الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب يفرضه العرف ويعترف به الناس دون حاجة لاتفاق أو إثبات.
وتمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بأنها عرفت هذه النظرية من القرن السابع، بينما لم تبدأ القوانين الوضعية بمعرفتها إلا في القرن التاسع عشر، فكأن القوانين لم تجئ إلا بما سبقتها إليه الشريعة.
* * *
المبحث الثاني
تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها
جرائم بسيطة - وجرائم اعتياد
62 -
تنقسم الجرائم في الشريعة بحسب كيفية ارتكاب الجاني لها إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد:
الجريمة البسيطة: هي التي تتكون من فعل واحد كالسرقة والشرب، ويستوي أن تكون الجريمة مؤقتة أو مستمرة، وجرائم الحدود والقصاص أو الدية كلها جرائم بسيطة.
وجريمة الاعتياد: هي التي تتكون من تكرر وقوع الفعل، أي أن الفعل بذاته لا يعتبر جريمة، ولكن الاعتياد على ارتكابه هو الجريمة.
وجرائم الاعتياد توجد بين جرائم التعازير، ويستدل عليها من النص المحرم للفعل، فإن كان يشترط للعقاب اعتياد الفعل فالجريمة جريمة عادة، وإن كان يكتفي بمجرد وقوع الفعل فالجريمة بسيطة.
والأصل أن التعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات، وهذا متفق عليه، إلا أنهم اختلفوا في التعزير على فعل المكروه وترك المندوب (1) ، فرأى
(1) المكروه: هو ما طلب من المكلف الكف عنه طلباً غير حتم، والمندوب: هو ما طلب فعله من المكلف طلباً غير حتم.
البعض أن لا عقاب على فعل مكروه أو ترك مندوب إطلاقاً (1) ورأى البعض العقاب على فعل المكروه وترك المندوب (2) كلما دعت إلى ذلك المصلحة (3) .
والذين يرون العقاب على ترك المندوب وإتيان المكروه يشترطون أن يتكرر الترك أو الإتيان، فإذا لم يتكرر فلا عقاب، وإذن فهم لا يجعلون العقاب على الفعل أو الترك في ذاته، وإنما يجعلون العقاب على التكرار الذي يدل على أن الجاني جعل الفعل أو الترك عادة وإلفاً له، ويعتبرون أن العادة قد تكونت إذا حصل الفعل أو الترك مرة ثانية، أي أن العادة عندهم تتكون من مرتين (4) ، وعلى هذا فكل مكروه أو مندوب عوقب عليه فهو من جرائم العادة.
63 -
أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد من الوجوه الآتية:
أولاً: من حيث مبدأ سريان التقادم: في الجرائم البسيطة تبدأ المدة المسقطة للدعوى من يوم ارتكاب الجريمة إن كانت مؤقتة، ومن يوم انتهاء الحالة المحرمة إن كانت غير مؤقتة. أما في جرائم العادة فالمدة المسقطة تبدأ من تاريخ وقوع الفعل الأخير المكون للعادة.
(1) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ج3 ص21، 22، الإقناع ج4 ص270، 271، مواهب الجليل ج6 ص320، بدائع الصنائع ج7 ص63.
(2)
المصطفى للغزالي ص75، 76، تحفة المحتاج ج8 ص18، مواهب الجليل ج6 ص320، تبصرة الحكام ج2 ص259، 260، الأحكام السلطانية ص212.
(3)
يطلق بعض هذا الفريق عبارته بحيث توهم أن إتيان المكروه وترك المندوب يعاقب عليه بصفة مطلقة ولكنهم في الواقع لا يقصدون هذا؛ لأن القاعدة العامة في التعزير أنه مقيد بالمصلحة العامة، ولذلك أجيز لولي الأمر في جرائم التعزير العفو عن العقوبة، وعلى هذا تكون تلك العبارات المطلقة مقيدة بهذه القاعدة العامة.
(4)
مواهب الجليل ج6 ص320، الأحكام السلطانية ص213.
ثانياً: من حيث الاختصاص: يكون الاختصاص في الجريمة البسيطة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة إذا كانت الجريمة مؤقتة، فإن كانت مستمرة أو متجددة فالاختصاص لكل محكمة استمر في دائرتها الفعل أو تجدد، فيكون الاختصاص في الجريمة العادة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الأخير المكون للعادة (1) .
ثالثاً: من حيث تطبيق قواعد التداخل: الحكم في جريمة عادة يمنع من محاكمة الجاني على الأفعال السابقة ولو لم تدخل في المحاكمة الأولى، لأن قواعد الشريعة لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد والتي لم يحكم فيها بعد، وتكتفي عقوبة واحدة عنها جميعاً طبقاً لقواعد التداخل. والقوانين الوضعية تصل إلى هذه النتيجة نفسها بتطبيق قاعدة قوة الشيء المحكوم فيه.
وإذا حوكم الجاني مرة فمن المنطق أن لا يحاكم مرة ثانية، إلا إذا وقع منه أكثر من فعل واحد من الأفعال التي تكون العادة، لأن العقوبة مقررة على الاعتياد على الفعل المحرم لا على الفعل ذاته، وهذا هو الرأي الذي تأخذ به محكمة النقص المصرية.
64 -
الشريعة والقوانين الوضعية: تتفق الشريعة والقوانين الوضعية في تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم عادة، وتتفق معها في تعريف جريمة العادة وفي أن العقاب على الاعتياد، وفي مصر استقر الفقه والقضاء على أن العادة تتكون من وقوع الفعل أو الترك مرتين.
65 -
الجرائم التي تتكون من أفعال متلاحقة: قد يرتكب الجاني عدة
(1) يرى بعض الشراح الفرنسيين أن يكون الاختصاص يكون للمحكمة التي يقيم الجاني في دائرتها إذا كان العمل المكون للعادة قد وقع وحده في دائرة محكمة غير التي وقع فيها الفعل الآخر، إذ لا يمكن أن يعتبر محلاً للجريمة إلا المكان الذي تقع فيه أفعال كافية لتكوين العادة، فإذا لم تتوفر بالعادة في مكان معين فإنها تتوفر في شخص الجاني ومن ثم ترفع عليه الدعوى في محل إقامته.
أفعال من نوع واحد تنفيذاً لغرض جنائي واحد؛ فيسرق أمتعة من مسكن على عدة دفعات، أو يضرب شخصاً ضربات متعددة، وحكم هذه الأفعال المتعددة المتلاحقة طبقاً للشريعة الإسلامية أنها جريمة واحدة ويعاقب عليها بعقوبة واحدة، فمن سرق منزلاً على دفعتين أو أكثر يعتبر مرتكباً لجريمة سرقة واحدة. ومن ضرب شخصاً أكثر من ضربة يعتبر مرتكباً لجريمة ضرب واحدة.
66 -
الفرق بين الأفعال المتلاحقة وجريمة العادة والجريمة غير المؤقتة: تختلف الأفعال المتلاحقة عن جريمة العادة في أن الأفعال المتعددة المكونة لجريمة العادة لا يعاقب على فعل واحد منها لأنه لا يكون الجريمة، أما في الأفعال المتلاحقة فيعاقب على أي فعل منها، لأنه يكون الجريمة دون حاجة لوقوع غيره، فمن انتوى أن يسرق بيتاً على عدة مرات ثم دخله فأخذ بعض الأمتعة على أن يعود ليأخذ بعضاً آخر ولكنه لم يعد يعتبر مرتكباً لجريمة السرقة، كما لو عاد وأخذ أمتعة في مرة أخرى أو أكثر.
وتختلف الأفعال المتلاحقة عن الجريمة غير المؤقتة؛ لأن الجريمة المكونة من أفعال متلاحقة تتعدد فيها الأفعال، ولكن كل فعل منها منفصل عن الآخر، بينما الجريمة غير المؤقتة تتكون من فعل واحد أو امتناع يستمر حدوثه وقتاً طويلاً أو يتجدد حدوثه ذلك الوقت.
67 -
العلة في اعتبار الأفعال المتلاحقة جريمة واحدة: تعتبر الأفعال المتلاحقة مكونة لجريمة واحدة على تعددها وانفصالها؛ لأن قواعد الشريعة الإسلامية لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد، وتكتفي بعقوبة واحدة عليها طبقاً لقاعدة التداخل، وهذا يقتضي من باب أولى اعتبار الأفعال المتلاحقة الصادرة تنفيذاً لغرض جنائي واحد جريمة واحدة، كما أن وقوع هذه الأفعال تنفيذاً لفكرة واحدة ولغرض جنائي واحد يجعل منها جريمة واحدة.
* * *