الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الْحُدُود)
. جمع حد، وَهُوَ لُغَة الْمَنْع، وَمِنْه قيل للبواب حداد. وحدود الله تَعَالَى مَحَارمه لقَوْله تَعَالَى (تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها) هِيَ أَيْضا مَا حَده وَقدره كالمواريث وتزويج الْأَرْبَع لقَوْله تَعَالَى (تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها) وَمَا حَده الشَّرْع لَا يجوز فِيهِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان، وَشرعا عُقُوبَة مقدرَة من الشَّارِع فِي مَعْصِيّة من زنا وَقذف وَشرب وَقطع طَرِيق وسرقة لتمنع من الْوُقُوع فِي مثلهَا سمى بذلك إِمَّا من الْمَنْع لمَنعه الْوُقُوع فِي مثل تِلْكَ الْمعْصِيَة، أَو من التَّقْدِير لِأَنَّهُ مُقَدّر شرعا، أَو من معنى الْمَحَارِم لِأَنَّهُ كَفَّارَة لَهَا وزواجر عَنْهَا. والجنايات الْمُوجبَة للحد خمس: الزِّنَا وَالْقَذْف وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق وَشرب الْخمر، وَأما الْبَغي على إِمَام الْمُسلمين وَالرِّدَّة فقد عدهما قوم فِيمَا يُوجب الْحَد لِأَنَّهُ يقْصد بقتالهم الْمَنْع من ذَلِك، وَلم يعدهما قوم مِنْهَا لِأَنَّهُ لم يقْصد فِيهَا الزّجر عَمَّا سبق والعقوبة عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَاتلُون للرُّجُوع عَمَّا هم عَلَيْهِ من ترك الطَّاعَة وَالْكفْر.
لَا تجب الْحُدُود إِلَّا على مُكَلّف وَهُوَ الْبَالِغ الْعَاقِل لحَدِيث (رفع الْقَلَم على ثَلَاثَة) ، وَالْحَد أولى بالسقوط من الْعِبَادَات لعدم التَّكْلِيف، لِأَنَّهُ يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ، وَمن يخنق إِن أقرّ فِي إِقَامَته أَنه زنا فِي إِقَامَته، أَخذ بِإِقْرَارِهِ وحد، وَإِن أقرّ فِي إِقَامَته أَنه زنى وَلم يضفه إِلَى حَال أَو شهِدت بَيِّنَة أَنه زنى وَلم تضفه إِلَى حَال إِفَاقَته، فَلَا حد للاحتمال، وَكَذَا لَا حد على نَائِم ونائمة مُلْتَزم أحكامنا من مُسلم وذمى بِخِلَاف حربى ومستأمن عَالم بِالتَّحْرِيمِ لقَوْل عمر وَعُثْمَان وَعلي رضي الله عنهم وَعَن سَائِر الصَّحَابَة وعنى بهم: لَا حد إِلَّا على من علمه، فَلَا حد على من جهل تَحْرِيم الزِّنَا، أَو عين الْمَرْأَة كَأَن زفت إِلَيْهِ غير امْرَأَته فَوَطِئَهَا ظَانّا أَنَّهَا زَوجته وَنَحْو ذَلِك أَو تدفع لَهُ جَارِيَة غَيره فيتركها مَعَ جواريه ثمَّ يَطَؤُهَا ظَانّا أَنَّهَا من جواريه اللَّاتِي يملكهن لحَدِيث (ادرؤا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) . وَتحرم الشَّفَاعَة فِي حد الله تَعَالَى وقبولها بعد أَن يبلغ الإِمَام، وَتجب إِقَامَة الْحَد وَلَو كَانَ مقيمه شَرِيكا فِي تِلْكَ الْمعْصِيَة قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره لما ذكره الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، أَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يسْقط بذلك بل عَلَيْهِ أَن يَأْمر وَينْهى وَلَا يجمع بَين معصيتين
وعَلى إِمَّا أَو نَائِبه إِقَامَتهَا أَي الْحُدُود، سَوَاء الْحُدُود، سَوَاء كَانَت لله كَحَد زنا أَو لآدَمِيّ كَحَد قذف، وَلِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى اجْتِهَاد، وَلَا يُؤمن فِيهِ الحيف فَوَجَبَ تفويضه إِلَى نَائِب الله تَعَالَى فِي خلقه. ولسيد حر مُكَلّف عَالم بِالْحَدِّ وشروطه وَلَو فَاسِقًا أَو امْرَأَة إِقَامَته بجلد وإقامته تَعْزِير على رَقِيق كُله لَا مبعض، وَلَو مكَاتبا أَو مَرْهُونا أَو مُسْتَأْجرًا وَتحرم إِقَامَته بِالْمَسْجِدِ، وأشده جلد الزِّنَا فالقذف فالشرب فالتعزير، وَيضْرب رجل الْحَد حَال كَونه قَائِما، ليعطي كل عُضْو حَقه من الضَّرْب بِسَوْط وَهُوَ مَا بَين الْقَضِيب والعصا لَا خلق نصا بِفَتْح اللَّام لِأَنَّهُ لَا يؤلم وَلَا جَدِيد لِئَلَّا يجرج، وَفِي الرِّعَايَة: بَين الْيَابِس وَالرّطب. وَعَن عَليّ: ضرب بَين ضَرْبَيْنِ وسوط بَين سوطين، وَأي لَا شَدِيد فَيقْتل وَلَا ضَعِيف فَلَا يردع. وَإِن كَانَ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ، وَإِن رأى الإِمَام الْجلد فِي حد الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَالْأَيْدِي فَلهُ ذَلِك، وَلَا يمد الْمَحْدُود وَلَا يرْبط وَلَا تشد يَده وَلَا يجرد من ثِيَابه بل يكون عَلَيْهِ غير ثِيَاب شتاء قَمِيص وقميصان، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فرو أَو جُبَّة محشوة نزعت، ويبالغ فِي ضربه بِحَيْثُ يشق الْجلد. وَلَا يُبْدِي أَي يظْهر ضَارب إبطه فِي رفع يَده للضرب نصا وَيسن تفريقه أَي الضَّرْب على الْأَعْضَاء ليَأْخُذ كل عُضْو حَظه من الضَّرْب، وتوالي ضرب عُضْو وَاحِد يُؤَدِّي إِلَى قَتله وَهُوَ مَأْمُور بِعَدَمِهِ. قَالَ
فِي الشَّرْح: وَيكثر مِنْهُ فِي مَوَاضِع اللَّحْم كالأليتين والفخذين وَيضْرب من جَالس ظَهره وَمَا قاربه. وَيجب فِي الْجلد اتقاء وَجه واتقاء رَأس وَفرج واتقاء كل مقتل كفؤاد وخصيتين لِئَلَّا يُؤَدِّي ضربه فِي شَيْء من ذَلِك إِلَى قَتله وإذهاب مَنْفَعَة وَالْقَصْد أدبه وَامْرَأَة كَرجل لَكِن تضرب جالسة لقَوْل 19 (عَليّ رضي الله عنه : تضرب الْمَرْأَة جالسة وَالرجل قَائِما وتشد عَلَيْهَا ثِيَابهَا وَتمسك يداها لِئَلَّا تنكشف لِأَن الْمَرْأَة عَورَة وَفعل ذَلِك أستر لَهَا، وَيعْتَبر للحد نِيَّة بِأَن ينويه لله تَعَالَى، فَإِن جلده للتشفي أَثم وَلَا يُعِيدهُ، وَلَا يُؤَخِّرهُ لمَرض وَلَو رجى زَوَاله وَلَا لحر أَو برد، فَإِن كَانَ الْحَد جلدا وَخيف من السَّوْط، لم يتَعَيَّن فيقام بِطرف ثوب وعثكول نخل بِوَزْن عُصْفُور، وَيُؤَخر لسكر حَتَّى يصحو شَارِب نصا، فَلَو خَالف سقط إِن أحس بألم الضَّرْب وَإِلَّا فَلَا، وَلَا تعْتَبر الْمُوَالَاة فِي الْحُدُود، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَفِيه نظر، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع وَغَيره، وَإِن زَاد فِي الْحَد سَوْطًا أَو أَكثر عمدا أَو خطأ أَو فِي السَّوْط أَو اعْتمد فِي ضربه مَا لَا يحْتَملهُ ضمنه بِكُل الدِّيَة كَمَا إِذا ألْقى على سفينة حجر فغرقها، فَإِن كَانَت الزِّيَادَة من الجلاد من غير أَمر فَالضَّمَان على عَاقِلَته، وَمن أَمر بِزِيَادَة فَزَاد جَاهِلا تَحْرِيمهَا ضمن الْآمِر فالضارب، وَلَو تعمد العادَّ فَقَط أَو أَخطَأ وَادّعى الضَّارِب الْجَهْل ضمنه الْعَاد وتعمد الإِمَام الزِّيَادَة شبه عمد على الْعَاقِلَة
[وَلَا يحْفر لمرجوم] لأَجله وَلَو أُنْثَى وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة. وَيجب فِي إِقَامَة حد زنا حُضُور إِمَام أَو نَائِبه وَطَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وَلَو وَاحِدًا، وَمن حُضُور من شهد بِالزِّنَا وبداءتهم بِالرَّجمِ فَلَو ثَبت بِإِقْرَار سنّ بداءة إِمَام أَو من يقيمه مقَامه، وَمَتى رَجَعَ مقرّ بِالزِّنَا أَو السّرقَة أَو الشّرْب قبل إِقَامَته وَلَو بعد الشَّهَادَة على إِقْرَاره لم يقم عَلَيْهِ، وَإِن رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ أَو هرب ترك، وَإِن ثَبت بِبَيِّنَة فِي الْفِعْل فهرب لم يتْرك وَيحرم بعد حد حبس وإيذاء بِكَلَام كالتعبير، وَالْحَد كَفَّارَة لذَلِك الذَّنب نَص عَلَيْهِ. وَمن أَتَى حدا ستر على نَفسه وَلم يسن أَو يقر بِهِ عِنْد الْحَاكِم. وَإِن اجْتمعت حُدُود الله تَعَالَى من جنس وَاحِد بِأَن زنى مرَارًا أَو سرق مرَارًا أَو شرب مرَارًا تداخلت، فَلَا يحد سوى مرّة فحكاه ابْن الْمُنْذر إِجْمَاع كل من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم لِأَن الْغَرَض الزّجر عَن إتْيَان مثل ذَلِك فِي الْمُسْتَقْبل، وَهُوَ حَاصِل بِحَدّ وَاحِد كالكفارات من جنس، وَإِن اجْتمعت من أَجنَاس كَأَن شرب وزنى وسرق فَلَا تتداخل بل يجب أَن يبْدَأ بالأخف فالأخف فَيحد لشرب أَو لَا ثمَّ لزنا ثمَّ يقطع وَإِن كَانَ فِيهَا قتل استوفى وَحده. وتستوفى حُقُوق آدَمِيّ كلهَا سَوَاء كَانَ فِيهَا قتل أَو لَا. وَيبدأ بِغَيْر قتل بالأهم وجوبا وَلَا يسْتَوْفى حد حَتَّى يبرأ مَا قبله. وَمن قتل أَو أَتَى حدا خَارج حرم مَكَّة ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ أَو لَجأ حربى أَو مُرْتَد إِلَيْهِ، وَحرم أَن يُؤَاخذ حَتَّى بِدُونِ قتل لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَمن دخله كَانَ آمنا)) لَكِن لَا يُبَايع وَلَا يشاري وَلَا يكلم حَتَّى يخرج فيقام عَلَيْهِ.
وَمن قتل أَو أَتَى حدا أَو قطع طرفا أَو ارْتَدَّ فِيهِ أَخذ بِهِ فِيهِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تقاتلوهم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)) الْآيَة وَلَا تعصم الْأَشْهر الْحرم شَيْئا من الْحُدُود والجنايات. فَلَو أَتَى شَيْئا من ذَلِك ثمَّ دخل شهر حرَام أقيم عَلَيْهِ مَا وَجب قبله. وَإِذا أَتَى حدا أَو قودا وَهُوَ بِأَرْض الْعَدو لم يُؤَاخذ بِهِ حَتَّى يرجع إِلَى دَار الْإِسْلَام لِأَنَّهُ رُبمَا تلْحقهُ حمية الشَّيْطَان فَيلْحق بالكفار وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ حد سقط عَنهُ. وَإِذا ثَبت الزِّنَا فيرجم زَان وَهُوَ الزِّنَى بِالْقصرِ عِنْد أهل الْحجاز وبالمد عِنْد تَمِيم وَهُوَ فعل الْفَاحِشَة فِي قبل أَو دبر وَهُوَ من أكبر الْكَبَائِر الْعِظَام وَأَجْمعُوا على تَحْرِيمه لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا)) وَقَالَ تَعَالَى 19 ((وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما)) الْآيَة مُحصن مُكَلّف نعت بعد نعت بحجارة مُتَعَلق بيرجم متوسطة كَالْكَفِّ فَلَا يَنْبَغِي أَن يثخن بصخرة كَبِيرَة وَلَا أَن يطول عَلَيْهِ بحصيات خَفِيفَة. وَيَتَّقِي الْوَجْه حَتَّى يَمُوت وَلَا يجلد قبله وَلَا يَنْفِي. وَغَيره أَي الْمُحصن يجلد مائَة جلدَة بِلَا خلاف ويغرب إِلَى مَا يرَاهُ الإِمَام عَاما كَامِلا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا، وَلَو أُنْثَى بِمحرم باذل نَفسه مَعهَا وجوبا وَعَلِيهِ أجرته فَإِن تَعَذَّرَتْ مِنْهَا فَمن بَيت المَال فَإِن أَبى أَو تعذر فوحدها مَسَافَة قصر، ويغرب غَرِيب ومغرِّب إِلَى غير وطنيهما
ويجلد رَقِيق خمسين جلدَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب)) وَالْعَذَاب الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن مائَة جلدَة فَيَنْصَرِف التنصيف إِلَيْهِ دون غَيره، وَالرَّجم لَا يتأتي تنصيفه، وَلَا يغرب، لِأَنَّهُ عُقُوبَة لسَيِّده دونه إِذْ العَبْد لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي تغريبه، لِأَنَّهُ غَرِيب فِي مَوْضِعه، ويترفه فِيهِ بترك الْخدمَة ويتضرر سَيّده بتفويت خدمته والإنفاق عَلَيْهِ بعده عَنهُ فَيصير الْجلد مَشْرُوعا فِي حق الزَّانِي وَالضَّرَر على غير الْجَانِي. ويجلد مبعض زنى بِحِسَابِهِ فيهمَا الْجلد والتغريب، فالمنصف يجلد خمْسا وَسبعين جلدَة ويغرب نصف عَام ويحسب زمن التَّغْرِيب عَلَيْهِ من نصِيبه الْحر. وَمن ثلثه حر لزمَه ثلثا حد الْحر سِتّ وَسِتُّونَ جلدَة وَسقط الْكسر لِأَن الْحَد مَتى دَار بَين الْوُجُوب والإسقاط أسقط، ويغرب ثلث عَام وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة كالقن فِي الْجد لِأَنَّهُ رَقِيق كُله. وَإِن زنى مُحصن ببكر أَو عَكسه فَلِكُل حَده. وزان بِذَات محرم كبغيرها. ولوطى فَاعل ومفعول كزان، فَمن كَانَ مِنْهُمَا مُحصنا رجم وَغير الْمُحصن الْحر يجلد مائَة ويغرب عَاما، وَالرَّقِيق خمسين. والمبعض بِحِسَابِهِ، ومملوكه إِذا لَاطَ بِهِ كأجنبي. وَمن زنى ببهيمة عزّر وَتقتل مأكولة كَانَت أَو لَا لِئَلَّا يعير بهَا لَكِن لَا تقتل إِلَّا بِالشَّهَادَةِ على فعله بهَا إِن لم تكن ملكه لِأَنَّهُ لَا يقبل إِقْرَاره على ملك غَيره وَيَكْفِي إِقْرَاره إِن ملكهَا وَيحرم أكلهَا وَعَلِيهِ ضَمَانهَا،
والمحصن من وطيء زَوجته لَا سريته بِنِكَاح صَحِيح لَا بَاطِل وَلَا فَاسد، وَلَو كِتَابِيَّة فِي قبلهَا وَلَو فِي زمن حيض أَو صَوْم أَو إِحْرَام وَنَحْوه وَلَو مرّة وَاحِدَة وهما مكلفان حران وَلَو ذميين أَو مستأمنين. وشروطه أَي حد الزِّنَا ثَلَاثَة: أَحدهَا: تغييب حَشَفَة أَصْلِيَّة من مُكَلّف وَلَو خَصيا فَلَا حد على صَغِير أَو مَجْنُون، وَإِن زنى ابْن عشر أَو بنت تسع عزرا، قَالَه فِي الرَّوْضَة، وَقَالَ فِي الْمُبْدع: يُعَزّر غير الْبَالِغ مِنْهُمَا. انْتهى. أَو تغييب قدرهَا لعدمها فِي فرج أُصَلِّي لآدَمِيّ حَيّ، فَإِن وطيء ميتَة عزّر وَلَا حد وَلَو دبرا لذكر أَو أُنْثَى. وَالشّرط الثَّانِي: انْتِفَاء الشُّبْهَة لحَدِيث (ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) فَلَو وطيء زَوجته أَو سريته فِي حيض أَو فِي نِفَاس أَو فِي دبرهَا، أَو أمته الْمُحرمَة أبدا برضاع أَو غَيره لموطوءة أَبِيه وَأم زَوجته وَأمته الْمُزَوجَة أَو الْمُرْتَدَّة أَو الْمُعْتَدَّة أَو الْمَجُوسِيَّة أَو أمة لَهُ أَو لوَلَده أَو لبيت المَال فِيهَا شرك، أَو فِي نِكَاح مُخْتَلف فِيهِ يعْتَقد تَحْرِيمه كَنِكَاح مُتْعَة أَو بِلَا ولي، أَو فِي شِرَاء فَاسد بعد قبض الْمَبِيع أَو فِي ملك بِعقد فُضُولِيّ وَلَو قبل الْإِجَازَة أَو وطيء امْرَأَة على فرَاشه أَو منزله ظَنّهَا زَوجته أَو أمته ظن أَن لَهُ أَو لوَلَده فِيهَا شركا أَو جهل تَحْرِيم الزِّنَا لقرب إِسْلَامه أَو نشوئه ببادية بعيدَة عَن الْقرى، أَو جهل تَحْرِيم نِكَاح بَاطِل إِجْمَاعًا وَمثله يجهله أَو ادّعى أَنَّهَا زَوجته وَأنْكرت، فَلَا حد عَلَيْهِ فِي الْجَمِيع لِأَن دَعْوَاهُ ذَلِك شُبْهَة لاحْتِمَال صَدَقَة، ثمَّ إِن أقرَّت أَرْبعا بِأَنَّهُ زنى
بهَا مطاوعة عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ حدت وَحدهَا وَلَا مهر نصا. وَإِن وطيء فِي نِكَاح بَاطِل إِجْمَاعًا مَعَ علمه كَنِكَاح مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة من غير زنا أَو خَامِسَة أَو ذَات محرم من نسب أَو رضَاع أَو زنى بحربية مستأمنة أَو بِمن اسْتَأْجرهَا لزنا أَو غَيره أَو بِمن لَهُ عَلَيْهَا قَود أَو بِامْرَأَة ثمَّ تزَوجهَا، أَو ملكهَا أَو أقرّ عَلَيْهَا فَسَكَتَتْ أَو جحدت أَو بمجنونة أَو صَغِيرَة يُوطأ مثلهَا أَو أمته الْمحرم بِنسَب أَو زنا مكْرها أَو جَاهِلا لوُجُوب الْعقُوبَة، حد فِي الْجَمِيع. وَإِن مكنت مكلفة من نَفسهَا مَجْنُونا أَو مُمَيّزا أَو من يجهله أَو حَرْبِيّا أَو مستأمنا أَو استدخلت ذكر نَائِم حدت لَا إِن أكره أكرهت أَو أكره ملوط بِهِ بِأَن غلبهما الواطىء على أَنفسهمَا أَو بتهديد أَو منع طَعَام أَو شراب مَعَ اضطرار وَنَحْوه فِي الصُّورَتَيْنِ، فَلَا حد. وَالشّرط الثَّالِث: ثُبُوته أَي الزِّنَا وَلَو صُورَتَانِ أَشَارَ للأولى بقوله بِشَهَادَة أَرْبَعَة رجال عدُول فِي مجْلِس وَاحِد وَلَو جَاءُوا مُتَفَرّقين وَاحِدًا بعد وَاحِد، وَصدقهمْ زَان بزنا وَاحِد مَعَ وَصفه أَي الزِّنَا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء)) الْآيَة وَقَوله تَعَالَى 19 ((فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم)) فَيجوز لَهُم النّظر إِلَيْهَا حَالَة الْجِمَاع لإِقَامَة الشَّهَادَة عَلَيْهِمَا. وَاعْتبر كَونهم رجَالًا لِأَن الْأَرْبَعَة اسْم لعدد الذُّكُور وَلِأَن فِي شَهَادَة النِّسَاء شُبْهَة لتطرق الِاحْتِمَال إلَيْهِنَّ، وعدولا كَسَائِر الشَّهَادَات، وَكَونهَا فِي مجْلِس، لِأَن عمر رضي الله عنه حد الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا على الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالزِّنَا لما تخلف الرَّابِع، وَلَوْلَا اعْتِبَار اتِّحَاد الْمجْلس لم يحدهم لاحْتِمَال أَن يكملوا برابع
فِي مجْلِس آخر، وَمعنى وَصفهم الزِّنَا أَن يَقُولُوا رَأينَا ذكره فِي فرجهَا، كالمرود فِي المكحلة والرشاء فِي الْبِئْر، فَإِن شهدُوا فِي مجلسين فَأكْثر أَو امْتنع بَعضهم من الشَّهَادَة أَو لم يكملها أَو كَانُوا كلهم أَو بَعضهم لَا تقبل شَهَادَتهم فِيهِ لعمى أَو فسق لكَون أحدهم زوجا، حدوا للقذف كَمَا لَو بِأَن مشهود عَلَيْهِ محيوبا أَو بَانَتْ رتقاء. وَلَا يحد زوج لَاعن. وَإِن عين اثْنَيْنِ زَاوِيَة من بَيت صَغِير عرفا وَعين إثنان أُخْرَى مِنْهُ، أَو قَالَ إثنان: فِي قَمِيص أَبيض أَو قَائِمَة وإثنان فِي قَمِيص أَحْمَر أَو نَائِمَة كملت شَهَادَتهم لعدم التَّنَافِي لاحْتِمَال كَونه ابْتَدَأَ الْفِعْل فِي إِحْدَى الزاويتين وكمله فِي الْأُخْرَى، أَو فِي قَمِيص أَبيض تَحْتَهُ قَمِيص أَحْمَر، ثمَّ خلع قبل الْفَرَاغ، وابتدأ بهَا الْفِعْل قَائِمَة وأتمه نَائِمَة. وَإِن كَانَ الْبَيْت كَبِيرا أَو عين إثنان بَيْتا أَو بَلْدَة أَو يَوْمًا وإثنان آخر فالأربعة قذفة وَلَو اتَّفقُوا على أَن الزِّنَا وَاحِد وَإِن شهد أَرْبَعَة بزناه بفلانة فَشهد أَرْبَعَة آخَرُونَ أَن الشُّهُود هم الزناة بهَا صدقُوا وَلم يحد مشهود عَلَيْهِ وحد الْأَولونَ فَقَط للقذف وَالزِّنَا. وكل زنا من مُسلم أَو ذمِّي أَو أوجب الْحَد لَا يقبل فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَة شُهُود، وَيدخل فِيهِ اللواطة وَوَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا. وَإِن أوجب التَّعْزِير كَوَطْء الْبَهِيمَة وَالْأمة الْمُشْتَركَة والمزوجة قبل فِيهِ رجلَانِ كشهود الْمُبَاشرَة دون الْفرج وَنَحْوهَا، وَإِن حملت من لَا زوج لَهَا وَلَا سيد لم حملت من لَا زوج لَهَا وَلَا سيد لم تحد بِمُجَرَّد ذَلِك، وتسأل اسْتِحْبَابا، وَلَا يجب سؤالها لما فِيهِ من إِشَاعَة الْفَاحِشَة وَهِي مَنْهِيّ عَنْهَا، فَإِن ادَّعَت إِكْرَاها أَو وطئا بِشُبْهَة أَو لم تقر بِالزِّنَا أَرْبعا لم تحد.
وَإِن شهد أَرْبَعَة فَرَجَعُوا كلهم أَو بَعضهم قبل الْحَد وَلَو بعد الحكم لم يحد مشهود عَلَيْهِ وحد الْأَرْبَعَة، وَإِن رَجَعَ بَعضهم بعد حد يجلد رَاجع فَقَط إِن ورث حد قذف بِأَن طَالب قبل مَوته وَإِلَّا فَلَا. وَالصُّورَة الثَّانِيَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله أَو إقراراه أَي الزَّانِي الْمُكَلف وَلَو قِنَا حَال كَونه مُخْتَارًا أَربع مَرَّات وَلَو فِي مجَالِس لِأَن مَا عزا أقرّ عِنْد النَّبِي أَرْبعا فِي مجْلِس وَاحِد، والغامدية أقرَّت عِنْده فِي مجَالِس، مَعَ تصريحه ب [ذكر حَقِيقَة الْوَطْء] لحَدِيث ابْن عَبَّاس: لما أَتَى مَا عز بن مَالك النَّبِي قَالَ لَهُ: لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت، قَالَ: لَا يَا رَسُول الله، قَالَ: أنكتها؟ لَا يكني، قَالَ: نعم، فَعِنْدَ ذَلِك أَمر برجمه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ: أنكتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كَمَا يغيب المرود فِي المكحلة والرشاء فِي الْبِئْر قَالَ نعم، قَالَ فَهَل تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ: نعم أتيت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرجل من امْرَأَته حَلَالا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل قَالَ: أُرِيد أَن تطهروني، فَأمر برجمه. رَوَاهُ دَاوُد الدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَن الْحَد يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَة. وَلَا يعْتَبر ذكر مَكَان الزِّنَا وَذكر الْمُزنِيّ بهَا إِن كَانَت الشَّهَادَة على رجل، وَذكر الزَّانِي إِن كَانَت الشَّهَادَة على امْرَأَة ذكره فِي الْإِقْنَاع،
وَقطع فِي الْمُنْتَهى فِي الشَّهَادَات بِأَنَّهُ يعْتَبر ذكرهمَا. وَيشْتَرط أَن يسْتَمر على إِقْرَار بِلَا رُجُوع عَنهُ فَإِن رَجَعَ عَنهُ أَو هرب ترك بِخِلَاف ثُبُوته بِبَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يتْرك، وَتقدم ذَلِك. والقاذف من الْقَذْف وَهُوَ لُغَة الرَّمْي بِالزِّنَا واللواطة أَو الشَّهَادَة بِأَحَدِهِمَا وَلم تكمل الْبَيِّنَة، وَهَذِه كَبِيرَة محرم إِجْمَاعًا إِذا كَانَ مُكَلّفا مُخْتَارًا وَلَو أخرس بِإِشَارَة مفهومة، وَقذف شخصا مُحصنا وَلَو مجبوبا أَو ذَات محرم [يجلد حر ثَمَانِينَ] جلدَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة)) الْآيَة ويجلد قَاذف رَقِيق وَلَو عتق عقب قذف اعْتِبَارا بِوَقْت الْوُجُوب كَالْقصاصِ نصفهَا أَرْبَعِينَ جلدَة ويجلد قَاذف مبعض بِحِسَابِهِ فَمن نصفه حر يجلد سِتِّينَ، لِأَنَّهُ حد يَتَبَعَّض فَكَانَ على الْقِنّ فِيهِ نصف مَا على الْحر سوى أَبَوَيْهِ فَلَا يجلدان بِقَذْف ولد وَإِن نزل كقود وَلَا يعزران لَهُ. وَيسْقط حد الْقَذْف بِعَفْو مقذوف وَلَو بعد طلبة، وَمن قذف غير مُحصن وَلَو قنه عزّر ردعا لَهُ عَن أَعْرَاض المعصومين وكفا لَهُ عَن إيذائهم، والمحصن هُنَا أَي فِي بَاب [الْقَذْف الْحر الْمُسلم الْعَاقِل الْعَفِيف] عَن الزِّنَا ظَاهرا وَلَو تَائِبًا وملاعنة وَوَلدهَا ولد زنا كغيرهم نصا فَيحد بِقَذْف كل مِنْهُم إِذا كَانَ مُحصنا، وَشرط كَون مُحصنا، وَشرط كَون مثله أَي الْمَقْذُوف يطَأ أَو يُوطأ وَهُوَ ابْن عشر فَأكْثر وَبنت تسع فَأكْثر للحوق الْعَار بهما، وَلَا يشْتَرط بُلُوغه أَي الْمَقْذُوف. وَلَا يحد قَاذف غير بَالغ حَتَّى يبلغ وَيُطَالب بِهِ بعد بُلُوغه إِذْ لَا أثر لطلبه قبله لعدم اعْتِبَار كَلَامه، وَلَا طلب لوَلِيِّه عَنهُ لِأَن الْغَرَض مِنْهُ التشفي
فَلَا يقوم غَيره مقَامه فِيهِ كالقود، وَكَذَا لَو جن أَو أُغمي عَلَيْهِ قبل طلبه فَلَا يَسْتَوْفِي حَتَّى يفِيق وَيُطَالب بِهِ وَإِن جن أَو أغمى عَلَيْهِ بعده أَي الطّلب بِهِ يُقَام لوُجُود شَرطه وَانْتِفَاء مانعه. وَمن قذف غَائِبا لم يحد حَتَّى يثبت طلبه فِي غيبته بِشَرْطِهِ أَو يحضر وَيطْلب بِنَفسِهِ. وَمن قَالَ لمحصنة: زَنَيْت وَأَنت صغيره فَإِن فسره بِدُونِ تسع عزّر وَإِلَّا حد، وَكَذَا إِن قَالَه لذكر مُحصن وَفَسرهُ بِدُونِ عشر. وَمن قَالَ لِابْنِ عشْرين سنة: زَنَيْت قبل ثَلَاثِينَ سنة لم يحد للْعلم بكذبه. وَيحرم الْقَذْف إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا: أَن يرى زَوجته تَزني فِي طهر لم يَطَأهَا فِيهِ فيعتزلها ثمَّ تَلد مَا يُمكن كَونه من الزَّانِي فَيلْزمهُ قَذفهَا أَو نَفْيه، وَكَذَا إِن وَطئهَا فِي طهر زنت فِيهِ وقوى ظَنّه أَو الْوَلَد من الزَّانِي لشبهه بِهِ أَو لكَون الزَّوْج عقيما، لِأَن ذَلِك مَعَ تَحْقِيق الزِّنَا دَلِيل على أَن الْوَلَد من الزَّانِي ولقيام الظَّن مقَام التَّحْقِيق. والموضع الثَّانِي: أَن يَرَاهَا تَزني وَلم تَلد مَا يلْزمه نَفْيه، أَو يستفيض زنَاهَا أَو يُخبرهُ بِهِ ثِقَة أويرى مَعْرُوفا بِالزِّنَا عِنْدهَا فَيُبَاح لَهُ قَذفهَا بِهِ، وفراقها أولى. وَله صَرِيح وكناية، فصريحه يَا منيوكة إِن لم يفسره بِفعل زوج أَو سيد فَإِن فسره بذلك فَلَيْسَ قذفا، يَا منيوك، يَا زاني، يَا عاهر وأصل العهر إتْيَان الرجل الْمَرْأَة لَيْلًا للفجور بهَا ثمَّ غلب على الزِّنَا فَأطلق العاهر على الزَّانِي سَوَاء جاءها للفجور أَو جَاءَتْهُ هِيَ لَيْلًا أَو نَهَارا. وَقد زَنَيْت، أَو زنى فرجك، أَو يَا لوطى، فَإِن قَالَ: أردْت
بِقَوْلِي يَا زاني أَي الْعين أَو عاهر الْيَد أَو إِنَّك من قوم لوط أَو تعْمل عَمَلهم غير إتْيَان الذُّكُور لم يقبل مِنْهُ، وَلست لأَبِيك أَو بِولد فلَان قذف لأمه. وكنايته والتعريض بِهِ: زنت يدك أَو رجلك أَو بدنك، وَيَا خنيث بالنُّون، يَا نظيف يَا عفيف، ولامرأة: يَا قحبة يَا فاجرة، ولزوجة شخص: قد فضحت زَوجك، وغطيت ونكست رَأسه وَجعلت لَهُ قرونا وعلقت عَلَيْهِ أَوْلَادًا من غَيره وأفسدت فرَاشه، ولعربي: يَا نبطي أَو يَا فَارسي أَو يَا رومي، ولأحدهم: يَا عَرَبِيّ، وَلمن يخاصمه: يَا حَلَال يَا ابْن الْحَلَال، مَا يعرفك النَّاس بِالزِّنَا، أَو مَا أَنا بزان، أَو مَا أُمِّي بزانية، أَو يسمع من يقذف شخصا فَيَقُول لَهُ: صدقت، أَو صدقت فِيمَا قلت، أَو أَخْبرنِي أَو أشهدني فلَان بأنك زَنَيْت وَكذبه فلَان. فَإِن فسره بمحتمل كَقَوْلِه: أردْت بالنبطي نبطي اللِّسَان وبالرومي رومي الْخلقَة، وبقولي أفسدت فرَاشه أَي خرقته أَو أتلفته وبقولي علقت عَلَيْهِ أَوْلَادًا من غَيره التقطت أَوْلَادًا ونسبتهم إِلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك قبل وعزر لارتكابه مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة. وَإِن قذف أهل بَلْدَة أَو جمَاعَة لَا يتَصَوَّر الزِّنَا مِنْهُم عَادَة، أَو اخْتلفَا فِي أَمر فَقَالَ أَحدهمَا: الْكَاذِب ابْن الزَّانِيَة عزّر وَلَا حد نصا. وَمن قَالَ لمكلف: اقذفني، فقذفه لم يحد وعزر، وَمن قذف مَيتا وَلَو غير مُحصن، حد بِطَلَب وَارِث مُحصن خَاصَّة، فَإِن لم يكن الْوَارِث مُحصنا، لم يحد قَاذف، وَيثبت حد قذف الْمَيِّت وَالْقَذْف الْمَوْرُوث لجَمِيع الْوَرَثَة حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَإِن عَفا بَعضهم حد للْبَاقِي كَامِلا.
وَمن قذف نَبيا أَو أمه كفر وَقتل حَتَّى وَلَو تَابَ أَو كَانَ كَافِرًا فَأسلم، وَمن قذف جمَاعَة يتَصَوَّر الزِّنَا مِنْهُم عَادَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فطالبوه أَو أحدهم، فَعَلَيهِ حد وَاحِد، وَإِن قذفهم بِكَلِمَات أَي قذف كلا بِكَلِمَة أَي جملَة، فَعَلَيهِ لكل وَاحِد حد، وَمن حد لقذف ثمَّ أَعَادَهُ أَو قذف مقرا بِالزِّنَا وَلَو دون أَربع مَرَّات عزّر. وَيُعَزر وَالتَّعْزِير لُغَة الْمَنْع وَمِنْه التَّعْزِير بِمَعْنى النُّصْرَة كَقَوْلِه تَعَالَى (ويعزروه ويوقروه) لمنع النَّاصِر المعادي والمعاند لمن ينصره، وَاصْطِلَاحا التَّأْدِيب فَيجب بِنَحْوِ قَول يَا كَافِر أَو يَا مَلْعُون أَو يَا أَعور أَو يَا أعرج أَو يَا فَاسق، يَا فَاجر، يَا حمَار، يَا تَيْس، يَا رَافِضِي، يَا خَبِيث الْبَطن أَو الْفرج، يَا عَدو الله، يَا كَذَّاب، يَا كَاذِب، يَا خائن، يَا شَارِب الْخمر، يَا مخنث، يَا قرنان، يَا قواد، يَا ديوث، يَا قرطبان، يَا كشخان، يَا علق، يَا مأبون، يَا ظَالِم، يَا مُنَافِق، يَا سَارِق، يَا أقطع، يَا أعمى، يَا مقْعد، يَا ابْن الزَّمن الْأَعْمَى الْأَعْرَج، يَا نمام، يَا حروي، يَا مرائي، يَا جَائِر، يَا معرص، يَا عَرصَة وَنَحْو ذَلِك. قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الديوث الَّذِي يدْخل الرِّجَال على امْرَأَته. وَقَالَ ثَعْلَب: القرطبان الَّذِي يرضى أَن يدْخل الرِّجَال على نِسَائِهِ. وَقَالَ: القرطبان والكشخان لم أرهما فِي كَلَام الْعَرَب، ومعناهما عِنْد الْعَامَّة مثل معنى الديوث أَو قريب مِنْهُ، والقواد عِنْد الْعَامَّة السمسار فِي الزِّنَا. ومأبون قَالَ فِي الْفُنُون هُوَ لُغَة الْعَيْب يَقُولُونَ عود مأبون، وَالِابْن الْجُنُون والابنة الْعَيْب ذكره ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الزَّاهِر.
وَيجب التَّعْزِير فِي كل مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة فِيهَا كمباشرة دون الْفرج وإتيان الْمَرْأَة الْمَرْأَة وسرقة لَا قطع فِيهَا، وَجِنَايَة لَا قَود فِيهَا كصفع ووكز أَي الدّفع وَالضَّرْب بِجمع الْكَفّ وَقذف غير ولد بِغَيْر زنا ولواطه كَقَوْلِه يَا فَاسق وَنَحْوه، ولعنة وَلَيْسَ لَهُ ردهَا على من لَعنه. وَدُعَاء عَلَيْهِ، وَالله أكبر عَلَيْك وخصمك الله وَنَحْوه، قَالَ بعض 16 (الْأَصْحَاب) : إِلَّا إِذا شتم نَفسه أَو سبها فَلَا يُعَزّر، وَقَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة: إِذا تشاتم الْوَالِد وَولده لم يُعَزّر الْوَالِد لحق وَلَده وعزر الْوَلَد لحقه، وَلَا يجوز تعزيره إِلَّا بمطالبة الْوَالِد، وَلَا تحْتَاج إِقَامَة التَّعْزِير إِلَى مُطَالبَة فِي غير هَذِه، وَإِن تشاتم غَيرهمَا عزّر. وَيُعَزر من سبّ صحابيا وَلَو كَانَ وَارِثا وَلم يُطَالب بالتعزير. وَيُعَزر بِعشْرين سَوْطًا لشرب مُسكر فِي نَهَار رَمَضَان مَعَ الْحَد فَتكون جملَة الْجلد مائَة. وَإِن وطيء أمة امْرَأَته حد مَا لم تكن أحلتها لَهُ، فيجلد مائَة إِن علم التَّحْرِيم فِيهَا وَفِي الَّتِي قبلهَا وَلَا يرْجم وَلَا يغرب، وَإِن ولدت مِنْهُ لم يلْحقهُ نسبه. وَلَا يسْقط حد بِإِبَاحَة فِي غير هَذَا الْموضع وَمن وطيء أمة لَهُ فِيهَا شرك عزّر بِمِائَة سَوط إِلَّا سَوْطًا نصا لينقص عَن حد الزِّنَا. ومرجعه أَي التَّعْزِير إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام فَلهُ نَقصه فِيمَا سبق بِحَسب اجْتِهَاده وَلَا يُزَاد على عشر فِي غير مَا تقدم نصا.
وَيحرم تَعْزِير بحلق لحية وَقطع طرف وجرح وَأخذ مَال وإتلافه. وَلَا بَأْس بتسويد وَجه والمناداة عَلَيْهِ بِذَنبِهِ وَيُطَاف بِهِ مَعَ ضربه.
)
وَمن قَالَ لذِمِّيّ يَا حَاج ولعنه لغير مُوجب أدب. وَمن عرف بأذى النَّاس حَتَّى بِعَيْنِه حبس حَتَّى يَمُوت أَو يَتُوب. قَالَ المنقح: لَا يبعد أَن يقتل العائن إِذا كَانَ يقتل بِعَيْنِه غَالِبا وَأما مَا أتْلفه فيغرمه. انْتهى. وَفِي شرح منَازِل السائرين لِابْنِ الْقيم: إِذا كَانَ بِغَيْر اخْتِيَاره وَغلب على نَفسه لم يقْتَصّ مِنْهُ وَعَلِيهِ الدِّيَة، وَإِن عمد ذَلِك وَقدر على رده وَعلم أَنه يقتل بِهِ سَاغَ للْوَلِيّ أَن يقْتله بِمثل مَا قتل بِهِ فيعينه إِن شَاءَ كَمَا عان هُوَ الْمَقْتُول. وَأما قَتله بِالسَّيْفِ قصاصا فَلَا، لِأَن هَذَا لَيْسَ مِمَّا يقتل غَالِبا وَلَا هُوَ مماثل للجناية، وَفرق بَينه وَبَين السَّاحر من وَجْهَيْن قَالَ: وَسَأَلت شَيخنَا عَن الْقَتْل بِالْحَال هَل يُوجب الْقصاص فَقَالَ: للْوَلِيّ ان يقْتله بِالْحَال كَمَا قتل بِهِ. انْتهى كَلَامه. وَمن استمنى رجل أَو امْرَأَة لغير حَاجَة حرم وعزر، وَإِن فعله خوفًا من الزِّنَا أَو اللواط، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يُبَاح إِلَّا إِذا لم يقدر على نِكَاح وَلَو لأمة، وَحكم الْمَرْأَة فِي ذَلِك حكم الرجل تسْتَعْمل شَيْئا مثل الذّكر. وَلَو اضْطر إِلَى جماع وَلَيْسَ من يُبَاح وَطْؤُهَا حرم الْوَطْء.