الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
ارتفاع المسئولية الجنائية
324 -
علة ارتفاع المسئولية الجنائية: بينا فيما سبق أن المسئولية الجنائية تقوم على أسس ثلاثة هي (1) :
(1)
إتيان فعل محرم.
…
(2) أن يكون الفاعل مختاراً.
…
(3) وأن يكون مدركاً.
فإذا توفرت هذه الأسس الثلاثة توفرت المسئولية الجنائية، وإذا انعدم أحدها لم يعاقب الجاني على فعله، على أن عدم العقاب لا يرجع في كل الحالات إلى سبب واحد بعينه، فإذا لم يكن الفعل محرماً فلا مسئولية إطلاقاً؛ لأن الفعل غير محرم، والمسئولية لا تكون قبل كل شيء إلا عن فعل محرم، وإذا كان الفعل محرماً ولكن الفاعل فاقد الإدراك او الاختيار فالمسئولية الجنائية قائمة، ولكن العقاب يرتفع عن الفاعل لفقدانه الإدراك أو الاختيار.
فالمسئولية ترتفع إذن، إما لسبب يتعلق بالفعل، وإما لسبب يرجع للفاعل، وفي الحالة الأولى يكون الفعل مباحاً، وفي الحالة الثانية يبقى الفعل محرماً، ولكن لا يعاقب على إتيانه.
325 -
أسباب الإباحة: يباح الفعل المحرم في الشريعة الإسلامية؛ لأسباب متعددة، ولكنها كلها ترجع، إما لاستعمال حق، وإما لأداء واجب، فاستعمال الحقوق وأداء الواجبات هو الذي يبيح إتيان الأفعال المحرمة على الكافة، ويمنع من مؤاخذة الفاعل؛ لأن الشريعة جعلت له حقاً في إتيان الفعل المحرم أو ألزمته بإتيانه فأباحت له بذلك إتيان ما حرم على الكافة.
(1) راجع الفقرة 285.
326 -
أسباب رفع العقوبة: وترتفع العقوبة عن الفاعل لأربعة أسباب هي:
(1)
الإكراه.
…
(2) السكر.
…
(3) الجنون.
…
(4) صغر السن.
وفي هذه الحالات الأربع يرتكب الجاني فعلاً محرماً ولكن العقوبة ترتفع عنه، لفقدان الاختيار أو الإدراك.
327 -
الإعفاء من العقاب: وقد جاءت الشريعة بعد ذلك كله بمبدأ آخر يسمح بإعفاء الجاني من العقاب بالرغم من أنه استحقه؛ لارتكابه فعلاً محرماً وهو متمتع بالإدراك والاختيار، ويعتبر هذا المبدأ استثناء من القاعدة العامة، ولعل الشارع يقصد من إقرار هذا المبدأ الاستثنائي تشجيع الجاني على التوبة في الجرائم الخطيرة والعدول عن الاشتراك فيها، خصوصاً وقد جاء النص المقرر للمبدأ بعد النص المقرر لعقوبة جريمة الحرابة، وهي من أخطر الجرائم، وذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَاّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:33، 34] ، ومن المسلم به أن هذا النص ينطبق على جريمة الحرابة، أما ما عداها من جرائم الحدود فمختلف عليه وقد سبق الكلام عن هذا الخلاف (1) . ولا شك أن المبدأ الذي جاء به النص يمكن تطبيقه على بعض جرائم التعازير إذا رأى أولو الأمر مصلحة في ذلك.
328 -
بين الشريعة والقانون: هذه هي أسباب ارتفاع المسئولية الجنائية في الشريعة الإسلامية، وهي بذاتها نفس أسباب ارتفاع المسئولية في القوانين الوضعية، وحكم هذه الأسباب في الشريعة والقوانين واحد من حيث التكييف، فالشريعة تجعل استعمال الحقوق وأداء الواجبات مبيحاً للفعل فلا
(1) راجع الفقرة 253.