الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما مصادر التشريع الإسلامي الجنائي المقرر للجرائم والعقوبات فأربعة فقط، منها ثلاثة متفق عليها وهي:(1) القرآن (2) السنة (3) الإجماع. أما الرابع فهو القياس، وقد اختلف فيه الفقهاء، فرأى البعض أنه مصدر تشريعي جنائي، ورأى البعض الآخر أنه ليس مصدراً في تقرير الجرائم والعقوبات.
ويجب أن نلاحظ الفرق الهام بين القرآن والسنة من ناحية وبين غيرهما من المصادر من ناحية أخرى. فالقرآن والسنة هما أساس الشريعة، وهما اللذان جاءا بنصوص الشريعة المقررة للأحكام الكلية. أما بقية المصادر فهي لا تأتي بأسس شريعة جديدة، ولا تقرر أحكاماً كلية جديدة وإنما هي طرق للاستدلال على الأحكام الفرعية من نصوص الرآن والسنة، ولا يمكن أن تأتي بما يخالف القرآن والسنة، لأنها تستمد منهما وتستند إلى نصوصهما.
* * *
الفرع الأول
القرآن
116 -
القرآن: هو كتاب الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المدون بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس.
117 -
نصوص القرآن قطعية: ولقد نقل القرآن إلينا بطريق التواتر كتايةً ومشافهة، والتواتر يفيد الجزم والقطع بصحة المنقول، ومن ثم كانت نصوص القرآن قطعية الورود، فمن المقطوع به أنها وردت إلينا عن الرسول كما أنزلت عليه من ربه؛ لأنها نقلت إلينا عن الرسول بطريق التواتر كتاية ً ومشافهةً. والنقل بطريق التواتر يفيد القطع واليقين، فقد كتب القرآن عن الرسول جماعة من كتاب الوحي، وحفظه جمع من الصحابة لا يمكن أن يتواطئوا على الكذب، ونقله عن هذه الجموع جموع أخرى فلم يختلفوا في حرف أو لفظ على تعدد البلاد وتباعد الأقطار واختلاف الأجناس.
118 -
دلالة نصوص القرآن قطعية وظنية: وإذا كانت نصوص القرآن قطعية فإن دلالتها على معانيها قد تكون قطعية وقد تكون ظنية. فإن كان النص دالاً على معناه ولا يحتمل التأويل كانت دلالته قطعية، مثل قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] فدلالة ثمانين على العدد قطعية، ودلالة أبداً على التأبيد قطعية. وإن كان النص دالاً على معناه ولكنه يحتمل التأويل كانت دلالته ظنية، كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] فلحفظ القرء قد يعني الحيض وقد يعني الطهر، ومن ثم فدلالته على معناه ظنية لا قطعية، إذ من المحتمل أن يكون المراد من اللفظ الحيض، ومن المحتمل أن يكون المراد الطهر.
119 -
أحكام القرآن شرعت للدنيا والآخرة: وأحكام القرآن على نوعين: أحكام يراد بها إقامة الدين وهذه تشمل أحكام العقائد والعبادات. وأحكام يراد بها تنظيم الدولة والجماعة، وتنظيم علاقة الأفراد بعضهم ببعض، وهذه تشمل أحكام المعاملات والعقوبات والأحكام الشخصية والدستورية والدولية
…
إلخ.
وأحكام القرآن على تنوعها وتعددها أنزلت بقصد إسعاد الناس في الدنيا والآخرة، ومن ثم كان لكل عمل دنيوي وجه أخروي، فالفعل التعبدي أو المدني أو الجنائي أو الدستوري أو الدولي له أثره المترتب عليه في الدنيا من أداء الواجب، أو إفادة الحل والملك أو إنشاء الحق أو زواله، أو توقيع العقوبة، أو ترتيب المسئولية
…
الخ، ولكن هذا الفعل الذي يترتب عليه أثره في الدنيا له أثر
آخر مترتب عليه في الآخرة، وهو المثوبة أو العقوبة الأخروية.
وينبني على كون الشريعة مقصوداً بها إسعاد الناس في الدنيا والآخرة أن يعتبر وحدة لا تقبل التجزئة، أو جملة لا تقبل الانفصال؛ لآن أخذ بعضها دون بعض لا يؤدي إلى تحقيق الغرض منها، ولأنه لا توجد شريعة أخرى على وجه الأرض معمول بها تسلك مسلك الشريعة الإسلامية، فلا ينبغي أن تقاس الشريعة في هذا بغيرها.
ومن يتتبع آيات الأحكام يجد كل حكم منها يترتب عليه جزاءان: جزاء دنيوي، وجزاء أخروي، فالقرآن يحرم القتل حيث يقول الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ} [الإسراء: 33] ، ويجعل للقتل جزاءين أحدهما دنيوي، والثاني أخروي، فأما جزاء الدنيا فهو القصاص، وأما جزاء الآخرة فهو العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] ، والعذاب الأليم هو عذاب الآخرة، يؤيد ذلك قوله تعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] ، ويؤيده أن القصاص عقوبة الدنيا على الاعتداء.
وجزاء قطع الطريق أو الحرابة: القتل والقطع والصلب والنفي؛ عقوبة دنيوية والذاب العظيم عقوبة أخروية، وذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
وجزاء السارق: القطع في الدنيا، والعذاب في الآخرة، لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَن
تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 38، 39] ، والمقصود التوبة بعد العقوبة الدنيوية، ولا يتوب بعد عقابه إلا من كان مسئولاً مسئولية أخروية.
وإشاعة الفاحشة ورمي المحصنات له عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة، حيث يقول جل شأنه:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة} [النور: 19]، ويقول:{ِإِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور 23، 25] .
والزنا له عقوبتان أيضاً إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة، فيقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 68، 70] .
وأكل أموال اليتامى معاقب عليه في الدنيا والآخرة، وذلك قوله تعالى:{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2]، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] .
وأكل الربا له عقوبتان؛ الأولى في الدنيا والثانية في الآخرة، وذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] .
وتعطيل المساجد له أيضاً عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية، حيث يقول جل شأنه:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَاّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114] .
والتولي عند الزحف له عقوبتان أيضاً في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16] .
وللمرتد عقاب في الدنيا وعقاب في الآخرة في قوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] .
وهكذا لا نكاد نجد حكماً لم ترتب عليه الشريعة عقوبة أخروية فوق العقوبة الدنيوية؛ وإن وجدنا شيئاً من ذلك فإنه يدخل تحت قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 18 - 20]، وقوله:{وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 13 - 14] ، وهناك كثير من النصوص العامة قاطعة بهذا المعنى، وفيما ذكرناه هنا كفاية.
ولم تشرع أحكام الشريعة الإسلامية للدنيا والآخرة عبثاً، وإنما اقتضى ذلك منطق الشريعة. فهي في أصلها تعتبر أن الدنيا دار ابتلاء وفناء، وأن الآخرة دار بقاء وجزاء، وأن الإنسان مسئول عن أعماله في الدنيا ومجزى عنها في
الآخرة، فإن فعل خيراً فلنفسه، وإن أساء فعليها، والجزاء الدنيوي لا يمنع من الجزاء الأخروي إلا إذا تاب الإنسان وأناب.
121 -
أحكام الشريعة لا تتجزأ: وأحكام الشريعة لا تتجزأ ولا تقبل الانفصال، وليس ذلك فقط لما ذكرناه من أن التجزئة تخالف الغرض من الشريعة، وإنما لأن نصوص الشريعة نفسها تمنع من العمل ببعضها وإهمال البعض الآخر، كما تمنع من الإيمان ببعضها والكفر ببعض، وتوجب العمل بكل أحكامها والإيمان إيماناً تاماً بكل ما جاءت به، فمن لم يؤمن بهذا ويعمل به دخل تحت قوله تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة: 85] .
والنصوص الواردة في تحريم العمل ببعض الشريعة دون بعضها كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلَاّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159 - 160] ، والكتمان معناه العمل ببعض الأحكام دون بعضها الآخر، والاعتراف ببعضها وإنكار البعض الآخر.
ومنها: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَاّ النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 174 - 175] .
وقوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] .
وقوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] .
وقوله: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187] .
وقوله: {فَلَا تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 150 - 151] .
وقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ
وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67، 68] .
122 -
ميزات الشريعة: وتمتاز الشريعة الإسلامية عن الشرائع الوضعية بميزات عظيمة هي أن أحكامها شرعت للدنيا والآخرة. وهذا هو السبب الوحيد الذي يحمل معتنقيها على طاعتها في السر والعلن والسراء والضراء؛ لأنهم يؤمنون بأن الطاعة نوع من العبادة يقربهم إلى الله، وأنهم يثابون على هذه الطاعة، ومن استطاع منهم أن يرتكب جريمة ويتفادى العقاب الدنيوي فإنه لا يرتكبها مخافة العقاب الأخروي وغضب الله عليه.
والشريعة تلزم معتنقيها أن يتخلقوا بالأخلاق الفاضلة، ومن تخلق بالأخلاق الفاضلة ندر أن يرتكب جريمة، وهم بعد ذلك يعلمون أن الله رقيب عليهم، ومطلع على أعمالهم، وأنهم مهما استخفوا من الناس فلن يستخفوا من الله وهو معهم أينما كانوا، وكل ذلك مما يدعو إلى قلة الجرائم، وحفظ الأمن وصيانة نظام الجماعة ومصالحها العامة، بعكس الحال في القوانين الوضعية فإنها ليس لها في نفوس من تطبق عليهم ما يحملهم على طاعتها، وهم لا يطيعونها إلا بقدر ما يخشون من الوقوع تحت طائلتها، ومن استطاع أن يرتكب جريمة ما وهو آمن من سطوة القانون فليس ثمة ما يمنعه من ارتكابها من خلق أو دين، ولذلك تزداد الجرائم زيادة مطردة في البلاد التي تطبق القوانين الوضعية، وتضعف الأخلاق، ويكثر المجرمون من الطبقات المستنيرة، تبعاً لزيادة الفساد الخلقي في هذه الطبقة، ولقدرة أفرادها على التهرب من سلطان القانون.