الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم وتوجيه
1 - موضوع البحث:
هذه دراسات في التشريع الجنائي الإسلامي مقارنة بالقوانين الوضعية وعلى الأخص القانون المصري، تقوم على بحث المبادئ والنظريات العامة في الشريعة والقوانين، وبيان وجوه الخلاف والوفاق بينهما. وقد بدأت فيها بمقارنة أحكام القسم الجنائي، وأرجو أن يعينني الله حتى أتمه، وأن يوفقني بعد إتمامه إلى مقارنة أحكام القسم المدني.
2 - محتويات الجزء الأول:
وقد خصصت هذا الجزء لمباحث القسم الجنائي العام، وسيكون الجزء الثاني شاملاً للقسم الجنائي الخاص.
3 - مدى المقارنة بين الشريعة والقانون الوضعي:
وسيرى القارئ أني حرصت أشد الحرص على أن تكون المقارنة شاملة لكل المبادئ والنظريات في كل موضوع جل أو هان، وقد أردت من هذا أن يكون القارئ على علم بأحكام الشريعة في كل صغيرة وكبيرة ومدى اتفاقها أو اختلافها مع أحكام القوانين الوضعية، كما أردت أن أقطع الطريق على من في قلوبهم مرض فلا يقولون لماذا خاض في هذا الموضوع وترك ذاك. وحين أقارن بين الشريعة والقوانين الوضعية، لن أتتبع القانون في أطواره الأولى بالمقارنة والموازنة، ولن أقارن بين القانون في القرن السابع الميلادي وبين الشريعة التي أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في أول هذا القرن؛ فإن القانون في هذه العهود لم يكن في مستوى يسمح له أن يقارن بالشريعة الإسلامية، ولكني أقارن حين أقارن بين القانون في عصرنا الحاضر وبين الشريعة، وحين أفعل هذا إنما أقارن بين قانون متغير متطور يسير حثيثاً نحو الكمال حتى يكاد يبلغه كما يقال، وبين شريعة نزلت من ثلاثة عشر قرناً لم تتغير ولم تتبدل فيما مضى ولن تتغير أو تتبدل في المستقبل، شريعة تأبى طبيعتها التغيير والتبديل؛ لأنها من
عند الله، ولا تبديل لكلمات الله، ولا لأىًّ من صنع الله الذي أتقن كل شئ خلقه، فليس ما يخلقه في حاجة إلى إتقان من بعد خلقه. فنحن إذن حين نقارن إنما نقارن بين أحدث الآراء والنظريات في القانون، وبين أقدمها في الشريعة، أو نحن نقارن بين الحديث القابل للتغيير والتبديل، وبين القديم المستعصي على التغيير والتبديل، وسنرى ونلمس من هذه المقارنة أن القديم الثابت خير من الحديث المتغير، وأن الشريعة على قدمها أجل من أن تقارن بالقوانين الوضعية الحديثة، وأن القوانين الوضعية بالرغم مما انطوت عليه من الآراء واستحدث لها من المبادئ والنظريات لا تزال في مستوى أدنى من مستوى الشريعة.
وليعجب من شاء كما يشاء من هذا القول، فإن الحق في هذه الأيام أصبح غير مألوف بحيث يعجب منه أكثر الناس، ولكن العجب لن يستبد بمن كان له عقل يفكر، ويقدر، ويقارن، ويوازن، ويميز الخبيث من الطيب.
إن الحديث قد يكون خيراً من القديم إذا قورن ما صنعه الناس قديماً بما يصنعه الناس اليوم، ولكن الحديث لن يتهيأ له أن يصل إلى مستوى القديم إذا قورن ما يصنعه الناس بما صنعه رب الناس.
لقد صنع الله موسى وعيسى ومحمداً وأوحى إليهم بالتوراة والإنجيل والقرآن. فهل جاء قبلهم أو بعدهم من غير الرسل من يصح أن يوضع معهم موضع المقارنة؟ وهل استطاع البشر أن يأتوا بمثل ما أتوا به؟ ولقد صنع الله السماء والأرض، وسخر لنا الشمس والقمر، وخلقنا معشر البشر، فهل يحسن البشر أن يصنعوا مثل هذا؟ أنهم لا يحسنون أن يصنعوه، بل إن أكثرهم لا يحسنون أن يفقهوه.
وإذا استساغت عقول البشر أن تضع ما يصنعه مخلوق في مستوى ما صنعه مخلوق آخر؛ فإن هذه العقول لا تستسيغ بأي حال أن تضع ما يصنعه المخلوق في مستوى ما صنعه الخالق، لأنها تدرك الفرق بين الصناعتين، وتحس المدى الواسع بين الصانعين. ولا شك أن العقول التي تدرك هذا جديرة بأن تدرك الفرق بين