الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
فِي بَيَان حكم الْمُرْتَد فَقَالَ رحمه الله: [وَالْمُرْتَدّ] لُغَة الرَّاجِع، يُقَال ارْتَدَّ فَهُوَ مُرْتَد إِذا رَجَعَ، قَالَ تَعَالَى 19 ((وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)) وَشرعا من كفر طَوْعًا وَلَو كَانَ مُمَيّزا بعد إِسْلَامه، فَمَتَى ادّعى النُّبُوَّة أَو صدق من ادَّعَاهَا كفر، لِأَنَّهُ يكذب الله تَعَالَى فِي قَوْله 19 ((وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين)) وَلِحَدِيث (لَا نَبِي بعدِي) وَفِي الْخَبَر 19 ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ دجالًا كلهم يزْعم أَنه رَسُول الله)) أَو سبّ الله تبارك وتعالى أَو أشرك بِهِ أَو سبّ رَسُوله أَي رَسُولا من رسله، أَو سبّ ملكا كفر، لِأَنَّهُ لَا يسبه إِلَّا وَهُوَ جَاحد بِهِ
أَو جحد ربوبيته تَعَالَى أَو وحدانيته أَو جحد صفة ذاتية لَهُ تَعَالَى [من صِفَاته] الْعلية كَالْعلمِ والحياة، كفر أَو جحد كتابا لَهُ أَو جحد رَسُولا لَهُ مجمعا عَلَيْهِ أَو ثَبت تواترا لَا آحادا كخالد بن سِنَان أَو جحد ملكا لَهُ سبحانه وتعالى مجمعا عَلَيْهِ كفر، لِأَنَّهُ مكذب لله وَرَسُوله فِي ذَلِك لِأَن جحد بعض من ذَلِك كجحد الْكل، أَو جحد الْبَعْث أَو جحد وجوب إِحْدَى الْعِبَادَات الْخمس الْمشَار إِلَيْهَا بِحَدِيث (بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَات أَلا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت) وَمِنْهَا الطَّهَارَة فيكفر من جحد وُجُوبهَا وضُوءًا كَانَت أَو غسلا أَو تيمما أَو جحد حكما ظَاهرا بَين الْمُسلمين بِخِلَاف السُّدس لبِنْت الابْن مَعَ بنت الصلب مجمعا عَلَيْهِ إِجْمَاعًا قَطْعِيا لَا سكوتيا، لِأَنَّهُ فِيهِ شُبْهَة، كجحد تَحْرِيم الزِّنَا أَو لحم الْخِنْزِير، أَو جحد حل خبز وَنَحْوه كلحم مذكى أَو شكّ فِي تَحْرِيم الزِّنَا وَنَحْوه أَو فِي حل نَحْو خبز وَمثله لَا يجهله أَو كَانَ يجهله وَعرف وأصر أَو سجد لكوكب أَو نَحوه أَو أَتَى بقول أَو فعل صَرِيح فِي الِاسْتِهْزَاء بِالدّينِ أَو امتهن الْقُرْآن أَو ادّعى اختلافه أَو الْقُدْرَة على مثله أَو أسقط حرفا مِنْهُ كفر لقَوْله تَعَالَى
19 -
((أَفلا يتدبرون الْقُرْآن وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا)) ، وَلَا يكفر من حكى كفرا سَمعه وَلَا يَعْتَقِدهُ. وَإِن ترك عبَادَة من الْخمس تهاونا مَعَ إِقْرَاره بِوُجُوبِهَا لم يكفر إِلَّا بِالصَّلَاةِ أَو شَرط أَو ركن لَهَا مجمع عَلَيْهِ إِذا دَعَاهُ الإِمَام أَو نَائِبه إِلَى شَيْء من ذَلِك وَامْتنع من فعله حَتَّى تضايق وَقت الَّتِي بعْدهَا فَإِنَّهُ يكفر، ويستتاب كمرتد ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أصر قتل كفرا بِخِلَاف الزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج فَإِنَّهُ يقتل فِيهِنَّ حدا. فَمن ارْتَدَّ مُكَلّفا مُخْتَارًا [ف] إِنَّه يَدعِي إِلَى الْإِسْلَام ويستتاب ثَلَاثَة أَيَّام وجوبا وَيَنْبَغِي أَن يضيق عَلَيْهِ وَيحبس فَإِن تَابَ لم يُعَزّر وَلم يحبط عمله وَإِن أصر على ردته وَلم يتب قتل بِالسَّيْفِ وَلَا يحرق بالنَّار لحَدِيث (إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة) وَحَدِيث (من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَلَا تعذبوه بِعَذَاب الله) يَعْنِي النَّار. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد، إِلَّا رَسُول كفار فَلَا يقتل وَلَو مُرْتَدا بِدَلِيل رَسُولي مُسَيْلمَة، وَلَا يقْتله إِلَّا الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن قَتله غَيرهمَا أَسَاءَ وعزر لافتياته على أولى الْأَمر وَلَا ضَمَان وَلَو قبل استتابته إِلَّا إِذا لحق بدار الْحَرْب فَلِكُل أحد أَن يقْتله وَيَأْخُذ مَا مَعَه. وَيصِح إِسْلَام مُمَيّز يعقله وَيَأْتِي آخر الْكتاب فِي الشَّرْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَتَصِح ردته فَإِن أسلم حيل بَينه وَبَين كفار، فَلَو قَالَ بعد إِسْلَامه لم أرد مَا قلته فَكَمَا لَو أرتد، وَلَا يقتل هُوَ وسكران حَتَّى يستتابا بعد بُلُوغه وصحو ثَلَاثَة أَيَّام، وَإِن مَاتَ فِي سكر أَو قبل بُلُوغه مَاتَ كَافِرًا، وَلَا تقبل ظَاهرا أَي بِحَسب أَحْكَام الدُّنْيَا تَوْبَة مِمَّن سبّ الله تَعَالَى أَو سبّ رَسُوله أَي رَسُولا لَهُ أَو ملكا لَهُ أَو تنقص أحدا مِنْهُم أَو أَي وَلَا تقبل تَوْبَة مِمَّن تَكَرَّرت ردته لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم سَبِيلا)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((وَإِن الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم ثمَّ ازدادوا كفرا لن تقبل تَوْبَتهمْ)) . وَلَا تقبل ظَاهرا تَوْبَة من مُنَافِق وَهُوَ الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام ويخفي الْكفْر، وَلَا تقبل تَوْبَة سَاحر مكفر بِفَتْح الْفَاء الْمُشَدّدَة بسحره كَالَّذي يركب المكنسة فِي الْهَوَاء لحَدِيث جُنْدُب بن عبد الله مَرْفُوعا (حد السَّاحر ضربه بِالسَّيْفِ) ، وَمن أظهر الْخَيْر وأبطن الْفسق فَهُوَ فِي تَوْبَته من فسقه كزنديق فِي تَوْبَته من كفره فَلَا تقبل شَهَادَته وَنَحْوهَا. وتوبة مُرْتَد وكل كَافِر إِتْيَانه بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا يُغني قَوْله: مُحَمَّد رَسُول الله عَن كلمة التَّوْحِيد. وَلَا بُد من إِقْرَار جَاحد بِفَرْض أَو تَحْلِيل أَو تَحْرِيم أَو كتاب أَو رِسَالَة مُحَمَّد إِلَى غير الْعَرَب بِمَا جَحده. وَقَوله:
أَنا مُسلم تَوْبَة، وَإِن شهد إثنان على مُسلم أَنه كفر فَادّعى الْإِكْرَاه قبل مَعَ قرينَة فَقَط، وَلَو شهد عَلَيْهِ بِكَلِمَة كفر فَادّعى الْإِكْرَاه قبل مُطلقًا أَي بِقَرِينَة وَغَيرهَا. وَإِن أكره ذمِّي على إِقْرَار بِإِسْلَام لم يَصح، وَقَول من شهد عَلَيْهِ بردة أَنا بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام تَوْبَة، وَإِن كتب كَافِر الشَّهَادَتَيْنِ، أَو قَالَ: أسلمت أَو أَنا مُسلم أَو أَنا مُؤمن صَار مُسلما، فَلَو قَالَ: لم أعلم الْإِسْلَام أَو لم أعتقده صَار مُرْتَدا وأجبر على الْإِسْلَام، نَص عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يعلي الصَّغِير فِي مفرداته: لَا خلاف أَن الْكَافِر لَو قَالَ أَنا مُسلم وَلَا أنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ لم يحكم بِإِسْلَامِهِ. انْتهى. وَمن قَالَ لكَافِر: أسلم وَخذ ألفا فَأسلم فَلم يُعْطه فَأبى الْإِسْلَام قتل، وَيَنْبَغِي أَن يَفِي بِمَا وعده. وَمن أسلم على أقل من الصَّلَوَات الْخمس قبل مِنْهُ وطولب بالخمس. وَمن ارْتَدَّ لم يزل ملكه عَن مَاله فَيملك التَّمَلُّك وَيمْنَع من التَّصَرُّف فِي مَاله وَيَقْضِي مِنْهُ دُيُونه وأروش جناياته وَينْفق مِنْهُ عَلَيْهِ وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَته فَإِن أسلم فَمَاله لَهُ وَإِلَّا صَار فَيْئا من حِين مَوته مُرْتَدا، وَإِن لحق بدار حَرْب فَهُوَ وَمَا مَعَه كحربي. وَيُؤْخَذ مُرْتَد بِحَدّ أَتَاهُ فِي ردته لَا بِقَضَاء مَا ترك فِيهَا من عبَادَة. وَتجب التَّوْبَة فَوْرًا على كل مذنب فِي كل وَقت من كل ذَنْب كَبِير أَو صَغِير، وَهِي أَي التَّوْبَة إقلاع عَن الذَّنب وَنَدم على فعله وعزم على أَن لَا يعود لذنب فَهَذِهِ ثَلَاثَة شُرُوط للتَّوْبَة، وَقد تزيد شرطا رَابِعا مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة، كَمَا إِذا كَانَت مظْلمَة فَلَا بُد من التَّوْبَة من رد مظْلمَة
لصَاحِبهَا لتبرأ ذمَّته مِنْهَا، لِأَن حُقُوق الْعباد مَبْنِيَّة على المشاحة، وَلَا يجب استحلال من نَحْو غيبَة وَقذف كشتم وَسَب، وَظَاهره بلغَة أَو لم يبلغهُ لِأَن فِيهِ زِيَادَة غم. وَيحرم تعلم السحر وتعليمه وَفعله، وَهُوَ عقد ورقى وَكَلَام يتَكَلَّم بِهِ أَو يَكْتُبهُ أَو يعْمل شَيْئا يُؤثر فِي بدن المسحور أَو قلبه أَو عقله من غير مُبَاشرَة لَهُ، وَله حَقِيقَة فَمِنْهُ مَا يقتل وَمَا يمرض وَمَا يَأْخُذ الرجل عَن زَوجته فيمنعه من وَطئهَا أَو يعْقد المتزوج فَلَا يُطيق وَطأهَا، وَمَا كَانَ مثل فعل لبيد بن الأعصم حِين سحر النَّبِي فِي مشط ومشاطة، أَو يسحره حَتَّى يهيم بَين الوحوش، وَمِنْه مَا يفرق بَين الْمَرْء وَزَوجته وَمَا يبغض أَحدهمَا إِلَى الآخر أَو يحبب بَين اثْنَيْنِ. وَيكفر السَّاحر بتعليمه وَفعله سَوَاء اعْتقد تَحْرِيمه أَو إِبَاحَته كَالَّذي يركب المكنسة وَغَيرهَا فتسير بِهِ فِي الْهَوَاء أَو يدعى أَن الْكَوَاكِب تخاطبه. وَيقتل إِن كَانَ مُسلما، وَكَذَا من يعْتَقد حلّه من الْمُسلمين فَيقْتل كفرا وَلَا يقتل ساحرا ذمِّي إِلَّا أَن يقتل بِهِ وَيكون مِمَّا يقتل غَالِبا فيقتص مِنْهُ، فَأَما من يسحر بأدوية وتدخين وَسقي شَيْء يضر فَإِنَّهُ لَا يكفر وَلَا يقتل، وَيُعَزر بليغا دون الْقَتْل إِلَّا أَن يقتل غَالِبا فيقتص مِنْهُ وَإِلَّا فَالدِّيَة، وَأما الَّذِي يعزم على الْجِنّ وَيَزْعُم أَنه يجمعها وَتُطِيعهُ فَلَا يكفر وَلَا يقتل، وَيُعَزر بليغا دون الْقَتْل. وَالله الْمُوفق إِلَى الْخَيْر.