المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

3 - ‌ ‌(فصل) وَالْهِبَة أَصْلهَا من هبوب الرّيح أَي مروره ، - كشف المخدرات لشرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[البعلي، عبد الرحمن بن عبد الله]

الفصل: 3 - ‌ ‌(فصل) وَالْهِبَة أَصْلهَا من هبوب الرّيح أَي مروره ،

3 -

(فصل)

وَالْهِبَة أَصْلهَا من هبوب الرّيح أَي مروره ، يُقَال وهبت لَهُ وهبا بِإِسْكَان الْهَاء وَفتحهَا وَهبة ، وَهُوَ واهب ووهاب ووهوب ووهابة. وَالِاسْم الموهب والموهبة بِكَسْر الْهَاء فيهمَا ، والاتهاب قبُول الْهِبَة. والاستيهاب سؤالها ، وتواهبوا وهب بَعضهم لبَعض. وَشرعا تمْلِيك جَائِز التَّصَرُّف مَالا مَعْلُوما أَو مَجْهُولا تعذر علمه كدقيق اخْتَلَط بدقيق لاخر فوهب أَحدهمَا للْآخر ملكه مِنْهُ فَيَصِيح مَعَ الْجَهَالَة للْحَاجة ، وَفِي الْكَافِي: تصح هبة ذَلِك وكلب ونجاسة يُبَاح نَفعهَا مَوْجُودا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه غير وَاجِب ، فَلَا تسمى نَفَقَة الزَّوْجَة وَنَحْوهَا هبة لوُجُوبهَا ، وَأَن تكون فِي الْحَيَاة بِلَا عوض بِمَا يعد هبة عرفا. وَهِي مُسْتَحبَّة إِذا قصد بهَا وَجه الله تَعَالَى كَالْهِبَةِ للْعُلَمَاء والفقراء وَالصَّالِحِينَ ، وَمَا قصد بِهِ صلَة الرَّحِم لَا مباهاة ورئاء وسَمعه وَتَصِح هبة مصحف. فَإِن قصد بِإِعْطَاء ثَوَاب الْآخِرَة فَقَط فصدقة وإكراما وتوددا فهدية ، وَإِلَّا فهبة ، وعطية ونحلة ، وألفاظ ذَلِك متفقة معنى وَحكما ويعم جَمِيعًا لفظ الْعَطِيَّة وَمن أهْدى ليهدي لَهُ أَكثر فَلَا بَأْس وَيكرهُ ردهَا وَإِن قلت ، بل السّنة أَن يكافىء أَو يَدْعُو لَهُ ، وَإِن علم مِنْهُ أَنه أهْدى حَيَاء وَجب الرَّد.

ص: 521

وَتَصِح هبة كل مَا يَصح بَيْعه قَالَ الفتوحي وَعلم من هَذَا أَن كل مَا لَا يَصح بَيْعه لَا تصح هِبته وَهُوَ الْمَذْهَب وَاخْتَارَهُ القَاضِي وَقدمه فِي الْفُرُوع. وتنعقد الْهِبَة بِكُل مَا يدل عَلَيْهَا عرفا من قَول كوهبتك وَنَحْوه كمعاطاة ، فتجهيز بنته إِلَى بَيت زَوجهَا تمْلِيك وَتلْزم الْهِبَة بفيض قبضهَا كقبض مَبِيع بِإِذن واهب وَلَا يَصح قيضها إِلَّا بِإِذْنِهِ وان مَاتَ واهب فوارثه مقَامه فِي إِذن وَرُجُوع ، وَلَا تصح لحمل وَيقبل وَيقبض لصغير وَمَجْنُون وليهما وَمن أَبْرَأ غَرِيمه من دينه أَو وهبه لمدينه أَو أحله مِنْهُ أَو أسقط عَنهُ أَو تَركه أَو ملكه لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ أَو عَفا عَنهُ صَحَّ ذَلِك كُله وبريء غَرِيم من الدّين ، وَكَذَا لَو قَالَ: اعطيتكه. وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظ الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والعطية ، لِأَنَّهُ لما لم يكن هُنَاكَ عين مَوْجُودَة يَتَنَاوَلهَا اللَّفْظ انْصَرف الى معنى الْإِبْرَاء وَلَو وَقع ذَلِك قبل حُلُوله وَلَو لم يقبل الْمَدِين الْإِبْرَاء؛ لِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى الْقبُول كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق بِخِلَاف هبة الْعين؛ لِأَنَّهُ تمْلِيك وَلَو جهل رب الدّين قدره وَوَصفه كَالْأَجْنَبِيِّ أَي فَيصح الْإِبْرَاء وَيبرأ الْمَدِين لَا إِن علم الْمَدِين فَقَط وكتمه خوفًا من أَنه إِن أعلمهُ لم يُبرئهُ. وَإِن قَالَ: إِن مت - بِضَم التَّاء - فَأَنت فِي حل فوصية. وَلَا تصح الْهِبَة مُؤَقَّتَة إِلَّا فِي الْعُمْرَى والرقبة كأعمرتك أَو أرقبتك هَذِه الدَّار أَو الْفرس أَو الْأمة وَنَصه: لَا يَطَأهَا.

ص: 522

وَحمل على الْوَرع وَتَكون للمعطى ولورثته من بعده إِن كَانُوا وَإِلَّا فلبيت المَال. وَلَا تصح هبة الدّين لغير من هُوَ عَلَيْهِ إِلَّا إِن كَانَ ضَامِنا وَيجب على واهب ذكر أَو أُنْثَى تَعْدِيل فِي عَطِيَّة وَارِث بِأَن يُعْطي كلا من الْوَرَثَة حِصَّة بِقدر إِرْثه نصا وَيُعْطِي من حدث حِصَّة وجوبا فَإِن فضل بَعضهم على بعض بِلَا إِذن الْبَقِيَّة حرم عَلَيْهِ وَسوى بِرُجُوع أَي رَجَعَ فَأخذ مِنْهُم وَدفع الْبَاقِي حَتَّى يستووا ، وَله التَّخْصِيص بِإِذن الْبَقِيَّة مِنْهُم وَإِن مَاتَ معط قبله أَي التَّسَاوِي بَينهم وَلَيْسَت فِي مرض موت ثَبت تفضيله وَلَا رُجُوع لبَقيَّة الْوَرَثَة عَلَيْهِ نصا. وتباح قسْمَة مَاله بَين ورثته حَال حَيَاته ، وَالسّنة أَن لَا يُزَاد ذكر على أُنْثَى فِي وقف وَيحرم على واهب وَلَا يَصح أَن يرجع فِي هِبته بعد قبض وَلَو نقوطا أَو حمولة فِي نَحْو عرس للزومها بِهِ وَكره رُجُوع فِيهَا قبله أَي الْقَبْض سَوَاء كَانَ الْوَاهِب أما أَو غَيره إِلَّا من وهبت زَوجهَا شَيْئا بمسألته ثمَّ ضرها بِطَلَاق أَو تزوج عَلَيْهَا وَإِلَّا الْأَب فَلهُ أَن يرجع بأَرْبعَة شُرُوط: أَن لَا يسْقط حق من الرُّجُوع ، وَأَن لَا تزيد زِيَادَة مُتَّصِلَة ، وَأَن تكون الْعين بَاقِيَة فِي ملكه ، وَأَن لَا يرهنها. فان أسقط حَقه أَو زَادَت نَحْو سمن أَو تلفت أَو رَهنهَا فَلَا رُجُوع. وَلَا يَصح الا بالْقَوْل فَيَقُول: رجعت فِيهَا ، أَو: ارتجعتها ، أَو: رَددتهَا وَنَحْوه من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة عَلَيْهِ علم الْوَلَد أ ، لَا ، وَلَا يحْتَاج إِلَى حكم حَاكم.

ص: 523

وَله أَي الْأَب الْحر أَن يتَمَلَّك بِقَبض مَعَ قَول تملك أَو مَعَ نِيَّة التَّمَلُّك لِأَن الْقَبْض أَعم من أَن يكون للتَّمَلُّك أَو غَيره فَاعْتبر القَوْل أَو النِّيَّة لتعين وَجه الْقَبْض من مَال وَلَده مُتَعَلق بيتملك غير سَرِيَّة أَي أمة للِابْن وَطئهَا ، فَلَيْسَ لِأَبِيهِ تَملكهَا وَلَو لم تكن أم وَلَده لِأَنَّهَا مُلْحقَة بِالزَّوْجَةِ نصا مَا مفعول يتَمَلَّك شَاءَ أَي أَرَادَ سَوَاء كَانَ ذَلِك بِعلم وَلَده أَو بِغَيْر علمه صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا ذكرا أَو أُنْثَى رَاضِيا أَو ساخطا مَعَ حَاجَة وَعدمهَا مَا لم يضرّهُ أَي يضر الْأَب وَلَده بِمَا يَتَمَلَّكهُ مِنْهُ فَإِن ضره بِأَن تتَعَلَّق بِهِ حَاجَة الْوَلَد كآلة حرفته وَنَحْوهَا لم يتَمَلَّك لِأَن حَاجَة الْإِنْسَان مُقَدّمَة على دينه فَلِأَن تقدم على أَبِيه أولى ، أَو مَا لم يكن تملكه ليعطيه الْأَب لولد آخر فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك نصا أَو مَا لم يكن التَّمَلُّك بِمَرَض موت أَحدهمَا أَي الْأَب أَو الابْن لِأَنَّهُ بِالْمرضِ قد انْعَقَد السَّبَب الْقَاطِع للتَّمَلُّك أَو مَا لم يكن الْأَب كَافِرًا وَالِابْن مُسلما فَلَيْسَ لَهُ أَن يتَمَلَّك من مَال وَلَده الْمُسلم. وَلَا يَصح أَن يتَمَلَّك مَا فِي ذمَّته من مَال وَلَده وَلَا أَن يبريء نَفسه وَلَا غَرِيم وَلَده وَلَا يملك قبض دين وَلَده من الْغَرِيم لِأَن الْوَلَد لَا يملك الدّين إِلَّا بِقَبْضِهِ من غَرِيمه. وَلَو أقرّ الْأَب بِقَبْضِهِ وَأنكر الْوَلَد أَو أقرّ رَجَعَ على غَرِيمه وَرجع الْغَرِيم على الْأَب وَلَيْسَ لولد وَلَا لوَرثَته أَي الْوَلَد مُطَالبَة أَبِيه بدين كقرض وَثمن مَبِيع وَنَحْوه أَي الدّين كقيمة متْلف وَأرش جِنَايَة وَأُجْرَة أَرض وزرعها وَدَار يسكنهَا وَنَحْوه لحَدِيث أَنْت وَمَالك لأَبِيك بل إِذا مَاتَ الْأَب

ص: 524

أَخذه من تركته من رَأس المَال إِلَّا أرش الْجِنَايَة ، فَيسْقط بِمَوْت الْأَب وَلَيْسَ للْوَلَد الرُّجُوع بِهِ فِي تركته بل للِابْن الْمُطَالبَة بِنَفَقَة وَاجِبَة على أَبِيه لفقره وعجزه عَن الْكسْب ، زَاد فِي الْوَجِيز: وحبسه عَلَيْهَا وَمن كَانَ مَرضه غير مخوف كصداع وَحمى يسيرَة كَيَوْم ، قَالَه فِي الرِّعَايَة ، ورمد وجرب وتصرفه كتصرف صَحِيح حَتَّى وَلَو صَار مخوفا وَمَات بِهِ أَو أَي وَمن مَرضه مخوف كبرسام بِكَسْر الْمُوَحدَة وَهُوَ بخار يرتقي إِلَى الرَّأْس يُؤثر فِي الدِّمَاغ فيختل بِهِ الْعقل. وَقَالَ عِيَاض ورم فِي الدِّمَاغ فيتغير مِنْهُ عقل الْإِنْسَان ويهذي وإسهال متدارك وَهُوَ الَّذِي لَا يسْتَمْسك وَإِن كَانَ سَاعَة؛ لِأَن من يلْحقهُ ذَلِك أسْرع فِي هَلَاكه ، وَكَذَا إسهال مَعْدُوم لِأَنَّهُ يضعف الْقُوَّة ، وَذَات الْجنب وَهِي قُرُوح بباطن الْجنب ، ورعاف دَائِم ، وفالج فِي ابْتِدَائه ، وسل فِي انتهائه ، وَكَذَلِكَ من كَانَ بَين الصفين وَقت الْحَرْب وكل من الطَّائِفَتَيْنِ يكافىء ، أَو هُوَ من الطَّائِفَة المقهورة ، أَو كَانَ باللجة وَقت الهيجان أَو وَقع الطَّاعُون بِبَلَدِهِ ، أَو قدم للْقَتْل ، أَو حبس لَهُ ، أَو جرح جرحا موحيا ، أَو أسر عِنْد من عَادَته الْقَتْل ، أَو حَامِلا عِنْد الطلق مَعَ الْأَلَم حَتَّى تنجو من نفَاسهَا ، أَو هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاء أَو البلغم وَمَا قَالَ طبيبان مسلمان عَدْلَانِ لَا وَاحِد وَلَا عدم غَيره عِنْد إشكاله أَي الْمَرَض أَنه مخوف كوجع الرئة والقولنج ، وَهُوَ مَعَ الْحمى أَشد خوفًا لَا يلْزم تبرعه أَي تبرع صَاحب الْمَرَض الْمخوف لوَارث بِشَيْء وَلَا يلْزم تبرعه بِمَا فَوق الثُّلُث أَي ثلث المَال فَقَط لغيره أَي الْوَارِث وَهُوَ الْأَجْنَبِيّ إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة.

ص: 525

وَمن امْتَدَّ مَرضه بجذام وَنَحْوه كفالج فِي دَوَامه وسل لَا فِي حَال انتهائه وَلم يقطعهُ الْمَرَض بفراش فكصحيح وَإِن قطعه بفراش فمخوف وَيعْتَبر عِنْد الْمَوْت أَي موت واهب أَو موص كَونه أَي كَون من وهب لَهُ من قبل مَرِيض هبة أَو وصّى لَهُ بِوَصِيَّة وَارِثا أَو لَا فَلَو أعتق عبدا لَا يملك غَيره ثمَّ ملك مَالا فَخرج العَبْد من ثلثه تَبينا أَنه عتق كُله. وَإِن صَار عَلَيْهِ دين يسْتَغْرق لم يعْتق مِنْهُ شَيْء؛ لِأَن الدّين على الْوَصِيَّة. وتفارق الْعَطِيَّة الْوَصِيَّة فِي أَرْبَعَة أَحْكَام: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيبدأ بِالْأولِ فَالْأول بِالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّة يسوى بَين متقدمها ومتأخرها. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ بقوله وَلَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا أَي الْعَطِيَّة بعد لُزُومهَا بِالْقَبْضِ وَإِن كثرت لِأَن الْمَنْع من الزِّيَادَة على الثُّلُث لحق الْوَرَثَة لَا لحقه فَلم يملك إِجَارَتهَا وَلَا ردهَا ، وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك فَيصح الرُّجُوع فِيهَا لِأَن التَّبَرُّع بهَا مَشْرُوط بِالْمَوْتِ فَلم يُوجد فِيمَا قبل الْمَوْت كَالْهِبَةِ قبل الْقبُول. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيعْتَبر قبُولهَا عِنْد وجودهَا وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهَا تبرع بعد الْمَوْت فَلَا حكم لقبولها وَلَا ردهَا قبله. وَالرَّابِع مَا أَشَارَ بقوله وَيثبت الْملك فِيهَا أَي الْعَطِيَّة مراعى من حينها ، وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك كُله.

ص: 526