الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقله أو عطل فكره تساوى بالأنعام بل كان أضل منها.
ونصوص القرآن صريحة في تقرير هذه المعاني، واقرأ إن شئت قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 170 - 171]، وقوله:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، وقوله:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَاّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179] .
وللإنسان أن يفكر فيما شاء كما يشاء وهو آمن من التعرض للعقاب على هذا التفكير ولو فكر في إتيان أعمال تحرمها الشريعة، والعلة في ذلك أن الشريعة لا تعاقب الإنسان على أحاديث نفسه، ولا تؤاخذه على ما يفكر فيه من قول أو فعل محرم، وإنما تؤاخذه على ما أتاه من قول أو فعل محرم، وذلك معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم".
25 - حرية الاعتقاد:
والشريعة الإسلامية وهي أول شريعة أباحت حرية الاعتقاد وعملت على صيانة هذه الحرية وحمايتها إلى آخر الحدود، فلكل إنسان - طبقاً للشريعة الإسلامية - أن يعتنق من العقائد ما شاء، وليس لأحد أن يحمله على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها أو يمنعه من إظهار عقيدته.
وكانت الشريعة الإسلامية عملية حين قررت حرية العقيدة، فلم تكتف بإعلان هذه الحرية وإنما اتخذت لحمايتها طريقين:
أولاهما: إلزام الناس أن يحترموا حق الغير في اعتقاد ما يشاء وفي تركه يعمل طبقاً لعقيدته، فليس لأحد أن يكره آخر على اعتناق عقيدة ما أو ترك أخرى،
ومن كان يعارض آخر في اعتقاده فعليه أن يقنعه بالحسنى، ويبين له وجه الخطأ فيما يعتقد، فإن قبل أن يغير عقيدته عن اقتناع فليس عليهما حرج، وإن لم يقبل فلا يجوز إكراهه ولا الضغط عليه، ولا التأثير عليه بما يحمله على تغيير عقيدته وهو غير راضٍ، ويكفي صاحب العقيدة المضادة أنه أدى واجبه؛ فبين الخطأ، وأرشد إلى الحق، ولم يقصر في إرشاد خصمه وهدايته إلى الصراط المستقيم. واقرأ إن شئت هذه المعاني صريحة واضحة في قول تعالى لرسوله:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وقوله:{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وقوله:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21 - 22]، وقوله:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54] .
ثانيهما: إلزام صاحب العقيدة نفسه أن يعمل على حماية عقيدته، وأن لا يقف موقفاً سلبياً، فإذا عجز عن حماية نفسه تحتم عليه أن يهاجر من هذه البلدة التي لا تحترم فيها أهله العقيدة، ويمكن فيه من إعلان ما يعتقد، فإن لم يهاجر وهو قادر على الهجرة فقد ظلم نفسه قبل أن يظلمه غيره، وارتكب إثماً عظيماً، وحقت عليه كلمة العذاب، أما إذا كان عاجزاً عن الهجرة فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وهذا هو القرآن ينص صراحة على ذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا* إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 - 99] .
وقد بلغت الشريعة الإسلامية غاية السمو حينما قررت حرية العقيدة للناس عامة مسلمين وغير مسلمين، وحينما تكفلت بحماية هذه الحرية لغير المسلمين في بلاد الإسلام، ففي أي بلد إسلامي يستطيع غير المسلم أن يعلن عن دينه