المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

3 - ‌ ‌(فصل) فِي حد الْمُحَاربين. وهم قطاع الطَّرِيق المكلفون بالغين - كشف المخدرات لشرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[البعلي، عبد الرحمن بن عبد الله]

الفصل: 3 - ‌ ‌(فصل) فِي حد الْمُحَاربين. وهم قطاع الطَّرِيق المكلفون بالغين

3 -

(فصل)

فِي حد الْمُحَاربين. وهم قطاع الطَّرِيق المكلفون بالغين من الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وينتقض بِهِ عَهدهم وَلَو أُنْثَى أَو رَقِيقا الَّذين يعترضون النَّاس بسلاح وَلَو عَصا أَو حجر فِي صحراء أَو بُنيان أَو بَحر فيغصبون مَالا مُحْتَرما مجاهرة، فَخرج الصَّغِير وَالْمَجْنُون وَالْحَرْبِيّ وَمن يعرض لنَحْو صيد أَو يعرض للنَّاس بِلَا سلَاح لأَنهم لَا يمْنَعُونَ من قصدهم، وَخرج أَيْضا من يغصب نَحْو كلب أَو سرجين نجس أَو مَال حَرْبِيّ وَنَحْوه وَمن يَأْخُذ خُفْيَة لِأَنَّهُ سَارِق، وَأما الْمُحَارب فيعتصم بِالْقِتَالِ دون الْخفية. وهم [أَنْوَاع] أَرْبَعَة أَشَارَ للْأولِ بقوله: فَمن قدر عَلَيْهِ مِنْهُم وَقد قتل إنْسَانا فِي الْمُحَاربَة مكافئا لَهُ كَالْحرِّ الْمُسلم يقتل مثله أَو قتل غَيره أَي غير مكافيء لَهُ كَوَلَد يقْتله أَبوهُ وقن يقْتله حر وذمي يقْتله مُسلم وَكَانَ كل مَا ذكر بِقصد مَاله وَأخذ المَال عطف على قتل [قتل] حتما لوُجُوبه لحق الله تَعَالَى كالقطع فِي السّرقَة ثمَّ صلب قَاتل [مكافيء] دون غَيره وَهُوَ من يُقَاد بِهِ لَو قَتله فِي غير محاربة لقَوْله تَعَالَى: 19 ((أَن يقتلُوا أَو يصلبوا))

ص: 770

حَتَّى يشْتَهر ليرتدع غَيره ثمَّ ينزل وَيغسل ويكفن وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن، ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَلَا يقطع مَعَ ذَلِك. وَلَو مَاتَ أَو قتل قبل قَتله للمحاربة لم يصلب، وَلَو قتل بَعضهم فَيثبت حكم الْقَتْل فِي حق جَمِيعهم. فَإِن قدر عَلَيْهِم قبل أَن يتوبوا قتل من قتل وَمن لم يقتل من الْمُكَلّفين. وَإِن قتل بعض وَأخذ المَال بعض تحتم قتل الْجَمِيع وصلبهم. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَمن قتل فَقَط لقصد المَال وَلم يَأْخُذ المَال قتل حتما وَلَا صلب لِأَن جنايتهم بِالْقَتْلِ وَأخذ المَال تزيد على جنايتهم بِالْقَتْلِ وَحده فَوَجَبَ اخْتِلَاف العقوبتين. الثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَمن أَخذ المَال أَي نِصَابا فَأكْثر لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ من بَين الْقَافِلَة لَا عَن مُنْفَرد عَنْهَا فَقَط أَي وَلم يقتل أحدا قطعت يَده أَي يَد كل من قطاع الطَّرِيق الْيُمْنَى ثمَّ رجله الْيُسْرَى لقَوْله تَعَالَى 19 ((من خلاف)) ورفقا بِهِ فِي إِمْكَان مَشْيه فِي مقَام وَاحِد حتما مُرَتبا وجوبا فَلَا ينظر بِقطع إِحْدَاهمَا اندمال الْأُخْرَى لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمر بقطعهما بِلَا تعرض لتأخير وَالْأَمر للفور فتقطع يمنى يَدَيْهِ وتحسم ثمَّ رجله الْيُسْرَى وتحسم وحسمتا وجوبا لحَدِيث 19 ((اقطعوه واحسموه)) وخلى عَنهُ لِاسْتِيفَاء مَا لزمَه كمدين يُوفي دينه: فَلَو كَانَت يَده الْيُسْرَى مفقودة أَو يَمِينه شلاء مَقْطُوعَة أَو مُسْتَحقَّة فِي قَود قطعت رجله الْيُسْرَى فَقَط.

ص: 771

الرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَإِن أَخَاف السَّبِيل فَقَط أَي لم يقتل أحدا وَلَا أَخذ مَا يبلغ نِصَابا مِمَّا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ من حرزه نفي وشرد وَلَو قِنَا لقَوْله تَعَالَى (أَو ينفوا من الأَرْض) فَلَا يتْرك يأوي إِلَى بلد حَتَّى تظهر تَوْبَته وتنفي الْجَمَاعَة مُتَفَرِّقَة كل إِلَى جِهَة لِئَلَّا يجتمعوا على الْمُحَاربَة ثَانِيًا. وَشرط لوُجُوب حد قطاع الطَّرِيق ثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا ثُبُوت ذَلِك أَي قطع الطَّرِيق بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار مرَّتَيْنِ، وَالثَّانِي حرز بِأَن يَأْخُذهُ عَن يَد مُسْتَحقَّة وَهُوَ بالقافلة فَلَو وجده مطروحا أَو أَخذ من سارقه أَو غاصبه أَو مُنْفَرد عَن قافلة لم يكن مُحَاربًا، وَالثَّالِث نِصَاب يقطع بِهِ السَّارِق وَهُوَ ثَلَاثَة دَرَاهِم فضَّة أَو ربع دِينَار ذَهَبا وَمن تَابَ مِنْهُم أَي قطاع الطَّرِيق قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط عَنهُ حق الله تَعَالَى من صلب وَقطع وَنفي وتحتم قتل لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا أَن الله غَفُور رَحِيم)) ، وَكَذَا خارجي وباغ مُرْتَد تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ. وَأما من تَابَ مِنْهُم بعد الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَلَا يسْقط عَنهُ شَيْء مِمَّا وَجب عَلَيْهِ لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى 19 ((من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم)) وَلِأَن ظَاهر حَال من تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَن تَوْبَته إخلاص وَأما بعدهمَا فَالظَّاهِر أَنَّهَا تَوْبَة تقية من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَإِن فِي قبُول تَوْبَته قبل الْقُدْرَة ترغيبا لَهُ بِخِلَاف مَا بعْدهَا فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى ترغيبه فِيهَا،

ص: 772

وَأخذ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول عطف على سقط بِحَق آدَمِيّ إِن طلبه ربه من قصاص فِي نفس أَو دونهَا أَو غَرَامَة مَال أَو دِيَة لَا قصاص فِيهِ وحد قذف كَمَا قبل الْإِسْلَام وَقَوله تَعَالَى 19 ((قل للَّذين كفرُوا أَن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف)) وَحَدِيث (الْإِسْلَام يجب مَا قبله) فِي الْحَرْبِيين أَو فِي الْكفْر جمعا بَين الْأَدِلَّة، وَمن وَجب عَلَيْهِ حد للَّه تَعَالَى كشرب وسرقة فَتَابَ عَنهُ قبل ثُبُوته عِنْد حَاكم سقط عَنهُ بِمُجَرَّد تَوْبَته قبل صَلَاح عمل. وَمن أُرِيد أَي قصد مَاله أَو أريدت نَفسه بقتل أَو بِفعل الْفَاحِشَة أَو أريدت حرمته كَأُمِّهِ وَأُخْته ونحوهن بزنا أَو قتل وَلَو لم يكافىء من أريدت نَفسه وَنَحْوهَا المريد فَلهُ دَفعه بأسهل مَا يظنّ أَن ينْدَفع بِهِ، فَإِن ظن أَنه ينْدَفع بِضَرْب عَصا لم يكن لَهُ ضربه بحديد، وَإِن ولى هَارِبا لم يكن لَهُ قَتله وَلَا اتِّبَاعه. وَإِن ضربه فعطله لم يكن لَهُ أَن يثني عَلَيْهِ، وَإِن ضربه فَقطع يَمِينه فولى هَارِبا فَضَربهُ فَقطع رجله فالرجل مَضْمُونَة بقصاص أَو دِيَة، فَإِن مَاتَ بسراية القطعين فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة، وَإِن لم ينْدَفع المريد الْأَذَى إِلَّا بِالْقَتْلِ أَو خَافَ ابْتِدَاء أَن يبدره بِالْقَتْلِ إِن لم يعاجل بِالدفع أُبِيح قَتله وَقطع طرفه حِينَئِذٍ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن قتل المصول عَلَيْهِ فَهُوَ شَهِيد مَضْمُون. وَيجب الدّفع عَن حرمته إِن أريدت نصا، وَحُرْمَة غَيره وَكَذَا عَن نفس وَنَفس غَيره فِي غير فتْنَة وَكَذَا

ص: 773

عَن مَال غَيره، قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: مَعَ ظن سلامتهما أَي الدَّافِع والمدفوع وَإِلَّا حرم. انْتهى. وَهُوَ خلاف ظَاهر الْإِقْنَاع فَإِن قَالَ: وَلَا يلْزمه الدّفع عَن مَاله وَلَا حفظه عَن الضّيَاع والهلاك كَمَال غَيره. انْتهى. وَله بذله لمن أَرَادَهُ مِنْهُ ظلما.

ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على قتال الْبُغَاة والبغاة جمع بَاغ من الْبَغي أَي الْجور وَالظُّلم والعدول عَن الْحق وَالْبَغي بتَشْديد الْيَاء الزَّانِيَة ذَوُو أَصْحَاب شَوْكَة يخرجُون على الإِمَام لَو غير عدل بِتَأْوِيل سَائِغ لَو لم يكن فيهم مُطَاع، سموا بغاة لعدولهم عَن الْحق وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّة الْمُسلمين، وَالْأَصْل فِي قِتَالهمْ قَوْله تَعَالَى 19 ((فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله)) وَمَتى اخْتَلَّ شَرط مِمَّا تقدم بِأَن كَانُوا جمعا يَسِيرا لَا شَوْكَة لَهُم كالعشرة أَو لم يخرجُوا على الإِمَام أَو خَرجُوا بِلَا تَأْوِيل أَو بِتَأْوِيل غير سَائِغ فهم قطاع طَرِيق. وَنصب الإِمَام فرض كِفَايَة، وَيعْتَبر كَونه قرشيا مُكَلّفا سميعا بَصيرًا ناطقا عدلا حرا ذكرا عَالما ذَا بَصِيرَة كَافِيا ابْتِدَاء ودواما للحرب والسياسة وَإِقَامَة الْحُدُود، وَلَا تلْحقهُ رأفة فِي ذَلِك وَلَا فِي الذب عَن الْأمة، وَالْإِمَام يَنْعَزِل بِفِسْقِهِ بِخِلَاف القَاضِي. فَيلْزمهُ الإِمَام مراسلتهم أَي الْبُغَاة لِأَنَّهَا طَرِيق إِلَى الصُّلْح ولرجوعهم إِلَى الْحق، وَيلْزمهُ [إِزَالَة مَا يَدعُونَهُ من شُبْهَة ومظلمة] لِأَنَّهَا وَسِيلَة إِلَى الصُّلْح الْمَأْمُور بِهِ بقوله تَعَالَى (فأصلحوا بَينهمَا) فَإِن فاءوا أَي رجعُوا عَن الْبَغي وَطلب

ص: 774

الْقِتَال تَركهم [وَإِلَّا] يفيئوا قَاتلهم إِمَام قَادر على قِتَالهمْ لُزُوما لقَوْله تَعَالَى (فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله) وعَلى رَعيته معونته، فَإِن قَالَ لَهُ الْبُغَاة: أنظرنا مُدَّة حَتَّى نرى رَأينَا، وَرَجا فيئهم أنظرهم وجوبا حفظا لدماء الْمُسلمين، وَإِن خَافَ مكيدة فَلَا وَلَو أَعْطوهُ مَالا ورهنا، وَإِن تركُوا الْقِتَال حرم قَتلهمْ وَقتل مدبرهم وجريحهم وَلَا يغنم مَا لَهُم وَلَا تسبى ذَرَارِيهمْ وَيجب رد ذَلِك إِلَيْهِم، وَلَا يضمنُون مَا أتلفوه حَالَة الْحَرْب كَمَا لَا يضمن أهل عدل مَا أتلفوه لبغاة حَالَته، ويضمنان مَا أتلفاه فِي غير حَرْب، وَمَا أَخَذُوهُ حَال امتناعهم من زَكَاة وخراج وجزية اعْتد بِهِ لمَالِكه وَتقبل بِلَا يَمِين دَعْوَى دفع زَكَاة إِلَيْهِم لَا جِزْيَة وَلَا خراج إِلَّا بِبَيِّنَة، وهم فِي شَهَادَتهم وإمضاء حكمهم كَأَهل عدل. وَمن كفر أهل الْحق وَالصَّحَابَة واستحل دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ بِتَأْوِيل فهم خوارج بغاة فسقة ذكره فِي الْمُنْتَهى عَن الْفُرُوع قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: نصوصه صَرِيحَة على عدم كفر الْخَوَارِج والقدرية والمرجئة وَغَيرهم وَإِنَّمَا كفر الْجَهْمِية لَا أعيانهم، قَالَ: وَطَائِفَة تحكى عَنهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِير أهل الْبدع مُطلقًا حَتَّى المرجئة والشيعة المفضلة لعَلي رضي الله عنه. وَعنهُ: كفار، قَالَ المنقع: وَهُوَ أظهر. انْتهى. قَالَ فِي " الْإِنْصَاف " وَهُوَ الصَّوَاب وَالَّذِي ندين الله بِهِ، انْتهى من " الْمُنْتَهى " و " شَرحه ".

ص: 775

وَإِن اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ لعصبية أَو رياسة فهما ظالمتان تضمن كل طَائِفَة مَا تتلفه على الْأُخْرَى وضمنتا سَوَاء مَا جهل متلفه كَمَا لَو قتل دَاخل بَينهمَا يصلح وَجَهل قَاتله، وَإِن علم كَونه من طَائِفَة بِعَينهَا وَجَهل عينه ضمنته وَحدهَا بِخِلَاف الْمَقْتُول فِي زحمة جَامع أَو طواف لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهمَا تعد بِخِلَاف الأول ذكره ابْن عقيل.

ص: 776