الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
فِي الشّركَة. وَالشَّرِكَة بِفَتْح الشين مَعَ كسر الرَّاء وسكونها وبكسر الشين مَعَ سُكُون الرَّاء جَائِزَة بِالْإِجْمَاع، وَهِي قِسْمَانِ: أَحدهمَا اجْتِمَاع فِي اسْتِحْقَاق، وَهِي أَنْوَاع: أَحدهَا فِي الْمَنَافِع والرقاب كَعبد ودرا بَين اثْنَيْنِ فَأكْثر بِإِرْث أَو بيع وَنَحْوهمَا، الثَّانِي فِي الرّقاب كَعبد موصى بمنفعته وَرثهُ اثْنَان فَأكْثر، الثَّالِث فِي الْمَنَافِع كمنفعة موصى بهَا لاثْنَيْنِ فَأكْثر، الرَّابِع فِي حُقُوق الرّقاب كَحَد قذف إِذا قذف جمَاعَة يتَصَوَّر مِنْهُم الزِّنَا عَادَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَإِذا طلبُوا كلهم وَجب لَهُم حد وَاحِد. وَيَأْتِي فِي الْقَذْف. وَالْقسم الثَّانِي اجْتِمَاع فِي تصرف، وَهِي شركَة الْعُقُود الْمَقْصُودَة هَهُنَا، وَتكره مَعَ كَافِر كمجوسي نصا لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن مُعَامَلَته بالربا وَبيع الْخمر نَحوه. وَلَا تكره مَعَ كتابي لَا يَلِي التَّصَرُّف، وَهِي فِي التَّصَرُّف خَمْسَة أضْرب جمع ضرب أَي صنف: أَحدهَا شركَة عنان بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَلَا خلاف فِي جَوَازهَا، بل فِي بعض شُرُوطهَا، سميت بذلك لِأَنَّهُمَا يستويان فِي المَال وَالتَّصَرُّف
كالفارسين المستويين فِي السّير، فَإِن عناني فرسيهما يكونَانِ سَوَاء. يملك كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف فِي كل المَال كَمَا يتَصَرَّف الْفَارِس فِي عنان فرسه. وَهِي أَي شركَة الْعَنَان أَن يحضر كل وَاحِد من عدد اثْنَيْنِ فَأكْثر جَائِز التَّصَرُّف فَلَا ينْعَقد على مَا فِي الذِّمَّة، وَلَا مَعَ صَغِير وسفيه من مَاله فَلَا ينْعَقد بِنَحْوِ مَغْصُوب، نَقْدا ذَهَبا أَو فضَّة مَضْرُوبا وَلم لم يتَّفق الْجِنْس، كَمَا لَو أحضر أَحدهمَا ذَهَبا وَالْآخر فضَّة فَلَا تصح بِعرْض وَلَو مثلِيا وَلَا بِقِيمَتِه وَلَا بِثمنِهِ الَّذِي اشْترى بِهِ وَالَّذِي يُبَاع بِهِ وَلَا بمغشوش كثيرا وَلَا بفلوس أَو نافقة وَلَا بنقرة لم تضرب. وَلَا أثر لغش يسير لمصْلحَة كحبة فضَّة وَنَحْوهَا فِي دِينَار. وَيشْتَرط أَن يكون النَّقْد مَعْلُوما قدره وَصفته فَلَا تصح على مجهولين للغرر، فَإِن اشْتَركَا فِي مَال مختلط بَينهمَا شَائِعا صَحَّ عقد الشّركَة إِن علما قدر مَا لكل مِنْهُمَا فِيهِ لعمل مُتَعَلق بيحضر فِيهِ أَي فِي المَال جَمِيعه كل مِم لَهُ فِيهِ شَيْء على أَن لَهُ من الرِّبْح بِنِسْبَة مَا لَهُ بِأَن شَرط لرب نصف المَال نصف الرِّبْح ولرب الثُّلُث ثلث الرِّبْح ولرب السُّدس سدس الرِّبْح مثلا، أَو على أَن لكل مِنْهُم جُزْءا مشَاعا مَعْلُوما وَلَو أَكثر من نِسْبَة مَاله كَأَن جعل لرب السُّدس نصف الرِّبْح لقُوَّة حذقه، أَو يُقَال: بَيْننَا فيستوون فِيهِ، لَا يشْتَرط خلط الْمَالَيْنِ وكل عقد لَا ضَمَان فِي صَحِيحه لَا ضَمَان فِي فاسده إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَو التَّفْرِيط كالشركة وَالْمُضَاربَة وَالْوكَالَة والوديعة، وكل عقد يجب الضَّمَان فِي صَحِيحه يجب فِي فاسده كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح وَالْقَرْض، وَلكُل من الشَّرِيكَيْنِ أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي وَيَأْخُذ وَيُعْطِي وَيُطَالب ويخاصم وَيفْعل كل مَا فِيهِ حَظّ للشَّرِكَة.
وَالضَّرْب الثَّانِي من الشّركَة الْمُضَاربَة من الضَّرْب فِي الأَرْض أَي السّفر فِيهَا، أَو من ضرب كل مِنْهُمَا بِسَهْم فِي الرِّبْح وَهَذِه تَسْمِيَة أهل الْعرَاق، وَأهل الْحجاز يسمونها قراضا من قرض الفار الثَّوْب أَي قطعه كَانَ رب المَال اقتطع قِطْعَة من مَاله وَسلمهَا لَهُ واقتطع لَهُ قِطْعَة من ربحها. وَهِي أَي الْمُضَاربَة شرعا دفع مَال أَي نقد مَضْرُوب غير مغشوش كثيرا كَمَا تقدم، أَو مَا فِي معنى الدّفع كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِية وَالْغَصْب إِذا قَالَ رَبهَا لمن هِيَ تَحت يَده ضَارب بهَا على كَذَا معِين صفة المَال فَلَا يَصح: ضَارب بِأحد هذَيْن تَسَاوِي مَا فيهمَا أَو اخْتلف، مَعْلُوم قدره فَلَا يَصح بصرة دَرَاهِم أَو دَنَانِير لِأَنَّهُ لَا بُد من الرُّجُوع إِلَى رَأس المَال ليعلم الرِّبْح، وَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ جَهله لمن يتجر فِيهِ أَي المَال مُتَعَلق بِدفع جُزْء مُتَعَلق بيتجر مَعْلُوم مشَاع من ربحه كنصفه أَو عشره. وَهِي أَمَانَة ووكالة، فَإِن ربحت فشركة وَإِن فَسدتْ فإجارة أَي كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَة، لِأَن الرِّبْح كُله لرب المَال وللعامل أُجْرَة مثله نَص عَلَيْهِ. وَلَو خسر المَال. وَإِن تعدى فَغَضب. قَالَ فِي الْهدى: الْمضَارب أَمِين وأجير ووكيل وَشريك. فأمين إِذا قبض المَال، ووكيل إِذا تصرف فِيهِ، وأجير فِيمَا يباشره من الْعَمَل بِنَفسِهِ، وَشريك إِذا ظهر فِيهِ الرِّبْح. انْتهى. وَلَيْسَ لَهُ شِرَاء من يعْتق على رب المَال بِغَيْر إِذْنه فَإِن فعل صَحَّ وَعتق وَضمن ثمنه، وَإِن لم يعلم أَنه يعْتق على رب المَال، لِأَنَّهُ إِتْلَاف، فَإِن كَانَ بِإِذن انْفَسَخت فِي قدر ثمنه لتلفه، فَإِن كَانَ ثمنه كل المَال
انْفَسَخت كلهَا. وَإِن كَانَ فِي المَال ربح أَخذ حِصَّته مِنْهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا نَفَقَة لِلْعَامِلِ إِلَّا بِشَرْط نصا. فَإِن شرطت مُطلقَة وَاخْتلفَا فَلهُ نَفَقَة مثله عرفا من طَعَام وَكِسْوَة، وَإِن تعدد رب المَال فَهِيَ على قدر مَا لكل مِنْهُمَا أَو مِنْهُم إِلَّا أَن يشترطها بعض أَرْبَاب المَال من مَاله عَالما بِالْحَال فتختص بِهِ. وَإِن ضَارب الْعَامِل أَي أَخذ مُضَارَبَة لآخر فأضر اشْتِغَاله بِالْعَمَلِ فِي المَال الثَّانِي رب المَال الأول حرم عَلَيْهِ ذَلِك، لِأَنَّهُ يمنعهُ مَقْصُود الْمُضَاربَة من طلب النَّمَاء والحظ، وَإِن لم يضر بِالْأولِ بِأَن كَانَ مَال الثَّانِي يَسِيرا لَا يشغل عَن الْعَمَل فِي مَال الأول جَازَ. وَإِن ضَارب الآخر بِحَيْثُ يضر الأول رد الْعَامِل حِصَّته من الْمُضَاربَة فِي الشّركَة أَو شركَة الأول نصا فَيدْفَع لرب الْمُضَاربَة الثَّانِيَة نصِيبه من الرِّبْح وَيَأْخُذ نصيب الْعَامِل فيضم لربح الْمُضَاربَة الأولى ويقتسمه مَعَ رَبهَا على مَا شرطاه لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّه بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتحقَّت العقد الأول. ورده صَاحب الْمُغنِي كَمَا ذكره صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه وَإِن تلف رَأس المَال أَو تلف بعضه أَو تعيب بعد تصرف فِيهِ أَو خسر بِسَبَب مرض أَو تغير صفة أَو نزُول سعر جبر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول رَأس المَال من ربح بَاقِيه قبل قسْمَة أَي الرِّبْح ناضا أَو قبل تنضيضه مَعَ محاسبته نصا. وَالْعَامِل أَمِين فَيصدق بِيَمِينِهِ فِي قدر رَأس المَال وَربح وَعَدَمه وهلاك وخسران. وَلَو أقرّ بِرِبْح ثمَّ ادّعى تلفا أَو خسارة قبل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين إِلَّا إِن
ادّعى غَلطا أَو كذبا أَو نِسْيَانا أَو اقتراضا تمم بِهِ رَأس المَال بعد إِقْرَاره بِهِ لرَبه. وَيقبل قَول مَالك فِي عدم رد مَال الْمُضَاربَة إِن ادّعى عَامل رده إِلَيْهِ وَلَا بَيِّنَة نصا لِأَنَّهُ مُنكر، وَلِأَن الْعَامِل قَبضه لنفع لَهُ فِيهِ أشبه الْمُسْتَعِير، وَيقبل قَوْله أَيْضا فِي قدر مَا شَرط لِلْعَامِلِ. وَيجوز دفع عبد أَو دَابَّة لمن يعْمل عَلَيْهِ بِجُزْء من أجرته وخياطة ثوب أَو نَسِيج غزل أَو حصاد زرع أَو رضَاع قن أَو اسْتِيفَاء مَال وَنَحْو ذَلِك بِجُزْء مشَاع مِنْهُ. وَدفع دَابَّة أَو نحل لمن يقوم بهما مُدَّة مَعْلُومَة بِجُزْء مِنْهُمَا والنماء ملك لَهما. بِجُزْء من النَّمَاء كالدر والنسل وَالصُّوف وَالْعَسَل. وَالضَّرْب الثَّالِث من الشّركَة شركَة الْوُجُوه وَهِي أَن يشتركا بِلَا مَال فِي ربح مَا يشتريان فِي ذمتهما بجاهليهما أَي بوجهيهما وثقة التُّجَّار بهما، سميت بذلك لِأَنَّهُمَا يعاملان فِيهَا بوجوهما والجاه وَالْوَجْه وَاحِد يُقَال: فلَان وجيه أَي ذُو جاه. وَهِي جَائِزَة لاشتمالها على مصلحَة بِلَا مضرَّة. وَلَا يشْتَرط لصحتها ذكر مَا يشتريانه وَلَا قدره وَلَا وَقت الشّركَة، فَلَو قَالَ أَحدهمَا للْآخر كل مَا اشْتريت من شَيْء فبيننا وَقَالَهُ الآخر صَحَّ. وكل وَاحِد من شَرِيكي الْوُجُوه وَكيل الآخر فِي بيع وَشِرَاء وكفيله بِالثّمن لِأَن مبناها على الْوكَالَة وَالْكَفَالَة، وَيكون الْملك بَينهمَا على مَا شرطاه لحَدِيث (الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم) وَالرِّبْح كَذَلِك، والوظيفة على قدر الْملك، فَمن لَهُ الثُّلُثَانِ فَعَلَيهِ ثلثا الْوَظِيفَة، وَمن لَهُ الثُّلُث فَعَلَيهِ
ثلثهَا سَوَاء كَانَ الرِّبْح كَذَلِك أَو لَا لِأَن الْوَظِيفَة تخص رَأس المَال وَهُوَ مُخْتَصّ بملاكه فيوزع عَلَيْهِم على قدر الحصص، وتصرفهما كتصرف شَرِيكي عنان فِيمَا يُوجب لَهما وَعَلَيْهِمَا. وَالضَّرْب الرَّابِع من الشّركَة شركَة الْأَبدَان سميت بذلك لاشْتِرَاكهمَا فِي عمل أبدانهما وَهِي نَوْعَانِ: أَحدهمَا أَن يشتركا فِيمَا يتملكان بأبدانهما من مُبَاح كاصطياد وَنَحْوه كاحتشاش واحتطاب وتلصص على دَار حَرْب وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو يشتركا فِيمَا يتقبلان أَي الشريكان فِي ذممهما من عمل كخياطة وقصارة وحدادة وَنَحْوهَا، وَإِن قَالَ أَحدهمَا: أَنا أتقبل وَأَنت تعْمل وَالْأُجْرَة بَيْننَا صَحَّ لِأَن تقبل الْعَمَل يُوجب الضَّمَان على المتقبل وَيسْتَحق بِهِ الرِّبْح فَصَارَ كتقبله المَال فِي الْمُضَاربَة، وَالْعَمَل يسْتَحق بِهِ الْعَامِل الرِّبْح كعمل الْمضَارب فَينزل منزلَة الْمُضَاربَة فَمَا تقبله أَحدهمَا أَي الشريكان لزمهما عمله وطولبا بِهِ لِأَن مبناها على الضَّمَان فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنت ضَمَان كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر مَا يلْزمه. وَلكُل من الشَّرِيكَيْنِ طلب أُجْرَة عمله وَلَو تقبله شَرِيكه، وَيبرأ مُسْتَأْجر بدفعها لأَحَدهمَا، وَتلف الْأُجْرَة بيد أَحدهمَا بِلَا تَفْرِيط مِنْهُ عَلَيْهِمَا، وَإِقْرَار أَحدهمَا بِمَا فِي يَده تقبل عَلَيْهِمَا، وَيقسم الْحَاصِل من الْمُبَاح كَمَا شرطا عِنْد العقد من تساو وتفاضل، وَلَا يشْتَرط اتِّفَاق صَنْعَة وَلَا مَعْرفَتهَا، فَلَو اشْترك شخصان لَا يعرفان الْخياطَة فِي تقبلهَا ويدفعان مَا تقبلاه لمن يعمله وَمَا بَقِي من الْأُجْرَة لَهما صَحَّ وَإِن ترك أَحدهمَا أَي الشريكان الْعَمَل مَعَ شَرِيكه لعذر أَو لَا
بِأَن كَانَ حَاضرا صَحِيحا فالكسب بَينهمَا على مَا شرطا وَيلْزم من عذر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي حصل لَهُ عذر من نَحْو مرض فِي ترك عمل مَعَ شَرِيكه أَن يُقيم مقَامه بِطَلَب شَرِيكه أَو أَي وَيلْزم من لم يعرف الْعَمَل بالصنعة أَن يُقيم مقَامه عَارِفًا ليعْمَل مَا لزمَه للْمُسْتَأْجر بِطَلَب شريك. وَيصِح جمع بَين شركَة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة. وَالضَّرْب الْخَامِس من الشّركَة شركَة الْمُفَاوضَة وَهُوَ لُغَة الِاشْتِرَاك فِي كل شَيْء، وَشرعا قِسْمَانِ: صَحِيح، وَهُوَ نَوْعَانِ: الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَن يُفَوض كل من الشَّرِيكَيْنِ فَأكْثر إِلَى صَاحبه كل تصرف مَالِي كَبيع وَشِرَاء فِي الذِّمَّة ومضاربة وتوكيل ومسافرة بِالْمَالِ وارتهان وَضَمان أَي تقبل مَا يرى من الْأَعْمَال. وَالنَّوْع الثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَأَن يشتركا فِي كل مَا يثبت لَهما وَعَلَيْهِمَا، فَتَصِح إِن لم يدخلا فِيهَا أَي الشّركَة كسبا نَادرا كوجدان لقطَة وركاز وَمَا يحصل لَهما من الْمِيرَاث أَو يلْزم أَحدهمَا من ضَمَان وغصب وَأرش جِنَايَة وَنَحْو ذَلِك. الْقسم الثَّانِي: فَاسد، وَهُوَ مَا إِذا أدخلا فِيهَا كسبا نَادرا أَو نَحوه، وَحَيْثُ فَسدتْ فَلِكُل مِنْهُمَا ربح مَاله وَأُجْرَة عمله، وَمَا يستفيده لَهُ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره لفساد الشّركَة، وَيخْتَص بِضَمَان مَا غصبه أَو جناه أَن ضمنه عَن الْغَيْر وَكلهَا أَي الْخَمْسَة الأضرب جَائِزَة، وَلَا ضَمَان فِيهَا إِلَّا بتعد أَو تَفْرِيط.
فصل. وَتَصِح الْمُسَاقَاة وَهِي مفاعلة من السَّقْي لكَونه أهم أمرهَا بالحجاز لِأَن النّخل تسقى بِهِ نضحا من الْآبَار فتكثر مشقته. وَشرعا عمل على شجر مَعْلُوم لَهُ ثَمَر يُؤْكَل فَلَا تصح على قطن ومقائي وَمَا لَا سَاق لَهُ وَمَا لَا ثَمَر لَهُ مَأْكُول كالصفصاف والسرو وَلَو كَانَ لَهُ زهر يقْصد كنرجس وياسمين. وَتَصِح الْمُسَاقَاة على ثَمَرَة مَوْجُودَة لم تكمل بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِنْهَا أَي الثَّمَرَة، فَلَا تصح الْمُسَاقَاة إِن جعل لِلْعَامِلِ كل الثَّمَرَة، وَلَا جُزْءا مُبْهما كسهم وَنصِيب، وَلَا آصعا وَلَو مَعْلُومَة أَو دَرَاهِم، وَلَا ثَمَرَة شَجَرَة فَأكْثر مُعينَة. وَإِن كَانَ فِي الْبُسْتَان أَجنَاس وَجعل لَهُ من كل جنس جُزْءا مشَاعا مَعْلُوما كَنِصْف البلح وَثلث الْعِنَب وَربع الرُّمَّان وَهَكَذَا جَازَ أَو مُسَاقَاة على بساتين أَحدهمَا بِالنِّصْفِ وَالْآخر بِالثُّلثِ وَنَحْوه، أَو ساقاه على بُسْتَان وَاحِد ثَلَاث سِنِين، السّنة الأولى بِالنِّصْفِ وَالثَّانيَِة بِالثُّلثِ، وَالثَّالِثَة بِالربعِ وَنَحْوه جَازَ. وَتَصِح الْمُسَاقَاة على البعل من الشّجر كَالَّذي يحْتَاج للسقي. وَتَصِح إِجَارَة أَرض بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِمَّا يخرج مِنْهَا طَعَاما كَانَ كبر أَو غير طَعَام كقطن،
وَتَصِح المناصبة وَهِي المغارسة وَهِي دفع شجر مَعْلُوم لَهُ ثَمَر مَأْكُول بِلَا غرس مَعَ أرضه لمن يغرسه فِيهَا وَيعْمل عَلَيْهِ حَتَّى يُثمر بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم من الثَّمَرَة أَو من الشّجر أَو من كل مِنْهُمَا أَي الثَّمَرَة وَالشَّجر نصا. وَيعْتَبر كَون عاقديها جائزي التَّصَرُّف فَإِن مَاتَ أَحدهمَا أَو فسخ مَالك الْمُسَاقَاة قبل ظُهُور ثَمَرَة وَبعد شُرُوع فِي عمل فلعامل أجرته أَي أُجْرَة مثل عمله لاقْتِضَاء العقد الْعِوَض الْمُسَمّى، وَلم يرض بِإِسْقَاط حَقه مِنْهُ لِأَن الْمَوْت لم يَأْته بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَن الْمَالِك هُوَ الَّذِي مَنعه من إتْمَام الْعَمَل، فَإِذا تعذر الْمُسَمّى رَجَعَ إِلَى أُجْرَة الْمثل، وَفَارق ذَلِك فسخ رب المَال الْمُضَاربَة قبل ظُهُور الرِّبْح، لِأَن الْعَمَل هَهُنَا منفض إِلَى ظُهُور الثَّمَرَة غَالِبا بِخِلَاف الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ لَا يعلم إفضاؤها إِلَى الرِّبْح. وَإِن بَان الشّجر مُسْتَحقّا فَلهُ أُجْرَة مثله أَو أَي وَإِن فسخ عَامل الْمُسَاقَاة أَو هرب قبل ظُهُور الثَّمَرَة فَلَا شَيْء لَهُ أَي الْعَامِل، وَإِن ساقاه إِلَى مُدَّة تكمل فِيهَا الثَّمَرَة فَلم تحمل تِلْكَ السّنة فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ. وتملك الثَّمَرَة بظهورها فَيجب على عَامل تَمام الْعَمَل إِذا فسخت الْمُسَاقَاة بِفَسْخ أَحدهمَا أَو مَوته وَنَحْوه بعد أَي الظُّهُور، كالمضارب بِبيع الْعرُوض بعد فسخ الْمُضَاربَة وَظُهُور الرِّبْح لينض المَال، فَإِن ظَهرت ثَمَرَة بعد الْفَسْخ فَلَا شَيْء لَهُ فِيهَا. قَالَ المنقح: فَيُؤْخَذ مِنْهُ دوَام الْعَمَل على الْعَامِل فِي المناصبة وَلَو فسخت إِلَى أَن تبيد. وَالْوَاقِع كَذَلِك. ذكره فِي الْمُنْتَهى.
وعَلى عَامل فِي مُسَاقَاة ومزارعة ومغارسة عِنْد الْإِطْلَاق كل مَا فِيهِ نمو أَو صَلَاح للثمر وَالزَّرْع من سقِِي واستقاء وحرث وآلته وبقره وزبار وَقطع مَا يحْتَاج إِلَى قطعه وتسوية الثَّمَرَة وَإِصْلَاح الْحفر الَّتِي يجْتَمع فِيهَا المَاء على أصُول النّخل وإدارة الدولاب والتلقيح والتجفيف وَإِصْلَاح طرق المَاء وتفريق الزبل وَنقل الثَّمر وَنَحْوه لجرين، وَعَلِيهِ أَيْضا حصاد وَنَحْوه كدياس ولقاط وتصفية حب زرع لِأَن هَذَا كُله من الْعَمَل، وعَلى رب أصل حفظ الأَصْل كسد حَائِط وَنَحْوه كتحصيل زبل وسباخ، وَعَلَيْهِمَا أَي الْمَالِك وَالْعَامِل بِقدر حصتيهما جذاذ نصا أَي قطع ثَمَرَة وَيصِح شَرطه على عَامل نصا وَيتبع الْعرف فِي الكلف السُّلْطَانِيَّة مَا لم يكن شَرط فَيتبع، فَمَا عرف أَخذه من رب المَال فَهُوَ عَلَيْهِ وَمَا عرف أَخذه من الْعَامِل كَانَ عَلَيْهِ.
وَتَصِح الْمُزَارعَة، وَهِي دفع أَرض وَحب لمن يزرعه وَيقوم عَلَيْهِ أَو مزروع ليعْمَل عَلَيْهِ بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِمَّا يخرج من الأَرْض وَتسَمى مخابرة من الخبار بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي الأَرْض اللينة والمؤاكرة، وَالْعَامِل فِيهَا خَبِير وأكار ومؤاكر، وَلَو غير مَأْكُول كغرة وَنَحْوهَا بِشَرْط علم بذر كقمح مثلا وَعلم قدره أَي الْبذر معاقدة على عمل فَلم يجز على غير مُقَدّر كَالْإِجَارَةِ، وَيشْتَرط كَونه أَي الْبذر من رب الأَرْض نصا فَلَا يَصح كَون
الْبذر من عَامل أَو مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وَالْأَرْض لَهما، وَلَا الْعَمَل من وَاحِد وَالْبذْر من الآخر، ولاالأرض من وَاحِد وَالْعَمَل من ثَان وَالْبذْر من ثَالِث وَالْبَقر من رَابِع، أَو الأَرْض وَالْبذْر وَالْبَقر من وَاحِد وَالْمَاء من الآخر. وَيكرهُ الْحَصاد والجذاذ لَيْلًا خشيَة الضَّرَر.
فصل. الْإِجَارَة مُشْتَقَّة من الْأجر وَهُوَ الْعِوَض، وَمِنْه سمى الثَّوَاب أجرا لِأَن الله تَعَالَى يعوض العَبْد على طَاعَته أَو صبره عَن مَعْصِيَته. وَهِي فِي اللُّغَة المجازاة يُقَال: آجره على عمله إِذا جازاه عَلَيْهِ. وَشرعا عقد على مَنْفَعَة مُبَاحَة مَعْلُومَة مُدَّة مَعْلُومَة من عين مُعينَة كسكني هَذِه الدَّار سنة، أَو مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة كدابة صفتهَا كَذَا للْحَمْل أَو الرّكُوب سنة، أَو على عمل مَعْلُوم كحمله إِلَى مَوضِع كَذَا بعوض مَعْلُوم، وَيَأْتِي بَيَان ذَلِك. وتنعقد بِلَفْظ إِجَارَة وكرى كآجرتك وأكريتك وستأجرت واكتريت، وَمَا بمعناهما كأعطيتك أَو مَلكتك نفع هَذِه الدَّار سنة بِكَذَا. وَلَا تصح إِلَّا من جَائِز التَّصَرُّف. وَتَصِح الْإِجَارَة بِثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا معرفَة مَنْفَعَة لِأَنَّهَا الْمَعْقُود عيها، فَاشْترط فِيهَا الْعلم كَالْبيع إِمَّا بعرف كسكني الدَّار شهرا وَنَحْوه، وَإِمَّا بِوَصْف كحمل زبرة حَدِيد وَزنهَا كَذَا إِلَى مَحل كَذَا وَبِنَاء حَائِط يذكر طوله وَعرضه وسمكه وآلته. وَتَصِح إِجَارَة أَرض مُعينَة بِرُؤْيَة لزرع أَو غرس أَو بِنَاء مَعْلُوم،
أَو لزرع أَو غرس أَو بِنَاء مَا شَاءَ، أَو لزرع أَو لغرس أَو لبِنَاء، ويسكت. وَله فِي الأولى زرع مَا شَاءَ، وَفِي الثَّانِيَة غرس مَا شَاءَ، وَفِي الثَّالِثَة بِنَاء مَا شَاءَ كَأَنَّهُ اسْتَأْجرهَا لأكْثر من ذَلِك ضَرَرا، أَو يَقُول آجرتك الأَرْض وَيُطلق وَتصْلح للْجَمِيع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية) : إِن أطلق وَقَالَ انْتفع بهَا بِمَا شِئْت فَلهُ زرع وغرس وَبِنَاء. انْتهى. وَإِن كَانَت الْإِجَارَة لركوب اشْترط مَعَ ذكر الْموضع المركوب إِلَيْهِ معرفَة رَاكب بِرُؤْيَة أَو صفة، وَذكر جنس مركوب كمبيع، وَمَعْرِفَة مَا يركب بِهِ من سرج وَغَيره، وَكَيْفِيَّة السّير من هملاج وَغَيره، لَا ذكرريته أَو أنوثيته أَو نَوعه، وَيشْتَرط لحمل مَا يتَضَرَّر كخزف وَنَحْوه معرفَة حامله، وَمَعْرِفَة حَامِل لمحمول بِرُؤْيَة أَو صفة، وَذكر جنسه وَقدره، ولحرث معرفَة أَرض بِرُؤْيَة. وَالشّرط الثَّانِي إباحتها أَي الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا مُطلقًا بِلَا ضَرُورَة، بِخِلَاف جلد ميتَة أَو إِنَاء ذهب أَو فضَّة لِأَنَّهُ لَا يُبَاح إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة لعدم غَيره، فَلَا تصح الْإِجَارَة على الزِّنَا وَالزمر والغناء والنياحة، وَلَا إِجَارَة الدَّار لتجعل كَنِيسَة أَو بَيت نَار أَو لبيع الْخمر والقمار وَسَوَاء شَرط ذَلِك فِي العقد أَو لَا، وَأَن يكون النَّفْع مَقْصُودا، مُتَقَوّما، يَسْتَوْفِي دون اسْتِهْلَاك الْأَجْزَاء، مَقْدُورًا عَلَيْهِ لمستأجر. وَلَا تصح على آنِية وشمع لتجمل، وتفاح لشم، وشمع لشغل، وصابون لغسل، وديك ليوقظه لصَلَاة، فَلَا يَصح نصا لِأَنَّهُ يقف على فعل الديك وَلَا يُمكن استخراجه مِنْهُ بِضَرْب وَلَا غَيره، وَلَا اسْتِئْجَار دَابَّة لركوب مؤجر.
وَالْمَنْفَعَة الْمُبَاحَة ككتاب حَدِيث أَو فقه أَو شعر مُبَاح أَو لُغَة أَو صرف أَو نَحْو ذَلِك لنظر وَقِرَاءَة وَنقل أَو بِهِ خطّ حسن يكْتب عَلَيْهِ ويتمثل مِنْهُ لِأَنَّهُ تجوز إعارته لذَلِك فجازت إِجَارَته. وَلَا تصح إِجَارَة مصحف وَلَا طير لسَمَاع صَوته وَلَا طَعَام أَو شراب لأكل أَو شرب وَلَا كلب أَو خِنْزِير وَلَو كَانَ يصيد أَو يحرس. وَيدخل نقع بِئْر وَحبر نَاسخ وخيط خياط وكحل كَحال وصبغ صباغ ودبغ دباغ تبعا للْعَمَل لَا أَصَالَة، فَلَو غَار مَاء بِئْر دَار مأجورة فَلَا فسخ لمستأجر. وَالشّرط الثَّالِث معرفَة أُجْرَة لِأَنَّهُ عوض فِي عقد مُعَاوضَة فَاعْتبر علمه كَالثّمنِ، إِلَّا أَجِيرا وظئرا استؤجرا بطعامهما وكسوتهما فَيصح، وَكَذَا لَو استأجرهما بِدَرَاهِم مَعْلُومَة وَشرط مَعهَا طعامهما وكسوتهما، وهما عِنْد التَّنَازُع كَزَوْجَة فَلَهُمَا نَفَقَة مثلهمَا، وَشرط معرفَة مرتضع بمشاهدة وأمد رضَاع ومكانه، لِأَنَّهُ يشق عَلَيْهَا الرَّضَاع فِي بَيت الْمُسْتَأْجر ويسهل فِي بَيتهَا، لَا يَصح اسْتِئْجَار دَابَّة بعلفها للْجَهَالَة إِلَّا إِن اشْتَرَطَهُ مَوْصُوفا كشعير وَنَحْوه، وَقدره بِمَعْلُوم فَيجوز. وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَجمع الصِّحَّة مُطلقًا كاستئجار الْأَجِير بطعامه. انْتهى. وَلَا من يسلخها لِأَنَّهُ لَا يعلم أيخرج سليما أَو لَا وَهل ثخين أَو رَقِيق، فَإِن سلخه على ذَلِك فَلهُ أُجْرَة مثله، وَلَا أَن يرعاها بِجُزْء من نمائها أَو يطحن كربر بقفيز مِنْهُ للْجَهَالَة
وَإِن دخل الشَّخْص حَماما أَو ركب سفينة أَو أعْطى ثَوْبه خياطا أَو قصارا أَو صباغا وَنَحْوه كَمَا لَو اسْتعْمل دلالا أَو حمالا أَو حلاقا بِلَا عقد مَعَه صَحَّ ذَلِك وَله أَي لمن فعل ذَلِك أُجْرَة مثل عمله، وَمَا يَأْخُذهُ حمامي فَهُوَ أُجْرَة مَحل وسطل ومئزر، وَالْمَاء تبع. وَهِي أَي الْإِجَارَة ضَرْبَان: أَحدهمَا إِجَارَة عين، وَشرط فِيهَا مَعْرفَتهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة للعاقدين بِرُؤْيَة أَو صفة، وَشرط قدرَة من الْمُؤَجّر على تَسْلِيمهَا أَي الْعين، وَشرط عقد فِي غير ظئر على نَفعهَا أَي الْعين دون أَجْزَائِهَا وَلَا تصح إِجَارَة الطَّعَام للْأَكْل كَمَا تقدم، وَشرط اشتمالها على النَّفْع الْمَقْصُود مِنْهَا فَلَا تصح فِي زمنة لحمل أَو سبخَة لزرع. وَشرط كَونهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة ملكا لمؤجر أَو كَونه ماذونا لَهُ فِيهَا بطرِيق الْولَايَة كحاكم يُؤجر مَال سَفِيه أَو غَائِب أَو وَقفا لَا نَاظر لَهُ، أَو من قبل شخص معِين كناظر خَاص أَو وَكيل فِي إِجَارَة، لِأَنَّهَا بيع فَاشْترط فِيهَا ذَلِك كَبيع الْأَعْيَان وَإِجَارَة الْعين الْمَعْقُود عَلَيْهَا مُعينَة كَانَت أَو مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة قِسْمَانِ: أَحدهمَا أَن تكون إِلَى أمد كآجرتك هَذِه الدَّار شهرا، أَو فرسا صفته كَذَا وَكَذَا لتركبه يَوْمًا. مَعْلُوم كشهر من الْآن أَو وَقت كَذَا لِأَنَّهُ الضابطة للمعقود عَلَيْهِ الْمُعَرّف لَهُ، وَإِن اسْتَأْجرهُ سنة وَأطلق حملت على الْأَهِلّة، لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة شرعا يغلب على الظَّن بَقَاؤُهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة فِيهِ أَي الأمد وَإِن طَال. وَالْقسم الثَّانِي من قسمي إِجَارَة الْعين أَن تكون لعمل مَعْلُوم
كإجارة دَابَّة لركوب أَو حمل عَلَيْهَا إِلَى مَوضِع معِين وللمستأجر ركُوب مؤجرة لمحل مثله فِي طَرِيق مماثل للطريق الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَسَافَة وسهولة وَغَيرهمَا، وبشرط ضبط الْعَمَل بِمَا لَا يخْتَلف، وَعلمه لِأَنَّهُ إِن لم يكن كَذَلِك كَانَ مَجْهُولا، فَمن آجر بَهِيمَة لإدارة رحى اشْترط علمه بِالْحجرِ إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَو بِالصّفةِ لِأَنَّهُ يخْتَلف بالثقل والخفة، وَأَن يقدر الْعَمَل إِمَّا بِالزَّمَانِ كَيَوْم أَو بِالطَّعَامِ بِأَن يذكر جنسه وَكيله. وَإِذا اسْتَأْجر دابتين لموضعين مُخْتَلفين اشْترط التَّعْيِين، وَيصِح اكتراء ظهر يتعاقبان عَلَيْهِ، وَمن اسْتَأْجر لكحل أَو مداواة اشْترط تَقْدِير ذَلِك بالمدة كشهر وَنَحْوه، لِأَن الْعَمَل يخْتَلف وَتَقْدِيره بِزَمن الْبُرْء مَجْهُول. الضَّرْب الثَّانِي من ضربي الْإِجَارَة عقد على مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة فِي شَيْء معِين أَو مَوْصُوف فَيشْتَرط تقديرها أَي الْمَنْفَعَة بِعَمَل أَو مُدَّة كبناء دَار وخياطة ثوب وَحمل شَيْء لمحل معِين وَشرط معرفَة ذَلِك وَشرط ضَبطه بِمَا لَا يخْتَلف، كخياطة ثوب
يذكر جنسه وَقدره وَصفَة الْخياطَة، وكبناء دَار يذكر آلتها وَنَحْوهَا، أَو بِنَاء حَائِط يذكر طوله وَعرضه وسمكه وَتقدم.
فَائِدَة: يَصح الِاسْتِئْجَار لتطيين الأَرْض والسطوح والحيطان وتجصيصها، وَلَا يَصح على علم معِين، لِأَن الطين يخْتَلف فِي الرقة والغلظ وَالْأَرْض مِنْهَا العالي والنازل وَكَذَلِكَ الْحِيطَان والأسطحة فَلذَلِك لم يَصح إِلَّا على مُدَّة. وَإِن اسْتَأْجرهُ لضرب لبن احْتَاجَ إِلَى تعْيين عدد وَذكر القالب وَمَوْضِع الضَّرْب، لِأَنَّهُ يخْتَلف بِاعْتِبَار المَاء وَالتُّرَاب فَإِن كَانَ هُنَاكَ قالب
مَعْرُوف لَا يخْتَلف جَازَ، وَإِن قدره بِالْعرضِ والطول والسمك جَازَ وَلَا يَكْتَفِي بمشاهدة قالب الضَّرْب إِذْ لم يكن مَعْرُوفا لِأَنَّهُ قد يتْلف، وَشرط كَون أجِير فِيهَا أَي الْإِجَارَة آدَمِيًّا جَائِز التَّصَرُّف لِأَنَّهَا مُعَاوضَة على عمل فِي الذِّمَّة وَشرط كَون عمل مَعْقُود عَلَيْهِ لَا يخْتَص فَاعله أَن يكون من أهل الْقرْبَة وَهُوَ الْمُسلم كأذان وَإِقَامَة وإمامة وَتَعْلِيم قُرْآن وَفقه وَحَدِيث ونيابة فِي حج وَقَضَاء، وَلَا يَقع إِلَّا قربَة لفَاعِله وَيحرم أُجْرَة عَلَيْهِ لَا أَخذ جعَالَة على ذَلِك أَو على رقية نصا. وللمستأجر اسْتِيفَاء للنفع بِنَفسِهِ أَو بِمثلِهِ بإعارة أَو غَيرهَا، وَلَو شَرط عَلَيْهِ اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِنَفسِهِ فسد الشَّرْط وَلم يلْزمه الْوَفَاء بِهِ. وَيشْتَرط مماثلة رَاكب فِي طول وَقصر وَغَيره لَا معرفَة ركُوب، وَمن اكترى أَرضًا لزرع الْحِنْطَة فَلهُ زرع الشّعير وَنَحْوه لَا دخن وذرة وقطن وَنَحْوهَا، لِأَنَّهُ أَكثر ضَرَرا من الْحِنْطَة، وَلَا يملك غرسا وَلَا بِنَاء، وَإِن اسْتَأْجرهَا لأَحَدهمَا لم يملك الآخر، ولغرس لَهُ الزَّرْع لِأَنَّهُ أقل ضَرَرا وَتقدم. وَإِن اسْتَأْجر داردا للسُّكْنَى لم يعْمل فِيهَا حدادة وَلَا قصارة وَلَا يسكنهَا دَابَّة وَلَا يَجْعَلهَا مخزنا لطعام. وَإِن اكترى دَابَّة لركوب أَو حمل لَا يملك الآخر، أَو لحمل قطن أَو حَدِيد لَا يملك حمل الآخر، فَإِن فعل مكتر مَالا يملكهُ أَو سلك طَرِيقا أشق فَعَلَيهِ الْأجر الْمُسَمّى مَعَ تفَاوت المنتفعين فِي أُجْرَة الْمثل. فَإِذا كَانَت الأَرْض أجرتهَا لزرع الْبر ثَمَانِيَة وللدخن عشرَة فَيَأْخُذ مؤجر مَعَ مَا وَقع عَلَيْهِ العقد اثْنَيْنِ نصا. لِأَنَّهُ لما عين الْبر مثلا لم يتَعَيَّن فَإِذا زرع مَا يزِيد عَلَيْهِ
ضَرَرا فقد استوفى الْمَنْفَعَة وَزِيَادَة عَلَيْهَا فَوَجَبَ الْمُسَمّى للمنفعة والتفاوت فِي أُجْرَة الْمثل للزِّيَادَة. وَمن اكترى لحمولة قدر كمائة رَطْل حَدِيد فَزَاد عَلَيْهِ، أَو اكترى ليركب أَو يحمل إِلَى مَوضِع فجاوزه فَعَلَيهِ الْمُسَمّى، ولزائد أُجْرَة مثله، وَإِن تلفت دَابَّة فِي زِيَادَة أَو بعد ردهَا إِلَى مَكَان عينه أَو بعد وضع الْحمل عَنْهَا فعلى الْمُكْتَرِي قيمتهَا كلهَا، وَلَو أَنَّهَا بيد صَاحبهَا بِأَن كَانَ مَعهَا وَلم يرض بذلك إناطة للْحكم بِالتَّعَدِّي، وسكوت رَبهَا لَا يدل على رِضَاهُ، كَمَا لَو بيع مَاله أَو خرق ثَوْبه وَهُوَ سَاكِت وَلِأَن الْيَد للراكب أَو صَاحب الْحمل. وَلَا يضمن مُسْتَأْجر إِن تلفت بيد صَاحبهَا وَلَيْسَ لمستأجر عَلَيْهَا شَيْء بِسَبَب غير حَاصِل من الزِّيَادَة. وعَلى مؤجر على الْإِطْلَاق كل مَا جرت بِهِ عَادَة وَعرف من آلَة كزمام مركوب وَشد وَرفع وَحط لمحمول لِأَنَّهُ الْعرف وَبِه يتَمَكَّن الْمُكْتَرِي من الِانْتِفَاع، وَعَلِيهِ أَيْضا رَحْله نصا وحزامه وقتبه وقوده وسوقه وَلُزُوم دَابَّة لنزول لحَاجَة وواجب وتبريك بعير لامْرَأَة وَشَيخ ومريض وَمَا يتَمَكَّن بِهِ مُسْتَأْجر من نفع، كترميم دَار بإصلاح منكسر وَإِقَامَة مائل وَعمل بَاب وتنظيف سطح من نَحْو ثلج وتطيينه. وعَلى مكتر بِمَعْنى أَنه لَا يلْزم الْمُؤَجّر بل إِن أَرَادَهُ مكتر فَمن مَاله نَحْو محمل قَالَ فِي الْقَامُوس: كمجلس شقتان على بعير يحمل فيهمَا العديلان ومظلة بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا الْكَبِير من الأخبية قَالَه فِي الْقَامُوس، ووطاء فَوق الرحل وحبل الْقرَان بَين المحملين، وَدَلِيل جهلا الطَّرِيق وحبل ودلو وبكرة
وَعَلِيهِ أَيْضا تعزيل نَحْو بالوعة وكنيف وَدَار من قمامة وزبل ورماد إِن تسلمها الْمُكْتَرِي فارغة مِمَّا ذكر، وعَلى مكر تَسْلِيمهَا أَي الْمُؤجرَة كَذَلِك أَي فارغة بالوعتها وكنيفها وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِانْتِفَاع بذلك مَعَ إمتلائه. وَتَسْلِيم مِفْتَاح وَهُوَ أَمَانَة بيد مُسْتَأْجر فَإِن ضَاعَ من غير تَفْرِيط مُعلى مؤجر بدله.