الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
الاشتراك في الجريمة
255 -
صور الاشتراك: قد يرتكب الجريمة فرد واحد، وقد يرتكبها أفراد متعددون فيساهم كل منهم في تنفيذها، أو يتعاون مع غيره على تنفيذها. وصور المساهمة والتعاون لا تخرج مهما اختلفت عن حالة من أربع: فالجاني قد يساهم في تنفيذ الركن المادي للجريمة مع غيره، وقد يتفق مع غيره على هذا التنفيذ، وقد يحرضه عليه، وقد يعينه على ارتكاب الجريمة بشتى الوسائل دون أن يشترك معه في التنفيذ. وكل واحد من هؤلاء يعتبر مشتركاً في الجريمة سواء اشترك مادياً في تنفيذ الركن المادي للجريمة أو لم يشترك مادياً في تنفيذه. وللتمييز بين من يشترك مادياً ومن لا يشترك في تنفيذ الركن المادي للجريمة: يسمى من يباشر تنفيذ الركن المادي: شريكاً مباشراً، ويسمى من لا يباشر التنفيذ: شريكاً متسبباً، ويسمى الفعل المباشر: الاشتراك المباشر في الجريمة، ويسمى فعل الشريك المتسبب: الاشتراك غير المباشر أو الاشتراك بالتسبب.
وأساس هذه التفرقة أن الأول يباشر تنفيذ الركن المادي للجريمة فهو شريك في المباشرة، وأن الثاني يتسبب في الجريمة باتفاقه أو تحريضه أو بذله العون ولكنه لا يباشر تنفيذ ركن الجريمة المادي فهو شريك بالتسبب (1) .
ولعل في التفريق بين الشركاء المختلفين على الوجه ما يزيل اللبس الذي يحدث من تسمية كل واحد من الشركاء بالشريك دون تمييز بين من يباشر الجريمة ومن لم يباشرها، ولعل رجال القانون في مصر أول من يعاني من هذا اللبس حيث جرى الشراح المصريون على تسمية المتسبب والمباشر بالشريك.
(1) شرح الزرقاني ج8 ص10.
256 -
اهتمام وإهمال: ويجب أن نلاحظ قبل كل شئ أن فقهاء الشريعة اهتموا بإبراز أحكام الاشتراك المباشر، بينما أهملوا إلى حد كبير أحكام الاشتراك بالتسبب، ولذلك الاهتمام وهذا الإهمال علتان:
العلة الأولى: أن الفقهاء - كما ذكر من قبل (1) - قصروا همهم على بيان أحكام الجرائم ذات العقوبات المقدرة وهي جرائم الحدود والقصاص، لأنها جرائم ثابتة لا تقبل التغيير والتعديل، ولأن عقوباتها مقدرة لا تقبل الزيادة أو النقص. أما جرائم التعزير فلم يهتموا بها ولم يضعوا لها أحكاماً خاصة، لأنها في الغالب جرائم غير ثابتة، تتغير بتغير ظروف الزمان والمكان واختلاف وجهات النظر، كما أن عقوبات التعزير غير ثابتة فهي تقبل الزيادة والنقص.
العلة الثانية: أن القاعدة العامة في الشريعة أن العقوبات المقدرة تقع على من باشر الجريمة دون المتسبب، وهذه القاعدة مطبقة بدقة عند أبي حنيفة، ولكن بقية الفقهاء يستثنون من القاعدة جرائم الاعتداء على النفس وما دونها؛ أي جرائم القتل والجرح، وحجتهم في ذلك أن من طبيعة هذه الجرائم أن تقع بالمباشرة والتسبب، وأنها تقع كثيراً بالتسبب، فلو طبقت القاعدة على المباشر فقط لامتنع توقيع العقوبة المقدرة على المتسبب مع أنه نفذ الركن المادي للجريمة كما فعل المباشر. ويقصر هؤلاء الفقهاء الاستثناء على الشركاء المباشرين، أما الشركاء المتسببون فيخضعونهم للقاعدة العامة.
ويترتب على القاعدة العامة أن الشريك المتسبب إذا اشترك في جريمة ذات عقوبة مقدرة لم يعاقب بهذه العقوبة؛ لأن العقوبة المقدرة لا تقع إلا على الشريك المباشر فقط، فجريمة الاشتراك بالتسبب هي من جرائم التعازير في كل حال سواء اشترك الشريك المتسبب في جريمة من جرائم الحدود والقصاص،
(1) راجع الفقرة 248.
أو اشترك في جريمة من جرائم التعازير. وهذا يفسر لنا اهتمام الفقهاء بالاشتراك المباشر، وإهمالهم الاشتراك بالتسبب، فقد اهتموا بالاشتراك المباشر؛ لأن الشريك المباشر يعاقب بعقوبة الحد والقصاص إذا ارتكب جريمة من هذا النوع، وقد أهملوا الاشتراك بالتسبب؛ لأن الشريك بالتسبب لا يعاقب بعقوبة الحد أو القصاص، وإنما يعزر، فجريمته دائماً من جرائم التعازير ولو أنه اشترك في جريمة من جرائم الحدود أو القصاص.
والفقهاء بالرغم مما سبق لم يهملوا الاشتراك غير المباشر إهمالاً كلياً، بل تعرضوا له أثناء بحث الجناية على النفس أو ما دونها، أي جرائم القتل والجرح؛ لأن هذه الجرائم ترتكب إما مباشرة وإما بالتسبب، والاشتراك غير المباشر نوع من التسبب. وما ذكره الفقهاء عن الاشتراك بالتسبب بمناسبة الكلام على القتل والجرح كاف على قلته لاستخراج القواعد العامة التي بنى عليها الفقهاء أحكام هذا النوع من الاشتراك، وسنرى فيما بعد أن هذه القواعد لا تختلف في مجموعها عن قواعد الاشتراك بالتسبب في أحدث القوانين الوضعية.
257 -
شروط الاشتراك العامة: والاشتراك سواء كان مباشراً أو غير مباشر له شرطان عامان يجب توفرهما لاعتبار الاشتراك جريمة، وهذان الشرطان هما:
أولاً: أن يتعدد الجناة، فإذا لم يتعددوا فليس هناك اشتراك مباشر، ولا غير مباشر.
ثانياً: أن ينسب إلى الجناة فعل محرم معاقب عليه، فإذا لم يكن الفعل المنسوب إليهم معاقباً عليه فليس هناك جريمة وبالتالي لا اشتراك.
* * *