الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
القواعد التشريعية التي تراعى عند التفسير
169 -
ماهية القواعد التشريعية: وضع علماء الأصول بعض القواعد التشريعية التي يجب الإلمام بها ومراعاتها على كل من يتعرض لتفسير النصوص التشريعية، وقد استمدوا هذه القواعد من استقراء الأحكام التي جاءت بها النصوص وعلل هذه الأحكام، ومن المبادئ العامة للشريعة وروح التشريع، حيث تبين لهم أن الشارع أراد من الشريعة أن يحقق مقاصد عامة، وأن بعض النصوص شرعت لحماية حقوق الجماعة، والبعض شرع لحماية حقوق الأفراد، والبعض شرع لحماية حقوق الجماعة وحقوق الأفراد معاً، فإذا راعى القاضي أو الفقيه هذه الاعتبارات كان له أن يجتهد في معرفة الأحكام ما لم يكن هناك نص صريح.
170 -
مقاصد الشارع العامة من التشريع الإسلامي: لم يضع الشارع الأحكام الشرعية اعتباطاً، وإنما قصد بها تحقيق مقاصد عامة، ولا يمكن أن تفهم النصوص على حقيقتهاإلا إذا عرف مقصد الشارع من وضعها، لأن دلالة الألفاظ والعبارات على المعاني قد تحتمل أكثر من وجه، والذي يرجح واحداً من هذه الوجوه على غيره هو الوقوف على قصد الشارع، وقد تتعارض النصوص بعضها من بعض فلا يرفع هذا التعارض ولا يوفق بينها إلا معرفة ما قصده الشارع منها، فيجب إذن على كل باحث في التشريع الإسلامي أن يلم قبل كل شئ بمقاصد الشارع من التشريع، وأن يعرف الوقائع التي نزلت من أجلها نصوص القرآن، أو وردت فيها السنة، لتساعده على فهم النص، وأسباب النزول والورود مبينة في كتب التفسير والسنة. وقد حصر علماء الأصول مقاصد الشارع العامة من التشريع في ثلاثة مقاصد:
171 -
المقصد الأول: حفظ كل ضروري للناس في حياتهم:
والأمر الضروري هو ما تقوم عليه حياة الناس ولابد منه لاستقامة مصالحهم، وإذا فقد اختل نظام حياتهم وعمت فيهم الفوضى وانتشر الفساد.
والأمور الضرورية ترجع إلى خمسة أشياء:
(1)
الدين
…
(2) النفس
…
(3) العقل
…
(4) النسل
…
(5) المال.
وقد شرع الإسلام لكل واحد من هذه الضروريات الخمسة أحكاماً تكفل إيجاده وإقامته، وأحكاماً تكفل حفظه وصيانته، فكل حكم يكفل إقامة هذه الأمور الخمسة أو حفظها هو حكم ضروري.
172 -
المقصد الثاني: توفير ما هو حاجي للناس: والأمر الحاجي هو ما يحتاج إليه الناس للتيسير واحتمال مشاق التكليف وأعباء الحياة، وإذا فقد لا يختل نظام حياتهم ولا تعم الفوضى ولكن ينالهم الحرج والمشقة، فالأمور الحاجية بهذا المعنى تشمل كل ما يرفع الحرج، ويخفف مشاق التكليف، وييسر طرق التعامل.
173 -
المقصد الثالث: تحقيق ما فيه تحسين لحال الأفراد والجماعة: والأمر التحسيني هو ما تقتضيه المروءة والآداب وسير الأمور على أحسن منهاج، وإذا فقد لا يختل نظام حياتهم كما إذا فقد الأمر الضروري، ولا ينالهم حرج كما إذا فقد الأمر الحاجي، ولكن تكون حالهم مستنكرة في تقدير العقول الراجحة والفطر السليمة.
والأمور التحسينية بهذا المعنى ترجع إلى مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وكل ما يقصد به سير الناس في حياتهم عل أفضل الطرق وخير المناهج.
174 -
ترتيب المقاصد العامة في التشريع: الضروريات هي أهم المقاصد إذا ترتب على فقدها اختلال النظام والأمن وشيوع الفوضى. وتليها في الأهمية الحاجيات؛ لأنه يترتب على فقدها وقوع الأفراد والجماعة في الحرج والعسر وتحميلهم المشاق. وتليها التحسينية، وفقدها لا يترتب عليه تقويض النظام، ولا اختلال الأمن، ولا وقوع الناس في حرج، وإنما يترتب على فقدها الخروج على ما تستحسنه
العقول، والبعد عن الكمال الإنساني. ومن ثم كانت الأحكام التي شرعت لحفظ الضروريات أحق الأحكام بالمراعاة، ثم تليها التي شرعت لتوفير الحاجيات، وهكذا.
ومن المقرر أنه لا يراعى حكم تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحكم حاجي، ولا يراعى حكم حاجي إذا كان في مراعاته إخلال بحكم ضروري، ولذا أبيح كشف العورة إذا أقتضى هذا علاج أو جراحة؛ لأن ستر العورة أمر تحسيني والعلاج أمر ضروري، وأبيح تناول النجس للتداوي وفي حالة الضرورة؛ لأن المنع من النجاسات تحسيني والتداوي ودفع الضرورة أمر ضروري.
وتجب الفرائض والواجبات على المكلفين ولو شق عليهم ذلك، لأن الفرائض والواجبات من الضروريات، ورفع المشقة والحرج أمر تحسيني، فلا يراعى التحسيني إذا مس الضروري.
والأحكام الضرورية لا يجوز الإخلال بها إلا إذا كانت مراعاتها تؤدي إلى الإخلال بضروري أكثر أهمية، فالجهاد واجب لحفظ الدين؛ لأن حفظ الدين أهم من حفظ النفس. وشرب الخمر يباح لمن أكره على شربها أو اضطر إليها؛ لأن حفظ النفس أهم من حفظ العقل. وإذا كانت وقاية النفس من الهلاك في إتلاف مال الغير، كان للإنسان أن يقي نفسه من الهلاك ويتلف مال غيره؛ لأن حفظ النفس أهم من حفظ المال.
175 -
حقوق الجماعة وحقوق الأفراد: أفعال المكلفين سواء كانت جرائم أو لم تكن، بعضها حق خالص لله، أو حق الله غالب فيه. وبعضها حق خالص للمكلف، أو حق المكلف غالب فيه.
وحين يعبر الفقهاء بما هو حق لله يقصدون ما هو حق للجماعة، وما قصد به تحقيق مصلحتها وحفظ النظام العام فيها، وقد جعلوه حقاً لله؛ لأنه لم يقصد به نفع فرد معين، وليس للأفراد حكاماً أو محكومين حق إسقاطه أو العفو عنه أو إهمال إقامته.
ويعتبر من حقوق الله الخالصة؛ أي من حقوق الجماعة: الضرائب، والعقوبات على الجرائم الماسة بالجماعة كالزنا والسرقة والحرابة، والعقوبات التعبدية كالكفارة، وغير ذلك مما يمس حقوق الجماعة ويؤثر على أمنها ونظامها وتماسكها وقوتها.
وهناك أفعال تمس حقوق الأفراد ولكن حق الجماعة غالب عليها، كحد القذف؛ لأن الجريمة تمس الأعراض، ففي العقوبة عليها مصلحة خاصة للمقذوف كما أن في عدم التبليغ عنها مصلحة خاصة له أيضاً؛ لأن للقاذف أن يثبت صحة القذف، وإثبات ذلك قد يؤدي إلى إقامة حد الزنا على المقذوف. ولما كانت الجريمة تمس الأعراض، وتؤدي إلى التنابز والتعادي، وتشويه السمعة، وتلويث الأمهات والأولاد، والتشكيك في نظام الأسرة، جعل الحد حقاً لله، وغلب حق الله على حق المقذوف بحيث إذا أثبتت الجريمة فليس للمقذوف أن يتنازل أو يعفو، وإن كان له أن يبلغ عن الجريمة.
وهناك أفعال تمس حقوق الجماعة ولكن حق الفرد غالب فيها، مثل القتل، فإنه يمس أمن الجماعة ونظامها، ويمس الأفراد مساساً مباشراً، والعقوبة عليه وضعت لحفظ مصالح الجماعة والأفراد، ولكن أعطى للفرد حق العفو عن عقوبة القصاص أو عقوبة الدية، فغلب بذلك حق الفرد على حق الجماعة (1) .
والأفعال التي تمس حقوق الأفراد الخالصة هي التي تمس حقوقاً ترك للأفراد أن يستوفوها أو يتركوها، كتحصيل الدين، وحبس العين المرهونة، والمطالبة بالتعويض المترتب على فعل الجاني.
(1) راجع الفقرتين 381، 471.
ومع أن الفقهاء يقسمون الحقوق إلى حقوق لله وحقوق للأفراد، إلا أن الكثيرين منهم يرون - بحق - أن كل ما يمس حق الجماعة الخالص أو حق الأفراد الخالص يعتبر حقاً لله تعالى، أي من حقوق الجماعة ونظامها؛ لأن كل حكم شرعي إنما شرع ليمتثل ويتبع ومن حق الله على عباده أن يمتثلوا أوامره، ويجتنبوا نواهيه، ويعلموا بشريعته، فكل حكم إذن فيه حق لله من هذه الوجهة، وإذا قيل إن حكماً ما يرتب حقاً مجرداً للفرد ففي ذلك كثير من التجاوز، ولا يعتبر هذا القول صحيحاً على إطلاقه، وإنما يصح على تغلب حق العبد في الأمور الشخصية، كذلك فإن ما يعتبر حقاً خالصاً لله يمس دون شك مصالح الأفراد إما عاجزاً أو آجلاً؛ لأن الشريعة إنما وضعت لتحقيق مصلحة العباد.
176 -
الاجتهاد: الاجتهاد في الاصطلاح: هو بذل الجهد للوصول إلى معرفة حكم شرعي، من دليل تفصيلي من الأدلة التي يضعها الشارع للدلالة على الأحكام.
والقاعدة أنه إذا كان النص صريحاً قطعي الورود والدلالة فلا مجال للاجتهاد فيه، ويجب تطبيقه بحالته؛ لأنه قطعي الورود، أي: لا شك في وروده عن الله أو الرسول، فليس وروده محل بحث، ولأنه قطعي الدلالة فليس معناه محل بحث، ومن هذا آيات الأحكام المفسرة والمحكمة مثل قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، فلا مجال للاجتهاد في معاقبة الزاني بالجلد، ولا في عدد الجلدات، وكذلك لا اجتهاد في كل العقوبات المقدرة، ومثل الآيات القرآنية المفسرة أو المحكمة السنن المتواترة المفسرة.
أما إذا كان النص ظني الورود أو الدلالة فهو محل للاجتهاد، وللمجتهد أن يبحث في الدليل من حيث سنده وطريق وصوله إلينا، ومن حيث دلالته على معناه.
ومجال الاجتهاد واسع فيما لا نص فيه، فالمجتهد يبحث الواقعة التي لا نص فيها ليصل لمعرفة حكمها عن طريق القياس، أو الاستحسان، أو الاستصحاب،
أو العرف، أو المصالح المرسلة، وهذا ممكن في المسائل المدنية والشخصية، وفي الإجراءات الجنائية، ولكنه غير ممكن في تقرير الجرائم والعقوبات؛ لأن الجرائم والعقوبات لابد فيها من النص الصريح، ولا يؤخذ فيها بالقياس أو غيره كما ذكرنا قبلاً.
177 -
كلمة ختامية عن قواعد التفسير: هذه هي القواعد العامة اللغوية والتشريعية التي وضعها الفقهاء للاهتداء بها في تفسير النصوص، على القاضي أن يستعين بها في تفهم النصوص، ومعرفة مراميها، وما يدخل تحتها، كما أن هذه القواعد تعينه على معرفة النص الواجب التطبيق، ومدى سلطته في تفسير النص أو إعماله أو إبطاله. وإذا كان للقاضي المدني أن يطبق هذه القواعد بتوسع، وأن يجعل للقياس والعرف والعدالة وغير ذلك من الاعتبارات مكاناً عند تفسير النص وتطبيقه، إلا أن القاضي الجنائي مقيد بأن يحصر اجتهاده في تفسير النص وتطبيقه على الواقعة المعروضة عليه، فليس له أن يخلق جريمة أو عقوبة من طريق القياس أو العرف أو الاستحسان، ولو كانت الواقعة المعروضة عليه مما ينفر منها الخلق الفاضل.
وليس للقاضي الجنائي أن يخالف النص الصريح مهما كانت الظروف والاعتبارات، وعليه أن يراعى في كل الأحوال مبدأين شرعيين أساسيين: وأولهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ادراءوا الحدود بالشبهات"، وثانيهما: قوله: "إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"، وسنتكلم على هذين المبدأين فيما يلي:
178 -
المبدأ الأول: درء الحدود بالشبهات: القاعدة العامة في الشريعة أن الحدود تدرأ بالشبهات، والحدود هي العقوبات المقدرة، ويدخل تحت الحدود العقوبات المقررة لجرائم الحدود، والعقوبات المقررة لجرائم القصاص والدية، أما العقوبات المقررة لجرائم التعازير فلا تعتبر حدوداً؛ لأنها عقوبات غير مقدرة (1) .
(1) راجع الفقرات 51، 103، 440.
والأصل في هذه القاعدة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات". فعلى هذا الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول، وأجمع عليه فقهاء الأمصار قامت القاعدة. وقد عمل الصحابة بها بعد وفاة الرسول، فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلى من أن أقيمها بالشبهات. وروي عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبه بن عامر أنهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد فادرأه.
وليس في الفقهاء من ينكر قاعدة درء الحدود بالشبهات إلا الظاهريون، فإنهم يرون أن الحد لا يحل درؤه بالشبهة، ولا يسلمون بصحة ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة (1) .
والآثار الكثيرة المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة تؤيد صحة هذه القاعدة، من ذلك أنه لما جاء ماعز معترفاً بالزنا للرسول قال عليه السلام:"لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك غمزت" كل ذلك يلقنه أن يقول نعم بعد إقراره بالزنا. وجئ له بسارق معترف بالسرقة فقال له: "أسرقت؟ ما أخاله سرق". ولما جاءته الغامدية مقرة بالزنا، قال لها نحواً من ذلك. فهذه جرائم من جرائم الحدود كان الدليل الوحيد فيها على الجريمة هو الإقرار، وكان الرسول يلقن المقر أن يعدل عن إقراره، ولو لم يكن للعدول أثره في درء الحد لما أوحى به الرسول للمقر. أما كيف يدرأ العدول الحد فذلك أن الإقرار هو الدليل الوحيد في قضية، والعدول عن الإقرار شبهة في عدم صحة الإقرار، والحدود تدرأ بالشبهات.
ولما جاءت شراحة الهمدانية معترفة بالزنا لعلي رضي الله عنه قال لها: لعله وقع عليك وأنت نائمة؟ لعله استكرهك؟ لعل مولاك زوجك منه وأنت تكتمينه؟ وما كان على يقصد من هذه الأسئلة إلا ما قصده الرسول عليه السلام.
ومن أجل ذلك يرى بعض الفقهاء أنه يستحب للقاضي أن يعرض للمقر
(1) شرح فتح القدير ج4 ص139.
بالرجوع عن الإقرار إذا لم يكن ثمة دليل إلا الإقرار (1) .
179 -
تعريف الشبهة: الشبهة هي ما يشبه الثابت وليس بثابت (2)، أو هي وجود المبيح صورة مع انعدام حكمه أو حقيقته (3) . ومن الأمثلة على الشبهة:
(1)
شبهة الملك في سرقة الملك المشترك: فمن سرق مالاً يشترك فيه مع آخر يدرأ عنه الحد؛ لأن السرقة هي أخذ مال الغير خفية؛ ولأنه لم يأخذ مالاً خالصاً للغير وإنما أخذه متلبساً بماله.
(2)
وشبهة الملك في سرقة الأب من ابنه: فالأب حين يأخذ خفية مال ولده ينطبق عليه تعريف السرقة، ويستحق عقوبة القطع، ولكن الحد يدرأ عن الأب لشبهة تملكما الولد، وهذه الشبهة أساسها قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"أنت ومالك لأبيك".
(3)
وشبهة الملك في اللواط بالزوجة: فإتيان الزوج زوجته في دبرها محرم، ويعتبره الفقهاء زنا، ولكنهم يدرءون الحد عنه؛ لأن الزواج يجعل الزوجة في ملك الزوج، ويعطيه حق التمتع بكل جسمها، فتملك الزوج للزوجة يقوم شبهة في أن له أن يلوط بها. وقيام هذه الشبهة يستوجب درء الحد.
ومن الأمثلة على الشبهة: شبهة عدم الثبوت: من أقر بارتكابه جريمة من جرائم الحدود ولم يكن دليل إلا إقراره وجب عليه الحد بالإقرار، فإذا عدل عن إقراره كان العدول شبهة في عدم الثبوت؛ لاحتمال أن يكون إقراره غير صحيح، وترتب على قيام هذه الشبهة درء الحد. ومثل ذلك يقال عن عدول الشهود إذا لم يكن دليل إلا الشهود.
وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على درء الحدود بالشبهات إلا أنهم لا يتفقون على كل الشبهات، فهناك ما يراه البعض شبهة صالحة للدرء بينما لا يراه البعض
(1) شرح فتح القدير ج4 ص121.
(2)
لا يقصد بالثبوت ثبوت الفعل فقط، وإنما يقصد بالثبوت معناه العام، فيشمل ثبوت الفعل وثبوت الحكم. شرح فتح القدير ج4 ص140.
(3)
المغني ج10 ص152
الآخر شبهة، والأمثلة على ذلك كثيرة:
فمن وجد امرأة في فراشه فوطئها ظناً منه أنها امرأته درء عنه الحد عند مالك والشافعي وأحمد (1) ؛ لأنهم يرون في وجود المرأة على فراش الرجل شبهة تؤيد دعواه في أنه ظنها امرأته. أما أبو حنيفة (2) فلا يرى في وجود المرأة على فراش الرجل شبهة؛ لأنه ينام على الفراش غير الزوجة من أقاربها أو زائراتها.
ومن تزوج امرأة من محاربه يدرأ عنه الحد عند أبي حنيفة، فلا يحد حد الزنا لشبهة العقد. ويخالفه في ذلك أبو يوسف ومحمد (3) ، ويريان ما يراه مالك والشافعي وأحمد من أن الحد لا يدرأ لشبهة العقد ما دام الجاني عالماً بالتحريم (4) .
وكل نكاح أجمع على بطلانه كنكاح الخامسة، أو المتزوجة، أو المعتدة، أو المطلقة ثلاثاً، يدرأ فيه أبو حنيفة الحد، ولو كان الجاني عالماً بالتحريم؛ لأن العقد في رأي أبي حنيفة شبهة، والشبهة تدرأ الحد (5) . ولا يرى مالك والشافعي وأحمد درء الحد في هذه الحالات؛ لأنهم لا يعتبرون العقد شبهة (6) .
ويرى أبو حنيفة أن من يستأجر امرأة للزنا لا يحد لشبهة العقد. ويخالفه في هذا أبو يوسف ومحمد، حيث يريان ما يراه ممالك والشافعي وأحمد (7) ؛
(1) أسنى المطالب ج4 ص126، شرح الزرقاني ج8 ص78، المغني ج10 ص155.
(2)
شرح فتح القدير ج4 ص147
(3)
شرح فتح القدير ج4 ص147.
(4)
شرح الزرقاني ج8 ص76، اسنى المطالب ج4 ص127، المغني ج10 ص154.
(5)
شرح فتح القدير ج4 ص143، 148، 149
(6)
شرح الزرقاني ج8 ص76، 77، 80، أسنى المطالب ج4 ص126، المغني ج10 ص154
(7)
شرح الزرقاني ج8 ص76، أسنى المطالب ج4 ص127.
وهو أن لا يدرأ الحد لشبهة العقد؛ لأنه عقد لا تستباح به المرأة. وحجة أبي حنيفة أن العقد عقد منفعة؛ وأن الزاني يستوفي بالزنا منفعة فأورث العقد شبهة (1) .
ويدرأ أبو حنيفة الحد في سرقة ما هو مباح الأصل، كسرقة الماء بعد إحرازه، والصيد بعد صيده؛ لأن كليهما في أصله مال مباح، وفيه شركة عامة، "والإباحة الأصلية تورث شبهة في بقاء المال مباحاً بعد إحرازه، والشركة العامة تورث شبهة في بقاء الشركة قائمة بعد إحراز المال"(2) . أما مالك والشافعي وأحمد فلا يدرءون الحد؛ لأنهم لا يرون شبهة في كون المال مباح الأصل (3) .
ويجعل أبو حنيفة التفاهة شبهة في المال تدرأ الحد عن سارقه، ويرتب على ذلك أن لا قطع في التراب والطين والجص والتبن وأشباهها، ولا قطع في التبن والحشيش والقصب والحطب وأشباهها، وحجته أن الناس لا يتمولون هذه الأشياء عادة، ولا يضنون بها لعدم عزتها وقلة خطرها، ويعدون الضن بها من باب الخساسة، ويعتمد أبو حنيفة على عرف الناس وعاداتهم في بيان الشئ التافه، ولكنه يسلم بأن الشئ التافه قد يصبح بالصناعة ذا قيمة، كالقصب يصنع منه النشاب، فإذا أخرجت الصناعة الشئ التافه عن تفاهته كان القطع واجباً في سرقته. ويخالف أبو يوسف أبا حنيفة، ويرى أن الحد لا يدرأ إلا في سرقة التراب والسرجين، ولا يدرأ فيما عداهما ما دام المسروق مالاً متقوماً، ودليل التقوم والمالية عنده هو جواز البيع والشراء في المال. ويخالف مالك والشافعي وأحمد مذهب أبي حنيفة ولا يرون شبهة في تفاهة المال ما دامت قيمته تبلغ النصاب (4) .
(1) شرح فتح القدير ج4 ص148.
(2)
شرح فتح القدير ج4 ص 327
(3)
شرح الزرقاني ج8 ص95، أسنى المطالب ج4 ص141، المغني ج10 ص247
(4)
المرجع المذكور في رقمي 7، 8 من الصفحة السابقة، بدائع الصنائع ج7 ص67، 68
ويدرأ أبو حنيفة الحد في سرقة ما يتسارع إليه الفساد، كالطعام الرطب والبقول واللحم والخبز وما أشبه. ويخالفه في ذلك أبو يوسف، ويأخذ برأي مالك والشافعي وأحمد، وهم لا يرون شبهة في كون المسروق مما يتسارع إليه الفساد (1) .
ولا يرى أبو حنيفة القطع في سرقة باب المسجد لشبهة عدم تحريزه (2) . ويرى مالك والشافعي وأحمد القطع في سرقة باب المسجد، لأنه محرز ولا شبهة في عدم تحريزه (3) .
180 -
أنواع الشبهة: اهتم الفقهاء الشافعيون والحنفيون بتقسيم الشبهة وبيان أنواعها المختلفة، أما الفقهاء المالكيون والحنابلة فقد اكتفوا بالتعرض للشبه واحدة بعد أخرى بصفة عامة كلما استلزم ذلك الأمر.
وقد قسم الشافعية الشبهة ثلاثة أنواع:
1 -
شبهة في المحل: كوطء الزوجة الحائض أو الصائمة، أو إتيان الزوجة في دبرها، فالشبهة هنا قائمة في محل الفعل المحرم؛ لأن المحل مملوك للزوج ومن حقه أن يباشر الزوجة، وإذا لم يكن له أن يباشرها وهي حائض أو صائمة أو أن يأتيها في الدبر إلا أن ملك المحل للزوج وحقه عليه يورث شبهة، وقيام هذه الشبهة يقتضي درء الحد، سواء اعتقد الفاعل بحل الفعل أو بحرمته؛ لأن أساس الشبهة ليس الاعتقاد والظن، وإنما أساسها محل الفعل وتسلط الفاعل شرعاً عليه.
2 -
شبهة في الفاعل: كمن يطأ امرأة زفت إليه على أنها زوجته، ثم تبين
(1) الكراجع السابقة
(2)
شرح فتح القدير ج4 ص230
(3)
شرح الزرقاني ج8 ص99، وأسنى المطالب ج4 ص140، المغني ج10 ص255
أنها ليست زوجته. فأساس الشبهة ظن الفاعل واعتقاده، بحيث يأتي الفعل وهو يعتقد أنه لا يأتي محرماً، وقيام هذا الظن عند الفاعل يورث شبهة يترتب عليها درء الحد، فإذا أتى الفاعل الفعل وهو عالم بأنه محرم فلا شبهة.
3 -
شبهة في الجهة: ويقصد من هذا التعبير الاشتباه في حل الفعل وحرمته. وأساس هذه الشبهة الاختلاف بين الفقهاء على الفعل، فكل ما اختلفوا على جوازه أو حله يقوم الاختلاف فيه شبهة، ويدرأ فيه الحد، فمثلاً يجيز أبو حنيفة النكاح بلا ولي، ويجيز مالك النكاح بلا شهود، ويجيز ابن عباس نكاح المتعة، ومن ثم فلا يعتبر الوطء في هذه الأنكحة المختلف عليها زنا يحد عليه، بل يقوم الخلاف شبهة تدرأ الحد، ولو كان الفاعل يعتقد بحرمة الفعل؛ لأن هذا الاعتقاد في ذاته ليس له أثر ما دام العلماء مختلفين على الحل والحرمة (1) .
ويقسم الحنفية الشبهة قسمين:
الأول: الشبهة في الفعل (2) : ويسمونها أيضاً شبهة الاشتباه، وشبهة مشابهة، وهي شبهة في حق من اشتبه عليه الفعل دون من لم يشتبه عليه. وتثبت هذه الشبهة في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة، ولم يكن ثمة دليل سمعي يفيد الحل، بل ظن غير الدليل دليلاً، كمن يطأ زوجته المطلقة ثلاثاًَ في عدتها (3) .
ويشترط لقيام الشبهة في الفعل أن لا يكون هناك دليل على التحريم أصلاً، وأن يعتقد الجاني الحل، فإذا كان هناك دليل على التحريم، أو لم يكن الاعتقاد بالحل ثابتاً، فلا شبهة أصلاً.
الثاني: الشبهة في المحل: ويسمونها الشبهة الحكمية أو شبهة الملك. ويشترط
(1) أسني المطالب ج4 ص126.
(2)
شرح فتح القدير ج4 ص140، 141.
(3)
يحصر الحنفيون شبهة الفعل في ثمانية مواضع في جريمة الزنا، أحدها إتيان المطلقة ثلاثاً أتناء العدة، والأئمة الثلاثة يخالفون الحنفيين، ولا يرون شبهة في هذه المواضع، ومن ثم فهم لا يعترفون بشبهة الفعل في جريمة الزنا.
في هذه الشبهة أن تكون ناشئة عن حكم من أحكام الشريعة، فالسرقة محرمة بنص القرآن حيث قال الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"أنت ومالك لأبيك"، فالنص الثاني يقوم بذاته شبهة على تطبيق حكم النص الأول الذي يحرم السرقة ويعاقب عليها بالقطع؛ لأن النص الثاني يجعل الولد وماله ملكاً للأب، فإذا سرق الأب مال ولده فقد سرق ماله حكماً، فالشبهة في المحل أو الشبهة الحكمية تتحقق بقيام دليل شرعي ينفي الحرمة ولا عبرة بظن الفاعل، فيستوي أن يعتقد الفاعل أنه يسرق، أو يعتقد أنه لا يسرق؛ لأن الحرمة مشكوك فيها بقيام دليل الحد (1) .
ويضيف أبو حنيفة نوعاً ثالثاً من الشبهات، وهو شبهة العقد، فعنده أن الشبهة تثبت بالعقد ولو كان العقد متفقاً على تحريمه وكان الجاني عالماً بالتحريم. ولكن أصحابه وباقي الأئمة الأربعة يخالفونه في هذا، ولا يرون العقد شبهة إلا إذا كان الجاني يظن الحل ويعتقده.
وعلى هذا تكون الشبهة على رأي أبي حنيفة على ثلاثة أنواع: شبهة الفعل، وشبهة المحل، وشبهة العقد.
181 -
ما يترتب على درء الحدود بالشبهات: تختلف النتائج التي تترتب على الأخذ بقاعدة درء الحدود بالشبهات، ففي بعض الأحيان يؤدي تطبيق القاعدة إلى درء عقوبة الحد وتبرئة المتهم من الجريمة المنسوبة إليه، وفي بعض الأحيان يؤدي تطبيق القاعدة إلى درء عقوبة الحد وإحلال عقوبة تعزيرية محلها.
ويبرأ المتهم من الجناية المنسوبة إليه في ثلاث حالات:
الأولى: إذا كانت الشبهة قائمة في ركن من أركان الجريمة؛ فمن زفت إليه غير زوجته، فأتاها على اعتقاد أنها زوجته، لا يعاقب على الزنا بعقوبة الحد، ولا بعقوبة تعزيرية،
(1) شرح فتح القدير ج4 ص141، 142.
وإنما يحكم ببراءته؛ لانعدام القصد الجنائي لديه، والقصد الجنائي ركن من أركان جريمة الزنا. ومن أخذ خفية مالاً له وهو يعتقد أنه مال الغير لا يعاقب على السرقة حداً ولا تعزيراً؛ لانعدام ركن من أركان الجريمة، وهو كون المال مال الغير.
الثانية: أن تكون الشبهة قائمة في انطباق النص المحرم على الفعل المنسوب للمتهم، فمن تزوج بلا شهود أو بلا ولي، أو تزوج زواج متعة، لا يعاقب حداً ولا تعزيراً باعتباره زانياً؛ لأن العلماء اختلفوا في هذه الأنكحة، فأحلها بعضهم وحرمها البعض الآخر، وهذا الاختلاف معناه الشك في انطباق نص الزنا على هذه الأفعال، ومن ثم تجب تبرئة المتهم من الجناية المنسوبة إليه.
الثالثة: أن تكون الشبهة قائمة في ثبوت الجريمة، فإذا شهد شخصان على آخر بأنه شرب خمراً، ثم عدلا عن شهادتهما ولم يكن هناك دليل آخر، درئ الحد لشبهة صدق الشاهدين في عدولهما، وبرئ المتهم مما نسب إليه. وإذا نسب إلى شخص يُجَنُّ ويفيق أنه ارتد أو سرق، ولم يعلم إن كان ارتكب الجريمة وقت الإفاقة أو وقت الجنون، درئ عنه الحد؛ لشبهة عدم التكليف، وبرئ مما نسب إليه.
وفيما عدا هذه الحالات الثلاث فإن تطبيق القاعدة إذا أدى لدرء الحد فإنه يؤدي في الوقت ذاته إلى استبدال التعزير بالحد أياً كان مصدر الشبهة، فالأب يدرأ عنه الحد في سرقة مال ولده؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"أنت ومالك لأبيك"، ولكنه يعزر؛ لأن الدرء كان لشبهة حكمية أي شبهة في المحل. ومن يأت زوجته في دبرها يدرأ عنه الحد للشبهة في المحل، ولكنه يعزر. ومن يتزوج مَحرَماً أو يستأجر امرأة للزنا يُدرأ عنه الحد لشبهة العقد عند أبي حنيفة، ولكنه يعزر. ومن سرق مالاً تافهاً كالتراب، أو مباح الأصل كالصيد بعد صيده، يدرأ عنه حد السرقة عند أبي حنيفة؛ لشبهة التفاهة والإباحة، ولكنه يعزر. ومن يسرق باب المسجد يدرأ عنه الحد في رأي أبي حنيفة لشبهة عدم الحرز، ولكنه يعزر. وإذا نسب إلى شخص سرقة مثلاً، واشتبه فيما إذا كان بلغ الحلم أم لم يبلغ، درئ عنه
الحد، وعزر على ما نسب إليه. ومن يقر على نفسه بجريمة من جرائم الحدود ولا دليل عليه إلا إقراره يحد بإقراره، فإذا عدل عن إقراره كان عدوله شبهة تدرأ الحد، ولكنه يعزر بدلاً من عقوبة الحد. والفرق بين عدول المقر عن الإقرار، وعدول الشهود عن الشهادة: أن المتهم يعزر عند العدول عن الإقرار ويبرأ إذا عدل الشهود عن شهادتهم. وأساس هذا الفرق أن الإنسان لا يتهم نفسه عادة بجريمة لم يرتكبها، ولكن من السهل أن يتهمه غيره كذباً بما لم يفعله.
على أنه إذا تبين أن الإقرار كان نتيجة إكراه كان الحكم بالبراءة واجباً، إذ الإقرار نتيجة الإكراه أو التهديد باطل؛ لحديث ابن عمر:"ليس الرجل على نفسه بأمين إن جوَّعت أو خوَّفت أو أوثقت".
ولأن الإقرار يكون حجة لترجيح جانب الصدق فيه، فإذا امتنع المقر عن الإقرار حتى هُدد أو أُكره فالظاهر أنه كاذب في إقراره، والعدول عن الإقرار الصحيح يدرأ به الحد للشبهة، ولكن الإقرار يبقى مع هذا مرجحاً فيه جانب الصدق، فيصلح دليلاً يُعزَّر به وإن لم يصلح دليلاً لعقوبة الحد. والمسألة على كل حال متروكة لتقدير القاضي، فإن اقتنع أن الإقرار صحيح عاقب بعقوبة تعزيرية، وإن لم يقتنع حكم بالبراءة.
182 -
هل تطبق قاعدة درء الحدود بالشبهات على جرائم التعازير؟: الأصل في قاعدة درء الحدود بالشبهات أنها وضعت لجرائم الحدود، لكن ليس ثمة ما يمنع من تطبيقها على جرائم التعازير؛ لأن القاعدة وضعت لتحقيق العدالة ولضمان صالح المتهمين، وكل متهم في حاجة لتوفير هذين الاعتبارين سواء كان متهماً في جريمة من جرائم الحدود أو جرائم التعازير.
وتطبق القاعدة على جرائم التعازير في الحالات الثلاث التي يؤدي تطبيقها إلى البراءة في جرائم الحدود، ولا تطبق في حالات استبدال الحد بعقوبة تعزيرية؛ لأن جرائم التعازير عقوباتها غير مقدرة ومتروكة لتقدير القاضي واختياره، بعكس عقوبات جرائم الحدود فهي غير مقدرة وبالغة في الشدة والردع، وليس للقاضي أن
يعدل عنها ويستبدل بها غيرها إلا في حالة درء الحد للشبهة.
183 -
المبدأ الثاني: تفضيل الخطأ في العفو: من المبادئ العامة المقررة في الشريعة أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، وأصل هذا المبدأ قول الرسول عليه السلام:"إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"، ومعنى هذا المبدأ أنه لا يصح الحكم بالعقوبة إلا بعد التثبت من أن الجاني ارتكب الجريمة، وأن النص المحرم منطبق على الجريمة، فإذا كان ثمة شك في أن الجاني ارتكب الجريمة، أو في انطباق النص المحرم على الفعل المنسوب للجاني، وجب العفو عن الجاني، أي الحكم ببراءته؛ لأن براءة المجرم في حال الشك خير للجماعة، وأدعى إلى تحقيق العدالة من عقاب البرئ مع الشك.
ومبدأ الخطأ في العفو ينطبق على كل أنواع الجرائم، فهو ينطبق على جرائم الحدود، وجرائم القصاص والدية، وجرائم التعازير.
ويمكن القول بأن مبدأ درء الحدود بالشبهات على أهميته يعتبر تطبيقاً لمبدأ الخطأ في العفو، على الأقل في الحالات التي يؤدي فيها درء الحد لتبرئة الجاني.
184 -
القانون والشريعة: وتأخذ القوانين الوضعية بصفة عامة بطريقة الشريعة في التفسير، وإذا كانت القوانين تميل إلى تقييد سلطة القاضي في تفسير النصوص الجنائية، إلا أن المحاكم اتجهت تحت تأثير الضرورات العملية، والرغبة في حماية المصالح العامة، إلى التوسع في تفسير النصوص الجنائية، من ذلك أنها اخترعت نظرية التسليم الضروري في السرقة؛ لحماية الجمهور من ضرب من ضروب السرقة، لا يدخل تحت نص القانون إذا أخذ بنظرية التفسير الضيق، وكذلك اعتبرت المحاكم الكهرباء منقولاً؛ لتعاقب على اختلاسها بعقوبة السرقة، كذلك عاقبت على سرقة أكفان الموتى، والقاعدة التي تتبعها المحاكم يحبذها أكثر الشراح، وهي عين الطريقة التي تأخذ بها الشريعة الإسلامية.
والقاعدة في القانون أن يفسر كل شك لمصلحة المتهم، وتطبيق هذه القاعدة