الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الشَّهَادَات)
كتاب الشَّهَادَات وَاحِدهَا شَهَادَة مُشْتَقّ من الْمُشَاهدَة لِأَن الشَّاهِد يخبر عَمَّا شَاهده يُقَال شهد الشَّيْء إِذا رَآهُ هِيَ حجَّة شَرْعِيَّة تظهر الْحق وَلَا توجبه بل الْحَاكِم يلْزم بِهِ بِشَرْطِهِ فَهِيَ الْإِخْبَار بِمَا علمه بِلَفْظ خَاص كشهدت وَأشْهد وَالْأَصْل فِيهَا الْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم)) وَقَوله (شَاهِدَاك أَو يَمِينه) تحملهَا أَي الشَّهَادَة فِي غير حق الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ الْحق الْآدَمِيّ مَالا كَالْبيع وقرض وغصب أَو غَيره كَحَد قذف فرض كِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ من يَكْفِي سقط عَن غَيره، فَإِن لم يُوجد إِلَّا من يَكْفِي تعين عَلَيْهِ وَلَو عبدا، وَلَيْسَ لسَيِّده مَنعه لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا)) . وأداؤها أَي الشَّهَادَة [فرض عين] فِي ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ، قَالَ فِي الْفُرُوع: نَصه أَنه فرض عين، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ الْمَذْهَب لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه)) وَخص الْقلب بالإثم لِأَنَّهُ مَحل الْعلم بهَا، وعَلى مَا قدمه
الْمُوفق وَجزم بِهِ جمع أَنه فرض كِفَايَة أَيْضا كالتحمل، لِأَن الشَّهَادَة تطلق على التَّحَمُّل وَالْأَدَاء، من حَيْثُ إِطْلَاقه على الْأَدَاء تكون فرض كِفَايَة ويجبان إِذا دعى إِلَيْهِمَا دون مَسَافَة قصر مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِمَا بِلَا ضَرَر يلْحقهُ فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر فِي التَّحَمُّل أَو الْأَدَاء بِبدنِهِ أَو مَاله أَو وَلَده أَو أَهله أَو كَانَ مِمَّن لَا يقبل الْحَاكِم شَهَادَته أَو يحْتَاج إِلَى التبذل فِي التَّزْكِيَة لم يلْزم لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد)) وَلِحَدِيث (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) فَلَو أدّى شَاهد وأبى الآخر وَقَالَ: أَحْلف بدلى أَثم اتِّفَاقًا، قَالَه فِي التَّرْغِيب. وَيخْتَص الْأَدَاء بِمَجْلِس الحكم وَمَتى وَجَبت [وَجَبت] كتَابَتهَا ويتأكد ذَلِك فِي حق رَدِيء الْحِفْظ لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب. وَحرم أَخذ أُجْرَة وَأخذ جعل عَلَيْهَا وَلَو لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ، وَلَا يحرم أَخذ أُجْرَة مركوب من رب الشَّهَادَة لمتأذ بمش أَو عَاجز عَنهُ، وَحرم كتمها وَلَا ضَمَان، وَلمن عِنْده شَهَادَة يحد لله تَعَالَى إِقَامَتهَا، وَتركهَا أولى قَالَه القَاضِي، وَجزم فِي آخر الرِّعَايَة بِوُجُوب الإغضاء عَمَّن ستر الْمعْصِيَة، انْتهى. وللحاكم أَن يعرَّض بالتوقف عَنْهَا كتعريضه لمقر بِحَدّ لله تَعَالَى ليرْجع عَن إِقْرَاره. وَتقبل الشَّهَادَة بِحَدّ قذف وَتَصِح إِقَامَتهَا بِحَق الله تَعَالَى من غير تقدم دَعْوَى وَلَا تسْتَحب.
وَحرم أَن يشْهد أحد إِلَّا بِمَا يُعلمهُ بِرُؤْيَة أَو سَماع غَالِبا لِأَنَّهُ قد يجوز بِبَقِيَّة الْحَواس كالذوق مثلا فِي دَعْوَى مشترى مَأْكُول عَلَيْهِ لمرارة وَنَحْوه فَتشهد الْبَيِّنَة بِهِ أَو استفاضة عَن عدد يَقع بِهِ أَي بخبرهم الْعلم فِيمَا يتَعَذَّر علمه أَي الْمَشْهُود بِهِ [غَالِبا بغَيْرهَا] وَذَلِكَ [كنسب] إِجْمَاعًا وَمَوْت وَملك مُطلق وَعتق وَوَلَاء وولادة وعزل [وَنِكَاح] عقد أَو دوَام خلع وَطَلَاق نصا فِي الْخلْع وَالطَّلَاق، لِأَن مِمَّا يشيع ويشتهر غَالِبا وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهِ ووقف بِأَن يشْهد أَن هَذَا وقف زيد لَا أَنه أوقفهُ ومصرفه أَي الْوَقْف وَمَا أشبه ذَلِك، وَمن سمع إنْسَانا يقر بِنسَب أَب أَو ابْن وَنَحْوهمَا فصدقة الْمقر لَهُ أَو سكت جَازَ أَن يشْهد لَهُ بِهِ نصا، وَمن رأى شَيْئا بيد إِنْسَان يتَصَرَّف فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة كتصرف الْملاك من نقض وَبِنَاء وَإِجَارَة وإعازة فَلهُ الشَّهَادَة بِالْملكِ، والورع أَن يشْهد بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّف، وَمن شهد بِعقد اعْتبر لصِحَّة شَهَادَته بِهِ ذكر شُرُوط عقد مشهود بِهِ للِاخْتِلَاف فِيهَا فَرُبمَا اعْتقد الشَّاهِد صِحَة مَالا يَصح عِنْد القَاضِي فَيعْتَبر فِي نِكَاح أَنه تزَوجهَا بِرِضَاهَا إِن لم تكن مجبرة، وَذكر بَقِيَّة الشُّرُوط كوقوعه بولِي مرشد وشاهدي عدل حَال خلوها من الْمَوَانِع، وَفِي رضَاع ذكر عدد الرضعات وَأَنه شرب من ثديها أَو من لبن حلب مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك. وَيجب إِشْهَاد فِي عقد نِكَاح خَاصَّة لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ فَلَا ينْعَقد بِدُونِهِ وَتقدم فِي النِّكَاح. وَيسن إِشْهَاد فِي غَيره أَي النِّكَاح كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا.
وَلَو شهد اثْنَان فِي جمع النَّاس على وَاحِد مِنْهُم أَنه طلق أَو أعتق، أَو شَهدا على خطيب أَنه قَالَ وَفعل على الْمِنْبَر فِي الْخطْبَة كَذَا وَلم يشْهد بِهِ أحد غَيرهمَا قبلت شَهَادَتهمَا. وَشرط فِي شَاهد سِتَّة شُرُوط بالاستقراء أَحدهَا: إِسْلَام فَلَا تقبل من كَافِر وَلَو على مثله غير رجلَيْنِ كتابيين عِنْد عدم مُسلم بِوَصِيَّة ميت بسفر مُسلم أَو كَافِر ويحلفهما حَاكم وجوبا بعد الْعَصْر مَعَ ريب لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى، وَمَا خَانا وَأَنَّهَا لوصيته، فَإِن عثر أَي اطلع على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران من أَوْلِيَاء الْمُوصي فحلفهما بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَلَقَد خَانا وكتما - وَيَقْضِي لَهُم. وَالثَّانِي: بُلُوغ فَلَا تقبل من الصَّغِير ذكرا أَو غَيره وَلَو فِي حَال أهل الْعَدَالَة، وَالثَّالِث: عقل وَهُوَ نوع من الْعُلُوم الضرورية أَي غريزة ينشأ عَنْهَا ذَلِك يستعد بهَا لفهم دَقِيق الْعُلُوم وتدبير الصَّنَائِع الفكرية، والضروري هُوَ الَّذِي لَا يُمكن وُرُود الشَّك عَلَيْهِ، وَقَول نوع من الْعُلُوم لَا جَمِيعهَا وَإِلَّا لوَجَبَ أَن يكون الفاقد للْعلم بالمدركات لعدم إِدْرَاكهَا غير عَاقل، والعاقل من عرف الْوَاجِب عقلا الضَّرُورِيّ وَغَيره والممكن والممتنع وَمَا يضرّهُ وَمَا يَنْفَعهُ غَالِبا فَلَا تقبل من معتوه وَمَجْنُون، وَالرَّابِع: نطق الشَّاهِد متكلما فَلَا تقبل من أخرس بِإِشَارَة كإشارة النَّاطِق وَأَن الشَّهَادَة يعْتَبر فِيهَا الْيَقِين وَإِنَّمَا اكْتفى بِإِشَارَة الْأَخْرَس فِي أَحْكَامه كنكاحه وطلاقه لَكِن تقبل الشَّهَادَة من
أخرس إِذا أَدَّاهَا بِخَطِّهِ لدلَالَة الْخط على الْأَلْفَاظ وَتقبل مِمَّن يجن ويفيق إِذا تحملهَا وأداها حَال إِفَاقَته، وَالْخَامِس: حفظ فَلَا تقبل من مُغفل ومعروف بِكَثْرَة سَهْو وَغلط، وَعلم من ذَلِك أَنَّهَا تقبل مِمَّن يقل مِنْهُ السَّهْو والغلط، لِأَن ذَلِك لَا يسلم مِنْهُ أحد. وَالسَّادِس: عَدَالَة وَهِي لُغَة الإستقامة والاستواء مصدر معدل بِضَم الدَّال إِذْ الْعدْل ضد الْجور أَي الْميل، وَشرعا اسْتِوَاء أَحْوَال الشَّخْص فِي دينه واعتدال أَقْوَاله وأفعاله، وَيعْتَبر أَي يشْتَرط لَهَا أَي الْعَدَالَة شَيْئَانِ: الأول فِي الصّلاح فِي الدّين وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا أَدَاء الْفَرَائِض أَي الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَمَا وَجب من صَوْم وَحج وَزَكَاة وَغَيرهَا برواتبها أَي سننها الرَّاتِبَة فَلَا تقبل مِمَّن داوم على ترك الرَّوَاتِب، لِأَنَّهَا سنة سنّهَا النَّبِي وَمن ترك سنة فَهُوَ رجل شَرّ، وَالنَّوْع الثَّانِي: اجْتِنَاب الْمَحَارِم بِأَن لَا يَأْتِي كَبِيرَة وَلَا يدمن أَي يداوم على صَغِيرَة وَالْكذب صَغِيرَة فَلَا ترد الشَّهَادَة بِهِ إِن لم يداوم عَلَيْهِ، إِلَّا فِي شَهَادَة زور كذب على نَبِي وَرمي فتن وَنَحْوه فكبيرة. وَيجب الْكَذِب لتخليص مُسلم وَقتل قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وكل مَقْصُود مَحْمُود لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِهِ، وَيُبَاح لإِصْلَاح وَحرب وَزَوْجَة. وَمن أَخذ بالرخص فسق.
والكبيرة مَا فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا كزنا وَشرب، أَو وَعِيد فِي الْآخِرَة كَأَكْل مَال الْيَتِيم والربا. زَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَو غضب أَو لعنة أَو نفي إِيمَان. وَمن الْكَبَائِر مِمَّا ذكره أَصْحَابنَا الشّرك وَقتل النَّفس الْمُحرمَة وَأكل الرِّبَا [وَالسحر] وَالْقَذْف بِالزِّنَا واللواط وَأكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق والتولي يَوْم الزَّحْف وَالزِّنَا وَشرب الْخمر وكل مُسكر وَقطع الطَّرِيق وَالسَّرِقَة وَأكل الْأَمْوَال بِالْبَاطِلِ ودعواه مَا لَيْسَ لَهُ وَشَهَادَة الزُّور والغيبة والنميمة وَالْيَمِين الْغمُوس وَترك الصَّلَاة والقنوط من رَحْمَة الله تَعَالَى وإساءة الظَّن بِاللَّه وَأمن مكر الله وَقَطِيعَة الرَّحِم وَالْكبر وَالْخُيَلَاء والقيادة وَنِكَاح الْمُحَلّل وهجر الْمُسلم الْعدْل وَترك المستطيع الْحَج وَمنع الزَّكَاة وَالْحكم بِغَيْر الْحق والرشوة فِيهِ وَالْفطر فِي نَهَار رَمَضَان بِلَا عذر وَالْقَوْل على الله بِلَا علم وَسَب الصَّحَابَة والإصرار على الْعِصْيَان وَترك التَّنَزُّه من الْبَوْل ونشوزها على زَوجهَا وإلحاقها بِهِ ولدا من غَيره وإتيان فِي الدبر وكتم الْعلم عَن أَهله وتصوير ذِي الرّوح وإتيان الكاهن والعراف وتصديقهما وَالسُّجُود لغير الله تَعَالَى وَالدُّعَاء إِلَى بِدعَة أَو ضَلَالَة والغلول وَالنوح والتطير وَالْأكل وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وجور الْمُوصي فِي وصينه وَمنعه مِيرَاثه وإباق الرِّيق وَبيع الْحر وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام وَكِتَابَة الرِّبَا وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ وَكَونه ذَا وَجْهَيْن وادعاؤه نسبا غير نسبه وغش الإِمَام الرّعية وإتيان الْبَهِيمَة وَترك الْجُمُعَة بِغَيْر عذر وسييء الملكة وَغير ذَلِك. فَأَما من أَتَى شَيْئا من النَّوْع الْمُخْتَلف فِيهِ كمن تزوج بِلَا ولي
أَو شرب من النَّبِيذ مَالا يسكره أَو أخر زَكَاة أَو حجا مَعَ إمكانهما وَنَحْوه متأولا لَهُ لم ترد شَهَادَته، وَإِن اعْتقد تَحْرِيمه ردَّتْ الشَّهَادَة. الثَّانِي مِمَّا يعْتَبر للعدالة اسْتِعْمَال الْمُرُوءَة بِوَزْن سهولة أَي الإنسانية بِفعل مَا يزينه ويجمله عَادَة كحسن الْخلق والسخاء وبذل الجاه وَحسن الْجوَار وَترك مَا يدنسه ويشينه أَي يعِيبهُ عَادَة من الْأُمُور الدنية المزرية بِهِ فَلَا شَهَادَة لمتمسخر ورقاص ومشعبذ ولاعب شطرنج وَنَحْوه وَلَا لمن يمد رجله بِحَضْرَة النَّاس أَو يكْشف من بدنه مَا جرت الْعَادة بتغطيته وَلَا لمن يَحْكِي المضحكات أَو يَأْكُل فِي السُّوق، وَيغْتَفر الْيَسِير كاللقمة والتفاحة. وَلَا تقبل شَهَادَة بعض عمودي النّسَب لبَعض فَلَا تقبل شَهَادَة وَالِد لوَلَده وَإِن سفل من وَلَده الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَعَكسه وَلَو لم يجرّ الشَّاهِد بِمَا شهد بِهِ نفعا غَالِبا لمشهود لَهُ كَشَهَادَة بِعقد أَو قذف وَلَا تقبل شَهَادَة من أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وَلَو كَانَ زوجا فِي الْمَاضِي وَلَا تقبل شَهَادَة من يجر بهَا أَي الشَّهَادَة إِلَى نَفسه نفعا فَلَا تقبل شَهَادَة لرقيقه ومكاتبه وَلَا لمورثه بِجرح قبل اندماله لِأَنَّهُ رُبمَا يسري الْجرْح إِلَى النَّفس فَتجب الدِّيَة للشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ فَيصير كَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَلَا لِشَرِيك فِيمَا هُوَ شريك فِيهِ وَلَا لمستأجر فِيمَا اسْتَأْجرهُ فِيهِ نَص عَلَيْهِ، وَمن أَمْثِلَة ذَلِك لَو اسْتَأْجر إِنْسَان قصارا على أَن يقصر لَهُ ثوبا ثمَّ نوزع فِي الثَّوْب فَشهد الْقصار فِي الثَّوْب أَنه ملك لمن اسْتَأْجرهُ على قصارته فَإِنَّهَا لَا تقبل أَو أَي وَلَا تقبل شَهَادَة من يدْفع بهَا أَي الشَّهَادَة عَنْهَا
أَي نَفسه ضَرَرا، فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَاقِلَة بِجرح شُهُود قتل الْخَطَأ لأَنهم متهمون لما فِي ذَلِك من دفع الدِّيَة عَن أنفسهم، وَلَو كَانَ الشَّاهِد فَقِيرا أَو بَعيدا فِي الْأَصَح لجَوَاز أَن يوسر أَن يَمُوت من هُوَ أقرب مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة الْغُرَمَاء بِجرح شُهُود دين على مُفلس، وَلَا شَهَادَة الضَّامِن لمن ضمنه بِقَضَاء الْحق أَو الْإِبْرَاء مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة عَدو على عدوه. وَيعْتَبر فِي الْعَدَاوَة كَونهَا لغير الله تَعَالَى فِي غير عقد نِكَاح وَأما فِيهِ فَتقبل، وَمن سره مساءة أحد أَو غمه فرحه فَهُوَ عدوه قَالَ فِي التَّرْغِيب: وَمن موانعها العصبية فَلَا شَهَادَة لمن عرف بهَا وبالإفراط فِي الحمية كتعصب قَبيلَة على قَبيلَة وَإِن لم يبلغ رُتْبَة الْعَدَاوَة انْتهى.
وكل من قُلْنَا لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كعمودي نسب وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا تقبل عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا تهمه فِيهَا فَوَجَبَ أَن تقبل عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ، وكل من تقبل شَهَادَة لَهُ لَا تقبل بِجرح شَاهد عَلَيْهِ كالسيد يشْهد بِجرح من شهد على مكَاتبه أَو عَبده بدين، لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهَا لم يحصل فِيهَا من دفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَنه لَا يجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين. والظنين الْمُتَّهم. وَتقبل مِمَّن صناعته دنيئة عرفا كحجام وحائك وحارس ونخال وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ غربالا أَو نَحوه يغربل بِهِ فِي مجاري المَاء. وَمَاء الطَّرِيق وَغَيرهَا وَهُوَ المقلش وصباغ وزبال وكناس الْعذرَة فَإِن صلى بِالنَّجَاسَةِ وَلم ينظف لم تقبل شَهَادَته.
وَمَتى زَالَت الْمَوَانِع مِنْهُم فَبلغ الصَّغِير وعقل الْمَجْنُون وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق قبلت شَهَادَتهم بِمُجَرَّد ذَلِك وَلَا يعْتَبر فِي التائب إصْلَاح الْعَمَل وَتقدم بَيَان التَّوْبَة فِي حكم الْمُرْتَد، والقاذف بالشتم ترد شَهَادَته وَرِوَايَته حَتَّى يَتُوب، وَالشَّاهِد بِالزِّنَا إِذا لم تصل الْبَيِّنَة تقبل رِوَايَته لَا شَهَادَته.