الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب الْأَيْمَان)
. بِفَتْح الْهمزَة وَاحِدهَا يَمِين وَهُوَ الْقسم بِفَتْح الْقَاف وَالسِّين الْمُهْملَة وأصل الْيَمين الْيَد، سمى الْحلف بهَا، لِأَن الْحَالِف يُعْطي يَمِينه فِيهِ وَيضْرب بهَا على يَمِين صَاحبه كَمَا فِي الْعَهْد وَالْمُعَاقَدَة. وَالْحلف على مُسْتَقْبل إِرَادَة تَحْقِيق خبر فِيهِ مُمكن بقوله يقْصد بِهِ الْحَث على فعل الْمُمكن كَقَوْلِه وَالله لأقومن وَنَحْوه، أَو على تَركه كَقَوْلِه: وَالله لَا أزني أبدا، أَو على مَاض إِمَّا (بر) وَهُوَ الصَّادِق أَو (غموس) وَهُوَ الْكَاذِب أَو (لَغْو) وَهُوَ مَا لَا أجر فِيهِ وَلَا إِثْم فِيهِ وَلَا كَفَّارَة. وَالْحلف قد يعْتَبر فِيهِ الْأَحْكَام الْخَمْسَة: فَالْوَاجِب مثل أَن يُنجي إنْسَانا مَعْصُوما من مهلكة وَلَو نَفسه مثل أَن تتَوَجَّه عَلَيْهِ أَيْمَان الْقسَامَة فِي دَعْوَى الْقَتْل عَلَيْهِ وَهُوَ بَرِيء، ومندوب مثل أَن تتَعَلَّق بِهِ مصلحَة من إصْلَاح بَين متخاصمين وَإِزَالَة حقد من قلب مُسلم على الْحَالِف أَو غَيره أَو دفع شَرّ، فَإِن حلف على فعل طَاعَة أَو ترك مَعْصِيّة فَلَيْسَ بمندوب. والمباح كالحلف على فعل الْمُبَاح أَو تَركه أَو على الْخَبَر بِشَيْء هُوَ صَادِق فِيهِ أَو يظنّ أَنه فِيهِ صَادِق.
وَالْمَكْرُوه كالحلف على فعل مَكْرُوه، أَو ترك مَنْدُوب، وَمِنْه الْحلف فِي البيع وَالشِّرَاء وَالْمحرم كالحلف كَاذِبًا عمدا أَو على فعل مَعْصِيّة أَو ترك وَاجِب، وَمَتى كَانَت الْيَمين على فعل وَاجِب كَانَ حنثها محرما وَيجب بره، فَقَالَ رحمه الله: تحرم الْأَيْمَان وَلَا تَنْعَقِد بِغَيْر ذَات الله تبارك وتعالى نَحْو وَالله وَبِاللَّهِ وتالله، أَو باسم من أَسْمَائِهِ الَّتِي لَا يُسمى بهَا غَيره كالرحمن وَالْقَدِيم والأزلي وَالْأول الَّذِي لَيْسَ قلبه شَيْء وَالْآخر الَّذِي لَيْسَ بعده شَيْء وخالق الْخَالِق ورازق أَو رب الْعَالمين والعالم بِكُل شَيْء وَنَحْو ذَلِك، وَأما مَا يُسمى بِهِ غَيره وإطلاقه ينْصَرف إِلَى الله تَعَالَى كالرحيم والعظيم والرب وَالْمولى وَالسَّيِّد وَنَحْو ذَلِك، فَإِن نوى بِهِ الله تَعَالَى أَو أطلق كَانَ يَمِينا وَإِلَّا فَلَا، أَو أَي وَتحرم الْأَيْمَان بِغَيْر صفة من صِفَاته تَعَالَى كوجه الله تَعَالَى نصا وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته وَعَهده وميثاقه وَحقه وأمانته وإرادته وَقدرته وجبروته، أَو أَي وَتحرم الْأَيْمَان بِغَيْر الْقُرْآن الْعَظِيم وَإِن قَالَ: يَمِينا أَو قسما أَو شَهَادَة أَو حلفا أَو ألية أَو عَزِيمَة بِاللَّه تَعَالَى انْعَقَدت يَمِينه
وَكَذَا بالمصحف وَكَلَام الله تَعَالَى أَو سُورَة أَو آيَة مِنْهُ وبالتوراة وَالْإِنْجِيل وَنَحْوهمَا من الْكتب الْمنزلَة، وَقَوله: وأيم الله وَمثله أَيمن الله يَمِين وهمزته همزَة وصل، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ جمع يَمِين وهمزته همزَة قطع فَكَانُوا يحلفُونَ بِالْيَمِينِ فَيَقُولُونَ وَيَمِين الله قَالَه أَو عُبَيْدَة، وَهُوَ مُشْتَقّ من الْيَمين بِمَعْنى الْبركَة، وَقَوله لعمر الله يَمِين أَيْضا، وَعمر بِفَتْح الْعين وَضمّهَا الْحَيَاة والمستعمل فِي الْقسم المفتوح خَاصَّة وَاللَّام للابتداء وَخَبره مَحْذُوف وجوبا أَي قسمي، وَأَقْسَمت أَو أقسم، وَشهِدت أَو أشهد، وَحلفت أَو أَحْلف، وعزمت أَو أعزم وآليت أَو أولى بِاللَّه تَعَالَى يَمِين بِشَرْط أَن يذكر اسْم الله تَعَالَى فِي كل لفظ مِنْهَا كأقسمت بِاللَّه واقسم بِاللَّه وَنَحْوه وَإِلَّا فَلَا يكون يَمِينا بِاللَّه إِلَّا بنية. وَمن حلف بمخلوق كالأولياء والأنبياء والكعبة وَنَحْوهَا حرم وَلَا كَفَّارَة وَعند أَكثر الْأَصْحَاب إِلَّا إِذا حلف بنبينا مُحَمَّد فتستحب الْكَفَّارَة إِن حنث وَنَصّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أبي طَالب، لِأَنَّهُ أحد شرطي الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يصير بهما الْكَافِر مُسلما وَاخْتَارَ ابْن عقيل أَن الْحلف بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء كَهُوَ وَالْأَشْهر لَا تجب بِهِ وَهُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء لعُمُوم الْأَخْبَار وَيكرهُ حلف بالأمانة كمعق وَطَلَاق. قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَفِي
الْإِقْنَاع: كَرَاهَة تَحْرِيم لحَدِيث (من حلف بالأمانة فَلَيْسَ منا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَمن حلف يَمِينا وَحنث بهَا وَجَبت عَلَيْهِ أَي الْحَالِف الْكَفَّارَة. ولوجوبها أَرْبَعَة شُرُوط فَلَا تجب مَعَ فقد وَاحِد مِنْهَا: الأول قصد عقد الْيَمين فَلَا تَنْعَقِد لَغوا بِأَن سبق على لِسَانه بِلَا قصد كَقَوْلِه لَا وَالله وبلى وَالله فِي عرض حَدِيثه وَلَا كَفَّارَة فِيهَا، وَالْعرض بِالضَّمِّ الْجَانِب وبالفتح خلاف الطول، وَلَا من نَائِم وَمَجْنُون وَنَحْوهمَا لأَنهم لَا قصد لَهُم. وَالشّرط الثَّانِي: كَونهَا أَي الْيَمين على مُسْتَقْبل مُمكن ليتأتى بره وحنثه بِخِلَاف الْمَاضِي وَغير الْمُمكن فَلَا تَنْعَقِد الْيَمين على مَاض كَاذِبًا عَالما بِهِ أَي بكذبه وَهِي الْغمُوس سميت بِهِ، لِأَنَّهَا تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم ثمَّ فِي النَّار وَلَا كَفَّارَة فِيهَا. وَلَا تَنْعَقِد إِن حلف على مَاض ظَانّا صدق نَفسه فيبين بِخِلَافِهِ أَي بِخِلَاف ظَنّه وَلَا كَفَّارَة حَكَاهُ ابْن عبد الْبر إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم)) وَهَذَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ يكثر فَلَو وَجب لَهُ كَفَّارَة لشق وَحصل الضَّرَر وَهُوَ مُنْتَفٍ شرعا وَلَا تَنْعَقِد يَمِين علق الْحِنْث فِيهَا على وجود فعل مُسْتَحِيل لذاته كَقَوْلِه وَالله لَا شربت مَاء الْكوز وَلَا مَاء فِيهِ، أَو لغيره كَقَوْلِه: وَالله لَا قتلت فلَانا الْمَيِّت أَو لَا أحييته.
وتنعقد بِحلف على عدم المستحيل كَقَوْلِه وَالله لأشربن مَاء الْكوز وَلَيْسَ فِيهِ مَاء أَو لأرددن أمس أَو لأقتلن فلَانا الْمَيِّت أَو إِن لم أفعل ذَلِك وَنَحْوه وَتجب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ فِي الْحَال لِاسْتِحَالَة الْبر فِي المستحيل. وَالشّرط الثَّالِث: كَون حَالف مُخْتَارًا للْيَمِين فَلَا ينْعَقد من مكره عَلَيْهِ. وَالشّرط الرَّابِع: حنثه أَي الْحَالِف بِفعل مَا حلف على تَركه أَو ترك مَا حلف على فعله فَإِن لم يَحْنَث فَلَا كَفَّارَة لِأَنَّهُ لم يهتك حُرْمَة الْقسم، وَلَو كَانَا محرمين كَأَن حلف على ترك الْخمر فَشربهَا أَو صَلَاة فرض فَتَركهَا لوُجُود الْحِنْث حَال كَونه غير مكره، فَلَو حلف لَا يدْخل دَارا فَحمل مكْرها فَدَخلَهَا لم يَحْنَث، لِأَن فعل الْمُكْره لَا ينْسب إِلَيْهِ أَو غير جَاهِل أَو نَاس كَمَا لَو دخل فِي الْمِثَال نَاسِيا ليمينه أَو جَاهِلا أَنَّهَا للمحلوف عَلَيْهَا فَلَا كَفَّارَة، لِأَنَّهُ غير آثم، وَكَذَا إِن فعله مَجْنُونا. وَمن حلف بِاللَّه تَعَالَى لَا يفعل أَو ليفعلن كَذَا إِن شَاءَ الله أَو أَرَادَ الله أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله واتصل لفظا أَو حكما كانقطاعه بتنفس أَو سعال لم يَحْنَث فعل أَو ترك بِشَرْط أَن يقْصد لاستثناء قبل تَمام الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وَيسن حنث من حلف وَيكرهُ بر إِذا كَانَت يَمِينه على فعل مَكْرُوه أَو على ترك مَنْدُوب وَعَكسه أَي الحكم كَمَا لَو حلف على ترك مَكْرُوه أَو فعل مَنْدُوب بعكسه أَي فَيكْرَه حنثه وَيسن بره. وَيجب إِن كَانَت على فعل محرم أَو ترك وَاجِب وَعَكسه بعكسه وَمن حلف على فعل وَاجِب أَو ترك محرم حرم حنثه لما فِيهِ من
من ترك الْوَاجِب أَو فعل الْمحرم، وَوَجَب بره، وَمن حلف على فعل محرم أَو ترك وَاجِب، وَجب حنثه؛) لِئَلَّا يَأْثَم بترك الْوَاجِب أَو فعل الْمحرم وَحرم بره. وَيُخَير فِي مُبَاح، وَحفظ الْيَمين فِي أولى من حنثه لقَوْله تَعَالَى 19 ((واحفظوا أَيْمَانكُم)) كَمَا لَو وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين وَاجِب عِنْد حَاكم. وَلَا يلْزم محلوفا عَلَيْهِ إبرار قسم كَمَا لَا تلْزمهُ إِجَابَة سُؤال بِاللَّه تَعَالَى بل يسن.