الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
. النّذر لُغَة الْإِيجَاب، يُقَال: فلَان نذر دم فلَان، أَي أوجب قَتله، وَشرعا إِلْزَام مُكَلّف مُخْتَارًا وَلَو كَافِرًا بِعبَادة نصا نَفسه لله بِكُل قَول يدل على الِالْتِزَام. نَفسه مفعول ثَان لإلزام غير لَازم بِأَصْل الشَّرْع وَلَا محَال. بِخِلَاف: لله على أَن أجمع بَين ضدين فَلَا ينْعَقد. وَأَجْمعُوا على صِحَّته ولزومه وَالْوَفَاء بِهِ قَالَ الله تَعَالَى 19 ((يُوفونَ بِالنذرِ)) وَقَالَ تَعَالَى 19 ((وليوفوا نذورهم)) وَحَدِيث عَائِشَة (من نذر أَن يُطِيع الله فليطعمه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يَعْصِهِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا مُسلما. فَقَالَ رحمه الله النّذر مَكْرُوه لحَدِيث (النّذر لَا يَأْتِي بِخَير، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من مَال الْبَخِيل) وَقَالَ ابْن حَامِد وَغَيره: لَا يرد قَضَاء. وَلَا يَصح النّذر إِلَّا من مُكَلّف مُخْتَارًا وَلَو كَافِرًا
وَالنّذر المنعقد سِتَّة أَنْوَاع أَحْكَامهَا مُخْتَلفَة: أَحدهَا: النّذر [الْمُطلق] ك قَوْله لله على نذر أَو إِن فعلت كَذَا فَللَّه على نذر وَالْحَال أَنه لَا نِيَّة لحالف بِشَيْء ف عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين إِن فعله أَي فعل مَا علق عَلَيْهِ نَذره النَّوْع الثَّانِي: نذر لجاج وَغَضب. وَهُوَ تَعْلِيقه أَي النّذر بِشَرْط يقْصد الْمَنْع مِنْهُ أَي من فعل الشَّيْء أَو يقْصد الْحمل عَلَيْهِ، فَالْأول: ك قَوْله إِن كلمتك فعلى كَذَا أَي حج أَو صَوْم سنة أَو عتق وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي: إِن لم أخْبرك بِكَذَا فعلى كَذَا فَيُخَير بَين فعله وَكَفَّارَة يَمِين وَلَا يضر قَوْله: على مَذْهَب من يلْزمه بذلك. أَو: لَا أقلد من يرى الْكَفَّارَة، وَمن علق صَدَقَة شَيْء بِبيعِهِ وعلقها آخر بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ كفر كل وَاحِد كَفَّارَة يَمِين نصا كَمَا لَو حلف وَحنث. النَّوْع الثَّالِث نذر فعل مُبَاح ك قَوْله لله على أَن ألبس ثوبي أَو أركب دَابَّتي وَنَحْوه فَيُخَير أَيْضا بَين فعله وَكَفَّارَة يَمِين. النَّوْع الرَّابِع نذر فعل مَكْرُوه ك نذر طَلَاق وَنَحْوه كَأَكْل ثوم وبصل وَنَحْوهمَا فالتكفير فِي حَقه أولى من فعله. النَّوْع الْخَامِس نذر فعل مَعْصِيّة وَهُوَ من مُفْرَدَات الْمَذْهَب فَينْعَقد على الْأَصَح كشرب خمر وَصَوْم يَوْم عيد أَو حيض أَو أَيَّام تَشْرِيق أَو ترك وَاجِب فَيحرم الْوَفَاء بِهِ وَيجب التَّكْفِير على من لم يَفْعَله وَيَقْضِي غير يَوْم حيض. وَمن نذر ذبح مَعْصُوم حَتَّى نَفسه فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين فَقَط.
وتتعدد الْكَفَّارَة على من نذر ذبح وَلَده بِتَعَدُّد ولد لِأَنَّهُ مُفْرد مُضَاف فَيعم مَا لم ينْو معينا. النَّوْع السَّادِس نذر تبرر كَصَلَاة وَصِيَام واعتكاف وَحج وَعمرَة وزيارة أَخ فِي الله تَعَالَى وعيادة مَرِيض وشهود جَنَازَة بِقصد التَّقَرُّب بذلك مُطلقًا أَي غير مُعَلّق بِشَرْط أَو مُعَلّقا بِشَرْط وجود نعْمَة أَو دفع نقمة كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي أَو سلم مَالِي فَللَّه عَليّ كَذَا فَيلْزم الْوَفَاء بِهِ أَي النّذر. وَيجوز إِخْرَاج مَا نذر من الصَّدَقَة وَفعل مَا نذر من الطَّاعَة قبل وجود مَا علق عَلَيْهِ لوُجُود سَببه وَهُوَ النّذر كإخراج كَفَّارَة يَمِين قبل حنث وَمن نذر الصَّدَقَة بِكُل مَاله بِقصد الْقرْبَة أجزاه أَي النَّاذِر ثلثه يَوْم نذر يتَصَدَّق بِهِ وَلَا كَفَّارَة نصا. وببعض مَاله مُسَمّى كَنِصْف وَنَحْوه لزمَه مَا سَمَّاهُ. وَمن حلف أَو نذر لَا رددت سَائِلًا، فَهُوَ كمن حلف أَو نذر الصَّدَقَة بِمَالِه فيجزئه الصَّدَقَة بِثُلثِهِ، فَإِن لم يتَحَصَّل لَهُ إِلَّا مَا يَحْتَاجهُ فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَإِن تحصل لَهُ فَوق مَا يَحْتَاجهُ تصدق بِثلث الزَّائِد عَن حَاجته. وحبه بر وَنَحْوهَا لَيست سُؤال السَّائِل وَحَدِيث (اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة) يدل على إِجْزَاء نصف التمرة وَنَحْوهَا فَأكْثر لَا أقل. وَمن قَالَ: إِن ملكت مَال فلَان فعلي تصدق بِهِ فملكه بِكَمَالِهِ يُجزئهُ ثلثه.
وَمن حلف فَقَالَ: عليَّ الرَّقَبَة لَا فعلت كَذَا فَحنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين كالحلف بِاللَّه تَعَالَى أَو أَي وَمن نذر صَوْم شهر وَأطلق وَنَحْوه كجمعة لزمَه التَّتَابُع، لِأَن إِطْلَاق الشَّهْر يَقْتَضِيهِ سَوَاء صَامَ شهرا هلاليا أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْعدَدِ، وَإِن قطعه بِلَا عذر استأنفه، وبعذر يُخَيّر بَين الِاسْتِئْنَاف بِلَا كَفَّارَة وَبَين الْبناء وَيتم ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيكفر. وَإِن عين الشَّهْر كربيع مئلا لزمَه تتَابع أَيْضا، فَإِن أفطر لغير عذر حرم وَلَزِمَه اسْتِئْنَاف الصَّوْم مَعَ كَفَّارَة يَمِين لفَوَات الْمحل، ولعذر يَبْنِي على مَا مضى وَكفر لفَوَات التَّتَابُع، وَالْفطر فِي السّفر لَا يقطعهُ. وَمن نذر صَوْم سنة مُعينَة لم يدْخل فِي نَذره شهر رَمَضَان وَيَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق. وَنذر اعْتِكَاف كَصَوْم على مَا تقدم تَفْصِيله وَلَا يلْزمه التَّتَابُع نصا، وَلَا يلْزمه التَّتَابُع نصا إِن نذر أَن يَصُوم أَيَّامًا مَعْدُودَة وَلَو ثَلَاثِينَ إِلَّا بِشَرْط بِأَن يَقُول متتابعة. وَمن نذر صوما مُتَتَابِعًا غير معِين فَأفْطر لمَرض يجب مَعَه الْفطر أَو الْحيض خير بَين الِاسْتِئْنَاف وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَبَين الْبناء وَيكفر. وَإِن أفطر فِيهِ لسفر أَو بِمَا يُبِيح الْفطر مَعَ الْقُدْرَة على الصَّوْم كَمَرَض يجوز مَعَه لم يَنْقَطِع التَّتَابُع صَححهُ فِي الْإِنْصَاف وَقَالَ ابْن المنجا: يَجِيء على قَول الْخرقِيّ يُخَيّر بَين الِاسْتِئْنَاف وَبَين الْبناء وَالْكَفَّارَة كَمَا تقدم، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَالْأَصْحَاب لعدم تفريقهم فِي ذَلِك. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لمؤلفة: وَهَذَا الْأَخير لَا يعدل عَنهُ فَإِنَّهُ
لَا وَجه لكَون الْمَرَض الَّذِي يجب مَعَه الْفطر يقطع التَّتَابُع، وَالْفطر فِي السّفر لَا يقطعهُ. انْتهى. وَإِن أفطر بِغَيْر عذر يلْزمه أَن يسْتَأْنف بِلَا كَفَّارَة. وَمن نذر صوما فعجز عَنهُ لكبر أَو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَو نَذره حَال عَجزه أطْعم لكل يَوْم مِسْكينا وَكفر كَفَّارَة يَمِين. وَإِن نذر صَلَاة وَنَحْوهَا وَعجز فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فَقَط، وطوافا أَو سعيا فأقله أُسْبُوع. وَسن الْوَفَاء بالوعد وَلَا يلْزمه نصا وَحرم الْوَعْد بِلَا اسْتِئْنَاف لقَوْله تَعَالَى (وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك إِذا إِلَّا أَن يَشَاء الله) أَي لَا تقولن ذَلِك إِلَّا مُعَلّقا بِأَن يَشَاء الله عز وَعظم سُلْطَانه.