الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طعاماً لا يستطيع أن يدعي أنه كان في حالة ضرورة؛ لأن سرقة الأمتعة لا تدفع الضرورة مباشرة، أما من يسرق رغيفاً فإنه يستطيع أن يقول إنه كان في حالة ضرورة؛ لأن السرقة تؤدي مباشرة لدفع الضرورة.
405 -
حكم المسئولية المدنية في حالة الضرورة: حكم المسئولية المدنية في حالة الضرورة هو حكمها في حالة الإكراه، فالمضطر مسئول مدنياً كلما كان فعله محرماً ولو رفعت عنه العقوبة ولا مسئولية عليه كلما كان فعله مباحاً.
406 -
الأساس الشرعي لحالة الضرورة: الأساس الشرعي لحالة الضرورة هو نفس الأساس الذي يقوم عليه الإكراه، ففي حالة عدم رفع العقاب يبقى الفعل معاقباً عليه لانعدام الإلجاء، وفي حالة الإباحة يباح الفعل لانتفاء علة التحريم، وفي حالة رفع العقاب لتحقق الإلجاء وانعدام الاختيار، وقد فصلنا القول في ذلك كله أثناء الكلام على الإكراه.
* * *
الفرع الثاني
السكر
407 -
الشرب والسكر: تحرم الشريعة الإسلامية شرب الخمر لذاته سواء أسكر أو لم يسكر، وتعتبر جريمة الشرب من الحدود ويعاقب عليها بالجلد ثمانين جلدة.
وإجماع الفقهاء فيما عدا أبا حنيفة وأصحابه على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء سمي خمراً أو كان له اسم آخر، وأن شرب القليل من أي مسكر معاقب عليه ولو لم يسكر، ولكن أبا حنيفة يفرق بين الخمر وغيرها من المسكرات، ويرى العقاب على شرب الخمر سواء أسكر أو مل يسكر، أما ما عدا الخمر من المسكرات فلا يرى العقاب على تناوله إلا إذا أدى شربه إلى السكر فعلاً.
والخمر في رأي أبي حنيفة هي عصير العنب النيئ (1) إذا غلا واشتد وقذف زبده (2) ، أو طبخ فذهب أقل من ثلثيه، وكذلك نقيع التمر والزبيب إذا اشتد بغير طبخ. أما عصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه، ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ وإن لم يذهب ثلثاه، ونبيذ الحنطة والذرة والشعير وغيرها نقيعاً كان أو مطبوخاً - فذلك هو المسكر (3) لا يعاقب على مجرد شربه وإنما على السكر منه.
والمخدرات على اختلاف أنواعها كالحشيش والداتورة وما أشبه لها حكم المسكر، ولكن لا يعاقب عليها بعقوبة الحد؛ لأنه ورد في الخمر والسكر، والحد عقوبة مغلظة لا تقرر بالقياس، والمتفق عليه أن عقوبة المخدرات هي التعزير.
تعريف السكر: ويعرف السكر بأنه: غيبة العقل من تناول خمر أو ما يشبه الخمر (4) . ويعتبر الإنسان سكران إذا فقد عقله فلم يعد يعقل قليلاً ولا كثيراً، ولا يميز الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة. وهو رأي أبي حنيفة (5) ، ويرى محمد وأبو يوسف أن السكران هو الذي يغلب على كلامه الهذيان، وحجتهما قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] ، فمن لم يعلم ما يقول فهو سكران، ورأيهما يتفق مع رأي باقي الأئمة (6) .
408 -
السكر والمسئولية الجنائية: الرأي الراجح في كل من المذاهب
(1) بدائع الصنائع ج5 ص112.
(2)
عصير العنب النيئ خمر عند محمد وأبي يوسف، قذف بالزبد أو لم يقذف به.
(3)
المغني ج10 ص327.
(4)
يدخل تحت هذا التعريف المسكرات على رأي أبي حنيفة كما تدخل تحته كل أنواع المخدرات.
(5)
بدائع الصنائع ج5 ص118.
(6)
المغني ج10 ص235.
الأربعة (1) أن السكران لا يعاقب على ما يرتكب من الجرائم إذا تناول المادة المسكرة مكرهاً، أو تناول المسكر مختاراً وهو لا يعلم أنه مسكر، أو شرب دواء للتداوي فأسكره؛ لأنه ارتكب الجريمة وهو زائل العقل فيكون حكمه حكم المجنون أو النائم وما أشبه.
ويلحق بالإكراه حالة الاضطرار، فمن شرب الخمر مثلاً وهو عالم بأنها خمر لدفع غصة فسكر منها ثم ارتكب جريمة أثناء سكره فإنه لا يعاقب عليها؛ لأنه مكره على تناولها. أما من يتناول المسكر مختاراً بغير عذر، أو يتناول دواء لغير حاجة فيسكر منه، فإنه مسئول عن كل جريمة يرتكبها أثناء سكره سواء ارتكبها عامداً أو مخطئاً، ويعاقب بعقوبتها لأنه أزال عقله بنفسه، وبسبب هو في ذاته جريمة فيتحمل العقوبة زجراً له، فضلا ً عن أن إسقاط العقوبة عنه يفضي إلى أن من أراد ارتكاب جريمة شرب الخمر وفعل ما أحب فلا يلزمه شيء.
وفي كل من المذاهب الأربعة رأي آخر مرجوح (2) بل مهجور وهو أن السكران لا يسأل عن تصرفاته سواء تناول المسكر مختاراً أو مكرهاً أو غير عالم بأنه مسكر؛ لأن عقله كان زائلاً وقت إتيان الفعل فلم يكن مدركاً، والإدراك أساس المسئولية الجنائية فإذا فقد انعدمت المسئولية، ومصدر هذا الرأي عثمان رضي الله عنه، وهو أحد قولي الشافعي، وقد أخذ به قلة من الفقهاء في كل مذهب، ولكنه كما قلنا رأي مهجور.
409 -
السكر والمسئولية المدنية: يسأل السكران مدنياً عن فعله ولو أعفي من العقاب لسكره، فالمسئولية المدنية لا ترتفع عن السكران بحال؛ ذلك أن الدماء والأموال معصومة أي محرمة طبقاً للقاعدة العامة في الشريعة، والأعذار
(1) المغني ج9 ص358، وج10 ص325 وما بعدها، مواهب الجليل ج6 ص317، تبصرة الحكام ج2 ص227، تحفة المحتاج ج4 ص118، المهذب ج2 ص82، 185، 204، البحر الرائق ج5 ص25، شرح فتح القدير ج4 ص178.
(2)
المراجع السابقة.