الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاكم، وتعيين الأساس الذي تقوم عليه علاقة الحاكمين بالمحكومين، وفي تقرير سلطان الأمة على الحكام، وأول قانون وضعي اعتراف بعد الشريعة بسلطان الأمة على الحكام هو القانون الإنجليزي، وكان ذلك في القرن السابع عشر أي بعد أن قررت الشريعة نظريتها بأحد عشر قرناً، ثم جاءت الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر وعلى أثرها انتشر هذا المبدأ في القوانين الوضعية.
وتسير القوانين الوضعية في تقرير النظرية على هدى الشريعة الإسلامية، فتجعل الحد بين الحاكمين والمحكومين الدستور الوضعي الذي يبين حقوق الأفراد والجماعات والحكام ومدى سلطان كلٍّ، كما جعلت النظرية الشرعية الحد بين الحاكمين والمحكومين نصوص الشريعة وهي الدستور الإسلامي.
29 - نظرية الطلاق:
أباحت الشريعة الإسلامية للرجل أن يطلق المرأة سواء دخل بها أم لم يدخل، ولو لم يقم دليل ظاهر على أن ضرراً حدث للرجل من الزواج، بالأمر في تطليق المرأة متروك للرجل.
وأباحت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تطلب من القضاء أن يطلقها على الزوج إذا أثبتت أنه يضارها ضرراً مادياً أو أدبياً، أو لا يؤدي لها ما توجبه الشريعة على الزوج من حقوق للزوجة.
وأساس الفرق بين الرجل والمرأة في استعمال حق الطلاق أن للرجل حق القوامة والرئاسة فيما يتعلق بشئون الزوجية (1) ، وهو الذي يتحمل وحده أعباءها، فهو ملزم بمهر الزوجة ونفقات الزواج، وملزم بالإنفاق هلى الزوجة من يوم العقد ولو لم تنتقل إلى بيته، وملزم بالإنفاق عليها وعلى أولادها منه، فأعطى له حق الطلاق مطلقاً من كل قيد في مقابل هذه المسئوليات الجسيمة. وفي هذا مصلحة للمرأة من وجه آخر لأن إلزام الرجل ببيان أسباب الطلاق قد يؤدي إلى تلويث سمعة المرأة
(1) راجع الفقرة 22.
وحرمانها من الزواج بعد ذلك. أما المرأة فأعطى لها حق الطلاق مقيداً بحصول ضرر مادي أو أدبي، وفي هذا ما يتفق مع تقديم الرجل عليها درجة في شئون الزوجية، وما يحميها حماية كافية من تعنت الزوج، وما يحمي الزوج في الوقت نفسه من أن تسئ الزوجة استعمال حقها في طلب الطلاق.
وإذا كانت الشريعة قد أعطت الرجل الطلاق مطلقاً من كل قيد فإنها قد فرضت عليه في مقابل ذلك واجبات قصد منها حماية الزوجة وحفظ مصلحتها.
والطلاق إما أن يكون قبل الدخول وقبل فرض مهر الزوجة، وإما أن يكون قبل الدخول وبعد فرض مهر للزوجة، وإما أن يكون بعد الدخول، وفي كل حالة من هذه الالتزامات تعتبر من ناحية تعويضاً للمرأة كما أنها من ناحية أخرى تحمل الرجل على أن يفكر كثيراً قبل استعمال حق الطلاق.
الطلاق قبل الدخول وفرض المهر: إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها أو يفرض لها مهراً فعليه أن يمتعها، أي يعوضها عن الطلاق بما يقتضيه العرف، أي بما تعارف أمثال الزوج ومن هم في طبقته على أدائه للمرأة في مثل هذه الحالة، والمقصود بالأمثال أن يكونوا مثله من الناحية المالية، وذلك قوله تعالى:{لَاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] .
الطلاق قبل الدخول وبعد فرض المهر: وإذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول وبعد فرض المهر فهو ملزم بأن يدفع لها نصف المهر تعويضاً عن الطلاق، طبقاً لقوله تعالى:{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلَاّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] .
الطلاق بعد الدخول: أما إذا طلق الرجل المرأة بعد الدخول فهو ملزم لها
بكل المهر ولو كان أكثره غير حال، وعليه أن يسلمها كل ما قدمه لها بمناسبة الزواج أو ما ملّكها إياه في حال الزوجية سواء كان ملزماً به أم متفضلاً به عليها، وذلك طبقاً لقوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 20] .
وعلى الزوج بعد ذلك أن ينفق على الزوجة حتى تستوفي عدتها وتصبح بذلك أهلاً للزواج من غيره. وتختلف عدة المطلقة بحسب ما إذا كانت حاملاً أو غير حامل، فإن كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها طبقاً لقوله تعالى:{وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، وإن لم تكن حاملاً فعدتها أن تمر عليها ثلاثة قروء طبقاً لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] ، والقرء هو الحيض على رأي، والطهر من الحيض على رأي آخر.
وأول ما يلاحظ على النصوص التي جاءت في الطلاق أنها نصوص مرنة وعامة إلى آخر حدود العموم والمرونة، ومن ثم كانت صالحة لكل عصر ولكل مصر، ولم تكن في حاجة إلى التعديل والتبديل، ولقد أثبت ذلك الزمن نفسه حيث مر على هذه النصوص أكثر من ثلاثة عشر قرناً وهي لا تزال على ما كانت عليه يوم نزولها من الجدة والصلاحية والسمو.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد قررت حق الطلاق للزوجين من ثلاثة عشر قرناً وأحاطته بهذه الضمانات القوية العادلة، فإن العالم المتحضر لم يعرف هذا الحق ولم يعترف به إلا في القرن العشرين، بل كان البعض يأخذون على الشريعة أنها جاءت مقررة لحق الطلاق، ثم دار الزمن دورته وجاء عصر العلوم والرقي وتقدمت الأمم وتفتحت العقول، فرأى العلماء والمفكرون أن تقرير حق الطلاق نعمة على المتزوجين وأنه الطريق الوحيد للخلاص من الزواج الفاشل، ومن سوء العشرة ومن الآلام النفسية، وأن الطلاق هو الذي يحقق سعادة الزوجين