الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
فِي الدعاوي والبينات. وَتَصِح الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ وَلَو لم تتبعه الهمة بِخِلَاف الاستعداء للْمَشَقَّة. وَشرط فِيهَا شُرُوط كَون مُدع ومنكر جائزي التَّصَرُّف، وَشرط أَيْضا تَحْرِير الدَّعْوَى لترتب الحكم عَلَيْهِ، فَلَو كَانَت بدين على الْمَيِّت ذكر مَوته وحرر الدّين والتركة، وَشرط مدعى بِهِ ليتَمَكَّن الْحَاكِم من الْإِلْزَام بِهِ إِذا ثَبت إِلَّا فِيمَا أَي شَيْء نصححه حَالَة كَونه مَجْهُولا كوصية بِمَجْهُول بِأَن يدعى أَنه أوصى لَهُ بداية أَو بِشَيْء وَنَحْو ذَلِك وَإِلَّا فِي الْإِقْرَار بِمَجْهُول وخلع وَطَلَاق على مَجْهُول فَإِن ادّعى الْمُدعى عقدا وَلَو غير النِّكَاح كَبيع وَإِجَارَة ذكر شُرُوطه، أَو ادّعى إِرْثا ذكر سَببه وجوبا لاخْتِلَاف أَسبَاب الْإِرْث أَو ادّعى محلى بِأحد النَّقْدَيْنِ أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة قومه بِالْآخرِ، فَإِن ادّعى محلى بِذَهَب قومه بِفِضَّة وَإِن ادّعى محلى بِفِضَّة قومه بِذَهَب لِئَلَّا يُفْضِي بِجِنْسِهِ إِلَى الرِّبَا.
قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَكَذَا لَو ادّعى مصوغا من أَحدهمَا صياغة مُبَاحَة تزيد بهَا قِيمَته عَن وَزنه أَو تَبرأ تخَالف قِيمَته وَزنه. انْتهى. أَو ادّعى محلى بهما أَي بالنقدين ف يقومه بِأَيِّهِمَا شَاءَ لانحصار الثمنية فيهمَا، وَإِذا ثَبت أعْطى عرُوضا. وَمن ادّعى عَلَيْهِ بِعَين اشْترط حُضُورهَا بِمَجْلِس الحكم لتعين بِالْإِشَارَةِ فَإِن كَانَت غَائِبَة وصفهَا كصفة السّلم. وَشرط كَون الدَّعْوَى منفكة عَمَّا يكذبها، فَلَا تصح أَن قتل أَو سرق من عشْرين سنة وَسنة دونهَا، وَنَحْو ذَلِك. وَإِذا حررها الدَّعْوَى الْمُدعى فَإِن أقرّ الْخصم أَي الْمُدعى عَلَيْهِ حكم عَلَيْهِ أَي على الْخصم بسؤال مُدع الْحَاكِم الحكم عَلَيْهِ لِأَن الْحق لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيه الْحَاكِم إِلَّا بمسئلته فَإِن ادّعى الْبَرَاءَة لم يلْتَفت لقَوْله بل يحلف الْمُدعى على نفي فعل مَا زَعمه وَيلْزمهُ بِالْحَقِّ إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة ببراءته. وَإِن أنكر الْخصم ابْتِدَاء بِأَن قَالَ لمدع قرضا أَو ثمنا: مَا أَقْرضنِي وَمَا بَاعَنِي وَلَا يسْتَحق عليَّ شَيْئا مِمَّا ادَّعَاهُ وَلَا حق لَهُ عَليّ وَالْحَال أَنه لَا بَيِّنَة لمدع [ف] يعْمل [ب] قَوْله أَي الْمُدعى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ لَهُ استحلافه قبل سُؤال الْمُدعى فَإِن سَأَلَ إحلافه أحلفه وخلى سَبيله، فَإِن حلف أَو أحلفه قبل سُؤال الْمُدعى لم يعْتد بِيَمِينِهِ، فَإِن سَأَلَهَا الْمُدعى أَعَادَهَا لَهُ، وَلَا بُد من سُؤال الْمُدعى طَوْعًا وَله مَعَ الْكَرَاهَة تَحْلِيفه مَعَ علمه بكذبه وَقدرته على حَقه نصا فَإِن نكل مدعى عَلَيْهِ عَن الْيَمين حكم عَلَيْهِ حَاكم بِالنّكُولِ
بسؤال مُدع فِي مَال وَمَا يقْصد بِهِ المَال ويستحلف الْخصم فِي كل حق آدَمِيّ كَبيع وَإِجَارَة وإعارة وقرض وَنَحْوه سوي نِكَاح وَسوى رَجْعَة وَسوى نسب وَنَحْوهَا وَلَا يسْتَحْلف فِي حق من حُقُوق الله تَعَالَى كَحَد زنا وَشرب وَلَا فِي عبَادَة كَصَلَاة وَنَحْوهَا وَكَفَّارَة وَنذر وَنَحْوهمَا وَالْيَمِين الْمَشْرُوعَة لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى وَحده أَو ب صفته تَعَالَى كالرحمن وَتقدم ذَلِك فِي الْإِيمَان وَيحكم بِالْبَيِّنَةِ بعد التَّحْلِيف بِأَن قَالَ لَا علم لي بِبَيِّنَة ثمَّ أَتَى بهَا، أَو قَالَ: عَدْلَانِ نَحن نشْهد لَك فَقَالَ: هَذِه بينتي سَمِعت، أَو سَأَلَ إحلافه وَلَا يقيمها فَحلف كَانَ لَهُ إِقَامَتهَا فَإِن قَالَ: مَا لي بَيِّنَة ثمَّ أَتَى بهَا فَلَا تسمع نصا عَلَيْهِ، وَإِن قَالَ: لي بَيِّنَة وَأُرِيد يَمِينه فَإِن كَانَت حَاضِرَة بِالْمَجْلِسِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا إِحْدَاهمَا وَإِلَّا فَلهُ ذَلِك. وَشرط فِي بَيِّنَة عَدَالَة ظَاهرا وَشرط فِي بَيِّنَة غير عقد نِكَاح عَدَالَة بَاطِنا أَيْضا لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا ذَوي عدل مِنْكُم)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((إِذا جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)) وَالْفَاسِق لَا يُؤمن كذبه فَلَا بُد من الْعلم بهَا. وَلَو قيل إِن الأَصْل فِي الْمُسلمين الْعَدَالَة قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لِأَن الْغَالِب الْخُرُوج عَنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين نَفَعَنِي الله وَالْمُسْلِمين بِعُلُومِهِ فِي الدّين: من قَالَ إِن الأَصْل فِي الْإِنْسَان الْعَدَالَة فقد أَخطَأ، وَإِن الأَصْل فِيهِ الْجَهْل وَالظُّلم لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا)) . انْتهى.
فالفسق وَالْعَدَالَة كل مِنْهُمَا يطْرَأ على الآخر، فتلخيصه أَن الشَّهَادَة فِي غير عقد النِّكَاح لَا بُد فِيهَا من الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف رحمه الله، وَأما فِي عقد النِّكَاح فتكفي فِيهِ الْعَدَالَة ظَاهر وَلَا يبطل لَو كَانَا فاسقين، وَشرط فِي مزك معرفَة جرح وَمَعْرِفَة تَعْدِيل الْخِبْرَة باطنة غير مُتَّهم بعصبية أَو غَيرهَا وَمَعْرِفَة حَاكم خبرته الْبَاطِنَة بِصُحْبَة أَو مُعَاملَة وَنَحْوهمَا وَيَكْفِي قَول مزك: أشهد أَنه عدل، وَلَا يَكْفِي قَوْله: لَا أعلم إِلَّا خيرا، وَتقدم بِبَيِّنَة جرح على بَيِّنَة تَعْدِيل، لِأَن الْجَارِح مُثبت للجرح والمعدل ناف والمثبت مقدم على النَّافِي، وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَة الظَّن بِخِلَاف الْجرْح، فَإِنَّهُ لَا يسمع إِلَّا مُفَسرًا بِمَا يقدم فِي الْعَدَالَة عَن رُؤْيَة فَيَقُول: أشهد أَنِّي رَأَيْته يشرب الْخمر أَو يظلم النَّاس بِأخذ أَمْوَالهم أَو ضَربهمْ أَو يُعَامل بالربا، أَو عَن سَماع بِأَن يَقُول سمعته يقذف، أَو عَن استفاضة فَلَا يَكْفِي أَن يشْهد: أَنه فَاسق أَو لَيْسَ بِعدْل، وَلَا قَوْله بَلغنِي عَنهُ كَذَا، وَمن ثَبت عَدَالَته مرّة لزم الْبَحْث عَنْهَا مَعَ طول الْمدَّة فِي قَضِيَّة أُخْرَى وَإِن لم تطل فَلَا، فَمَتَى جهل حَاكم حَال بَيِّنَة طلب التَّزْكِيَة من الْمُدعى مُطلقًا أَي سَوَاء طلب الْخصم ذَلِك أَو سكت لِأَنَّهَا حق للشَّرْع فطلبها للْحَاكِم فَلَو رَضِي الْخصم أَن يحكم عَلَيْهِ بِشَهَادَة فَاسق لم يجز الحكم بهَا، وَإِن جهل حَاكم لِسَان خصم ترْجم لَهُ من يعرف بِلِسَانِهِ.
وَلَا يقبل فِيهَا أَي التَّزْكِيَة وَلَا فِي جرح وَنَحْوهمَا أَي التَّزْكِيَة وَالْجرْح كرسالة حَيْثُ يُرْسِلهُ حَاكم يبْحَث عَن حَال الشُّهُود، وترجمة وتعريف عَن حَاكم فِي غير مَال كَنِكَاح وَنسب وَطَلَاق وحد قذف وقصاص وَفِي غير زنا ولواط إِلَّا رجلَانِ عَدْلَانِ، وَأما فِي المَال فَيقبل فِيهِ رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَة رجال عدُول. وَحكم الْحَاكِم يرفع الْخلاف لَكِن لَا يَزُول الشَّيْء عَن صفته بَاطِنا فَمَتَى حكم لَهُ بِبَيِّنَة زور بزوجية امْرَأَة، فَإِنَّهَا لَا تحل لَهُ ويلزمها فِي الظَّاهِر وَعَلَيْهَا أَن تمْتَنع مِنْهُ مَا أمكنها، فَإِن أكرهها فالإثم عَلَيْهِ دونهَا، ثمَّ إِن وطيء مَعَ الْعلم فكزنا فَيحد وَإِن بَاعَ حنبلي مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا فَحكم بِصِحَّتِهِ شَافِعِيّ نفذ وَمن ادّعى على غَائِب عَن الْبَلَد مَسَافَة قصر وَلَو فِي غير عمله أَي القَاضِي أَو ادّعى على مستتر فِي الْبَلَد أَو ادّعى على ميت أَو على غير مُكَلّف وَله بَيِّنَة وَلَو شَاهدا فِيمَا يقبل فِيهِ سَمِعت وَحكم بهَا فِي غير حق الله تَعَالَى أما فِي حَقه تَعَالَى فَلَا تسمع وَلَا يحكم على غَائِب وَنَحْوه فِيهِ، فَيَقْضِي فِي سَرقَة ثبتَتْ على غَائِب بغرم مَال مَسْرُوق لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ دون قطع لحَدِيث (ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) . وَلَا تسمع الدَّعْوَى وَلَا الْبَيِّنَة على غَيرهم أَي غير من ذكر كَمَا لَو كَانَ غَائِبا عَن الْمجْلس أَو عَن الْبَلَد دون مَسَافَة قصر غير مُمْتَنع حَتَّى يحضر بِمَجْلِس الحكم أَو حَتَّى يمْتَنع الْحَاضِر بِالْبَلَدِ
أَو الْغَائِب دون الْمسَافَة عَن الْحُضُور فَتسمع، ثمَّ إِن كَانَ لَهُ مَال وفاه مِنْهُ وَإِلَّا قَالَ للْمُدَّعى إِن عرفت لَهُ مَالا وَثَبت عِنْدِي وفيتك مِنْهُ. وَلَو رفع إِلَيْهِ الْحَاكِم حكم فِي مُخْتَلف فِيهِ نِكَاح امْرَأَة نَفسهَا لَا يلْزمه نقضه صفة لحكم، بِأَن لم يُخَالف نَص كتاب أَو سنة صَحِيحَة أَو إِجْمَاعًا قَطْعِيا لينفذه تَعْلِيل لزمَه أَي الْحَاكِم تنفيذه أَي الحكم وَإِن لم يره. وَإِن غصبه إِنْسَان مَالا جَهرا أَو كَانَ عِنْده عين مَاله فَلهُ أَخذ قدر الْمَغْصُوب جَهرا وَعين مَاله وَلَو قهرا، قَالَ فِي التَّرْغِيب: مَا لم يفض إِلَى فتْنَة، وَلَيْسَ لَهُ أَخذ قدر دينه من مَال مَدين تعذر أَخذ دينه بحاكم لحجر أَو غَيره إِلَّا إِذا تعذر على ضيف أَخذ حَقه بحاكم، أَو منع زوج وَمن فِي مَعْنَاهُ من نَفَقَة فَلهُ الْأَخْذ. وَلَو كَانَ لكل من اثْنَيْنِ على الآخر دين من غير جنسه فَجحد أَحدهمَا دين صَاحبه فَلَيْسَ للْآخر أَن يجْحَد دين الجاحد لدينِهِ لِأَنَّهُ كَبيع دين بدين وَلَا يجوز وَلَو تَرَاضيا فَإِن كَانَ من جنس تقاصا.
وَيقبل كتاب قَاض إِلَى قَاض آخر معِين أَو غير معِين فِي كل حق آدَمِيّ كَالْبيع وَالْقَرْض وَالْغَصْب وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا لَا فِي حق الله كَحَد زنا وَشرب وَنَحْوهمَا، وَيقبل كِتَابه فِيمَا حكم بِهِ الْكَاتِب ليفذه الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَلَو كَانَا بِبَلَد وَاحِد، لِأَن الحكم يجب إمضاؤه بِكُل حَال، وَلَا يقبل فِيمَا ثَبت عِنْده أَي الْكَاتِب ليحكم بِهِ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِلَّا فِي مَسَافَة قصر فَأكْثر، وَذَلِكَ أَن يكْتب قَاض إِلَى آخر معِين
أَو إِلَى من يصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين صُورَة الدَّعْوَى الْوَاقِعَة على الْغَائِب، بِشَرْط أَن يقْرَأ ذَلِك على عَدْلَيْنِ وَيعْتَبر ضبطهما لمعناه وَمَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم ثمَّ يَدْفَعهُ لَهما وَيَقُول فِيهِ: وَإِن ذَلِك قد ثَبت عِنْدِي، وَإنَّك تَأْخُذ الْحق للْمُسْتَحقّ، فَيلْزم القَاضِي الْموصل إِلَيْهِ ذَلِك الْكتاب الْعَمَل بِهِ، وَإِذا وصل الْكتاب وأحضر الْخصم الْمَذْكُور فِيهِ باسمه وَنسبه وحليته فَقَالَ: مَا أَنا بالمذكور قبل قَوْله بِيَمِينِهِ، فَإِن نكل قضى عَلَيْهِ، وَإِن أقرّ بِالِاسْمِ وَالنّسب أَو ثَبت بِبَيِّنَة فَقَالَ: الْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَيْرِي، لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد أَن هُنَاكَ آخر وَلَو مَيتا يَقع بِهِ إِشْكَال فَيُوقف حَتَّى يعلم الْخصم. وَإِن مَاتَ القَاضِي الْكَاتِب أَو عزل لم يضر كموت بَيِّنَة أصل.