المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " رواه الدارقطني، وقوله - التحبير شرح التحرير - جـ ٣

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ فَمن ترك سنة من سنَنه فَرجل سوء) انْتهى.وَالَّذِي يظْهر: أَن إِطْلَاق الإِمَام أَحْمد أَنه رجل سوء، إِنَّمَا مُرَاده من اعْتقد أَنه غير سنة، وَتَركه لذَلِك، فَيبقى كَأَنَّهُ اعْتقد السّنة الَّتِي سنّهَا الرَّسُول غير سنة، فَهُوَ مُخَالف للرسول، ومعاند لما سنه.أَو أَنه تَركه

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ "، وَنَحْو ذَلِك من الْأَلْفَاظ المفيدة للْأَحْكَام الوضعية، بِخِلَاف خطاب التَّكْلِيف؛ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم خطاب الْوَضع، كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع: توضؤوا لَا عَن حدث، فَإِن هَذَا خطاب تكليفي بِفعل مُجَرّد عَن سَبَب مَوْضُوع أَو غَيره) انْتهى

- ‌ للمسيء فِي صلَاته: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ".)قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَهُوَ أحسن مَا حمل عَلَيْهِ نَحْو: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ

- ‌ لأبي بردة: " وَلنْ تجزيء عَن أحد بعْدك " على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي ضَبطه، وَهُوَ ضم التَّاء والهمزة، لَا على فتح التَّاء بِلَا همزَة، بِمَعْنى: تقضي وتغني.لَكِن نَحن نمْنَع ذَلِك، ونقول: بِأَن الدَّلِيل دلّ على أَنَّهَا سنة.وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على اسْتِعْمَال الْإِجْزَاء فِي

- ‌ من أَتَى عرافا لم تقبل لَهُ صَلَاة

- ‌ لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوله

- ‌ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك "، وفيهَا غرر، وَقد نهي عَنهُ.تَنْبِيه: فهم [مِمَّا] تقدم: أَن الرُّخْصَة لَا تكون مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أَمر أَبَا لَهب أَن يصدق بنزول هَذِه السُّورَة.فَقَوله: إِنَّه أَمر أَن يصدق بِأَن لَا يُؤمن، قَول بَاطِل لم يَنْقُلهُ أحد من عُلَمَاء الْمُسلمين، فنقله عَن الرَّسُول قَول بِلَا علم، بل كذب عَلَيْهِ.فَإِن قيل: فقد كَانَ الْإِيمَان وَاجِبا على أبي لَهب، وَمن الْإِيمَان أَن يُؤمن بِهَذَا

- ‌ فِي الْمَمْلُوك: " لَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا يُطيق " رَوَاهُ مُسلم، وَكَقَوْلِه:

- ‌ فِي أخباره، وَمِنْه: أَن لَا يصدقهُ، فقد كلف بتصديقه بِعَدَمِ تَصْدِيقه.ورد: كلفوا بتصديقه، وعِلم الله بِعَدَمِهِ، وإخباره بِهِ، لَا يمْنَع الْإِمْكَان الذاتي كَمَا سبق، لَكِن لَو كلفوا بتصديقه بعد علمهمْ بِعَدَمِهِ، لَكَانَ من بَاب مَا علم الْمُكَلف امْتنَاع وُقُوعه، وَمثله غير

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ "، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: (من منع تَكْلِيف الْمحَال، لم يجوز تَكْلِيف غافل.وَنقض: بِوُجُوب الْمعرفَة.ورد: باستثنائه) .قَالَ: (وَفِيه نظر)

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر "، وَفِي رِوَايَة: " يَحْتَلِم "، وَفِي رِوَايَة: " حَتَّى يبلغ "، " وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل

- ‌ مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، واضربوه عَلَيْهَا لعشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَمر بالعقوبة، وَلَا تشرع الْعقُوبَة إِلَّا لترك وَاجِب، لِأَن حد

- ‌ أَنه ثمل ".لَكِن فِي تَكْلِيفه إِشْكَال، من حَيْثُ إِنَّه يلْزم أَن يكون مُكَلّفا بالعبادات كلهَا، وَمِنْهَا الصَّلَاة، ومكلفا بِأَن لَا يُصَلِّي لهَذِهِ الْآيَة، وهما متنافيان.وَيُمكن الْجَواب: بِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن قرْبَان الصَّلَاة وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ يزِيل السكر وَيُصلي، كَمَا يُؤمر من هُوَ

- ‌(قَوْله {فصل} )

- ‌وَقَول من قَالَ: إِذا امْتنع خطاب الصَّبِي وَالْمَجْنُون، فالمعدوم أَجْدَر، ضَعِيف، لِأَنَّهُ فهم عَن الْحَنَابِلَة تَنْجِيز التَّكْلِيف، وَلم يعلم [التَّعْلِيق] ، وَأَن حكم الصَّبِي وَالْمَجْنُون كَحكم الْمَعْدُوم، وَمن الْأَدِلَّة - أَيْضا - للمسألة: قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّبعُوهُ}

- ‌ انْتهى

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {تَنْبِيه الْأَدِلَّة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس} )

- ‌ فَعَن الله [قبل] ) انْتهى.ثمَّ قيل: (الْقُرْآن: مَأْخُوذ من قَرَأَ: إِذا جمع، سمي بِهِ المقروء، كَمَا سمي الْمَكْتُوب كتابا) .قَالَ [أَبُو عُبَيْدَة] : (سمي بذلك لِأَنَّهُ يجمع السُّور ويضمها) .وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: (اخْتلف فِي الْقُرْآن: هَل هُوَ مُشْتَقّ أم لَا

- ‌(بَاب الْكتاب)

- ‌(قَوْله: {بَاب الْكتاب: الْقُرْآن} )

- ‌ معجز متعبد بتلاوته} .وَذكر ابْن الْحَاجِب وَغَيره: أَنه (الْكَلَام الْمنزل للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ) ، وَفِيه مَا فِيهِ، على مَا يَأْتِي فِي الاحترازات.فَالْكَلَام - فِي حَده -: جنس لكل مَا تكلم بِهِ من الْكتب وَغَيرهَا.والمنزل: احْتِرَاز عَن كَلَام النَّفس.وَقَوله:

- ‌ معجز متعبد بتلاوته) .فَفِيهِ تَنْقِيح زَائِد على حد ابْن الْحَاجِب وَغَيره.فقولنا: (كَلَام) جنس، وَهُوَ أولى من اللَّفْظ، لِأَن الْكَلَام أخص من اللَّفْظ، فَهُوَ جنس قريب، وَأولى من القَوْل، لموافقته الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} [

- ‌ أَمر أَن يتحداهم بِمَا جَاءَ بِهِ فَيَقُول: هَل تقدرون أَن تَأْتُوا بِمثل مَا قلته؟ فيعجز عَن ذَلِك، فقد أعجزهم ذَلِك القَوْل، فَهُوَ معجز.وَالسّنة معْجزَة بِالْقُوَّةِ، لكنه لم يطْلب مِنْهُم أَن يَأْتُوا بِمِثْلِهَا، وَالْقُرْآن معجز بِالْفِعْلِ، لكَونه تحداهم أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ، بِأَمْر الله لَهُ

- ‌ فَلَمَّا عجزوا، تحداهم بِدُونِ ذَلِك

- ‌ للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ، إِنَّمَا يقْصد مُرَاعَاة [الِاعْتِبَار] الأول، وَأما من يُرَاعِي الِاعْتِبَار الثَّانِي فَيكون: مَا أنزل للإعجاز، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول: بِسُورَة مِنْهُ، أَو يَقُول ذَلِك، وَيُرِيد: أَن " من " فِيهِ لابتداء الْغَايَة، لَا للتَّبْعِيض.وَقَالَ الْآمِدِيّ: (هُوَ الْقَابِل

- ‌ وبلغه

- ‌ قَالَ: " إِن الله تَعَالَى عَفا لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ ".وَقسم أهل اللِّسَان الْكَلَام إِلَى: اسْم، وَفعل، وحرف.وَاتفقَ الْفُقَهَاء كَافَّة: على أَن من حلف لَا يتَكَلَّم، لَا يَحْنَث بِدُونِ النُّطْق، وَإِن حدثته نَفسه.فَإِن

- ‌ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي "، وَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه: " مَا هَذَا كَلَامي وَلَا كَلَام صَاحِبي وَلكنه كَلَام الله تَعَالَى ".وَالْكَلَام: هُوَ الْحُرُوف الْمَنْظُومَة، والكلمات المفهومة، والأصوات الْمَعْلُومَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ من وَجْهَيْن:

- ‌ عُفيَ لأمي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم أَو تعْمل بِهِ "، وَقَوله

- ‌ لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة…" الحَدِيث

- ‌ كل [كَلَام] ابْن آدم عَلَيْهِ لَا لَهُ…" الحَدِيث، وَقَالَ

- ‌ والحصى الَّذِي سبح فِي كفيه، والذراع المسمومة الَّتِي كَلمته.وَقَالَ ابْن مَسْعُود: " كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل

- ‌ إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما

- ‌ ويكلم الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليما}

- ‌ غير حَدِيثه، فَإِن كَانَ ثَابتا فَإِنَّهُ يرجع إِلَى غَيره، كَمَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود - يَعْنِي: الَّذِي [قبله]- وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي: الَّذِي بعده -: إِن الْمَلَائِكَة يسمعُونَ عِنْد حُضُور الْوَحْي صَوتا، فَيحْتَمل أَن يكون الصَّوْت للسماء، أَو للْملك الْآتِي بِالْوَحْي، أَو لأجنحة

- ‌ ذكر الصَّوْت، وَصَححهُ الْحفاظ المقتدى بهم، فَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بتشبيه وَلَا تَعْطِيل، فقد صحت أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي

- ‌(سَأَلت أبي عَن قوم يَقُولُونَ: لما كلم الله مُوسَى، لم يتَكَلَّم بِصَوْت، فَقَالَ أبي: بلَى، تكلم بِصَوْت، هَذِه الْأَحَادِيث يمرونها كَمَا جَاءَت، وَقَالَ أبي: حَدِيث ابْن مَسْعُود: " إِذا تكلم الله سمع لَهُ صَوت كمر سلسلة على الصفوان ".وَقَالَ الْخلال: ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ

- ‌ أَنه كَانَ يحب أَن يكون الرجل خفيض الصَّوْت، وَأَن الله تَعَالَى يُنَادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب، فَلَيْسَ هَذَا لغير الله تَعَالَى.وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن صَوت الله تَعَالَى لَا يشبه صَوت الْخلق، لِأَن الله تَعَالَى يسمع من بعد كَمَا يسمع من قرب، وَأَن الْمَلَائِكَة

- ‌ ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب "، حمله بعض الْأَئِمَّة على مجَاز الْحَذف، أَي: يَأْمر من يُنَادي، واستبعده بعض من أثبت الصَّوْت: بِأَن فِي قَوْله: " يسمعهُ من بعد "، إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ من الْمَخْلُوقَات، لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثل هَذَا فيهم، وَبِأَن

- ‌ على لِسَان جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام، بعد مَا سَمعه جِبْرِيل من الله تَعَالَى، فتلاه جِبْرِيل على مُحَمَّد، وتلاه مُحَمَّد على أَصْحَابه، وتلاه أَصْحَابه على الْأمة، وَلم يصر بِتِلَاوَة المخلوقين لَهُ مخلوقا، [لِأَنَّهُ] ذَلِك الْكَلَام بِعَيْنِه الَّذِي تكلم الله بِهِ، وَأطَال فِي ذَلِك)

- ‌ أَرْبَعَة عشر حَدِيثا فِي الصَّوْت، كَمَا تقدم ذَلِك.وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه "، وَفِي " خلق أَفعَال الْعباد " جملَة من ذَلِك.وَكَذَلِكَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي " تصنيفه ".وَجمع الْحَافِظ الضياء الْمَقْدِسِي جُزْءا فِي ذَلِك.وَذكرت من ذَلِك فِي هَذَا الْكتاب جملَة صَالِحَة

- ‌ يَقُول: " يحْشر الله الْعباد - أَو قَالَ: يحْشر الله النَّاس - قَالَ: وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام عُرَاة غرلًا بهما.قَالَ: قلت: مَا بهما؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء، فينادي بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب: أَنا الْملك [أَنا] الديَّان، لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة

- ‌ حَدِيث فِي الْقصاص، وَكَانَ صَاحب الحَدِيث بِمصْر، فاشتريت بَعِيرًا، فشددت عَلَيْهِ رحلا، فسرت عَلَيْهِ حَتَّى وَردت مصر، فقصدت إِلَى بَاب الرجل الَّذِي بَلغنِي عَنهُ الحَدِيث، فقرعت الْبَاب، فَخرج إِلَيّ مَمْلُوك لَهُ، فَنظر فِي وَجْهي وَلم يكلمني، فَدخل على سَيّده فَقَالَ:

- ‌ فِي الْقصاص، وَلَا أَظن أحدا مِمَّن مضى أَو مِمَّن بَقِي أحفظ لَهُ مِنْك، قَالَ: نعم يَا جَابر: سَمِعت رَسُول الله

- ‌ قَالَ: " إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها تَصْدِيقًا لقَوْله، كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير…" إِلَى آخِره، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة

- ‌ إِن الله تَعَالَى إِذا تكلم بِالْوَحْي، سمع أهل السَّمَاء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصَّفَا، فيصعقون، فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عليه السلام، فَإِذا جَاءَهُم جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالَ: يَقُول الْحق، قَالَ:

- ‌ فزع أهل السَّمَوَات لانحطاطه، وسمعوا صَوت الْوَحْي كأشد مَا يكون صَوت الْحَدِيد على الصَّفَا، فَكلما مر بِأَهْل سَمَاء فُزّع عَن قُلُوبهم، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل بِمَ أمرت؟ فَيَقُول: نور الْعِزَّة الْعَظِيم، كَلَام الله بِلِسَان عَرَبِيّ ".الحَدِيث السَّابِع: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي

- ‌ يَقُول الله تَعَالَى: يَا آدم، فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك، فينادي بِصَوْت: إِن الله يَأْمُرك أَن تخرج من ذريتك بعثا إِلَى النَّار " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره.الحَدِيث التَّاسِع: مَا رَوَاهُ النواس بن سمْعَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله

- ‌ يعرض نَفسه على النَّاس بالموقف، وَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه؛ فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة.الحَدِيث الْحَادِي عشر: مَا رَوَاهُ جَابر - أَيْضا - قَالَ: لما قتل أبي يَوْم

- ‌ يَا جَابر، أَلا أخْبرك بِمَا قَالَ الله تَعَالَى لأَبِيك، قَالَ: بلَى، قَالَ: وَمَا كلم الله أحدا إِلَّا من وَرَاء حجاب إِلَّا أَبَاك، فَكلم الله أَبَاك كفاحا، فَقَالَ: يَا عبد الله تمن عَليّ أعطك، قَالَ: يَا رب تردني فأقتل فِيك ثَانِيَة، فَقَالَ: سبق مني القَوْل: إِنَّهُم إِلَيْهَا

- ‌ مَا أذن الله لعبد فِي شَيْء أفضل من رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهمَا، وَإِن الْبر ليذر على رَأس العَبْد مَا دَامَ فِي صلَاته، وَمَا تقرب الْعباد إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ

- ‌ قَالَ: " فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الرب تَعَالَى على خلقه، وَذَلِكَ أَنه مِنْهُ

- ‌ فَقَالَ: " أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا، ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله؟ "، قَالُوا: بلَى، قَالَ: " فَإِن هَذَا الْقُرْآن سَبَب، طرفه بيد الله، وطرفه [بِأَيْدِيكُمْ] ، فَتمسكُوا بِهِ، فَإِنَّكُم لن تضلوا وَلنْ تهلكوا بعده أبدا "، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة "، وروى

- ‌ حَدِيث وَاحِد أَنه تكلم بِصَوْت، ورأينا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة - أَئِمَّة الْإِسْلَام الَّذين اعْتمد أهل الْإِسْلَام على أَقْوَالهم، وَعمِلُوا بهَا، ودونوها، ودانوا الله بهَا - صَرَّحُوا بِأَن الله تَعَالَى تكلم بِصَوْت لَا يُشبههُ صَوت مَخْلُوق بِوَجْه من الْوُجُوه الْبَتَّةَ، معتمدين على مَا صَحَّ عِنْدهم عَن

- ‌ قَالَ: " إِنَّكُم لن

- ‌ وَيَقُول بعقله هَذِه الْأَحَادِيث مشكلة، وَيلْزم مِنْهَا الْمَحْذُور الْعَظِيم.فَقَوْل من نتبع؟ قَول هَذَا الْقَائِل، أَو قَول من اتبع الْأَحَادِيث على حكم صِفَات الله اللائقة بجلاله وعظمته، وَالله أعلم.ونسأله التَّوْفِيق لما يرضيه عَنَّا من القَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، إِنَّه سميع

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ إِلَى الْأَئِمَّة فَمحل نظر، فَإِن أَسَانِيد الْأَئِمَّة السَّبْعَة بِهَذِهِ الْقرَاءَات [السَّبع] إِلَى النَّبِي

- ‌ وتواترت إِلَيْنَا، يكرهها أحد من الْعلمَاء، أَو من الْمُسلمين.فَعلمنَا بِهَذَا أَن هَذِه الصِّفَات لَيست متواترة، وَهُوَ وَاضح.وَكَذَلِكَ قِرَاءَة الْكسَائي، لِأَنَّهَا كَقِرَاءَة حَمْزَة فِي الإمالة والإدغام كَمَا نَقله [السرُوجِي] فِي الْغَايَة، فَلَو كَانَ ذَلِك متواترا لما كرهه أحد من

- ‌[فصل] )

- ‌ أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف ".) انْتهى.وَلم نر وَلم نسْمع أَن أحدا من الْعلمَاء الْقُرَّاء وَغَيرهم اسْتشْكل ذَلِك، وَلَا اعْترض عَلَيْهِ، فصح كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَنَقله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ بِكَلَام الله

- ‌ أَنه قَالَ: " من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ وَبِمَا لَا يعلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ.وَعَن جُنْدُب عَن النَّبِي

- ‌(بَاب السّنة)

- ‌{بَاب} [السّنة] )

- ‌ من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا " إِلَى آخِره

- ‌ وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالَه الطوفي، فَإِن عِبَارَته فِي " مُخْتَصره " كعبارتنا، وَحَاصِله: أَن للسّنة عرفا خَاصّا فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء.قَوْله: {قَول النَّبِي

- ‌ وَهُوَ نَوْعَانِ:

- ‌ عليا بِالْكِتَابَةِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَأمر بِالْكِتَابَةِ إِلَى الْمُلُوك، وَقَالَ

- ‌ وَارْتَفَعت أصواتهما حَتَّى سمعهما النَّبِي

- ‌ قُم فاقضه "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَاسم ابْن أبي حَدْرَد: عبد الله، وَاسم أَبِيه: سَلامَة بن عُمَيْر

- ‌[إِلَى] أبي بكر أَن يتَقَدَّم فِي الصَّلَاة، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَطَاف النَّبِي

- ‌ قَالَ: " فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه "، وَعقد تسعين

- ‌ بِيَدِهِ نَحْو الْيمن، فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَاهُنَا " الحَدِيث.وَفِي أبي دَاوُد عَن أبي حميد: " أَن النَّبِي

- ‌ الْإِشَارَة من الْجَارِيَة - فِي حَدِيث الأوضاح - مجْرى قَوْلهَا: إِن الْيَهُودِيّ قَتلهَا.وَمن ذَلِك قَول أَصْحَابنَا وَغَيرهم: إِشَارَة الْأَخْرَس بِمَنْزِلَة قَوْله، فِي الصَّلَاة، وَالْبيع، وَالطَّلَاق، وَغير ذَلِك، كَالْإِقْرَارِ، لَا فِي الشَّهَادَة وَنَحْوهَا.تَنْبِيه: من الْفِعْل - أَيْضا - عمل

- ‌ أَرَادَ

- ‌ أَن يكْتب إِلَى رَهْط أَو أنَاس من الْعَجم، فَقيل: إِنَّهُم لَا يقبلُونَ كتابا إِلَّا بِخَاتم، فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة "، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.وَمثله حَدِيث جَابر: " أَرَادَ النَّبِي

- ‌ أَنه ترك كَذَا، كَانَ - أَيْضا - من السّنة الفعلية، كَمَا ورد " أَنه

- ‌ عَادوا إِلَى الصَّلَاة، وَنَازع بعض الْعلمَاء فِي ذَلِك.وَلَكِن الْمُفِيد لهَذَا النَّوْع حَتَّى يرْوى عَنهُ، إِمَّا قَوْله: إِنَّه ترك كَذَا، أَو قيام الْقَرَائِن عِنْد الرَّاوِي الَّذِي يروي عَنهُ أَنه ترك كَذَا، إِذا لَا بُد من ذَلِك حَتَّى يعرف.تَنْبِيه آخر: قَوْلنَا: (غير الْوَحْي)

- ‌ من فعل أَو قَول غير الْقُرْآن) .وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَالْمرَاد هُنَا: قَول النَّبِي

- ‌ بِفعل وعاقه عَنهُ عائق، كَانَ ذَلِك الْفِعْل مَطْلُوبا شرعا؛ لِأَنَّهُ لَا يهم إِلَّا بِحَق مَحْبُوب مَطْلُوب شرعا؛ لأ [نه] مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات، وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان

- ‌ وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء، فَأَرَادَ رَسُول الله

- ‌ عَن إِنْكَار فعل أَو قَول بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه وَيعلم [بِهِ] .فإقرار من رَآهُ فعل أَو قَالَ شَيْئا على ذَلِك من السّنة قطعا، وَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك هُنَاكَ.وَزَاد الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: الْكِتَابَة، كَمَا تقدم.ورد: بأنما ذَلِك من قبيل القَوْل.وَزَاد - أَيْضا - التَّنْبِيه

- ‌ مَعْصُوم، والعصمة ثَابِتَة لَهُ ولسائر الْأَنْبِيَاء - صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ -.وَتَأْتِي تفاصيل أَفعاله، وَمَعَ أَقْوَاله - أَيْضا - وَمَا يجوز عَلَيْهِ، وَمَا لَا يجوز عَلَيْهِ.قَوْله: {وَهِي: سلب الْقُدْرَة على الْمعْصِيَة} .اخْتلف الْعلمَاء فِي حد الْعِصْمَة: فَقيل:

- ‌ قبل الْبعْثَة عقلا مَبْنِيّ على التقبيح الْعقلِيّ، فَمن أثْبته كالروافض منعهَا} ؛ للتنفير، فتنافي الْحِكْمَة، { [وقالته] الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر، [وَمن نفى التقبيح الْعقلِيّ لم يمْنَعهَا] } .إِنَّمَا قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل مَا بعْدهَا؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال بأفعالهم

- ‌ بِأَنَّهُ قصد بذلك التشريع، كَمَا فِي حَدِيث: " وَلَكِن أُنسى ".وَمِنْهُم من يعبر فِي هَذَا: بِأَنَّهُ تعتمد ذَلِك ليَقَع النسْيَان فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خطأ: لتصريحه

- ‌ إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم سبعين مرّة "، إِنَّمَا هُوَ [رُجُوعه من حَالَة إِلَى أرفع] مِنْهَا، لتزيد علومه، واطلاعه على أَمر الله، فَهُوَ يَتُوب من الْمنزلَة الأولى إِلَى الْأُخْرَى، وَالتَّوْبَة هُنَا لغوية) انْتهى، وَتقدم تَأْوِيل سَهْوه قَرِيبا

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ مُخْتَصًّا بِهِ فَوَاضِح} .وَله

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .قَوْله: {أَو جبليا} .أَعنِي: مَا كَانَ من أَفعاله جبليا وَاضحا: كالقيام وَالْقعُود، والذهاب وَالرُّجُوع، وَالْأكل وَالشرب، وَالنَّوْم والاستيقاظ، وَنَحْوهَا، {فمباح، قطع بِهِ الْأَكْثَر} وَلم يحكوا فِيهِ خلافًا

- ‌ فِي التَّسَرِّي، واختفائه فِي الْغَار ثَلَاثًا {وَقَالَ: " مَا بَلغنِي حَدِيث إِلَّا عملت بِهِ، حَتَّى أعطي الْحجام دِينَارا ".وَورد} أَيْضا {عَن} الإِمَام {الشَّافِعِي} ذَلِك، فَإِنَّهُ جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ

- ‌ شرب قَائِما ".ومنشأ الْخلاف فِي ذَلِك: تعَارض الأَصْل وَالظَّاهِر، فَإِن الأَصْل عدم التشريع، وَالظَّاهِر فِي أَفعاله التشريع؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات.قلت: أَكثر مَا حكيناه من الْأَمْثِلَة مَنْدُوب، نَص عَلَيْهِ إمامنا وَأَصْحَابه: كذهابه من طَرِيق ورجوعه فِي أُخْرَى فِي

- ‌ كَانَ يجلس إِذا رفع رَأسه من السُّجُود قبل أَن ينْهض " مُتَّفق عَلَيْهِ.وَحمله الْمُوفق وَجَمَاعَة: على أَن جُلُوسه كَانَ فِي آخر عمره حِين ضعف

- ‌ كَقَوْلِه

- ‌ الْإِعْلَام بِهِ، لوُجُوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ.فَإِن قلت: لَا يتَعَيَّن التَّبْلِيغ بِالْفِعْلِ.قلت: لَا يخرج ذَلِك عَن كَونه وَاجِبا، فَإِن الْوَاجِب الْمُخَير تُوصَف كل من خصاله بِالْوُجُوب

- ‌ سوى الْفِعْل، لِأَنَّهُ يفعل الشَّيْء لجِهَة الْفضل، ويفعله وَهُوَ خَاص بِهِ، وَإِذا أَمر بالشَّيْء فَهُوَ للْمُسلمين) .قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (ظَاهره الْوَقْف فِي تعديته إِلَى أمته وَإِن علمت صفته؛ لتعليله بِاحْتِمَال تَخْصِيصه) .وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه أَقيس، وَقَالَهُ بعض الْأُصُولِيِّينَ

- ‌ هَل هُوَ وَاجِب، أَو مَنْدُوب، أَو مُبَاح؟ { [بِأُمُور] :[مِنْهَا: النَّص] } مِنْهُ على ذَلِك، بِأَن يَقُول: هَذَا وَاجِب عَليّ، أَو مُسْتَحبّ، أَو مُبَاح، أَو معنى ذَلِك، بِذكر خَاصَّة من خواصه، أَو نَحْو ذَلِك

- ‌ يجب عَلَيْهِ بَيَان الشَّرْع للْأمة بقوله أَو فعله، فَإِذا أَتَى بِالْفِعْلِ بَيَانا أَتَى بِوَاجِب، وَإِن كَانَ الْفِعْل بَيَانا لأمر ندب أَو إِبَاحَة بِالنِّسْبَةِ للْأمة.فللفعل حِينَئِذٍ جهتان: جِهَة التشريع وَصفته الْوُجُوب، وجهة مَا يتَعَلَّق بِفعل الْأمة تَابع لأصله من ندب أَو إِبَاحَة

- ‌ يُفِيد الْإِبَاحَة، إِذا لم يكن فِيهِ معنى الْقرْبَة، فِي قَول الْجُمْهُور) .{ [وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه] وَاجِب} ، اخْتَارَهُ جمَاعَة، وَحكي عَن ابْن سُرَيج، والإصطخري، وَابْن خيران، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهم، كَمَا تقدم.قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (وَلَا وَجه لَهُ) على مَا

- ‌(فصل)

- ‌ نَعله فِي الصَّلَاة خلعوا نعَالهمْ، رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَرُوِيَ مُرْسلا.وَلما أَمرهم بالتحلل فِي صلح الْحُدَيْبِيَة - رَوَاهُ البُخَارِيّ - تمسكوا.وَسَأَلَهُ

- ‌ إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان، فقد وَجب الْغسْل "، أَو بِفعل هُوَ بَيَان لقَوْله: {وَإِن كُنْتُم جنبا} [الْمَائِدَة:

- ‌ لأجل أَنه فعل، وَكَذَا التّرْك}

- ‌ الْمَكْرُوه ليبين بِهِ الْجَوَاز، بل فعله يَنْفِي

- ‌ لبَيَان الْجَوَاز، وَيكون أفضل فِي حَقه) .وَخلاف الأولى كالمكروه، وَإِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ.وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي وضوء النَّبِي

- ‌ محصورة فِي الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب، وَأما الْمحرم فَلَا يَفْعَله الْبَتَّةَ، وَاخْتلف فِي الْمَكْرُوه، وَالصَّحِيح: أَنه لَا يَفْعَله كَمَا قَالَه من أَصْحَابنَا القَاضِي وَغَيره، أَو يَفْعَله لبَيَان الْجَوَاز للمعارض، كَمَا قَالَه ابْن مُفْلِح وَغَيره، أَو يَفْعَله نَادرا كَمَا قَالَ جمَاعَة، كَمَا تقدم ذَلِك كُله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ عَن إِنْكَار [فعل أَو قَول] ، بِحَضْرَتِهِ، أَو زَمَنه [عَالما بِهِ] ، دلّ على جَوَازه [حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح] ، وَإِن سبق تَحْرِيمه فنسخ} ؛ لِئَلَّا يكون سُكُوته محرما، وَلِأَن فِيهِ تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، لإيهام الْجَوَاز والنسخ، ولاسيما إِن استبشر بِهِ.وَلذَلِك احْتج

- ‌ بذلك وَأَعْجَبهُ "، مُتَّفق عَلَيْهِ.وَضعف ابْن الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي هَذِه الْحجَّة، لِأَن ترك إِنْكَاره لموافقته الْحق، وسُر لإلزام من طعن فِي نسب أُسَامَة، لما يلْزم على اعْتِقَاده فِي إِثْبَات النّسَب بالقافة.ورد: بِأَن مُوَافقَة الْحق لَا تجوز ترك إِنْكَار طَرِيق مُنكر

- ‌ أَن وجوب إِنْكَاره الْمُنكر لَا يسْقط عَنهُ بالخوف على نَفسه، وَإِن كَانَ ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لعدم تحقق خَوفه، بعد إِخْبَار الله تَعَالَى عَنهُ بعصمته من النَّاس.وَقَوْلنَا: (حَتَّى لغيره فِي الْأَصَح) .أَعنِي: أَن الْجَوَاز لَا يخْتَص بالفاعل الَّذِي سكت عَنهُ، بل يتَعَدَّى إِلَى غَيره من

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌[وَلَو اخْتلفَا] ، وَأمكن اجْتِمَاعهمَا كَصَوْم وَصَلَاة، أَو لَا، لَكِن لَا [يتناقض] حكماهما، فَلَا تعَارض، وَكَذَا إِن تنَاقض، كصومه فِي وَقت وَأكله فِي مثله، لَكِن: إِن دلّ دَلِيل على وجوب تكَرر [الأول لَهُ، أَو لأمته] ، أَو أقرّ من أكل فِي مثله، فنسخ} .الصَّادِر مِنْهُ

- ‌ إِن تماثلا: كَفعل صَلَاة، ثمَّ فعلهَا مرّة أُخْرَى فِي [وَقت] آخر، أَو اخْتلفَا وَأمكن اجْتِمَاعهمَا: كَفعل صَوْم وَفعل صَلَاة، أَو لَا يُمكن اجْتِمَاعهمَا لَكِن لَا يتناقض حكماهما، فَلَا تعَارض بَينهمَا؛ لِإِمْكَان الْجمع، وَحَيْثُ أمكن الْجمع امْتنع التَّعَارُض، وَكَذَا إِن تنَاقض: كصومه

- ‌ وَلِهَذَا جَاءَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّوْم فِي السّفر، مَعَ أَنه قد صَحَّ عَنهُ التَّخْيِير فِي الْأَمريْنِ) ، انْتهى كَلَام الْمجد

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ قَول وَفعل كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر، فَفِيهِ [اثْنَتَانِ] وَسَبْعُونَ مَسْأَلَة

- ‌ فَلَو [عَملنَا] بالْقَوْل أمكن الْجمع بَينهمَا من وَجه، وَلَو [عَملنَا] بِالْفِعْلِ لم يُمكن، وَالْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ وَلَو بِوَجْه أولى.وَاسْتدلَّ لوُجُوب الْعَمَل بِالْفِعْلِ: أَن الْفِعْل أقوى دلَالَة من القَوْل؛ لِأَن الْفِعْل يتَبَيَّن بِهِ القَوْل، لِأَن مثل قَوْله

- ‌ كَمَا سبق؟قيل: لِأَن القَوْل بالتوقف ضَعِيف هُنَا، لأَنا متعبدون بِالْعَمَلِ، والتوقف فِيهِ إبِْطَال الْعَمَل، وَنفي للتعبد بِهِ، بِخِلَاف الَّذِي قبله، وَهُوَ التَّوَقُّف فِي حق الرَّسُول، لعدم تعبدنا بِهِ.قَوْله: {وَإِن عَم القَوْل، فالمتأخر نَاسخ [فِي حَقه وحقنا] } ، لوُجُوب

- ‌[فالمتأخر] نَاسخ} ، إِن علم التَّارِيخ.قَوْله: {فَإِن جهل} .أَي: التَّارِيخ، فِي حَقه { [فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة] } الْمُتَقَدّمَة

- ‌ لعدم وجوب تكَرر الْفِعْل.{ [وَأما فِي حق الْأمة، فَالْقَوْل الْمُتَأَخر] نَاسخ} للْفِعْل [قبل]

- ‌ لثُبُوت الْعِصْمَة) .وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، خلافًا لِابْنِ الباقلاني.قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (الأول قَول الْجُمْهُور، حَتَّى أحالوا الْخَطَأ مِنْهُم فِيهِ، إِذا لم يشترطوا انْقِرَاض الْعَصْر) انْتهى.قلت: تَأتي هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا فِي أول الْإِجْمَاع، وَالله أعلم

الفصل: ‌ لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " رواه الدارقطني، وقوله

وَمعنى ذَلِك: أَن نفي الْإِجْزَاء كنفي الْقبُول فِيمَا ذكر، فَيُقَال: لَا يجزيء، كَمَا يُقَال: لَا يقبل، كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم َ -: "‌

‌ لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوله

صلى الله عليه وسلم َ -: " أَربع لَا تجزيء فِي الضَّحَايَا " وَنَحْوه، وَاخْتلف فِي كَيْفيَّة الْخلاف على طَرِيقين:

أَحدهمَا: الْقطع بِأَن نفي الْإِجْزَاء كنفي الْقبُول، فَكلما لَا يقبل يُقَال فِيهِ: لَا يجزيء، وَكلما يُقَال فِيهِ: يقبل، يُقَال فِيهِ: يجزيء.

وَالطَّرِيق الثَّانِيَة: أَن فِيهِ الْخلاف السَّابِق فِي نفي الْقبُول، وَأولى باقتضائه الْفساد، لِأَن الصِّحَّة قد تُوجد حَيْثُ لَا قبُول، بِخِلَاف الْإِجْزَاء مَعَ الصِّحَّة، وَسبق الْفرق بَين الصِّحَّة والإجزاء بِمَا يخدش مَا ذكرنَا هُنَا.

قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: (أما نفي الْإِجْزَاء فَالْمَشْهُور أَنه كنفي الصِّحَّة، فَيَعُود فِيهِ مَا سبق.

وَالثَّانِي: أَنه أولى بِالْفَسَادِ، فَيَعُود فِيهِ الْخلاف بالترتيب؛ لِأَن الصِّحَّة قد تُوجد حَيْثُ لَا قبُول، بِخِلَاف الْإِجْزَاء مَعَ الصِّحَّة) انْتهى.

قَوْله: {فَائِدَتَانِ: [إِحْدَاهمَا] : الصِّحَّة عقلية: كإمكان الشَّيْء وجودا وعدما، وعادية: كالمشي وَنَحْوه، وشرعية: [كالمذكورة] هُنَا} .

ص: 1105

للصِّحَّة [ثَلَاثَة] معَان:

أَحدهَا: كَونهَا عقلية، وَهِي إِمْكَان الشَّيْء، وقبوله للوجود والعدم.

وَالثَّانِي: كَونهَا عَادِية: كالمشي يَمِينا، وَشمَالًا، وأماما، وخلفا، دون الصعُود فِي الْهَوَاء.

الثَّالِث: كَونهَا شَرْعِيَّة، وَهِي الْإِذْن الشَّرْعِيّ فِي جَوَاز الْإِقْدَام على الْفِعْل، وَهُوَ يَشْمَل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَّا التَّحْرِيم فَلَا إِذن فِيهِ، وَالْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة فِيهَا الْإِذْن فِي جَوَاز الْإِقْدَام، وَقد اتّفق النَّاس على أَنه لَيْسَ فِي الشَّرِيعَة مَنْهِيّ عَنهُ، وَلَا مَأْمُور بِهِ، وَلَا مَشْرُوع على الْإِطْلَاق، إِلَّا وَفِيه الصِّحَّة العادية، وَلذَلِك حصل الِاتِّفَاق - أَيْضا - على أَن اللُّغَة لم يَقع فِيهَا طلب وجود وَلَا عدم إِلَّا فِيمَا يَصح عَادَة، وَإِن جَوَّزنَا تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق فَذَلِك بِحَسب مَا يجوز على الله، لَا بِحَسب مَا يجوز فِي اللُّغَات، فاللغات مَوضِع إِجْمَاع.

قَوْله: {الثَّانِيَة: النّفُوذ: تصرف لَا يقدر فَاعله على رَفعه، وَقيل: كالصحة} .

لم أعلم الْآن من أَيْن نقلت هَذِه الْمَسْأَلَة.

وَقَوْلنَا: (تصرف لَا يقدر فَاعله على رَفعه) ، هُوَ كالعقود اللَّازِمَة من البيع وَالْإِجَارَة وَالْوَقْف وَالنِّكَاح وَنَحْوهَا، إِذا اجْتمعت شُرُوطهَا، وانتفت موانعها، وَكَذَلِكَ الْعتْق وَالطَّلَاق وَالْفَسْخ وَنَحْوهَا.

ص: 1106

قَالَ فِي " الْبَدْر الْمُنِير ": (نفذ السهْم نفوذا - كقعد - ونفاذا خرق الرَّمية وَخرج مِنْهَا، وأنفذته بِالْألف، وَنفذ فِي الْأَمر ينفذ نفاذا: مهر فِيهِ، وَنفذ - قولا - نفوذا: قبل وَمضى، وَنفذ الْعتْق، كَأَنَّهُ مستعار من نُفُوذ السهْم، فَإِنَّهُ لَا مرد لَهُ، وَنفذ الْمنزل إِلَى الطَّرِيق: اتَّصل بِهِ، وَنفذ الطَّرِيق: عَم مسلكه لكل أحد، فَهُوَ نَافِذ، أَي: عَام، والمنفذ - مثل مَسْجِد -: مَوضِع النّفُوذ، وَالْجمع منافذ) انْتهى.

فَقَوله: (نفذ الْعتْق، كَأَنَّهُ مستعار من نُفُوذ السهْم) ، هُوَ مَسْأَلَتنَا، فَكَأَن الْعُقُود اللَّازِمَة الْمُتَقَدّمَة مستعار لَهَا النّفُوذ من نُفُوذ السهْم كَمَا قَالَ.

وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (النَّفاذ: جَوَاز الشَّيْء عَن الشَّيْء والخلوص، كالنفوذ، [ومخالطة] السهْم جَوف الرَّمية، وَخُرُوج طرفه من الشق الآخر، وسائره فِيهِ، كالنفذ، وأنفذ الْأَمر: قَضَاهُ) انْتهى.

قَوْله: (وَقيل: كالصحة) .

يَعْنِي - على هَذَا القَوْل - أَنه إِذا قيل: نفذ البيع وَنَحْوه، أَي: صَحَّ، لَكِن على هَذَا يكون أَعم من القَوْل الْمُقدم، فَإِنَّهُ على هَذَا يُقَال على الْعُقُود الْجَائِزَة، إِذا اجْتمعت شُرُوطًا، وانتفعت موانعها: نفذ العقد، أَي: صَحَّ،

ص: 1107

فَيُقَال فِي صَحِيح الشّركَة وَغَيرهَا: نفذ، أَي: صَحَّ، بِخِلَاف القَوْل الأول، فَإِنَّهُ لَا يُقَال إِلَّا فِي الْعُقُود اللَّازِمَة كَمَا مثلنَا أَولا، وَالله أعلم.

قَالَ ابْن الفركاح فِي " شرح الورقات ": (نُفُوذ العقد أَصله من نُفُوذ السهْم، وَهُوَ بُلُوغ الْمَقْصُود من الرَّمْي، وَكَذَلِكَ العقد إِذا أَفَادَ الْمَقْصُود الْمَطْلُوب مِنْهُ سمي بذلك نفوذا، فَإِذا ترَتّب على العقد مَا يقْصد مِنْهُ - مثل البيع إِذا أَفَادَ الْملك وَنَحْوه - قيل لَهُ: صَحِيح، ويعتد بِهِ، فالاعتداد بِالْعقدِ هُوَ المُرَاد بوصفه [بِالصِّحَّةِ] وبكونه نَافِذا) ، فَجعل الصِّحَّة والنفوذ وَاحِدًا.

وَقَالَ فِي " الورقات ": (وَالصَّحِيح مَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ) .

قَوْله: {والبطلان وَالْفساد مُتَرَادِفَانِ، يقابلان الصِّحَّة} على الْقَوْلَيْنِ فِيهَا.

وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ، وأصحابهما، وَغَيرهم، سَوَاء كَانَ فِي الْعِبَادَات أَو فِي الْمُعَامَلَات، فَهُوَ فِي الْعِبَادَة: عبارَة عَن عدم ترَتّب الْأَثر عَلَيْهَا، أَو عدم سُقُوط الْقَضَاء، أَو عدم مُوَافقَة الْأَمر.

ص: 1108

وَفِي الْمُعَامَلَات: عبارَة عَن عدم ترَتّب الْأَثر عَلَيْهَا.

وَفرق أَبُو حنيفَة بَينهمَا.

وتحرير مذْهبه فِي ذَلِك: أَن الْعِوَضَيْنِ إِن كَانَا غير قابلين للْبيع كالملاقيح بِالدَّمِ، فَهُوَ بَاطِل قطعا؛ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يقبل البيع الْبَتَّةَ، وَإِن كَانَا بأصلهما قابلين للْبيع، وَلَكِن اشتملا على وصف يَقْتَضِي عدم الصِّحَّة: كالربا فِي الْمُعَامَلَات، فَإِن الدَّرَاهِم بأصلها قَابِلَة للْبيع، وَإِنَّمَا جَاءَ الْبطلَان من الزِّيَادَة فِي أَحدهمَا، أَو النَّسِيئَة، ففاسد قطعا.

وَمثله فِي الْعِبَادَة: صَوْم يَوْم الْعِيد، فَإِن الْيَوْم بِأَصْلِهِ قَابل للصَّوْم الصَّحِيح فِيهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْبطلَان من الصّفة، وَهِي الْعِيد.

وَإِن كَانَ الْمَبِيع غير قَابل للْبيع دون الثّمن: كَبيع الملاقيح بِالدَّرَاهِمِ، أَو بِالْعَكْسِ: كَبيع ثوب مثلا بِدَم أَو خِنْزِير، فَفِي كل مِنْهُمَا خلاف، وَالصَّحِيح عِنْدهم: إِلْحَاق الأول بِالْأولِ، وَالثَّانِي بِالثَّانِي.

ص: 1109

وَفَائِدَة التَّفْصِيل عِنْدهم: أَن الْفَاسِد يُفِيد الْملك إِذا اتَّصل بِهِ الْقَبْض، دون الْبَاطِل، وَالله أعلم.

وَالأَصَح - دَلِيلا -: أَن الْبطلَان يرادف الْفساد، وهما يقابلان الصِّحَّة، كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا وَمذهب الشَّافِعِي.

حَتَّى قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (لم يَقع فِي الْكتاب وَالسّنة إِلَّا لفظ الْبَاطِل فِي مُقَابلَة الْحق، وَأما لفظ الصِّحَّة وَالْفساد فَمن اصْطِلَاح الْفُقَهَاء) .

واستدرك بَعضهم عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} [الْأَنْبِيَاء: 22]، أَي: لاختل نظامهما.

قَوْله: {مَعَ تفريقهما فِي الْفِقْه بَينهمَا فِي مسَائِل} كَثِيرَة.

قد فرق أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل فِي مسَائِل كَثِيرَة.

قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (قد ذكر أَصْحَابنَا مسَائِل فرقوا فِيهَا بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل، ظن بعض الْمُتَأَخِّرين أَنَّهَا مُخَالفَة للقاعدة.

وَالَّذِي يظْهر - وَالله أعلم - أَن ذَلِك لَيْسَ بمخالف للقاعدة.

وَبَيَانه: أَن الْأَصْحَاب إِنَّمَا قَالُوا: الْبطلَان وَالْفساد مُتَرَادِفَانِ، فِي مُقَابلَة

ص: 1110

قَول أبي حنيفَة، حَيْثُ قَالَ: مَا لم يشرع بِالْكُلِّيَّةِ هُوَ الْبَاطِل، وَمَا شرع أَصله وَامْتنع لاشْتِمَاله على وصف محرم هُوَ الْفَاسِد، فعندنا كل مَا كَانَ مَنْهِيّا إِمَّا لعَينه أَو لوصفه ففاسد وباطل، وَلم يفرق الْأَصْحَاب فِي صُورَة من الصُّور بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل فِي الْمنْهِي عَنهُ، وَإِنَّمَا فرقوا بَينهمَا فِي مسَائِل لدَلِيل) انْتهى.

قلت: غَالب الْمسَائِل الَّتِي حكمُوا عَلَيْهَا بِالْفَسَادِ، إِذا كَانَت مُخْتَلفا فِيهَا بَين الْعلمَاء، وَالَّتِي حكمُوا عَلَيْهَا بِالْبُطْلَانِ إِذا كَانَت مجمعا عَلَيْهَا، أَو الْخلاف فِيهَا شَاذ.

ثمَّ وجدت بعض أَصْحَابنَا قَالَ: (الْفَاسِد من النِّكَاح: مَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد، وَالْبَاطِل: مَا كَانَ مجمعا على بُطْلَانه.

وَعبر طَائِفَة من أَصْحَابنَا بِالْبَاطِلِ عَن النِّكَاح الَّذِي يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد أَيْضا) .

إِذا علم ذَلِك؛ فقد ذكر أَصْحَابنَا مسَائِل الْفَاسِد غير مسَائِل الْبَاطِل فِي أَبْوَاب مِنْهَا: بَاب الْكِتَابَة، وَالنِّكَاح، وَالْحج، وَغَيرهَا، وَقد ذكر القَاضِي عَلَاء الدّين فِي قَوَاعِده لذَلِك قَاعِدَة وَذكر مسَائِل كَثِيرَة فليعاودها من أرادها.

قَوْله: { [الْعَزِيمَة] لُغَة} : من الْعَزْم، وَهُوَ:{الْقَصْد الْمُؤَكّد} ،

ص: 1111

وَمِنْه: {أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} [الْأَحْقَاف: 35] ، وعزمت عَلَيْك إِلَّا مَا فعلت كَذَا، أَي: عقد الْقلب على إِمْضَاء الْأَمر، أَي: محافظته على مَا أَمر بِهِ، [وعزيمته] على الْقيام بِهِ.

وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَلم نجد لَهُ عزما} [طه: 115]، وَقَوله عز وجل:{فَإِذا عزمت فتوكل على الله} [آل عمرَان: 159] .

قَالَ الْجَوْهَرِي: (عزمت على كَذَا: إِذا أردْت فعله، وَقطعت عَلَيْهِ) وجزمت بِهِ وصممت عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي " الْمِصْبَاح ": (عزم على الشَّيْء، وعزمه، عزما - من بَاب ضرب -: عقد ضَمِيره على فعله، وعزم، عَزِيمَة، وعزمة: اجْتهد وجد فِي أَمر، وعزيمة الله تَعَالَى: فريضته الَّتِي افترضها، وَالْجمع: عزائم، وعزائم السُّجُود: مَا أَمر بِالسُّجُود فِيهَا) انْتهى.

ص: 1112

وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (عزم على الْأَمر، يعزم، [عَزمَة] ، وَيضم، ومعزما [وعزما]- بِالضَّمِّ - وعزيما، وعزيمة، وعزمة، واعتزمه، وَعَلِيهِ، وتعزم: أَرَادَ فعله، وَقطع عَلَيْهِ، وجد فِي الْأَمر، وعزم الْأَمر نَفسه: عزم عَلَيْهِ: وعَلى الرجل: أقسم، [والراقي فِي العزائم]، أَي: الرقى، أَو هِيَ آيَات من الْقُرْآن تقْرَأ على ذَوي الْآفَات رَجَاء الْبُرْء، وأولو الْعَزْم من الرُّسُل: الَّذين عزموا على أَمر الله فِيمَا عهد إِلَيْهِم، [وهم] : نوح، وَإِبْرَاهِيم، ومُوسَى [وَعِيسَى] ، وَمُحَمّد [عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام] .

الزَّمَخْشَرِيّ: (أولو الْعَزْم: الْجد والثبات وَالصَّبْر، [وهم] : نوح، وَإِبْرَاهِيم، وَإِسْحَاق، وَيَعْقُوب، [وَأَيوب] ، وَدَاوُد، وَعِيسَى - صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه أَجْمَعِينَ -) انْتهى.

قلت: الصَّحِيح: أَن أولي الْعَزْم الْخَمْسَة الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي

ص: 1113

الْأَحْزَاب والشورى بقوله: {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى [وَعِيسَى] ابْن مَرْيَم} [الْأَحْزَاب: 7]، وَقَوله:{شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى أَن أقِيمُوا الدّين} [الشورى: 13] ، وَقد نبه عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي " تَفْسِيره ".

قَوْله: {وَشرعا} .

[أَي] : الْعَزِيمَة فِي الشَّرْع.

{قَالَ الْمُوفق والطوفي و [غَيرهمَا] } وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الْبَيْضَاوِيّ: {الحكم الثَّابِت بِدَلِيل شَرْعِي خَال عَن معَارض، فَيشْمَل الْأَحْكَام الْخَمْسَة} .

فالعزيمة على هَذَا القَوْل وَاقعَة فِي جَمِيع الْأَحْكَام لِأَن كل وَاحِد مِنْهَا حكم ثَابت بِدَلِيل شَرْعِي، فَيكون فِي الْحَرَام وَالْمَكْرُوه على معنى التّرْك، فَيَعُود الْمَعْنى فِي ترك الْحَرَام إِلَى الْوُجُوب.

ص: 1114

وَقَوله: (بِدَلِيل شَرْعِي) ، احْتِرَاز من الثَّابِت بِدَلِيل عَقْلِي، فَإِن ذَلِك لَا يسْتَعْمل فِيهِ الْعَزِيمَة والرخصة.

وَقَوله: (خَال عَن معَارض) ، احْتِرَاز مِمَّا يثبت بِدَلِيل، لَكِن لذَلِك الدَّلِيل معَارض مسَاوٍ أَو أرجح، لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمعَارض مُسَاوِيا لزم الْوَقْف، وانتفت الْعَزِيمَة، وَوَجَب طلب الْمُرَجح الْخَارِجِي، وَإِن كَانَ راجحا لزم الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ، وانتفت الْعَزِيمَة وَثبتت الرُّخْصَة: كتحريم الْميتَة عِنْد عدم المخمصة، فالتحريم فِيهَا عَزِيمَة، لِأَنَّهُ حكم ثَابت بِدَلِيل شَرْعِي خَال عَن معَارض، فَإِذا وجدت المخمصة، حصل الْمعَارض لدَلِيل التَّحْرِيم، وَهُوَ رَاجِح عَلَيْهِ، حفظا للنَّفس، فَجَاز الْأكل وحصلت الرُّخْصَة.

قَوْله: {وَأسْقط الرَّازِيّ الْحَرَام} .

فَجَعلهَا منقسمة إِلَى مَا عدا الْحَرَام، فَتكون الْعَزِيمَة عِنْده: الْوَاجِب، وَالْمُسْتَحب، والمباح، وَالْمَكْرُوه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جعل مورد التَّقْسِيم الْفِعْل الْجَائِز فَقَالَ:(الْفِعْل الَّذِي يجوز للمكلف الْإِتْيَان بِهِ، إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة، أَو رخصَة) ، هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ.

قَوْله: {والقرافي} .

أَي: وَقَالَ الْقَرَافِيّ: هِيَ {طلب فعل لم يشْتَهر فِيهِ منع شَرْعِي، فَيخْتَص الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب} ، فَإِن الطّلب تَارَة يكون بجزم وَهُوَ الْوَاجِب، وَتارَة يكون بِغَيْر جزم وَهُوَ الْمَنْدُوب.

ص: 1115

وَقَوله (طلب) ، يخرج الْمحرم وَالْمَكْرُوه، وَكَذَا - الْمُبَاح أَيْضا - لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَب.

قَالَ الْقَرَافِيّ: (وَلَا يُمكن أَن يكون الْمُبَاح من العزائم، فَإِن الْعَزْم: هُوَ الطّلب الْمُؤَكّد فِيهِ) .

قَوْله: {وَالْغَزالِيّ، والآمدي، [وَابْن حمدَان، وَابْن مُفْلِح] } .

أَي: قَالُوا: الْعَزِيمَة {مَا لزم} - أَي: الْعباد - {بإلزام الله تَعَالَى من غير مُخَالفَة دَلِيل شَرْعِي، فَيخْتَص الْوَاجِب} .

وَقَالَهُ ابْن الْحَاجِب فِي " الْمُخْتَصر الْكَبِير "، وَهُوَ ظَاهر، وَكَأَنَّهُم احترزوا بِإِيجَاب الله تَعَالَى عَن النّدب، فَإِنَّهُ لَا يُسمى عَزِيمَة.

قَوْله: {والرخصة لُغَة: السهولة} والتيسير، أَي: خلاف التَّشْدِيد، وَمِنْه: رخص السّعر: إِذا سهل، الرُّخص: الناعم، وَهُوَ رَاجع إِلَى معنى الْيُسْر والسهولة.

قَالَ فِي " الْمِصْبَاح ": (يُقَال: رخص الشَّارِع لنا فِي كَذَا ترخيصا، وأرخص إرخاصا: إِذا يسره وسهله، وَفُلَان يترخص فِي الْأَمر: إِذا لم يستقص، وقضيب رخص، أَي: طري لين، وَرخّص الْبدن - بِالضَّمِّ -

ص: 1116

رخاصة ورخوصة: إِذا نعم ولان ملمسه فَهُوَ رخيص) انْتهى.

وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (الرُّخص - بِالضَّمِّ -: ضد الغلاء، وَقد رخص ككرم، و - الْفَتْح -: الشَّيْء الناعم، والرخصة - بضمة وبضمتين -: [ترخيص الله للْعَبد] فِيمَا يخففه عَلَيْهِ، والتسهيل) .

قَوْله: {وَشرعا: مَا ثَبت على خلاف دَلِيل شَرْعِي لمعارض رَاجِح} .

وَهُوَ للطوفي فِي " مُخْتَصره ".

فَقَوله: (مَا ثَبت على خلاف دَلِيل شَرْعِي) ، احْتِرَاز مِمَّا ثَبت على وفْق الدَّلِيل، فَإِنَّهُ لَا يكون رخصَة، بل عَزِيمَة: كَالصَّوْمِ فِي الْحَضَر.

وَقَوله: (لمعارض رَاجِح) ، احْتِرَاز مِمَّا كَانَ لمعارض غير رَاجِح، بل إِمَّا مسَاوٍ فَيلْزم الْوَقْف على حُصُول الرَّاجِح، أَو قَاصِر عَن مُسَاوَاة الدَّلِيل الشَّرْعِيّ، فَلَا يُؤثر وَتبقى الْعَزِيمَة بِحَالِهَا.

{ [وَقيل] } : هِيَ {اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور مَعَ قيام [السَّبَب] الحاظر} ، وَهَذَا للشَّيْخ موفق الدّين فِي " الرَّوْضَة "، وَهُوَ قريب من الأول، غير أَن الاستباحة قد يكون مستندها الشَّرْع، فَيلْزم أَن يكون لمعارضة دَلِيل رَاجِح: كَأَكْل الْميتَة فِي المخمصة، فَإِنَّهُ اسْتِبَاحَة للميتة الْمُحرمَة شرعا، مَعَ قيام السَّبَب

ص: 1117

الْمحرم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} [الْمَائِدَة: 3] ، لدَلِيل شَرْعِي رَاجِح على هَذَا السَّبَب، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم} [الْمَائِدَة: 3] ، فَإِن هَذَا خَاص، وَسبب التَّحْرِيم عَام، وَالْخَاص مقدم، هَذَا مَعَ النُّصُوص وَالْإِجْمَاع الحاض على حفظ النُّفُوس واستبقائها.

وَقد لَا تكون الاستباحة مستندة إِلَى الشَّرْع، فَيكون ذَلِك مَعْصِيّة مَحْضَة لَا رخصَة.

قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": (فَلَو قيل: اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور شرعا مَعَ قيام السَّبَب الحاظر صَحَّ، وساوى الأول) .

وَقَالَ الْعَسْقَلَانِي فِي " شرح مُخْتَصر الطوفي ": (أَجود مَا يُقَال فِي الرُّخْصَة: ثُبُوت حكم لحالة تَقْتَضِيه مُخَالفَة مُقْتَضى دَلِيل يعمها) .

وَهُوَ لِابْنِ حمدَان فِي " الْمقنع "، وفيهَا حُدُود كَثِيرَة مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَة يكْتَفى بأحدها.

قَوْله: {فَمِنْهَا: وَاجِب: كَأَكْل مُضْطَر ميتَة} .

قد يكون فعل الرُّخْصَة وَاجِبا، وَقد يكون مُسْتَحبا، وَقد يكون مُبَاحا، بِاعْتِبَار الْحَال.

ص: 1118

فَالَّذِي فعله وَاجِب: أكل الْميتَة للْمُضْطَر، فَإِنَّهُ وَاجِب على الصَّحِيح من كَلَام الْعلمَاء، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، لِأَنَّهُ سَبَب لإحياء النَّفس، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ وَاجِب، وَذَلِكَ لِأَن النُّفُوس حق لله تَعَالَى، وَهِي أَمَانَة عِنْد الْمُكَلّفين، فَيجب حفظهَا ليستوفي الله حَقه مِنْهَا بالعبادات والتكاليف، وَقد قَالَ الله تَعَالَى:{وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} [الْبَقَرَة: 195]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} [النِّسَاء: 29] .

وَقيل: أكلهَا جَائِز - أَي: مُبَاح - لَا وَاجِب لِأَن إِبَاحَة الْأكل رخصَة فَلَا يجب عَلَيْهِ كَسَائِر الرُّخص، وَلِأَن لَهُ غَرضا فِي اجْتِنَاب النَّجَاسَة وَالْأَخْذ بالعزيمة، وَرُبمَا لم تطب نَفسه بتناول الْميتَة، وَفَارق الْحَلَال فِي الأَصْل من هَذِه الْوُجُوه، ذكره أَصْحَابنَا.

وَقيل: الْأكل مُسْتَحبّ لَا وَاجِب.

وَقيل: أكلهَا عَزِيمَة لَا رخصَة.

قَالَ إِلْكيَا الطَّبَرِيّ: (هَذَا هُوَ الصَّحِيح عندنَا) .

وَقَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره ": (وَيجوز أَن يُقَال: التَّيَمُّم وَأكل الْميتَة كل مِنْهُمَا رخصَة عَزِيمَة بِاعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ) انْتهى.

وَقَالَ السُّبْكِيّ: (هِيَ رخصَة عَزِيمَة باعتبارين) .

ص: 1119

وَلَعَلَّه أَخذه من كَلَام الطوفي.

تَنْبِيه: الْحَاصِل من تَقْرِير مجامعة الرُّخْصَة للْوُجُوب وَنَحْوه على القَوْل الْمُقدم: أَن الرُّخْصَة - فِي الْحَقِيقَة -: إحلال الشَّيْء، لِأَنَّهَا التَّيْسِير والتسهيل، ثمَّ قد يعرض لَهُ وصف آخر من الْأَحْكَام غير الْحل لدَلِيل، كحل أكل الْميتَة، نَشأ وُجُوبه من وجوب حفظ النَّفس، فَلذَلِك انقسمت الرُّخْصَة إِلَى هَذِه الْأَقْسَام، وَالصَّحِيح: أَن حكمهَا وَاجِب، فَتغير حكمهَا من صعوبة التَّحْرِيم إِلَى سهولة الْوُجُوب، لموافقته لغَرَض النَّفس، لعذر الِاضْطِرَار، مَعَ قيام سَبَب التَّحْرِيم حَال الْحل، وَهُوَ الْخبث.

فَائِدَة: قَالَ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز - شَارِح الْبَزْدَوِيّ -: (عَن الْعلمَاء فِي حكم الْميتَة وَنَحْوهَا فِي حَالَة الضَّرُورَة، هَل هِيَ مُبَاحَة، أَو تبقى على حكم التَّحْرِيم ويرتفع الْإِثْم كَمَا فِي الْإِكْرَاه على الْكفْر؟ وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف وَأحد قولي الشَّافِعِي.

قَالَ: وَذهب أَكثر أَصْحَابنَا إِلَى ارْتِفَاع الْحُرْمَة.

وَذكر للْخلاف فائدتين: إِحْدَاهمَا: إِذا جَاع حَتَّى مَاتَ لَا يكون آثِما على الأول، بِخِلَافِهِ على الثَّانِي.

ص: 1120

الْفَائِدَة الثَّانِيَة: إِذا حلف لَا يَأْكُل حَرَامًا، فتناوله فِي حَالَة الضَّرُورَة، حنث على الأول لَا الثَّانِي) .

وَمِمَّا يجب من الرُّخْصَة: إساغة اللُّقْمَة بِالْخمرِ لمن غص بهَا، فَهِيَ كالميتة للْمُضْطَر.

قَالَ ابْن حمدَان: (وَيجب فطر الْمَرِيض فِي رَمَضَان إِذا خَافَ الْمَوْت بِعَدَمِهِ) .

{و} من الرُّخْصَة مَا هُوَ {مَنْدُوب: كقصر [الْمُسَافِر] } الصَّلَاة عِنْد أَصْحَابنَا وإمامنا، إِذا اجْتمعت الشُّرُوط وانتفت الْمَوَانِع، وَكَذَلِكَ عِنْد الشَّافِعِيَّة.

{و} مِنْهَا مَا هُوَ {مُبَاح [كالجمع] } بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي غير عَرَفَة ومزدلفة، وَكَذَا كلمة الْكفْر لمن أكره، وَكَذَلِكَ الْعَرَايَا للْحَدِيث فِي ذَلِك،

ص: 1121