الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ
2520 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا
===
بَابٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ
2520 -
"جعل الله أرواحهم" إلخ المراد: بـ "طير" الجنس، ولذا وصف بالجمع أعني "خضر" فالمراد بالجوف: الأجواف، فالمعنى أن روح كل واحد في جوف طير لا أن الكل مجتمعة في جوف طير واحد؛ ويؤيده رواية:"أجواف طير"(1) أو "حواصل طير"، وأورد على هذا الحديث أنه لا يخلو إما أن يحصل بتلك الأرواح (2) أو لا، والأول هو القول بالتناسخ ويلزم منه تنقيص كلهم وتنزيل إلى أسفل أيضًا؛ حيث أخرجوا من الأبدان. أجيب باختيار الشق الثاني ومنع كونه حبسًا وسجنًا لجواز أن يقدر الله تعالى في تلك الأجواف من السرور والنعيم ما لا تجده في الفضاء الواسع، وقيل: إيداعها في أجواف تلك الطيور كوضع الدرر في الصناديق تكريمًا وتشريفًا لها.
قلت: وظاهر أن إدخالها في أجواف الطيور؛ لأن التنعم والتلذذ الجسماني لا يوجد أو لا يتم إلا بواسطة البدن. والجسم وليس للروح منه نصيب وقد
(1) مسلم في الإمارة (1887)، وأحمد في مسنده 1/ 266، 6/ 386 والدارمي 2/ 206.
(2)
في هكذا بالأصل ولعل في العبارة سقطًا.
وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ، وَمَشْرَبِهِمْ، وَمَقِيلِهِمْ، قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا، أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ، فَقَالَ
===
تعلق إرادته تعالى بحياة الشهداء وتلذذهم بالنعم الجسمانية، فلذلك تدخل أرواحهم في أبدان الطيور؛ لينالوا من تلك اللذات الجسمانية ويصيبوا منها على الوجه المعهود، فإن قلنا: يكفي في ذلك وضعها في أبدان ووجودها فيها وإن لم تكن متعلقة بهذه الأبدان مدبرة فيها تدبير الأرواح في الأبدان كما كانت في الأبدان الدنيوية كما قيل، فالجواب باختيار الشق الثاني، وإن قلنا: لا يكفي ذلك، بل لا بد من التعلق المعهود بالبدن فلا بد من اختيار الشق الأول ومنع لزوم القول بالتناسخ؛ لأن ذلك هو أن الروح دائمًا تنتقل من جسم إلى جسم آخر على وجه ينفي الحشر والنشر، ويكون انتقال الروح إلى صورة حسنة هو الثواب الموعود، وانتقالها إِلى صورة قبيحة هو العقاب، ونحن لا نقول به على هذا الوجه بل نقول: إِنها في مدة بقائهم في الجنة قبل قيام القيامة ووجود الحشر في هذه الأبدان، ثم يرجع كل روح إلى الجسد الأول ويبعثهم الله فيها كما جاءت به الأحاديث، بل صار أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، وكذا لا يلزم التنقيص لجواز أن تبقى الأرواح على صفاتها السابقة الإنسانية من العلوم والكمالات، ولا يكون على صفات الطير، وأما مجرد الصور والأشكال فلا اعتداد بها، ويحتمل أن المراد كونها في أجواف طير أنها في بدن له قوة الطيران وإن كان هو من جنس الأبدان وأجملها والله تعالى أعلم، ومن هاهنا ظهر الفرق بين الشهداء وغيرهم حتى وصفهم الله تعالى في كتابه بالحياة وأنهم يرزقون (1) بخلاف غيرهم، مع أن بقاء الروح مشترك بين الكل وكذا خراب البدن الأصلي عدم عود
(1) الآيات في سورة آل عمران: الآيات (169: 171).