المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كتاب الْجِنَايَات) كتاب الْجِنَايَات. جمع جِنَايَة وَهِي لُغَة التَّعَدِّي يُوجب على - كشف المخدرات لشرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[البعلي، عبد الرحمن بن عبد الله]

الفصل: ‌ ‌(كتاب الْجِنَايَات) كتاب الْجِنَايَات. جمع جِنَايَة وَهِي لُغَة التَّعَدِّي يُوجب على

(كتاب الْجِنَايَات)

كتاب الْجِنَايَات. جمع جِنَايَة وَهِي لُغَة التَّعَدِّي يُوجب على نفس أَو مَال وَشرعا التَّعَدِّي على نفس الْبدن بِمَا يُوجب قصاصا أَو مَالا قَالَ أَبُو السعادات: الْجِنَايَة الجرم والذنب وَمَا يَفْعَله الْإِنْسَان مِمَّا يُوجب عَلَيْهِ الْعَذَاب أَو الْعقَاب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. انْتهى. وجمعت الْجِنَايَة وَإِن كَانَ مصدرا بِاعْتِبَار أَنْوَاعهَا على جنايات وجنايا كعطايا وَالْفَاعِل جَان وَالْجمع جناه كقاض وقضاة. وَالْقَتْل يَقع على ثَلَاثَة أضْرب: وَاجِب كَقَتل الْمُحَارب وَالزَّانِي والمحصن وَالْمُرْتَدّ ومباح كَالْقَتْلِ قصاصا ومحظور وَهُوَ الْقَتْل عمدا بِغَيْر حق وَهُوَ من الْكَبَائِر. وتوبة الْقَاتِل مَقْبُولَة عِنْد أَكثر أهل الْعلم وَأمره إِلَى الله تَعَالَى إِن شَاءَ عذبه وان شَاءَ غفر لَهُ وَلَا يسْقط حق الْمَقْتُول فِي الْآخِرَة بِمُجَرَّد التَّوْبَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: فعلى هَذَا يَأْخُذ الْمَقْتُول من حَسَنَات الْقَاتِل بِقدر مظلمته فَإِن اقْتصّ من الْمَقْتُول أَو عُفيَ عَنهُ فَفِي مُطَالبَته بِالآخِرَة وَجْهَان. قَالَ ابْن الْقيم: وَالتَّحْقِيق فِي الْمَسْأَلَة أَن الْقَتْل يتَعَلَّق بِهِ ثَلَاثَة حُقُوق: حق الله وَحقّ الْمَقْتُول وَحقّ الْوَلِيّ.

ص: 701

فَإِن سلم الْقَاتِل نَفسه طَوْعًا واختيارا إِلَى الْوَلِيّ ندما على مَا فعله وخوفا من الله تبارك وتعالى وَتَابَ تَوْبَة نصُوحًا سقط حق الله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَحقّ الْأَوْلِيَاء بِالِاسْتِيفَاءِ أَو الصُّلْح أَو الْعَفو وبقى حق الْمَقْتُول يعوضه الله تعلى يَوْم الْقِيَامَة من عَبده التائب المحسن فَلَا يضيع حق هَذَا وَلَا يعطل تَوْبَة هَذَا. فَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: الْقَتْل أَي فعل تزهق بِهِ النَّفس أَي تفارق بِهِ الرّوح الْجَسَد ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا عمد، وَالثَّانِي شبه عمد وَيُقَال خطأ الْعمد وَعمد الْخَطَأ [و] الثَّالِث [خطأ] . وقسمه فِي الْمقنع وَأَبُو الْخطاب وَصَاحب الْوَجِيز وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيرهم إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام وَزَادُوا مَا أجْرى مجْرى الخطا كانقلاب النَّائِم على شخص فيقتله وَمن يقتل بِالسَّبَبِ كحفر الْبِئْر وَنَحْوه تَعَديا فَيَمُوت بِهِ أحد وَهَذِه الصُّورَة عِنْد الْأَكْثَر من قسم الخطا أَعْطوهُ حكمه. وَفِي الإتصاف: قلت الَّذِي نظر إِلَى الْأَحْكَام المترتبة على الْقَتْل جعل الْأَقْسَام ثَلَاثَة وَالَّذِي نظر إِلَى الصُّورَة فَهِيَ أَرْبَعَة بِلَا شكّ وَأما الْأَحْكَام فمتفق عَلَيْهَا: فالعمد يخْتَص الْقود بِهِ فَلَا يثبت فِي غَيره والقود قتل الْقَاتِل بِمن قَتله مَأْخُوذ من قَود الدَّابَّة لِأَنَّهُ يُقَاد الى الْقَتْل بِمن قَتله وَهُوَ أَي الْعمد أَن يقْصد الْجَانِي من يُعلمهُ آدَمِيًّا مَعْصُوما فيقتله بِمَا أَي بِشَيْء يغلب على الظَّن مَوته بِهِ وَله تسع صور إِحْدَاهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله كجرحه بِمَا لَهُ نُفُوذ أى دُخُول فِي الْبدن من حَدِيد كسكين ومسلة بِكَسْر الْمِيم أَو غير ذَلِك كشوكة وقصب وَلَو جرحا صَغِيرا كَشَرط حجام أَو فِي غير مقتل أَو بِشَيْء صَغِير كإبرة وَنَحْوهَا من مقتل كالفؤاد وَنَحْوه أَو فِي

ص: 702

غَيره كفخذ وَيَد فتطول علته أَو يصير ضمنا وَلَو لم يداو مَجْرُوح قَادر على المداواة جرحه حَتَّى يَمُوت أَو يَمُوت فِي الْحَال لِأَن الظَّاهِر مَوته بِفعل الْجَانِي.

الثَّانِيَة أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله كضربه بِحجر كَبِير لَو فِي غير مقتل لِأَنَّهُ يقتل غَالِبا وكضربه بمثقل فَوق عَمُود الْفسْطَاط لَا كَهُوَ نصا وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي يقوم عَلَيْهَا بَيت الشّعْر أَو بِمَا يغلب على الظَّن مَوته بِهِ من كوزين وَهُوَ مَا يدق بِهِ الدقاق الثِّيَاب ولت بِضَم اللَّام وَتَشْديد التَّاء نوع من السِّلَاح مَعْرُوف وسندان حداد وَفِي مقتل أَو فِي حَال ضعف قُوَّة أَو مرض أَو صغر أَو كبر أَو حر أَو برد وَنَحْو ذَلِك من شَاهِق أَو يلقِي عَلَيْهِ حَائِطا أَو سقفا وَنَحْوهمَا فَيَمُوت فَفِي ذَلِك كُله الْقود وَلَو قَالَ لم اقصد قَتله لم يصدق الثَّالَّةِ أَن يلقيه بزبية الْأسد بِضَم الزَّاي أَي حفيرته أَو مكتوفا بفضاء بِحَضْرَة ذَلِك أَو فِي مضيق بِحَضْرَة حَيَّة أَو بنهشه كَلْبا أَو يلسعه عقربا من القواتل غَالِبا فَيقْتل بِهِ. الرَّابِعَة أَن يلقيه فِي مَاء يغرقه أَو نَار وَلَا يُمكنهُ التَّخَلُّص مِنْهُمَا فَيَمُوت فيقاد بِهِ وَأَن أمكنه التَّخَلُّص فيهمَا فَهدر الْخَامِسَة: أَن يخنقه بِحَبل أَو غَيره أَو سد فَمه وَأَنْفه أَو يعصر خصيته زَمنا يَمُوت فِي مثله غَالِبا فَيقْتل بِهِ. السَّادِسَة: أَن يحْبسهُ ويمنعه الطَّعَام وَالشرَاب فَيَمُوت جوعا وعطشا لزمن يَمُوت فِيهِ من ذَلِك غَالِبا بِشَرْط تعذر الطّلب عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَود وَلَا دِيَة كتركه شدّ فصده.

ص: 703

السَّابِعَة: أَن يسْقِيه سما يقتل غَالِبا لَا يعلم بِهِ أَو يخلطه بِطَعَام أَو يطعمهُ لَهُ ويخلطه بِطَعَام أكله فَأَكله جهلا فَيَمُوت فيقاد بِهِ: فَإِن علم آكل مُكَلّف بالسم أَو خلطه بِطَعَام نَفسه فَأَكله أحد بِلَا إِذن فَمَاتَ فَهدر الثَّامِنَة: أَن يقْتله بِسحر يقتل غَالِبا أَو مَتى أدعى قَاتل بِسم أَو بِسحر عدم علمه أَن السم أَو السحر قَاتل أَو جهل مرض يقتل مَعَه ذَلِك لم يقبل. التَّاسِعَة: أَن يشْهد رجلَانِ على شخص بقتل عمدا أَو ردة حَيْثُ امْتنعت تَوْبَته أَو أَرْبَعَة بزنا مُحصن فَيقْتل بِشَهَادَتِهِم ثمَّ ترجع الْبَيِّنَة وَتقول عمدنا قَتله أَو يَقُول الْحَاكِم والوالي: علمت كذبهما وعمدت قَتله فيقاد بذلك كُله وَشبهه بِشَرْط. وَلَا قَود على بَيِّنَة وَلَا على حَاكم مَعَ مُبَاشرَة ولي عَالم بِالْحَال وَيخْتَص بِالْقصاصِ مبَاشر عَالم فولي فَبَيِّنَة وحاكم وَمَتى لَزِمت حَاكما وَبَيِّنَة دِيَة فعلى عَددهمْ وَلَو رَجَعَ الْوَلِيّ وَالْبَيِّنَة ضمنه الْوَلِيّ وَحده لمباشرته الْقَتْل. وَشبه الْعمد أَي الْمُسَمّى بخطأ الْعمد وَعمد الخطا أَن يقْصد الْجَانِي جِنَايَة لَا تقتل غَالِبا وَلم يجرحه بهَا أى الْجِنَايَة كضرب سَوط أَو عَصا أَو حجر صَغِير إِلَّا أَن يصغر جدا كقلم وإصبع فِي غير مقتل أَو يمسهُ بالكبير بِلَا ضرب فَلَا قصاص وَلَا دِيَة أَو لكز أَو لكم غَيره فِي غير مقتل أَو أَلْقَاهُ فِي مَاء قَلِيل أَو سحره بِمَا لَا يقتل غَالِبا أَو صَاح بعاقل اغتفله فَيسْقط فَيَمُوت أَو بصغير أَو معتوه على نَحْو سطح فيسقطان فيموتان فَفِيهِ الْكَفَّارَة فِي مَال جَان وَالدية على عَاقِلَته.

ص: 704

وَإِن صَاح بمكلف لم يغتفله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ مَاتَ أَو ذهب عقله. وَالْخَطَأ ضَرْبَان: ضرب فِي الْقَصْد وَضرب فِي الْفِعْل. فَضرب الْقَصْد نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يَرْمِي مَا يَظُنّهُ صيدا أَو مُبَاح الدَّم فيتبين آدَمِيًّا أَو مَعْصُوما أَو يفعل مَا لَهُ فعله كَقطع لحم فَيقْتل إنْسَانا أَو يتَعَمَّد الْقَتْل صَغِيرا أَو مَجْنُونا فالكفارة فِي مَاله وَالدية على عَاقِلَته. النَّوْع الثَّانِي أَن يقتل بدار حَرْب أَو صف كفار من يَظُنّهُ حَرْبِيّا فيتبين مُسلما أَو يَرْمِي وجوبا لكفار تترسوا بِمُسلم وَيجب رميهم حَيْثُ خيف على الْمُسلمين إِن لم نرمهم فيقصدهم دونه فيقتله بِلَا قصد فَفِيهِ الْكَفَّارَة فَقَط أَي دون الدِّيَة. وَالضَّرْب الثَّانِي: فِي الْفِعْل وَهُوَ أَن يفعل مَا لَهُ فعله كرمي صيد وَنَحْوه كهدف فَيُصِيب آدَمِيًّا مَعْصُوما اعْتَرَضَهُ لم يَقْصِدهُ أَو يَنْقَلِب وَهُوَ نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ وَنَحْوه على إِنْسَان فَيَمُوت فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فِي مَاله وَالدية على عَاقِلَته وَعمد صبي وَعمد [مَجْنُون خطأ] لِأَنَّهُ لَا قصد لَهما فعمدهما كخطأ الْمُكَلف وَمن قَالَ كنت يَوْم قتلت صَغِيرا أَو مَجْنُونا وَأمكن صدق بِيَمِينِهِ. وَإِن كَانَ الرَّامِي ذِمِّيا فَأسلم بَين رمي وإصابة ضمن الْمَقْتُول فِي مَاله لمباينة دين عَاقِلَته بِإِسْلَامِهِ وَلَا يُمكن ضيَاع دِيَة الْمَقْتُول فَتكون فِي مَال الْجَانِي. وَمن قتل بِسَبَب كحفر بِئْر وَنصب سكين أَو حجر أَو نَحوه تَعَديا إِن قصد جِنَايَة فَشبه عمد وَإِلَّا فخطأ وإمساك الْحَيَّة محرم وَجِنَايَة لانه ألْقى نَفْيه إِلَيّ التَّهْلُكَة فَلَو قتلت ممسكا من يدعى مشيخة وَنَحْوه فَهُوَ قَاتل

ص: 705

نَفسه وَمَعَ ظن أَنَّهَا لَا تقتل شبه عمد بِمَنْزِلَة من أكل حَتَّى بشم وَلَا شَيْء لوَرثَته من دِيَته على عَاقِلَته لقَتله نَفسه فيضيع هدرا كَمَا لَو تعمد ذَلِك. وَمن أُرِيد قَتله قودا بِبَيِّنَة لَا إِقْرَار فَقَالَ شخص: أَنا الْقَاتِل لَا هَذَا فَلَا قَود على وَاحِد مِنْهُمَا وعَلى مقرّ الدِّيَة وَلَو أقرّ الثَّانِي بعد إِقْرَار الأول قتل الأول وَيقتل عدد أَي مَا فَوق الْوَاحِد بِوَاحِد قَتَلُوهُ إِن صلح فعل كل وَاحِد مِنْهُم للْقَتْل بِهِ بِأَن كَانَ فعل كل وَاحِد لَو انْفَرد لوَجَبَ فِيهِ الْقصاص لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِن لم يصلح وَلَا تواطؤ فَلَا قصاص وَمَعَ عَفْو عَن قَود يجب عَلَيْهِم دِيَة وَاحِدَة لَا اكثر لِأَن الْقَتِيل وَاحِد فَلَا يلْزمهُم أَكثر من دِيَته كَمَا لَو قَتَلُوهُ خطأ وَإِن جرح وَاحِد جرحا وَآخر مائَة فَسَوَاء فِي الْقصاص أَو الدِّيَة وَمن أكره شخصا مُكَلّفا على قتل شخص آخر معِين فَفعل فعلى كل مِنْهُمَا الْقود أَو إكراهه على أَن يكره عَلَيْهِ أَي قتل الْمعِين فَفعل أَي أكره من قَتله فعلى كل وَاحِد من الثَّلَاثَة الْقود إِن لم يعف وليه أَو الدِّيَة إِن عَفا وَقَول قَادر على مَا هدد بِهِ غَيره: اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك إِكْرَاه فَيقْتل بِهِ إِن قتل نَفسه كَمَا لَو أكره عَلَيْهِ غَيره وان أَمر إِنْسَان بِهِ الْقَتْل شخصا غير مُكَلّف كصغير وَمَجْنُون فَقتل أَو أَمر بِهِ من يجهل تَحْرِيمه كمن نشا بِغَيْر دَار الْإِسْلَام فَقتل أَو أَمر سُلْطَان ظلما من أَي إنْسَانا جهل ظلمه أَي الْآمِر فِيهِ أى الْقَتْل لزم الْقصاص الْآمِر لعذر الْمَأْمُور لوُجُوب طَاعَة الإِمَام فِي غير الْمعْصِيَة وَالظَّاهِر أَن الْإِسْلَام لَا يَأْمر إِلَّا بِحَق.

ص: 706

وَإِن علم الْمَأْمُور الْمُكَلف تَحْرِيمه لزمَه الْقصاص وأدب آمُر. وَمن دفع لغير مُكَلّف آلَة قتل وَلم يَأْمُرهُ بِهِ فَقتل لم يلْزمه شَيْء. وَلَو قَالَ مُكَلّف غير قن لغيره: اقتلني أَو أجرحني فَفعل فَهدر نصا. كَمَا لَو قَالَ لَهُ: اقتلني وَإِلَّا قتلتك قَالَ فِي الِانْتِصَار: وَلَا إِثْم هَهُنَا وَلَا كَفَّارَة وَلَو قَالَ ذَلِك قن ضمنه الْقَاتِل بِقِيمَتِه أَو أرش الْجراحَة. وَمن أمسك إنْسَانا لآخر حَتَّى قَتله أَو قطع طرفه فَمَاتَ أَو فتح فَمه حَتَّى سقَاهُ سما قتل قَاتل بِالْفِعْلِ أَو السم لقَتله عمدا من يُكَافِئهُ بِغَيْر حق وَحبس مُمْسك حَتَّى يَمُوت وَلَا قَود عَلَيْهِ وَلَا دِيَة وَإِن كَانَ الممسك لَا يعلم أَن الْقَاتِل يقْتله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.

ص: 707