الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الْعتْق)
كتاب فِي بَيَان أَحْكَام [الْعتْق] وَالتَّدْبِير وَالْكِتَابَة وَأم الْوَلَد وَالْوَلَاء. الْعتْق لُغَة الخلوص وَمِنْه عتاق الْخَيل وَالطير أَي خالصها. وسمى الْبَيْت الْحَرَام عتيقا لخلوصه من أَيدي الْجَبَابِرَة ، وَشرعا تَحْرِير الرَّقَبَة وتخليصها من الرّقّ ، وخصت الرَّقَبَة مَعَ وُقُوعه على جَمِيع الْبدن لِأَن ملك السَّيِّد لَهُ كالغل فى رقبته الْمَانِع لَهُ من التَّصَرُّف فَإِن أعتق فَكَأَن رقبته أطلقت من ذَلِك ، يُقَال عتق العَبْد أعْتقهُ فَهُوَ عَتيق ومعتق وهم عُتَقَاء وَمِنْه عَتيق وعتيقة. وَالْإِجْمَاع على صِحَّته وَحُصُول الْقرْيَة بِهِ ، بل هُوَ من أفضل الْقرب لقَوْله تَعَالَى: فَتَحْرِير رَقَبَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا [من اعْتِقْ رَقَبَة] مزمنة اعْتِقْ اللَّه بِكُل إرب مِنْهَا إربا مِنْهُ من النَّار حَتَّى الْيَد بِالْيَدِ وَالرجل بِالرجلِ والفرج بالفرج مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جعله كَفَّارَة للْقَتْل ولوطء فِي رَمَضَان وللأيمان وَجعله النَّبِي فكاكا لمعتقه من النَّار ، وَلما فِيهِ من تَخْلِيص الْآدَمِيّ الْمَعْصُوم من ضَرَر الرّقّ ، وَملك نَفسه ومنافعه ، وتكميل أَحْكَامه وتمكينه من التَّصَرُّف فِي نَفسه على حسب اخْتِيَاره.
فَقَالَ رحمه الله يسن عتق من أى رَقِيق لَهُ كسب وَيكرهُ الْعتْق لمن لَا قُوَّة لَهُ وَلَا كسب لَهُ لسُقُوط نَفَقَته بإعتاقه فَيصير كلا على النَّاس وَيحْتَاج إِلَى المسالة أَو كَانَ يخَاف من زنا أَو فَسَادًا أَو لُحُوقا بدار حَرْب وَإِن علم ذَلِك مِنْهُ أَو ظَنّه حرم وَصَحَّ الْعتْق ، وَيحصل بقوله وَله صَرِيح وكناية فصريحة لفظ الْعتْق وَالْحريَّة كَيفَ صرف كَقَوْلِه: أَنْت حر ، أَو مُحَرر أَو حررتك ، وأعتقتك أَو أَنْت عَتيق أَو مُعتق بِفَتْح التَّاء فَيعتق فِي هَذِه الصُّور وَلَو لم يُنَوّه غير أَمر ومضارع وَاسم فَاعل كاعتق وتعتق ومعتق بِكَسْر التَّاء فَلَا يعْتق بذلك وَنَحْوه. وَيَقَع من هازل لَا نَائِم وَنَحْوه. وكنايته على نِيَّة خليتك وأطلقتك وَالْحق بأهلك بِهَمْزَة وصل وَفتح الْحَاء واذهب حَيْثُ شِئْت وَلَا سَبِيل أَو سُلْطَان أَو ملك إِن رق أَو لَا خدمَة لي عَلَيْك وفككت رقبتك وَهبتك للَّه ، وَرفعت يَدي عَنْك إِلَى اللَّه وَأَنت للَّه ، وَأَنت مولَايَ وَأَنت سائبة أَو مَلكتك نَفسك وتزيد الْأُنْثَى بأنت طَالِق أَو حرَام وَنَحْو ذَلِك. وَيعتق حمل لم يسْتَثْن بِعِتْق أمة كَمَا لَو اشْترى أمة من وَرَثَة ميت موصى بحملها لغيره فيسرى الْعتْق إِلَى الْحمل إِن كَانَ معتقها مُوسِرًا بِقِيمَتِه يَوْم عتقه وَيضمن قِيمَته لمَالِكه الْمُوصي لَهُ بِهِ يَوْم وِلَادَته حَيا فان استثن الْحمل مُعتق لم يعْتق ربه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : اذْهَبْ إِلَى حَدِيث ابْن عمر فِي الْعتْق وَلَا اذْهَبْ إِلَيْهِ فِي البيع. انْتهى.
وَمن مثل برقيقه فَقطع أَنفه أَو أُذُنه أَو حرق عضوا من أَعْضَائِهِ عتق نصا بِلَا حكم حَاكم وَله وَلَاؤُه نصا ، وَكَذَا لَو استكرهه على الْفَاحِشَة بِأَن فعلهَا بِهِ مكْرها لانه من الْمثلَة أَو وطىء أمة مُبَاحَة لَا يُوطأ مثلهَا لصِغَر فأفضاها عتقت عَلَيْهِ لَا بخدش وَضرب وَلعن. وَمن اعْتِقْ جُزْءا مشَاعا كَنِصْف وَنَحْوه غير ظفر وَشعر وَنَحْوه من رَقِيق عتق عَلَيْهِ كُله. وَيصِح تَعْلِيقه بِصفة كَقَوْلِه: إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر ، وَنَحْوه لَا يملك السَّيِّد بطلَان التَّعْلِيق مَا دَامَ ملكه عَلَيْهِ ، وَلَا يعْتق بإبراء سَيّده لَهُ من الْألف لانه لَا حق لَهُ فِي ذمَّته حَتَّى يُبرئهُ مِنْهُ وَلَا يبطل التَّعْلِيق بذلك وَإِذا قَالَ لرقيقه أَنْت حر وَعَلَيْك ألف يعْتق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. و: على ألف أَو بِأَلف أَو على أَن تُعْطِينِي ألفا أَو بِعْتُك نَفسك بِأَلف لَا يعْتق حَتَّى يقبل. و: أَنْت حر على أَن تخدمني سنة يعْتق فِي الْحَال بِلَا قبُول وَتلْزَمهُ.
ثمَّ شرع فِي بَيَان التَّدْبِير فَقَالَ وَلَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ بل يَصح تَعْلِيقه أَي الْعتْق بِالْمَوْتِ الْمُعْتق وَهُوَ أَي التَّعْلِيق بِالْمَوْتِ التَّدْبِير وسمى بذلك لِأَن الْمَوْت دبر الْحَيَاة وَيُقَال دابر يدابر إِذا مَاتَ قَالَ ابْن عقيل: مُشْتَقّ من إدباره عَن الدُّنْيَا وَلَا يسْتَعْمل فِي شَيْء بعد الْمَوْت من وَصِيَّة ووقف وَغَيرهمَا غير الْعتْق فَهُوَ لفظ يخْتَص بِهِ الْعتْق بعد الْمَوْت. وَيعْتَبر كَونه مِمَّن تصح وَصيته فَيصح من مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس ومميز يعقله وَيعْتَبر خُرُوجه من الثُّلُث أَي ثلث المَال يَوْم مَوته نصا لِأَنَّهُ تبرع بعد الْمَوْت أشبه الْوَصِيَّة بِخِلَاف الْعتْق فِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّق بِهِ الْوَرَثَة فَينفذ من جَمِيع المَال كَالْهِبَةِ فِي الصِّحَّة.
وصريحة لفظ عتق أَو حريَّة معلقين بِمَوْتِهِ وَلَفظ تَدْبِير وَمَا تصرف مِنْهُمَا غير أَمر ومضارع وَاسم فَاعل نَحْو دبر وتدبر ومدبر بِكَسْر الْبَاء. وَيصِح وقف مُدبر وَبيعه وهبته وَلَو أمة أَو كَانَ بَيْعه فِي غير دين نصا. وَمَتى عَاد لملكه أعَاد التَّدْبِير وَإِن جنى بيع فِي الْجِنَايَة وان فدى بقى تدابيره وَإِن بيع بعضه فباقيه مُدبر.
ثمَّ شرع فِي بَيَان حكم الْكِتَابَة فَقَالَ وَتسن كِتَابَة من علم سَيّده فِيهِ أَي ألقن خيرا لقَوْله تَعَالَى 19 (: (فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا)) وَهُوَ أَي الْخَيْر الْكسْب وَالْأَمَانَة. وَالْكِتَابَة بيع سيد رَقِيقه نَفسه بِمَال فِي ذمَّته مُبَاح مَعْلُوم يَصح السّلم فِيهِ منجم نجمين فَصَاعِدا يعلم قسط كل نجم ومدته. أَو بَيْعه بمنفعه منجمة إِلَى أجلين فَأكْثر بِأَن يكاتبه فِي الْمحرم على خدمته فِيهِ وَفِي رَجَب على خياطَة ثوب أَو بِنَاء حَائِط عينهما ، فان كَاتبه على خدمَة شهر معِين أَو سنة مُعينَة لم يَصح لِأَنَّهُ نجم وَاحِد. وَتَكون الْكِتَابَة لمن لَا كسب لَهُ وَلَا قُوَّة لَهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يصير كلا النَّاس مَا تقدم. وَتَصِح كِتَابَة الْمبعض بِأَن يُكَاتب السَّيِّد بعض عبد حريَّة بعضه فَمَتَى أدّى مَا عَلَيْهِ فَقَبضهُ مِنْهُ سَيّده أَو ولى سَيّده أَو أَبرَأَهُ سَيّده أَو وَارِث سَيّده المسر من حِصَّته عتق وَمَا فضل بِيَدِهِ فَهُوَ لَهُ ، وَيملك الْمكَاتب كَسبه ونفعه وكل تصرف يصلح مَاله كَبيع وَشِرَاء واجارة وَنَحْوهَا وَيصِح شَرط وَطْء مُكَاتبَته نصا
وَيجوز بيع الْمكَاتب ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى ومشتريه أَي الْمكَاتب يقوم مقَام مكَاتبه بِكَسْر التَّاء فَإِن أدّى الْمكَاتب مَا عَلَيْهِ عتق لِأَن الْكِتَابَة عقد لَازم لَا تَنْفَسِخ بِنَقْل الْملك فِيهِ ولمشتر جهلها الرَّد أَو الْأَرْش وَوَلَاؤُهُ أَي الْمكَاتب لمنتقل إِلَيْهِ. وَلَا تَنْفَسِخ بِمَوْت السَّيِّد وَلَا بجنونه وَلَا بِالْحجرِ عَلَيْهِ وَلَا يدخلهَا خِيَار وتنفسخ بِمَوْت الْمكَاتب قبل أَدَائِهِ وَمَا بِيَدِهِ لسَيِّده نصا وَيصِح فَسخهَا باتفاقهما ولمكاتب قَادر على التكسب تعجيز نَفسه إِن لم يملك وَفَاء فَإِن ملكه أجبر على أَدَائِهِ ثمَّ عتق وَلَا يملك أَحدهمَا فَسخهَا للزومها. وَيلْزم أَن يُؤَدِّي السَّيِّد إِلَى من أدّى كِتَابَته ربعهَا بقوله تَعَالَى: (وءاتوهم من مَال اللَّه الَّذِي أَتَاكُم) . وَظَاهر الْآيَة للْوُجُوب.
ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على بَيَان أَحْكَام أم الْوَلَد فَقَالَ رحمه الله: وَأم الْوَلَد تعْتق بِمَوْت سَيِّدهَا من كل مَاله وَهِي أَي أم الْوَلَد من ولدت مَا أَي جسما فِيهِ صُورَة وَلَو كَانَت الصُّورَة خُفْيَة من مَالك وَلَو كَانَ مَالِكًا بَعْضهَا أَو مكَاتبا أَو كَانَت الْأمة مُحرمَة عَلَيْهِ كبنته وَعَمَّته من رضَاع أَو ولدت من أَبِيه أَي أبي الْمَالِك أَن لم يكن وَطئهَا الابْن نصا فان كَانَ وطىء لم تصر أم ولد للْأَب باستيلادها لِأَنَّهَا تحرم عَلَيْهِ أبدا بِوَطْء ابْنه لَهَا فَلَا تحل لَهُ بِحَال فَأشبه وَطْء الْأَجْنَبِيّ فَلَا يملكهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ ، وَيعتق وَلَدهَا لِأَنَّهُ ذُو رَحمَه ، وَنسبه لَاحق بِالْأَبِ لِأَنَّهُ وَطْء يدرا فِيهِ الْحَد لشُبْهَة الْملك. وَلَا تصير أم ولد بِوَضْع جسم لَا تخطيط فِيهِ كالمضغة والعلقة. وَمن ملك أمة حَامِلا فَوَطِئَهَا حرم عَلَيْهِ بيع ذَلِك الْوَلَد وَلم يَصح وَيلْزمهُ عتقه نصا. وأحكامها أَي أم الْوَلَد كأحكام أمة من وَطْء
وخدمة وَإِجَارَة وَنَحْوهَا إِلَّا فِي التَّدْبِير فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ إِذا الِاسْتِيلَاد أقوى مِنْهُ حَتَّى لَو طرأء عَلَيْهِ أبْطلهُ ، وَإِلَّا فِيمَا ينْقل الْملك فِي رقبَتهَا كَبيع وَهبة ووقف أَو يُرَاد لَهُ أَي لنقل الْملك كرهن. وَتَصِح كتَابَتهَا.
ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على الْوَلَاء فَقَالَ وَمن أعتق رَقَبَة أَو عتقت عَلَيْهِ برحم فَلهُ الْمُعْتق عَلَيْهَا أَي الرَّقَبَة العتيقة الْوَلَاء لحَدِيث (إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق) ، وَهُوَ أَنه أَي إِنْسَان يصير الْمُعْتق عصبَة لَهَا أَي الرَّقَبَة مُطلقًا أَي ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى عِنْد عدم جَمِيع عصبَة النّسَب ، وَالله تَعَالَى الْمُوفق.
وَلما فرغ الْمنصف رحمه الله من الْكَلَام على الْمُعَامَلَات وَمَا يتَعَلَّق بهَا أَخذ بتكلم على أَحْكَام النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ فَقَالَ.