الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإجماع الناقص مصدراً للتشريع والتفسير والتطبيق؛ لأنه يمثل رأي الأكثرين.
* * *
الفرع الرابع
القياس
135 -
تعريف القياس: القياس هو إلحاق ما لا نص فيه نص في الحكم الشرعي المنصوص عليه لاشتراكهما في علة هذا الحكم.
ويؤخذ من هذا التعريف أن للقياس أربعة أركان:
(1)
المقيس عليه: وهو الأمر الذي ورد النص ببيان حكمه، ويسمى الأصل.
(2)
المقيس: وهو الأمر الذي لم يرد نص بحكمه، ويراد معرفة حكمه، ويسمى الفرع.
(3)
الحكم: وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل، ويراد الحكم به على الفرع.
(4)
العلة: وهي الوصف الذي شرع الحكم في الأصل لأجله وتحقق في الفرع (1) .
136 -
هل القياس ممكن في جميع الأحكام؟: اختلف الفقهاء في جواز إجراء القايس في جميع الأحكام الشرعية، فرأت قلة أنه جائز لأن جميع الأحكام الشرعية من جنس واحد، وتدخل تحت حد واحد هو حد الحكم الشرعي وتشترك فيه، وقد جاز على بعضها أن يكون ثابتاً بالقياس، وما جاز على بعض المتماثلات كان جائزاً على بعضها الآخر. ورأي جمهور الفقهاء أن القياس لا يجوز إجراؤه بصفة عامة في كل الأحكام الشرعية ولو أنها تدخل تحت حد واحد؛ لأنها متنوعة ومتمايزة بأمور موجبة للتنوع والتمايز، ولا مانع من
(1) أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص42.
أن يكون ما جاز على بعضها وثبت له قد جاز باعتبار خصوصيته وتعيينه لا باعتباره حكماً شرعياً مجرداً، وعند هؤلاء أن القياس في كل الأحكام ممتنع لسببين:
أولهما: أنه يفضي إلى أمر ممتنع فكان ممتنعاً؛ لأن كل قياس لابد له من أصل يستند إليه، فلو كان كل حكم يثبت بالقياس لكان حكم أصل القياس ثابتاً بالقياس، وكذلك حكم أصل أصله، وإذا تسلسل الأمر إلى غير نهاية امتنع وجود قياس ما؛ لتوقفه على أصول لا نهاية لها.
وثانيهما: أن من الأحكام ما يثبت غير معقول المعنى؛ كتحديد جلد الزاني غير المحصن بمائة جلدة، وقاذف المحصنات بثمانين، وما كان كذلك فإجراء القياس فيه متعذر؛ لأن القياس يقوم على تعدية علة الأصل للفرع، فما لا يعقل له علة يمتنع إثباته بالقياس (1) .
137 -
القياس في الجرائم والعقوبات: واختلف الذين لا يجيزون القياس في كل الأحكام في جواز القياس في الجرائم والعقوبات، فقال بعضهم: إنه جائز، وقال بعضهم: إنه غير جائز، ولكل حججه.
والقائلون بجواز القياس لهم حجتان:
الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القياس حين سأل معازاً: بم تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد أجتهد رأيي، فأقره الرسول على قوله: أجتهد رأيي، وهو تعبير مطلق لا تفصيل فيه، فدل ذلك على جواز القياس في الجرائم والعقوبات.
الثانية: أن الصحابي لما اشتوروا في حد شارب الخمر قال علي رضي الله عنه: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحدوه حد المفترى.
(1) الإحكام في أصل الأحكام للآمدي ج4 ص89 وما بعدها.
فقياس حد الشارب على حد المفترى، ولم ينقل عن أحد من الصحابة نكير فكان إجماعاً.
والقائلون بعد جواز القياس يحتجون بثلاث حجج:
الأولى: أن الحدود والكفارات من الأمور المقدرة التي لا يمكن تعقل المعنى الموجب لتقديرها، والقياس أساسه تعقل علة حكم الأصل، فما لا يعقل له من الأحكام علة فالقياس فيه متعذر.
الثانية: أن الحدود عقوبات، وكذلك الكفارات فيها شائبة العقوبة، والقياس مما يدخله احتمال الخطأ، واحتمال الخطأ شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات؛ لقوقه عليه الصلاة والسلام:"ادراءوا الحدود بالشبهات".
الثالثة: أن الشارع قد أوجب حد القطع بالسرقة، ولم يوجبه بمكاتبة الكفارة مع أنه أولى بالقطع، وأوجب الكفارة بالظهار لكونه منكراً وزوراً ولم يوجبها في الردة مع أنها أشد في المنكر وقول الزور. فحيث لم يوجب ذلك فيما هو أولى فهو دليل على امتناع جريان القياس فيه (1) .
وقد تكون حجج هذا الرأي من القوة بحيث ترجحه على الرأي الأول، خصوصاً إذا لاحظنا أن تقرير حد القاذف لم يكن نتيجة القياس، إنما كان تقريره نتيجة للإجماع عليه، ولا عبرة بالاستدلال عليه بطريق القياس؛ لأن القياس لم يجعله تشريعاً ملزماً، وإنما الذي جعله كذلك هو الإجماع عليه.
على أنه يجب أن نعرف أن القياس في العقوبات يقتضي قبل كل شئ القياس في الجرائم، وأن القائلين بجواز القياس في الجرائم لا يؤدي قولهم إلى توسيع الدائرة التي تنطبق فيها النصوص، فالقياس في الجرائم والعقوبات إذن ليس مصدراً تشريعياً، وإنما هو مصدر تفسيري يساعد على تعيين الأفعال التي تدخل
(1) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج4 ص82 وما بعدها.