِامْتِثَال، يتَوَقَّف على الْعلم بِالْأَمر بِالْفِعْلِ الْمَأْمُور بِهِ، لِأَن الِامْتِثَال: عبارَة عَن قصد إِيقَاع الْمَأْمُور بِهِ على وَجه الطَّاعَة، وَيلْزم من ذَلِك علم الْمَأْمُور بتوجه الْأَمر نَحوه، وبالفعل، فَهُوَ مُسْتَحِيل عقلا فِيهِ لعدم الْفَهم حَال كَونه كَذَلِك.
فَائِدَة: فِي حد السَّكْرَان الَّذِي وَقع فِيهِ الْخلاف: قَالَ القَاضِي وَغَيره: (هُوَ الَّذِي يخلط فِي كَلَامه وقراءته، وَيسْقط تَمْيِيزه بَين الْأَعْيَان، وَلَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون بِحَيْثُ لَا يُمَيّز بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَبَين الذّكر وَالْأُنْثَى. وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل، قَالَ: (هُوَ إِذا وضع ثِيَابه فِي ثِيَاب غَيره فَلم يعرفهَا، 4 أَو وضع نَعله فِي نعَالهمْ فَلم يعرفهُ، وَإِذا هذى فَأكْثر كَلَامه، وَكَانَ مَعْرُوفا بِغَيْر ذَلِك) .
وَضَبطه بَعضهم: (بِأَنَّهُ الَّذِي يخْتل فِي كَلَامه المنظوم، ويبيح بسره المكتوم) انْتهى.
اسْتدلَّ لِلْقَوْلِ الأول: بقوله تَعَالَى: {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} [النِّسَاء: 43]، وتأويله بِأَن المُرَاد: مثل: لَا تمت وَأَنت ظَالِم، أَو: مبدأ النشاط والطرب، خلاف الظَّاهِر.
قَالَ جمَاعَة: احْتج من قَالَ بتكليف السَّكْرَان بِالْآيَةِ، بِأَن المُرَاد
الطافح، بِدَلِيل:{حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} ، فقد وَجه [إِلَيْهِ] النَّهْي فِي حَال سكره.
ونوزعوا فِي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور بِاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك من خطاب الْوَضع، بِمَعْنى أَن صلَاته فِي سكره ممتنعة، أَي: بَاطِلَة، أَو أَن المُرَاد النَّهْي عَن السكر عِنْد إِرَادَة الصَّلَاة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} [الْبَقَرَة: 132]، وكما يُقَال: لَا تمت وَأَنْتُم ظَالِم، أَي: لَا تظلم فيؤول بك الْأَمر إِلَى الْمَوْت فِي حَال الظُّلم، وَأَن المُرَاد بالسكر هُنَا: أَن يكون ثملا حَاضر الوعي.
وَقد قَالَ ابْن الْحَاجِب وَغَيره: (إِن الْآيَة يجب تَأْوِيلهَا على أحد هذَيْن الْأَمريْنِ، الْأَخيرينِ) .
وَلَكِن الْكل سَاقِط أما الأول؛ فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ من خطاب الْوَضع لم يَأْثَم، وَالْفَرْض أَنه آثم.
وَالثَّانِي، فَمثل ذَلِك مجَاز لَا يعدل إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، أَو قيام دَلِيل على إِرَادَته وَلَا مَانع من الْحَقِيقَة، فَوَجَبَ الْمصير للْحَمْل عَلَيْهَا.