الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكون مطابقا، واختص هو بذلك؛ لكونه الذي كان أشار بذلك، واستدل له ثم ظهر له أن الوقوف عند ما كان الأمر عليه أولا أولى، فرجع إلى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين فمات المضروب وداه للعلة المذكورة، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله:(لم يسنه) لصفة الضرب، وكونها بسوط الجلد أي: لم يسن الجلد بالسوط، وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها مما تقدم ذكره، أشار إلى ذلك البيهقي، وقال ابن حزم أيضا: لو جاء عن غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون، وأنه غير مسنون لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر، فضلا عن علي مع سعة علمه وقوة فهمه.
وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد وخبر أبي ساسان، فخبر أبي ساسان أولى بالقبول؛ لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي، وخبر عمير موقوف على علي، وإذا تعارض المرفوع والموقوف؛ قدم المرفوع، وأما دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصحيحة، وعلى تقدير أن تكون إحدى الروايتين وهما فرواية الإثبات مقدمة على رواية النفي، وقد ساعدتها رواية أنس على اختلاف ألفاظ النقلة عن قتادة، وعلى تقدير أن يكون بينهما تمام التعارض، فحديث أنس سالم من ذلك.
خلاف العلماء في أن العقوبة في شرب الخمر هل هي حد أو تعزير
مع بيان ما يترتب على ذلك:
اختلف أهل العلم في عقوبة شارب الخمر على قولين أحدهما: أنها حد. والثاني: أنها تعزير، والذين قالوا بأنها حد اختلفوا على قولين هما المشهوران، منهم من قال بأنه ثمانون، ومنهم من قال بأن الحد أربعون وما زاد على ذلك يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام؛ فإن رأى الزيادة زاد وإلا فلا، وفيما يلي بيان هذه الأقوال مع الأدلة والمناقشة:
القول الأول: إنه تعزير قال: الحافظ ابن حجر: إن الطبري وابن المنذر حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها، وإنما فيها التعزير.
واستدلوا بأحاديث الباب؛ فإنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب وأصرحها حديث أنس، ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه، وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج ومعمر سئل ابن شهاب «كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؟ فقال: لم يكن فرض فيها حدا، كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم: ارفعوا، (1)» وورد أنه لم يضربه أصلا وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس أن رسول الله
(1) سنن أبو داود الحدود (4488)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 88).
صلى الله عليه وسلم «لم يوقت في الخمر حدا (1)» ، قال ابن عباس:«وشرب رجل فسكر فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس، فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يأمر فيه بشيء (2)» .
وأخرج الطبري من وجه آخر عن ابن عباس «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرا، ولقد غزا تبوك فغشي حجرته من الليل سكران فقال: ليقم إليه رجل فيأخذ بيده حتى يرده إلى رحله» .
والجواب: أن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد؛ لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران فصيره حدا واستمر عليه، وكذا استمر من بعده، وإن اختلفوا في العدد.
وجمع القرطبي بين الأخبار بأنه لم يكن أولا في شرب الخمر حد، وعلى ذلك يحمل حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس، ثم شرع فيه التعزير على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها، ثم شرع الحد ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحا مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين، ومن ثم توخى أبو بكر على ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقر عليه الأمر، ثم رأى عمر ومن وافقه الزيادة على الأربعين إما حدا بطريق الاستنباط، وإما تعزيرا. انتهى المقصود من كلام ابن حجر (3).
القول الثاني: إنها حد وأنه ثمانون، وهو مذهب الحنفية والمالكية والمقدم عند الحنابلة.
ففي بداية المهتدي: وحد الخمر والسكر إلى ثمانين سوطا (4) وفي قوانين الأحكام الفقهية وهو ثمانون جلدة للحر (5)، وقال ابن قدامة: إحداهما: أنه ثمانون، وبهذا قال مالك والثوري وأبو حنيفة ومن تبعهم (6). انتهى.
واستدل لهذا بإجماع الصحابة؛ فإنه روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين، فضرب عمر ثمانين وكتب به إلى خالد
(1) سنن أبو داود الحدود (4476)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 322).
(2)
سنن أبو داود الحدود (4476)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 322).
(3)
فتح الباري / 12/ 72.
(4)
البداية / 2/ 111.
(5)
قوانين الأحكام الفقهية 391.
(6)
المغني / 9/ 141.
وأبي عبيدة بالشام.
وروي أن عليا قال في المشورة: إنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فحدوه حد المفتري. روى ذلك الجوزجاني والدارقطني وغيرهما. انتهى من كلام ابن قدامة (1).
ونوقش هذا الدليل بما يلي:
أولا: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه بفعل غيره، ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآه الإمام- ذكر هذا الوجه ابن قدامة (2) ثانيا: أن عليا أشار على عمر بذلك، ثم رجع علي عن ذلك واقتصر على الأربعين؛ لأنها القدر الذي اتفقوا عليه في زمن أبي بكر مستندين إلى تقدير ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الذي أشار به فقد تبين من سياق قصته أنه أشار بذلك؛ ردعا للذين انهمكوا؛ لأن في بعض طرق القصة - كما تقدم - أنهم احتقروا العقوبة (3).
القول الثالث: أنه أربعون، وما زاد عن ذلك يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، وبهذا قال الشافعي، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد، وبه قال أبو ثور وداود ومن وافقهم من أهل العلم.
قال الشيرازي وقال الشافعي وأبو ثور وداود: الحد في ذلك أربعون- ومضى إلى أن قال: فإن رأى الإمام أن يبلغ بحد الحر ثمانين وبحد العبد أربعين جاز (4). انتهى.
(1) المغني / 9/ 141.
(2)
المغني / 9/ 142.
(3)
الفتح / 12/ 73.
(4)
المهذب / 18/ 448.
وقال ابن قدامة: والرواية الثانية أن الحد أربعون، وهو اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي (1). انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا أوجه القولين (2).
واستدل لهذا القول بما روى أبو ساسان قال: «لما شهد على الوليد بن عقبة، قال عثمان لعلي: دونك ابن عمك فاجلده. قال: قم يا حسن فاجلده. قال: فيما أنت وذاك ول هذا غيري. قال: ولكنك ضعفت وعجزت ووهنت. فقال: قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده وعلي يعد ذلك، فعد أربعين، وقال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين، وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة (3)» . أخرجه البيهقي.
وأما كون الزيادة عن الأربعين راجعة إلى رأي الإمام، فقد استدلوا لذلك بما رواه أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فأتيته ومعه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وعلي وطارق والزبير رضي الله عنهم، فقلت: إن خالد بن الوليد رضي الله عنه يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة فيه.
قال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم، فقال: تراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون. فقال عمر: بلغ صاحبك ما قالوا. فجلد خالد ثمانين، وجلد عمر ثمانين.
وقال: وكان عمر إذا أتي بالرجل القوي المنهمك في الشراب جلده ثمانين، وإذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه زلة جلده أربعين (5).
(1) المغني 9/ 142
(2)
السياسة الشرعية / 50.
(3)
سنن أبو داود الحدود (4480)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 145).
(4)
سنن أبو داود الحدود (4480)، سنن ابن ماجه الحدود (2571)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 145).
(5)
المهذبة ومعه الشرح / 18/ 48 وما بعدها.
وأما بيان ما يترتب على القول بأنها تعزير وحد، فعلى القول بأنها حد لا يدخله العفو والإسقاط والصلح؛ لأنه من حقوق الله - جل وعلا - وإذا مات المضروب ثمانين عند من يقول بذلك، وأربعين عند من يقول بهذا؛ فإنه يموت هدرا لا دية له، وعلى القول بأنها تعزير، يدخله العفو والإسقاط والصلح من جهة أصله عند من يقول بأنه تعزير، وما زاد على الأربعين ففيه الدية. وفيما يلي نقول عن أهل العلم في ذلك:
1 -
قال الشيرازي: فإن جلده أربعين ومات لم يضمن؛ لأن الحق قتله، وإن جلده ثمانين ومات ضمن نصف الدية؛ لأن نصفه حد ونصفه تعزير، وسقط النصف بالحد ووجب النصف بالتعزير. انتهى المقصود (1).
2 -
قال الخرقي (مسألة): فإن مات في جلده فالحق قتله، يعني ليس على أحد ضمانه، قال ابن قدامة: وهذا قول مالك وأصحاب الرأي، وبه قال الشافعي، إن لم يزد على الأربعين، وإن زاد على الأربعين فمات فعليه الضمان؛ لأن ذلك تعزير؛ إنما يفعله الإمام برأيه، وفي قدر الضمان قولان:
أحدهما: نصف الدية؛ لأنه تلف من فعلين: مضمون وغير مضمون، فكان عليه نصف الضمان.
والثاني: تقسط الدية على عدد الضربات كلها، فيجب من الدية بقدر زيادته على الأربعين.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر، ولو مات وديته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه لنا (2)» .
ولنا أنه حد وجب لله فلم يجب ضمان من مات به كسائر الحدود، وما زاد على الأربعين قد ذكرنا أنه من الحد، وإن كان تعزيرا فالتعزير يجب وهو بمنزلة الحد.
وأما حديث علي فقد صح عنه أنه قال: «جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين، (3)» وثبت الحد بالإجماع فلم تبق فيه شبهة (4).
(1) المهذب / 2/ 287.
(2)
صحيح البخاري الحدود (6778)، صحيح مسلم الحدود (1707)، سنن أبو داود الحدود (4486)، سنن ابن ماجه الحدود (2569)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 130).
(3)
صحيح البخاري الحدود (6778)، صحيح مسلم الحدود (1707)، سنن أبو داود الحدود (4481)، سنن ابن ماجه الحدود (2571)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 82)، سنن الدارمي الحدود (2312).
(4)
المغني / 9/ 145.
كلمة عن التعزير:
قال أبو محمد ابن قدامة في المغني (مسألة) قال: (ولا يبلغ التعزير الحد).
التعزير هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها، كوطء الشريك الجارية المشتركة، أو أمته المزوجة، أو جارية ابنه، أو وطء امرأته في دبرها أو حيضها، أو وطء أجنبية دون الفرج، أو سرقة ما دون النصاب، أو من غير حرز، أو النهب أو الغصب أو الاختلاس، أو الجناية على إنسان بما لا يوجب حدا ولا قصاصا ولا دية، أو شتمه بما ليس بقذف ونحو ذلك يسمى تعزيرا؛ لأنه منع من الجناية.
والأصل في التعزير المنع، ومنه التعزير بمعنى النصرة؛ لأنه منع لعدوه من أذاه، واختلف عن أحمد في قدره، فروي عنه أنه لا يزاد على عشر جلدات، نص أحمد على هذا في مواضع، وبه قال إسحاق: لما روى أبو بردة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى (1)» متفق عليه.
والرواية الثانية: لا يبلغ به الحد، وهو الذي ذكره الخرقي، فيحتمل أنه أراد لا يبلغ به أدنى حد مشروع، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، فعلى هذا لا يبلغ به أربعين سوطا؛ لأنها حد العبد في الخمر والقذف، وهذا قول أبي حنيفة، وإن قلنا: إن حد الخمر أربعون لم يبلغ به عشرين سوطا في حد العبد، وأربعين في حد الحر، وهذا مذهب الشافعي، فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطا، ولا الحر على تسعة وثلاثين سوطا.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: أدنى الحدود ثمانون فلا يزاد في التعزير على تسعة وسبعين، ويحتمل كلام أحمد والخرقي أنه لا يبلغ كل جناية حدا مشروعا في جنسها، ويجوز أن يزيد مائة إلا سوطا؛ لينقص عن حد الزنا، وما كان سببه غير الوطء لم يبلغ به أدنى الحدود؛ لما روي عن النعمان بن بشير في الذي وطئ جارية امرأته بإذنها بجلد مائة، وهذا تعزير؛ لأنه في حق المحصن وحده إنما هو الرجم.
وعن سعيد بن المسيب عن عمر في أمة بين رجلين وطئها أحدهما، يجلد الحد إلا سوطا واحدا، رواه الأثرم واحتج به أحمد، قال القاضي: هذا عندي من نص أحمد لا يقتضي اختلافا في التعزير، بل المذهب أنه لا يزاد على عشر جلدات؛ اتباعا للأثر إلا في وطء جارية امرأته؛ لحديث النعمان، وفي الجارية المشتركة؛ لحديث عمر، وما عداهما يبقى على العموم؛ لحديث أبي بردة، وهذا قول حسن.
وإذا ثبت تقدير أكثر فليس أقله مقدرا؛ لأنه لو تقدر لكان حدا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر أكثره ولم يقدر أقله، فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام
(1) صحيح البخاري الحدود (6850)، صحيح مسلم الحدود (1708)، سنن الترمذي الحدود (1463)، سنن أبو داود الحدود (4491)، سنن ابن ماجه الحدود (2601)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 466)، سنن الدارمي الحدود (2314).
فيما يراه وما يقتضيه حال الشخص.
وقال مالك: يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام؛ لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه مالا، فبلغ عمر رضي الله عنه فضربه مائة وحبسه فكلم فيه، فضربه مائة أخرى فكلم فيه من بعد، فضربه مائة ونفاه.
وروى أحمد بإسناده أن عليا أتي بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين الحد، وعشرين سوطا لفطره في رمضان.
وروي أن أبا الأسود استخلفه ابن عباس على قضاء البصرة فأتي بسارق قد كان جمع المتاع في البيت ولم يخرجه، فقال أبو الأسود: أعجلتموه المسكين، فضربه خمسة وعشرين سوطا، وخلى سبيله.
ولنا: حديث أبي بردة وروى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» . ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية، والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم عن غيرها، فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأمرين عقوبة أعظمها، وما قالوه يؤدي إلى أن من قبل امرأة حراما يضرب أكثر من حد الزنا، وهذا غير جائز؛ لأن الزنا مع عظمه وفحشه لا يجوز أن يزاد على حده فما دونه أولى.
فأما حديث معن فيحتمل أنه كانت له ذنوب كثيرة فأدب على جميعها، أو تكرر منه الأخذ، أو كان ذنبه مشتملا على جنايات أحدها تزويره، والثاني: أخذه لمال بيت المال بغير حقه، والثالث: فتحه باب هذه الحيلة لغيره وغير هذا.
وأما حديث النجاشي فإن عليا ضربه الحد لشربه، ثم عزره عشرين لفطره فلم يبلغ بتعزيره حدا، وقد ذهب أحمد إلى هذا، وروي أن من شرب الخمر في رمضان يحد، ثم يعزر لجنايته من وجهين، والذي يدل على صحة ما ذكرناه، ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى أن لا يبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا.
(فصل): والتعزيز يكون بالضرب والحبس والتوبيخ، ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه، ولا أخذ ماله؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به، ولأن الواجب أدب والتأديب لا يكون بالإتلاف.
(فصل): والتعزير فيما شرع فيه التعزير واجب إذا رآه الإمام، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: ليس بواجب؛ لأن «رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها. فقال: أصليت معنا؟ قال: نعم، فتلا عليه:
(2)
».
وقال في الأنصار: «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم (3)» «وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم في حكم حكم به للزبير: أن كان ابن عمتك؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعزره على مقالته (4)» . وقال له رجل: «إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله (5)» ، فلم يعزره.
ولنا أن ما كان من التعزير منصوصا عليه كوطء جارية امرأته أو جارية مشتركة، فيجب امتثال الأمر فيه، وما لم يكن منصوصا عليه، إذا رأى الإمام المصلحة فيه أو علم أنه لا ينزجر إلا به وجب؛ لأنه زجر مشروع لحق الله تعالى، فوجب كالحد.
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4687)، صحيح مسلم كتاب التوبة (2763)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3112)، سنن أبو داود كتاب الحدود (4468)، سنن ابن ماجه الزهد (4254)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 449).
(2)
سورة هود الآية 114 (1){إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(3)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 241).
(4)
صحيح البخاري المساقاة (2360)، صحيح مسلم الفضائل (2357)، سنن الترمذي الأحكام (1363)، سنن النسائي آداب القضاة (5407)، سنن أبو داود الأقضية (3637)، سنن ابن ماجه المقدمة (15)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 166).
(5)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3405)، صحيح مسلم الزكاة (1062)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 380).
(فصل): وإذا مات من التعزير لم يجب ضمانه، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: يضمنه؛ لقول علي: ليس أحد أقيم عليه الحد فيموت فأجد في نفسي شيئا أن الحق قتله إلا حد الخمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه لنا، وأشار على عمر بضمان التي أجهضت جنينها حين أرسل إليها.
ولنا أنها عقوبة مشروعة للردع والزجر، فلم يضمن من تلف بها كالحد، وأما قول علي في دية من قتله حد الخمر، فقد خالفه غيره من الصحابة، فلم يوجبوا شيئا به، ولم يعمل به الشافعي ولا غيره من الفقهاء، فكيف يحتج به مع ترك الجميع له؟
وأما قوله في الجنين: فلا حجة لهم فيه؛ فإن الجنين الذي تلف لا جناية منه ولا تعزير عليه فكيف يسقط ضمانه؟ ولو أن الإمام حد حاملا فأتلف جنينها، ضمنه مع أن الحد متفق عليه بيننا على أنه لا يجب ضمان المحدود إذا أتلف به (1).
وقال ابن تيمية رحمه الله (2): وقد تنازع العلماء في مقدار أعلى التعزير الذي يقام بفعل المحرمات على أقوال:
(أحدها): - وهو أحسنها وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما- أنه لا يبلغ في التعزير في كل جريمة الحد المقدر فيها، وإن زاد على حد مقدر في غيرها، فيجوز التعزير في المباشرة المحرمة، وفي السرقة من غير حرز بالضرب الذي يزيد على حد القذف، ولا يبلغ بذلك الرجم والقطع، والقول الثاني: أنه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود: إما
(1) المغني ج8 ص 324 وما بعدها طبعة مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
(2)
ص 404 من مجموع الفتاوى ج 35.
أربعين وإما ثمانين، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة.
والقول الثالث: أن لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره.
وعلى القول الأول: هل يجوز أن يبلغ بها القتل مثل قتل الجاسوس المسلم؟ في ذلك قولان: (أحدهما): قد يبلغ بها القتل فيجوز قتل الجاسوس المسلم إذا قصد المصلحة، وهو قول مالك وبعض أصحاب أحمد كابن عقيل، وقد ذكر نحو ذلك بعض أصحاب الشافعي وأحمد في قتل الداعية إلى البدع، ومن لا يزول فساده إلا بالقتل، وكذلك مذهب مالك قتل الداعية إلى البدع كالقدرية ونحوهم.
والقول الثاني: أنه لا يقتل الجاسوس، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والقاضي أبي يعلى من أصحاب أحمد، والمنصوص عن أحمد التوقف في المسألة.
وممن يجوز التعزير بالقتل في الذنوب الكبار أصحاب أبي حنيفة في مواضع يسمون القتل فيها (سياسة) كقتل من تكرر لواطه أو قتله بالمثقل، فإنهم يجوزون قتله سياسة وتعزيرا؟ وإن كان أبو حنيفة لا يوجب ذلك بل ولا يجوزه فيمن فعله مرة واحدة، وأما صاحباه فمع سائر الأئمة فيخالفون في أنه يجب القود في القتل، وفي وجوب قتل اللوطي إما مطلقا سواء كان محصنا أو غير محصن، كمذهب مالك وأحمد في أشهر روايتيه، والشافعي في أحد قوليه. وإما أن يكون حده مثل حد الزاني كقول صاحبي أبي حنيفة والشافعي في أشهر قوليه، وأحمد في أحد روايتيه.
والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يوافق القول الأول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجلد الذي أحلت امرأته له جاريتها مائة، وجلد أبو بكر وعمر رجلا وجد مع امرأة في فراش مائة، وعمر بن الخطاب ضرب الذي زور عليه خاتمه، فأخذ من بيت المال مائة، ثم ضربه في اليوم الثاني والثالث مائة مائة، وليس هذا موضع بسط أصناف التعزير؛ فإنها كثيرة الشعب.
حكم من تكرر عنه شربها "القتل أو الجلد":
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين أحدهما: أنه يقتل وبه قال ابن حزم ومن وافقه من أهل العلم.
والثاني: أنه لا يقتل، وبه قال جمهور أهل العلم، وفيما يلي بيان القولين مع الأدلة والمناقشة:
القول الأول:
إن شارب الخمر إذا شرب ثم حد، ثم شرب ثم حد، ثم شرب ثم حد، ثم شرب الرابعة قتل، وهذا يقول به ابن حزم ومن يوافقه من أهل العلم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقيل: هو محكم وقد يقال: هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة، وقال أيضا: وطائفة يقولون: إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك. انتهى المقصود (1).
والحجة لهذا القول:
1 -
قال ابن حزم: نا أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا الحرث- هو ابن أبي أسامة - نا عبد الوهاب بن عطاء نا قرة بن خالد عن الحسن بن عبد الله بن البصري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ائتوني برجل أقيم عليه حد في الخمر؛ فإن لم أقتله فأنا كاذب. انتهى (2).
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه (3)» قال عبد الله: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله. وأجيب عن هذا الحديث بأنه منقطع فلا حجة لهم فيه، قال ابن حجر: (وهذا منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو كما جزم به ابن المديني وغيره، فلا حجة فيه، وإذا لم يصح هذا عن عبد الله بن عمرو لم يبق لمن رد الإجماع على ترك القتل متمسك حتى ولو ثبت عن عبد الله بن عمرو لكان عذره أنه لم يبلغه النسخ، وعد ذلك من نزره المخالف.
وقد جاء عن عبد الله بن عمرو أشد من الأول، فأخرج سعيد بن منصور عنه بسند لين قال: لو رأيت أحدا يشرب الخمر واستطعت أن أقتله لقتلته) (4) انتهى.
2 -
عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاجلدوهم، ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم (5)» رواه الخمسة إلا النسائي، قال الشوكاني: قال البخاري: هو أوضح ما في هذا الباب، وأخرجه أيضا الشافعي والدارمي
(1) مجموع الفتاوى 34/ 217.
(2)
السياسة الشرعية / 49 - 50.
(3)
سنن الترمذي كتاب الحدود (1444)، سنن أبو داود الحدود (4482)، سنن ابن ماجه الحدود (2573)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 93).
(4)
الفتح / 12/ 80 - .
(5)
سنن الترمذي كتاب الحدود (1444)، سنن أبو داود الحدود (4482)، سنن ابن ماجه الحدود (2573)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 95).
وابن المنذر وابن حبان، وصححه من حديث أبي هريرة، وأخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد، والمحفوظ أنه عن معاوية، وأخرجه أبو داود من رواية أبان العطار وفيه "فإن شربوا - يعني بعد الرابعة - فاقتلوهم ". ورواه أيضا أبو داود من حديث ابن عمرو قال: وأحسبه قال في الخامسة: "ثم إن شربها فاقتلوه " قال: وكذا في حديث غطيف في الخامسة. انتهى (1).
3 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه (2)» رواه الخمسة إلا الترمذي:
وأجيب عن هذه الأحاديث وما في معناها أن القتل منسوخ وأدلة النسخ:
1 -
قال الترمذي: إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد، هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه قال: ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله (3)» ، وأخرجه النسائي أيضا.
-2 عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه. فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكان رخصة (4)» . رواه أبو داود وذكره الترمذي بمعناه.
وأخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق وعلقه الترمذي، وأخرجه أيضا الخطيب عن ابن إسحاق عن الزهري عن قبيصة، قال سفيان بن عيينة: حدث الزهري بهذا، وعند منصور بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما: كونا وافدا أهل العراق بهذا الحديث، وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة، ولد عام الفتح، وقيل: إنه ولد أول سنة من الهجرة، ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعده الأئمة من التابعين، وذكروا أنه سمع الصحابة.
قال المنذري: وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إنه أتي به صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له، وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال: كان من علماء هذه الأمة
(1) نيل الأوطار / 7/ 325.
(2)
سنن النسائي الأشربة (5662)، سنن أبو داود الحدود (4484)، سنن ابن ماجه الحدود (2572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 504)، سنن الدارمي الأشربة (2105).
(3)
سنن الترمذي كتاب الحدود (1444)، سنن أبو داود الحدود (4482)، سنن ابن ماجه الحدود (2573)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 96).
(4)
سنن أبو داود الحدود (4485).
وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة. انتهى.
ورجال الحديث مع إرساله ثقات، وأعله الطحاوي بما أخرجه من طريق الأوزاعي أن الزهري راويه قال: بلغني عن قبيصة، ولم يذكر أنه سمع منه.
وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال: أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي، وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر مثله. انتهي (1) من كلام الشوكاني.
وقال ابن حجر: وأخرجه الخطيب في المبهمات من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري، وقال فيه: فأتي برجل من الأنصار يقال له، نعيمان فضربه أربع مرات، فرأى المسلمون أن القتل قد أخر، وأن الضرب قد وجب.
وقال ابن حجر على قوله: " بلغه" والظاهر أن الذي بلغ قبيصة ذلك صاحبي فيكون الحديث على شرط الصحيح؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر. وله شاهد أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال: حدثت به ابن المنكدر فقال: ترك ذلك، «قد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن نعيمان فجلده ثلاثا، ثم أتي به في الرابعة فجلده ولم يزد (2)» . ووقع عند النسائي من طريق محمد بن إسحاق عن ابن المنكدر عن جابر «فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا قد شرب في الرابعة فلم يقتله» .
وأخرجه من وجه آخر عن محمد بن إسحاق بلفظ: «فإن عاد الرابعة فأضربوا عنقه (3)» ، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات، فرأى المسلمون أن الحد قد وقع، وأن القتل قد رفع (4) انتهى.
يمكن أن يقال أن هذه العقوبة تعزير، وأن أمرها إلى الإمام تشديد أو تخفيف على ما يراه الإمام بمقتضى الظروف والأحوال، فلا يلزم أن يكون الترك نسخا.
(1) نيل الأوطار / 7/ 326.
(2)
سنن أبو داود الحدود (4485).
(3)
سنن النسائي الأشربة (5662)، سنن أبو داود الحدود (4484)، سنن ابن ماجه الحدود (2572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 504)، سنن الدارمي الأشربة (2105).
(4)
الفتح / 12/ 80.
القول الثاني:
إنه لا يقتل، وإن القتل منسوخ، وهذا قول جمهور العلماء وفيما يلي بيان بعض من قال
بذلك مع الأدلة والمناقشة:
قال الشوكاني: ذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب، وأن القتل منسوخ، قال الشافعي: - والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره، يعني حديث قبيصة بن ذؤيب، ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وقال الخطابي: قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به الفعل، وإنما يقصد به الردع والتحذير، وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا، ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أن لا يقتل. انتهى.
وحكى المنذري عن بعض أهل العلم أنه قال: أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر، وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة، قالت: يقتل بعد حده أربع مرات للحديث، وهو عند الكافة منسوخ. انتهى.
وقال الترمذي: إنه لا يعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم في القديم والحديث، وذكر أيضا في آخر كتابه الجامع في العلل أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث «إذا سكر فاجلدوه (1)» المذكور في الباب، وحديث الجمع بين الصلاتين. انتهى (2).
وقال ابن حجر: وأما ابن المنذر فقال: كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به، ثم نسخ بالأمر بجلده، فإن تكرر ذلك أربعا قتل، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وبإجماع أهل العلم إلا من شذ ممن لا يعد خلافه خلافا. انتهى (3).
وقال شيخ الإسلام: والقتل عند أكثر العلماء منسوخ. انتهى (4).
وقال شيخ الإسلام أيضا: وقد روي من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه (5)» فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة وأكثر العلماء لا يوجبون القتل بل يجعلون هذا الحديث منسوخا وهو المشهور من مذاهب الأئمة. وبعد ذكره للقول بالقتل ودليله قال: والحق ما تقدم- ثم ذكر حديث عبد الله (حمار) الثابت في الصحيح وسيأتي ذكره (6).
(1) سنن النسائي الأشربة (5662)، سنن أبو داود الحدود (4484)، سنن ابن ماجه الحدود (2572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 504)، سنن الدارمي الأشربة (2105).
(2)
نيل الأوطار / 7/ 326 - 327.
(3)
فتح الباري / 12/ 80 - .
(4)
السياسة الشرعية / 50.
(5)
مسند أحمد بن حنبل (2/ 214).
(6)
مجموع الفتاوى / 34/ 217.
وقال ابن حزم: وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم: لا يقتل عليه، وذكروا ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص. انتهى (1).
(1) المحلى / 11/ 366.
الأدلة
الدليل الأول:
روى ابن حزم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب الرجل فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل منا فلم يقتله (1)» . ونوقش بأنه لا يصح؛ لأنه لم يروه عن ابن المنكدر أحد متصلا إلا شريك القاضي وزياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق عن ابن المنكدر، وهما ضعيفان، ذكر ذلك ابن حزم.
وقد يجاب عن ذلك أولا: بأن زيادا صدوق وثبت في روايته عن ابن إسحاق لا مطعن فيها عند أئمة الحديث.
وقد يجاب عن ذلك ثانيا: بأن الضعف الذي ادعاه بعض أئمة الحديث في شريك، وبعضهم في زياد يزول هنا بمتابعة أحدهما للآخر في رواية هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، كما تزول تهمة التدليس من ابن إسحاق برواية قبيصة بن ذؤيب الآتية؛ لأن المدلس إذا تابعه غيره من المعتبرين صار حديثه حسنا لغيره.
الدليل الثاني:
ما رواه ابن حزم بسنده عن ابن شهاب أن قبيصة بن ذؤيب حدثه أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لشارب الخمر: «إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب ثلاث مرات فجلده، ثم أتي به في الرابعة فجلده ووضع القتل عن الناس (2)» .
وناقشه ابن حزم بأنه منقطع ولا حجة في المنقطع، وقد مضى الجواب عن ذلك في الكلام على درجة هذا الحديث عند الاستدلال به على النسخ (3).
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 191).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (2/ 211).
(3)
المحلى / 11/ 369.
الدليل الثالث:
ما رواه ابن حزم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب «أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل في القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به. فقال رسول صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه فوالله ما علمته إلا يحب الله ورسوله (1)» .
وناقش ابن حزم هذا الحديث قائلا: وأما حديث زيد بن أسلم الذي من طريق معمر عنه فمنقطع، ثم لو صح لما كانت فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أن ذلك كان بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل، فإذ ليس ذلك فيه فاليقين الثابت لا يحل تركه للضعيف الذي لا يصح، ولو صح لكان ظنا فسقط التعلق به جملة.
ولو أن إنسانا يجلده النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر ثلاث مرات قبل أن يأمر بقتله في الرابعة لكان مقتضى أمره صلى الله عليه وسلم استئناف جلده بعد ذلك ثلاث مرات، ولا بد لأنه عليه السلام حين لفظ بالحديث المذكور أمر في المستأنف بضربه إن شرب، ثم بضربه إن شرب ثانية، ثم بضربه ثالثة، ثم بقتله رابعة، هذا نص حديثه وكلامه عليه السلام، فإنما كان يكون حجة لو بين أنه أتى به أربع مرات بعد أمره عليه السلام بقتله في الرابعة، وهكذا القول سواء بسواء في حديث عمر الذي من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم.
وأجيب عن ذلك بما يلي:
أولا: هذا الحديث أخرجه البخاري في الصحيح فقال: حدثنا يحيى بن بكير حدثني الليث قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب «أن رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله (2)» .
قال ابن حجر على هذا الحديث وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب
(1) صحيح البخاري الحدود (6780).
(2)
صحيح البخاري الحدود (6780).
الخمر إذا تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة، فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتي به أكثر من خمسين مرة. انتهى (1).
ثانيا: أن بعض الصحابة عمل بالناسخ فأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند لين عن عمر بن الخطاب أنه جلد أبا محجن الثقفي في الخمر ثمان مرار، وأورد نحو ذلك عن سعد بن أبي وقاص وأخرج جاد بن سلمة في مصنفه من طريق أخرى رجالها ثقات أن عمر جلد أبا محجن في الخمر أربع مرار، ثم قال له: أنت خليع فقال: أما إذا خلعتني فلا أشربها أبدا. انتهى. ذكر ذلك ابن حجر (2).
ثالثا: سبق القول عن أهل العلم بالقول بالنسخ، وذكر الشافعي أنه مما لا اختلاف فيه.
رابعا: إذا كان ثابتا فقد مضى حديث جابر عند الترمذي والنسائي وفيه بيان أن القتل كان متقدما وأن تركه كان متأخرا.
الدليل الرابع:
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو نفس بنفس (3)» .
وجه الدلالة أنه لا يجوز أن يقتل أحد لم يذكر في هذا الخمر، ذكر ذلك ابن حزم، وقد يجاب عن ذلك بأن هذا مسلم لو لم يرد دليل يدل على القتل، وقد ورد ويناقض ذلك بتسليم ورود القتل، ولكنه نسخ وقد تقدم بيان ذلك.
(1) فتح الباري / 12/ 78.
(2)
فتح الباري / 80/ 81.
(3)
سنن الترمذي كتاب الفتن (2158)، سنن النسائي تحريم الدم (4019)، سنن أبو داود الديات (4502)، سنن ابن ماجه الحدود (2533)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 70)، سنن الدارمي الحدود (2297).
ولابن تيمية الحفيد رحمه الله فتاوى كثيرة جوابا عن استفتاءات عديدة في بيان معنى الخمر والمخدر والمفتر وحكم كل منها نجتزئ منها بما يلي: (1).
أما الأشربة المسكرة فمذهب جمهور العلماء المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر العلماء أن كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام.
(1) جـ 34 ص 186 مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
وهذا مذهب مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، وهو اختيار محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، واختيار طائفة من المشائخ.
وأورد أسماء كثيرة منهم، ثم قال: وذهب طائفة من العلماء من أهل الكوفة: كالنخعي والشعبي وأبو حنيفة وشريك وغيرهم إلى أن ما أسكر من غير الشجرتين النخل والعنب كنبيذ الحنطة والشعير والذرة والعسل ولبن الخيل وغير ذلك، فإنما يحرم منه القدر الذي يسكر، وأما القليل الذي لا يسكر فلا يحرم. وأما عصير العنب الذي إذا غلا واشتد وقذف بالزبد فهو خمر، يحرم قليله وكثيره بإجماع المسلمين.
وأصحاب القول الثاني قالوا: لا يسمى خمرا إلا ما كان من العنب، وقالوا: إن نبيذ التمر والزبيب إذا كان نيا مسكرا حرم قليله كثيره ولا يسمى خمرا. فإن طبخ أدنى طبخ حل، وأما عصير العنب إذا طبخ وهو مسكر لم يحل. إلا أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فأما بعد أن يصير خمرا فلا يحل وإن طبخ إذا كان مسكرا بلا نزاع.
والقول الأول الذي عليه جمهور علماء المسلمين هو الصحيح الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، فإن الله تعالى قال في كتابه:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1){إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2).
واسم الخمر في لغة العرب الذين خوطبوا بالقرآن كان يتناول المسكر من التمر وغيره، ولا يختص بالمسكر من العنب؛ فإنه قد ثبت بالنقول الصحيحة أن الخمر لما حرمت بالمدينة النبوية وكان تحريمها بعد غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة لم يكن من عصير العنب شيء، فإن المدينة ليس فيها شجر عنب وإنما كانت خمرهم من التمر، فلما حرمها الله عليهم أراقوها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. بل وكسروا أوعيتها وشقوا ظروفها، وكانوا يسمونها خمرا، فعلم أن اسم الخمر في كتاب الله عام لا يختص بعصير العنب.
فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر وإن
(1) سورة المائدة الآية 90
(2)
سورة المائدة الآية 91
بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما منها شراب العنب.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: «إن الخمر حرمت يومئذ من البسر والتمر (1)» . وفي لفظ لمسلم: «لقد أنزل الله هذه الآية التي حرم فيها الخمر وما بالمدينة شراب إلا من تمر وبسر (2)» .
وفي لفظ للبخاري: «وحرمت علينا حين حرمت، وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا، وعامة خمرنا البسر والتمر (3)» .
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: «كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب من فريخ زهو وتمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: يا أنس، قم إلى هذه الجرار فأهرقها، فأهرقتها (4)» .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أن الخمر يكون من الحنطة والشعير كما يكون من العنب، ففي الصحيحين عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم: أما بعد أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل. وروى أهل السنن أبو داود والترمذي وابن ماجه عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الحنطة خمرا، ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن التمر خمرا، ومن العسل خمرا - زاد أبو داود: وأنا أنهى عن كل مسكر (5)» .
وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل مسكر خمر، وهو حرام كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:«سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن البتع وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه، فقال: كل شراب أسكر فهو حرام (6)» .
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع؛ وهو من العسل ينبذ حتى يشتد؟ قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم نخواتيمه فقال: كل مسكر حرام (7)» .
وفي صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام (9)» . وفي رواية له «كل مسكر خمر وكل خمر حرام (10)» .
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما
(1) صحيح البخاري الأشربة (5584)، سنن النسائي الأشربة (5542)، سنن أبو داود الأشربة (3673)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 217)، سنن الدارمي الأشربة (2089).
(2)
صحيح مسلم الأشربة (1982).
(3)
صحيح البخاري الأشربة (5580)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 217).
(4)
صحيح البخاري الأشربة (5582)، صحيح مسلم الأشربة (1980)، سنن النسائي الأشربة (5542)، موطأ مالك الأشربة (1599)، سنن الدارمي الأشربة (2089).
(5)
سنن الترمذي الأشربة (1872)، سنن أبو داود الأشربة (3676)، سنن ابن ماجه الأشربة (3379).
(6)
صحيح البخاري الأشربة (5586)، صحيح مسلم الأشربة (2001)، سنن الترمذي الأشربة (1863)، سنن النسائي الأشربة (5594)، سنن أبو داود الأشربة (3682)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 97)، موطأ مالك الأشربة (1595)، سنن الدارمي الأشربة (2097).
(7)
صحيح البخاري المغازي (4345)، صحيح مسلم الأشربة (1733)، سنن النسائي الأشربة (5603)، سنن أبو داود الأشربة (3684)، سنن ابن ماجه الأشربة (3391)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 402)، سنن الدارمي الأشربة (2098).
(8)
صحيح مسلم الأشربة (2002)، سنن النسائي الأشربة (5709)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 361).
(9)
صحيح مسلم الأشربة (2003)، سنن الترمذي الأشربة (1861)، سنن أبو داود الأشربة (3679)، سنن ابن ماجه الأشربة (3390)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 98).
(10)
صحيح مسلم الأشربة (2003)، سنن الترمذي الأشربة (1861)، سنن أبو داود الأشربة (3679)، سنن ابن ماجه الأشربة (3390)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 98).
أسكر كثيره فقليله حرام (1)». رواه ابن ماجه، والدارقطني وصححه، وقد روى أهل السنن مثله من حديث جابر ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والأحاديث كثيرة صحيحة في هذا الباب.
ولكن عذر من خالفها من أهل العلم أنها لم تبلغهم، وسمعوا أن من الصحابة من شرب النبيذ، وبلغتهم في ذلك آثار؛ فظنوا أن الذي شربوه كان مسكرا، وإنما كان الذي تنازع فيه الصحابة هو ما نبذ في الأوعية الصلبة.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن الانتباذ في الدباء وهو القرع، وفي الحنتم (2)» وهو ما يصنع من التراب من الفخار، ونهى عن النقير وهو الخشب الذي ينقر، ونهى عن المزفت وهو الظرف المزفت، وأمرهم أن ينتبذوا في الظروف الموكاة وهو أن ينقع التمر أو الزبيب في الماء؛ حتى يحلو فيشرب حلوا قبل أن يشتد، فهذا حلال باتفاق المسلمين.
ونهاهم أن ينتبذوا هذا النبيذ الحلال في تلك الأوعية؛ لأن الشدة تدب في الشراب شيئا فشيئا، فيشربه المسلم وهو لا يدري أنه قد اشتد، فيكون قد شرب محرما، وأمرهم أن ينتبذوا في الظرف الذي يربطون فمه؛ لأنه إن اشتد الشراب انشق الظرف فلا يشربون مسكرا.
والنهي عن نبيذ الأوعية القوية فيه أحاديث كثير مستفيضة، ثم روي عنه إباحة ذلك كما في صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا (3)» وفي رواية: «نهيتكم عن الظروف وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام (4)» . فمن الصحابة والتابعين من لم يثبت عنده النسخ فأخذ بالأحاديث الأول، ومنهم من اعتقد صحة النسخ فأباح الانتباذ في كل وعاء، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، والنهي عن بعض الأوعية قول مالك. وعن أحمد روايتان.
فلما سمع طائفة من علماء الكوفة أن من السلف من شرب النبيذ ظنوا أنهم شربوا المسكر، فقال طائفة منهم كالشافعي والنخعي وأبي حنيفة وشريك وابن أبي ليلى وغيرهم: يحل ذلك، كما تقدم وهم في ذلك مجتهدون قاصدون للحق.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر (5)» .
وأما سائر العلماء فقالوا بتلك الأحاديث الصحيحة، وهذا هو الثابت عن الصحابة
(1) سنن الترمذي الأشربة (1865)، سنن أبو داود الأشربة (3681)، سنن ابن ماجه الأشربة (3393)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 343).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 66)، موطأ مالك كتاب الضحايا (1048).
(3)
صحيح مسلم الأشربة (977)، سنن أبو داود الأشربة (3698)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 359).
(4)
صحيح مسلم الأشربة (977)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 359).
(5)
صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7352)، صحيح مسلم الأقضية (1716)، سنن أبو داود الأقضية (3574)، سنن ابن ماجه الأحكام (2314).
وعليه دل القياس الجلي، فإن الله تعالى قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (1) فإن المفسدة التي لأجلها حرم الله سبحانه وتعالى الخمر هي أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتقع العداوة والبغضاء. وهذا أمر تشترك فيه جميع المسكرات لا فرق في ذلك بين مسكر ومسكر، والله سبحانه وتعالى حرم القليل؛ لأنه يدعو إلى الكثير وهذا موجود في جميع المسكرات إلى أن قال: وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء، بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله، ولو لم يكن مسكرا كالبنج، فإن المسكر يجب فيه الحد، وغير المسكر يجب فيه التعزير.
وأما قليل الحشيشة المسكرة فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كل مسكر خمر وكل خمر حرام (2)» يتناول ما يسكر. ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولا أو مشروبا أو جامدا أو مائعا، فلو اصطبغ كالخمر كان حراما، ولو أماع الحشيشة وشربها كان حراما. ونبينا صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم، فإذا قال كلمة جامعة كانت عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها. سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو مكانه أو لم تكن إلى أن قال.
وهذه الحشيشة فإن أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حيث ظهرت دولة التتار، وكان ظهورها مع ظهور سيف " جنكسخان " لما أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب؛ سلط الله عليهم العدو. وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر، فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولا تورث التخنيث والديوثة وتفسد المزاج فتجعل الكبير كالسفنجة، وتوجب كثرة الأكل وتورث الجنون، كثير من الناس صار مجنونا بسبب أكلها.
ومن الناس من يقول: إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر. وهذا هو الداعي إلى تناولها وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر. فضررها من بعض الوجوه أعظم من
(1) سورة المائدة الآية 91
(2)
صحيح مسلم الأشربة (2003)، سنن الترمذي الأشربة (1861)، سنن أبو داود الأشربة (3679)، سنن ابن ماجه الأشربة (3390)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 98).
الخمر ولهذا قال الفقهاء أنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر.
وتنازعوا في نجاستها على ثلاثة أوجه في مذهب أحمد وغيره فقيل: هي نجسة. وقيل: ليست بنجسة. وقيل: رطبها نجس كالخمر ويابسها ليس بنجس، والصحيح أن النجاسة تتناول الجميع كما تتناول النجاسة جامد الخمر ومائعها.
فمن سكر من شراب مسكر أو حشيشة مسكرة لم يحل له قربان المسجد حتى يصحو، ولا تصح صلاته حتى يعلم ما يقول ولا بد أن يغسل فمه ويديه وثيابه في هذا وهذا، والصلاة فرض عينية، لكن لا تقبل منه حتى يتوب أربعين يوما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار أو عرق أهل النار (1)» .
وأما قول القائل أن هذه ما فيها آية ولا حديث، فهذا من جهله، فإن القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة. وقضايا كلية، تتناول كل ما دخل فيها، وكل ما دخل فيها فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص.
فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2)، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} (3)، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (4)، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (5).
فاسم الناس والعالمين يدخل فيه العرب وغير العرب من الفرس والروم والهند والبربر، فلو قال قائل: إن محمدا ما أرسل إلى الترك والهند والبربر؛ لأن الله لم يذكرهم في القرآن، كان جاهلا كما لو قال: إن الله لم يرسله إلى بني تميم وبني أسد وغطفان وغير ذلك من قبائل العرب؛ فإن الله لم يذكر هذه القبائل بأسمائها الخاصة، وكما لو قال: إن الله لم يرسله إلى أبي جهل وعتبة وشيبة وغيرهم من قريش؛ لأن الله لم يذكرهم بأسمائهم الخاصة في القرآن.
(1) سنن الترمذي الأشربة (1862)، سنن النسائي الأشربة (5670)، سنن ابن ماجه الأشربة (3377)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 189)، سنن الدارمي الأشربة (2091).
(2)
سورة الأعراف الآية 158
(3)
سورة سبأ الآية 28
(4)
سورة الفرقان الآية 1
(5)
سورة الأنبياء الآية 107
وكذلك لما قال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} (1). دخل في الميسر الذي لم تعرفه العرب ولم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم.
كل الميسر حرام باتفاق المسلمين، وإن لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، كاللعب بالشطرنج وغيره بالعوض، فإنه حرام بإجماع المسلمين، وهو الميسر الذي حرمه الله، ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والنرد أيضا من الميسر الذي حرمه الله، وليس في القرآن ذكر النرد والشطرنج باسم خاص، بل لفظ الميسر يعمها.
وجمهور العلماء على أن النرد والشطرنج محرمان بعوض وغير عوض، وبعد أن ذكر نظائر أخرى من النصوص يعتمد على عمومها في الاستدلال بها على إثبات الحكم لكل ما اندرج تحته من الأفراد دون حاجة إلى تعينها، قال: ولو قدر بأن اللفظ لم يتناوله وكان في معنى ما في القرآن والسنة ألحق به بطريق الاعتبار والقياس، كما دخل اليهود والنصارى والفرس في عموم الآية، ودخلت جميع المسكرات في معنى خمر العنب وأنه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالكتاب والميزان؛ ليقوم الناس بالقسط والكتاب القرآن والميزان العدل.
والقياس الصحيح هو من العدل؛ لأنه لا يفرق بين المتماثلين بل سوى بينهما؛ فاستوت السيئات في المعنى الموجب للتحريم، لم يخص أحدها بالتحريم دون الآخر، بل من العدل أن يسوي بينهما، ولو لم يسو بينهما كان تناقضا. وحكم الله ورسوله منزه عن التناقض.
ولو أن الطبيب حمى المريض عن شيء؛ لما فيه من الضرر وأباحه له لخرج عن قانون الطب، والشرع طب القلوب، والأنبياء أطباء القلوب والأديان، ولا بد إذا أحل الشرع شيئا منه أن يخص هذا بما يفرق به بينه وبين هذا؛ حتى يكون فيه معنى خاص بما حرمه دون ما أحله. والله أعلم.
وسئل - رحمه الله تعالى - عمن يأكل الحشيشة ما يجب عليه؟
فأجاب: الحمد لله، هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر. والسكر منها حرام باتفاق المسلمين، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدا لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
وأما إن اعتقد ذلك قربة وقال: هي لقيمة الذكر والفكر، وتحرك العزم الساكن إلى أشرف الأماكن، وتنفع في الطريق فهو أعظم وأكبر؛ فإن هذا من جنس دين النصارى الذين يتقربون بشرب الخمر، ومن جنس
(1) سورة المائدة الآية 90
من يعتقد الفواحش قربة وطاعة، قال الله تعالى:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1)، ومن كان يستحل ذلك جاهلا، وقد جمع بعض الفقهاء يقول:
حرموها من غير عقل ونقل
…
وحرام تحريم غير الحرام
فإنه ما يعرف الله ورسوله، وأنها محرمة والسكر منها حرام بالإجماع.
وإذا عرف ذلك ولم يقر بتحريم ذلك فإنه يكون كافرا مرتدا، كما تقدم، وكل ما يغيب العقل فإنه حرام، وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغيب العقل حرام بإجماع المسلمين.
وأما تعاطي (البنج) الذي لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير. وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة، وإنما يتناولها الفجار؛ لما فيها من النشوة والطرب، فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك، والخمر توجب الحركة والخصومة، وهذه توجب الفتور والذلة.
وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل، وفتح باب الشهوة، وما توجبه من الدياثة، مما هي من شر الشراب المسكر، وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار إلى أن قال:(2) نعم يجب على آكلها حد شارب الخمر.
وهؤلاء القوم ضلال جهال عصاة لله ولرسوله، وكفى برجل جهلا أن يعرف بأن هذا الفعل محرم، وأنه معصية لله ولرسوله ثم يقول: إنه تطيب له العبادة، وتصلح له حاله. ويح هذا القائل؟ أيظن أن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حرم على الخلق ما ينفعهم ويصلح لهم حالهم؟ نعم قد يكون في الشيء منفعة وفيه مضرة أكثر من منفعته؛ فيحرمه الله سبحانه وتعالى؛ لأن المضرة إذا كانت أكثر من المنفعة بقيت الزيادة مضرة محضة، وصار هذا الرجل كأنه قال لرجل: خذ مني هذا الدرهم وأعطني دينارا. فجهله يقول له: هو يعطيك درهما فخذه، والعقل يقول: إنما يحصل الدرهم بفوات الدينار، وهذا ضرر لا منفعة له، بل جميع ما حرمه الله ورسوله إن ثبت فيه منفعة ما فلا بد أن يكون ضرره أكثر.
فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة الله إذا كانت كما يقوله الضالون من أنها تجمع الهمة، وتدعو إلى العبادة، فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه
(1) سورة الأعراف الآية 28
(2)
في حكم أكل العبيراء للإعانة على العبادة، والعبيراء: شراب مسكر يؤخذ من الذرة.
أضعاف ما فيها من خير، ولا خير فيها ولكن هي تحلل الرطوبات فتتصاعد الأبخرة إلى الدماغ، وتورث خيالات فاسدة فيهون على المرء ما يفعله من عبادة، ويشغله بتلك التخيلات عن إضرار الناس.
وهذه رشوة الشيطان يرشو بها المبطلين ليطيعوه فيها، بمنزلة الفضة القليلة في الدرهم المغشوش، وكل منفعة تحصل بهذا السبب فإنها تنقلب مضرة في المال، ولا يبارك لصاحبها فيها. وإنما هذا نظير السكران بالخمر؛ فإنها تطيش عقله حتى يسخو بماله، ويتشجع على أقرانه، فيعتقد الغر أنها أورثته السخاء والشجاعة وهو جاهل، وإنما أورثته عدم العقل، ومن لا عقل له لا يعرف قدر النفس والمال فيجود بجهله لا عن عقل فيه.
وكذلك هذه الحشيشة المسكرة إذا أضعفت العقل، وفتحت باب الخيال؛ تبقى العادة فيها مثل العبادات في الدين الباطل، ودين النصارى، فإن الراهب تجده يجتهد في أنواع العبادة لا يفعلها المسلم الحنيف؛ فإن دينه باطل والباطل خفيف؛ ولهذا تجود النفوس في السماع المحرم والعشرة المحرمة بالأموال وحسن الخلق مما لا تجود به في الحق، وما هذا بالذي يبيح تلك المحارم، أو يدعو المؤمن إلى فعله؛ لأن ذلك إنما كان لأن الطبع لما أخذ نصيبه من الحظ المحرم ولم يبال بما بذله عوضا عن ذلك، وليس في هذا منفعة في دين المرء ولا دنياه، وإنما ذلك لذة ساعة بمنزلة لذة الزاني حال الفعل، ولذة شفاء الغضب حال القتل، ولذة الخمر حال النشوة، ثم إذا صحا من ذلك وجد عمله باطلا وذنوبه محيطة به، وقد نقص عليه عقله ودينه وخلقه.
وأين هؤلاء الضلال مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة، وزوال الحمية حتى يصير أكلها إما ديوثا، وإما مأبونا، وإما كلاهما.
وتفسد الأمزجة؛ حتى جعلت خلقا كثيرا مجانين، وتجعل الكبد بمنزلة السفنج، ومن لم يجن منهم فقد أعطته نقص العقل ولو صحا منها فإنه لا بد أن يكون في عقله خبل، ثم إن كثيرها يسكر؛ حتى يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي وإن كانت لا توجب قوة نفس صاحبها حتى يضارب ويشاتم، فكفى بالرجل شرا أنها تصده عن ذكر الله، وعن الصلاة إذا سكر منها، وقليلها وإن لم يسكر فهو بمنزلة قليل الخمر، ثم إنها تورث من مهانة آكلها، ودناءة نفسه، وانفتاح شهوته ما لا يورثه الخمر، ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر.
وإن كان في الخمر مفسدة ليست فيها وهي الحدة، فهي بالتحريم أولى من الخمر؛ لأن ضرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر، وضرر
شارب الخمر على الناس أشد إلا أنه في هذه الأزمان؛ لكثرة أكل الحشيشة صار الضرر الذي منها على الناس أعظم من الخمر، وإنما حرم الله المحارم؛ لأنها تضر أصحابها وإلا فلو ضرت الناس ولم تضره لم يحرمها؛ إذ الحاسد يضره حال المحسود، ولم يحرم الله اكتساب المعالي؛ لدفع تضرر الحاسد.
هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام (1)» ، وهذه مسكرة ولو لم يشملها لفظ بعينها لكان فيها من المفاسد ما حرمت الخمر لأجلها، مع أن فيها مفاسد أخر غير مفاسد الخمر توجب تحريمها. ا. هـ
(1) صحيح مسلم الأشربة (2003)، سنن الترمذي الأشربة (1861)، سنن أبو داود الأشربة (3679)، سنن ابن ماجه الأشربة (3390)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 98).
(دراسات حديثة تؤيد وجهة نظر فقهاء الإسلام) ومنها يتبين مضارها وآثارها السيئة
بعد أن انتهينا من عرض موجز من المعلومات الإسلامية، والأحكام الفقهية في موضوع المسكرات والمخدرات، فإنه يجدر بنا أن نبين أن هذه المخدرات منكر يأباه العقل والذوق والمجتمع كما يأباه الشرع.
وإذا كنا بصدد البحث عن وجهة نظر فقهاء الشريعة الإسلامية إلى المخدرات، فإن جانب المصلحة هو المضروب المشترك، والقدر الذي لا يتخلف، وكلما تأكد وجه النظر في أمر منكر، زادت بشاعته وتجلت حكمة الشارع الحكيم في حظره على ما قرره الفقهاء من حكمه، وكم انتفع الفقهاء السابقون بأنظار الأطباء في عصورهم، ورجعوا إليهم قبل البت في أحكامهم؛ لأنهم يجلون لهم وجه المصلحة أو المفسدة التي هي أساس التشريع الإسلامي، ولقد نقل الفقهاء كثيرا من أحكام الطب ووجوه الحكمة في الأمور، فكانت لهم نبراسا يضيء أمامهم طريق الحياة.
وهذه الخبائث طالما قاومها المصلحون ورجال القانون وغيرهم ممن يعنيهم شأن الأمم، فمن الخير أن ننتفع في بحثنا بما يؤكد لنا الأحكام الشرعية، ويجعلها معقولة المعنى.
لذا رأينا أن نقتبس من كتاب ظاهرة تعاطي الحشيش للدكتور سعيد المغربي ما يأتي:
1 -
جاء في مقدمة الكتاب أن الحشيش مما خلفه الاستعمار وأوضاعه بما تركه من آثار سيئة، وأن الحاجة الآن ملحة لإعادة تطهير المجتمع وتصفيته من تلك المشكلات الحادة المزمنة، ثم أشار إلى أن القانون المصري مهتم بهذه الجريمة اهتماما بالغا، وقد تدرج في تشديد العقوبة وهذا دليل ظاهر على ظهور خطر هذه السموم، وعلى أنه مشكلة صحية
وسيكيولوجية، وأن بعض الباحثين يرى أنه يؤدي إلى حالة من الاضطراب العقلي.
ثم قال: إن متعاطي هذه الجريمة قوى معطلة عن العمل والإنتاج؛ لأنها تستلزم السهر الذي يستنفذ جهدا وطاقة، وأنها توجه طبقة من المجرمين شأنهم الاعتداء والعدوان؛ لأنهم فارغون ومحتاجون ومتحيلون.
2 -
يبين أنه له آثار ضارة طبيعية فيه كالدوار في أوله، والشعور بالاسترخاء والنوم العميق، والهبوط العام للجهاز المركزي، وحرمان الجهاز الهضمي من الكميات المطلوبة للجسم نفسه كاللعاب والعصارات الهضمية، ثم التصلب في الشرايين، ويصحب ذلك الضعف الجسمي وقلة الرغبة في إرضاء الطرف الآخر.
3 -
تناول بعض الأمراض النفسية والاجتماعية، ومنها أنه إذا اقترب موعد التعاطي تنتاب المدمن أعراض تشتد تدريجيا وهي توتر وشعور بقلق شديد وانقباض وهبوط عصبي لا يستقر المدمن معه، ثم يبين أن معظم المدمنين على وعي تام بآثار مدمرة لهم صحيا ونفسيا لدرجة أن بعضهم يحاول العلاج تلقائيا أو بمعونة الطبيب، وأنهم أحيانا يكونون في حالة بكاء تشل الجسد عن الحركة حين تجيء النوبة إلى أن يتعاطى الحشيش.
4 -
من بين نتائج الدراسة أن الحشيش يسبب حالة من المرح والتهيج مع اعتقاد متعاطيه أنه قادر على كل شيء، فضلا عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية، وأنه يؤدي إلى ارتكاب الجريمة؛ لأن شخصيته غير مستقرة ويصير ذلك به إلى التشرد والسرقة والخوف والجبن، ثم يكون الهجوم والعدوان، وقد كانت له ضحايا كثيرة من مرضى العقول والمجانين.
5 -
يقول الدكتور (وولف) وهو عضو في لجنة المخدرات بهيئة الصحة العالمية: إن الحشيش يعمل على تجسيم المشاعر والانفعالات، وأن أكثر المتعاطيي تتأثر تهيآتهم وتتضخم إلى أقصى درجة، وهنا يكون العدوان. ويقول باحث يوناني أنه تأكد لديه الدور الواضح الذي يلعبه الحشيش كباعث للجريمة؛ حتى أصبحت كلمة حشاش في اليونان ترادف كلمة (مجرم).
6 -
جاء في بعض مواضع البحث أن أخطر ما فيه حوادث السيارات؛ لأنه يقرب البعيد في النظر، ويبعد القريب أحيانا فتقر الحادثة ولا يشعر السائق.
7 -
وفي بعض فقراته إجابة من موظف صغير عن سؤال وجه إليه بشأن الأفيون يقول فيها: إن الأفيون داء فظيع إذا تمكن من صاحبه كان في عداد الأموات؛ فهو يرخي الأعصاب، ولا يتمكن صاحبه من أداء أي عمل إلا إذا تعاطاه، ويكون دائما ذليلا في تهيج وتذلل حتى في شرائه للمخدر، ويتألم إذا لم يتعاطاه حتى يشعر بارتخاء في أعصابه، ودمع في عينيه، واضطراب في نظره، والتهاب في أنفه.
-8 أورد في بعض الملاحظات بالنسبة للأعراض البدنية لمتعاطي الحشيش أمرين:
1 -
انخفاض في مستوى الصحة ويتبعه الانخفاض بمستوى الكفاءة البدنية والنفسية والعقلية مما يؤثر على حياته في جوانبه المختلفة.
2 -
اختلال التوازن واضطراب الحواس، ثم الكسل والتراخي، ثم ينقل عن بيزل أن الفحوص الطبية دلت على أن المدمنين يصابون بهبوط في جميع وظائف الأعضاء البدنية والعصبية مع فقدان الشهية، ويقول (كوبروكوبر): إنهم يصابون بوضوح بالتهاب الملتحمة، ولا يفارقهم ذلك حتى بعد الإقلاع، ويجمع الباحثون على ذلك.
9 -
يقول في فقرات أخرى- أنه يؤدي إلى اضطراب وأمراض بالجهاز التنفسي ومسالكه وأهمها الربو والتهاب الشعب وأطال في تعليل ذلك.
10 -
ثم يقول: إن الرأي القائل بأن الحشيش يثير الرغبة الجنسية ويطيل أمد المتعة على جانب كثير من الخطورة؛ لأنه يعتمد على الأوهام والشائعات، ويدعوا إلى انتشاره دون جدوى، والدراسات العلمية تكاد تجمع على ذلك، ومن ادعى ذلك من الباحثين لا يفرق بين الرغبة الجنسية وبين الحيوية.
وما أكثر الفوائد القيمة في هذا الكتاب التي تستقى منه الإحصاءات المطردة المتواصلة ولا سبيل لنا هنا إلى الاستقصاء وإنما سبيلنا أن نربط بين العلم والدين بالرباط الحكيم المبين، وما أعظم قول الله عز وجل في هذه المناسبة:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1).
وفي نهاية هذه الدراسة القيمة للدكتور سعيد المغربي يقول: (تبين من هذا كله أن
(1) سورة فصلت الآية 53
القانون لم يحل المشكلة وليس هو بالناحية الأساسية فالاعتماد عليه خطر، فالحق أن علاجها من وجهة النظر النفسية والاجتماعية بالرجوع إلى حالة سلوك واقعية، ثم يجيء القانون من بين الحواجز المثبطة وتلخيص الحل في التغيير الجوهري للعناصر التي يعيش فيها الفرد بحيث تهيئ له الفرص التي يشبع فيها حاجاته في ظل التكامل الصادق الذي يشعر الشخص بالتفاؤل والنجاح) ويا حبذا لو قال الباحث: إن الدين أكبر مصلح ومهذب، موجه للوعي إلى كل خير ورشاد، فهل يعود الإنسان إلى دينه الذي بعث الله به النبيين هدى ورحمة؟ اللهم حقق ذلك لعبادك الضالين واهدنا الصراط المستقيم يا رب العالمين.
مما تقدم يتبين أن المخدرات مما يقوض أركان مقاصد الإسلام الخمسة، ويزلزل بنيانها على شيء من التفاوت، وبيان ذلك أنها تؤثر في العقل وتخل بتوازنه، وهو تلك اللطيفة الربانية التي يبصر بها الإنسان وجوه الصواب وطرق الرشاد، ويعبد بها ربه والتي ينوه الله - سبحانه - بها فيجعلها وقاية من الشرور وسلامة من العذاب يوم القيامة إذا سلمت من الهوى، فيقول في الحديث عن بعض ما يصدر من أهل النار وهم في سعيرها:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (1)، يقول سبحانه:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (2).
إن هذا العقل الذي استحق به الإنسان أن يكون خليفة في الأرض وسخر الله له جميع الكون لعرضة للتضحية به في شربة كأس، أو مضغة حشيش، أو أفيون، أو غيرها عن الخبائث. فويل لمن خسر عقله ضحية متعة موهومة أو نشوة منقضية مذمومة؛ لأن وراءها آفات تفسد الحياة، وترد الإنسان من شر ما خلق الله.
ألست ترى ذبول أبدانهم وصفرة ألوانهم، وتعشيش الفقر في بيوتهم ولفظ المجتمع لهم، وترحيب السجون بهم، وهل سميت المخدرات إلا لأنها تغطي العقل، والعقل إذا تغطى عبث الذئب بصاحبه وصار أطوع من الطفل لشيطانه فلم يستح من فعل يصدر منه، ولم يفكر في كلمة تخرج من فمه، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه. أما قلب المتخدر؛ فإنه في إجازة لا يدري متى بعود منها، وأما لسانه فإنه ينطق بلا عقل يريه كيف ينطق. ولهذا روي أن
(1) سورة الملك الآية 10
(2)
سورة ق الآية 37
نصيبا الشاعر قال لبعض الخلفاء وقد سأله لم لا تشرب؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، ما رشحني لمجلسي هذا إلا عقلي فكيف أجالسك بدونه فأكون من الخاسرين؟
ولا فرق في إصابة العقل والجناية عليه بين المسكر والمخدر، وما أكثر ضحايا المخدرات في مستشفيات الأمراض العقلية، فإذا كان حفظ العقل من الضروريات الخمس التي تحرص عليها جميع الأديان السابقة، فماذا عسى أن يكون حكم الإسلام وهو الدين الخاتم الذي وسع كل شيء بنصوصه خاصها وعامها هل يرضى للمنتسب إليه أن يكون مجنونا لا يفهم أو صائرا إلى الجنون، حاشى لله وحاشى لدينه الذي رضيه للمسلمين وأكمله لهم، فأتم نعمته عليهم أن يكون ذلك فيما يرضاه أو يحله لهم.
وكما أن المخدرات تذهب بعقل الإنسان وتخل توازنه فهي تفسد عليه دينه وهو الذي خلق الله الإنس والجن لأجله لقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} (1) ولهذا جعل الله - سبحانه - الخمر رجسا من عمل الشيطان وبين أن الشيطان- تحقيقا لمهمته - يغري الناس بشرب الخمر ولعب الميسر وأشباههما؛ ليوقع العداوة بين الإخوة ويصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وطبق الفقهاء ذلك على ما لم يكن موجودا وقت نزول الآية كالحشيش والأفيون، وحكم المحققون منهم بكفر مستحلها كما هو الشأن في الخمر؛ لأنها رجس تصد عن ذكر الله وعن الصلاة كالخمر، وفيها كثير من صفاتها التي اقتضت تحريمها.
وقد جعل الفقهاء من شرط صحة العمل العقل، فلا يصح عمله إلا به فهو أساس الدين، وهذه المخدرات مسلبة للدين وجناية عليه، فهل ترى أن نظرة الشريعة إليها نظرة تبيح شيئا منها للإنسان هيهات. ولهذا جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«الخمر أم الخبائث (2)» ومن طريف ما يقال أن امرأة عربية قديمة تناولت بعض الشراب في مناسبة غير سعيدة فلما لعبت برأسها قالت: أيشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: نعم. قالت:.
زنيت ورب الكعبة. ومعنى هذا أنها سترت بشربة عقلها فكشفت عن بزتها واسترخت لما يريد الشيطان منها.
ثم تجيء بعد ذلك المحافظة على المال الذي جعله الله - سبحانه - قياما للناس كما يقول
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سنن النسائي الأشربة (5666).
جل شأنه في كتابه الكريم: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (1) ويمكن أن نشير في مناسبة الآية الكريمة إلى أن من يتعاطون المخدرات من أعرق الناس في السفه؛ لأنهم ينفقون أموالهم فيما يضر عقولهم وأبدانهم، ويسرفون في ذلك حتى ينتهي بهم تماديهم وإسرافهم إلى الفقر، ويصبحون في أمس الحاجة إلى من ينفق عليهم ويتولى أمرهم، وربما لا يجدون ذلك، وصدق القائل:
دية العقل بدرة فلماذا
…
يا خسيسا قد بعته بحشيشة
فمن الآن فليشعر متعاطي هذه المخدرات أو من يفكر في صحبة متعاطيها أنها جناية على المال وتعريض به للضياع؛ لأن قليلها يدعو إلى كثيرها، والمضغة الواحدة منها طريق إلى التمادي فيها، وأن فيها معصية لله - سبحانه - بإضاعة المال وحرمان مستحقه من الأهل والعيال، وكيف ترضى شريعة الإسلام ذلك لا سيما أنها إضاعة تأخذ معها العقل وتسلب الدين؟!
وأما حفظ النسب: فإن مرجعه إلى التوقي من الزنا وحفظ الفرج من غير الزوج الشرعي، وكيف يكون التوقي لمن طار عقله وطاش لبه وضعف دينه وذهب حياؤه؟! على أنه قد نص العلماء كابن تيمية وغيره أن متعاطي الحشيشة ديوث لا يغار على عرضه ولا يبالي أن يعتدى على حريمه وأهله؛ لأنه فقد التقدير وخسر عقله وأعصابه.
وأما حفظ النفس: فإن مرجعه إلى المحافظة على البدن من الأمراض والحيلولة بينه وبين التهلكة، والمخدرات لا تعرف المحافظة على البدن، ولا تلتقي معها؛ ولهذا كثرت ضحاياها التي استفاض أمرها وغصت المستشفيات العقلية بأصحابها، وما أكثر من يموت من مدمنيها بالسكتة القلبية وهو أحوج ما يكون إلى أن يرعى نفسه أو من حوله من آباء وأبناء.
فهذه المخدرات محادة لله ولرسله وللأديان السماوية التي أمرت بحفظ الضروريات التي هي قوام الدين والدنيا، فهل تجد مجالا في الإسلام لمن عرف السبيل إلى هذه السموم الفتاكة؟ نسأل الله العافية والسلام.
(1) سورة النساء الآية 5
1 -
معنى المحاربة لغة:
الحرب بسكون الراء مؤنثة، وحكى ابن الأعرابي فيها التذكير، وهي ضد السلم.
والمحارب المشلح. والحرب بفتح الراء أن يسلب الرجل ماله، يقال: حربه يحربه إذا أخذ ماله، فهو محروب وحريب من قوم حربي، وحريبته ماله الذي سلبه لا يسمى بذلك إلا بعد أن يسلبه. وقيل: حريبة الرجل ماله الذي يعيش به، تقول: حربه يحربه حربا إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء، وقال الأزهري: حرب فلان حربا فالحرب أن يؤخذ ماله كله فهو رجل حرب، أي نزل به الحرب وهو محروب حريب والمحروب الذي سلب حريبته، ويطلق الحرب على شدة الغضب وعلى معان أخرى، ويطلق المحراب على عرين الأسد وعلى الموضع الذي ينفرد فيه الملك والإمام وعلى معان أخرى، وبالجملة فالمادة متضمنة معنى العداوة والمنعة والانفراد والبعد والاعتداء ونحو ذلك مما تضمنه معنى المحارب شرعا كما سيأتي ذكره في كلام الفقهاء.
2 -
أقوال الفقهاء في سبب نزول آية المحاربة ومناقشتها:
اختلف العلماء فيمن نزلت فيه آية الحرابة، فقيل: نزلت في المشركين، وقيل: في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة فنقضوا العهد وأخافوا السبيل وأفسدوا في الأرض (1) وقيل في قوم ارتدوا عن الإسلام فقط (2).
ونوقشت الثلاثة بأنها تصح سندا، وبأن عقوبة هؤلاء مفصلة في الكتاب والسنة، وهي مخالفة لما ذكر في الآية من عقوبة المحاربين، فلا يصح أن تكون نازلة في طائفة من هؤلاء من أجل شركهم أو نقضهم العهد أو ردتهم.
وقيل: نزلت ناسخه لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بالعرنيين من المثلة أو عتابا له على ذلك (3) ونوقش بأن التمثيل بهم كان جزاء عادلا؛ لتمثيلهم برعاة الإبل، وذلك لم ينسخ، ولم ينه عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أنه عوتب عليه، بل مازال شرعا ثابتا بالنسبة لمن مثل بالمسلمين. وقيل: نزلت في جماعة من عكل وعرينة (4)، واختاره، ابن كثير وجماعة وأيا كان سبب النزول فالآية عامة في كل من أخاف السبيل وقطع الطريق وسعى في الأرض فسادا لبيان
(1) ص 17 - 18 - 44 من البحث في العدد الحادي عشر.
(2)
ص 43 من البحث في العدد الحادي عشر.
(3)
ص41 - 42 - 44 - 62 - 63 من البحث في العدد الحادي عشر.
(4)
ص 44 من البحث في العدد الحادي عشر.
عقوبته على إخافته السبيل، وسعيه في الأرض فسادا واختاره ابن كثير وجماعة؛ لأن العبرة بعموم النص لا بخصوص سبب نزوله (1).
3 -
الأقوال فما يعتبر مكانا للمحاربة:
اختلف العلماء في المكان الذي تتأتى فيه المحاربة فقال أبو حنيفة: لا تكون إلا في الصحراء ونحوها بقطع جماعة لها شوكة الطريق جهارا أو إخافتهم السبيل، وكذلك تكون من واحد له منعة؛ وذلك لأنه إذا استغاث لا يدركه الغوث غالبا بخلاف الإغارة على مصر أو مدينة؛ فإن الغالب أن الغوث يدرك أهلها.
وقال أبو يوسف: تكون خارج المصر ولو بالقرب منه؛ لأن الغالب أن الغوث يدرك سكان المصر لا من بقربه، وفي رواية أخرى عنه إن شهر سلاحا في المصر نهارا فهو قاطع؛ لأن السلاح لا يلبث، وإن كان هجومه بخشب ونحوه نهارا فليس بقاطع، وإن كان ليلا بخشب وحجر ونحوهما كان قاطعا؛ لأن الغوث يبطئ ليلا (2).
وقال مالك: تكون في المصر وخارجه من جماعة لها منعة ومن واحد كذلك، وتكون بخديعة شخص لآخر حتى يظفر به ني نفسه أو عرضه أو ماله إذا تيسر له ذلك (3).
وقال الشافعي: لا تكون محاربة إلا جهارا في الصحراء وما في حكها من البلاد البعيدة عن المدن؛ حيث لا يتأتى الغوث، أما في المصر ونحوه فلا تكون محاربة إلا عند ضعف السلطان أو أهل المصر من الغوث (4).
وقال الحنابلة: لا تكون محاربة إلا مجاهرة ممن له منعة بسلاح في صحراء؛ لأنهم هم الذين لا يدركهم الغوث غالبا، وقيل: تكون من هؤلاء في بلد أو قرية لا يدرك أهلها الغوث عند الإغارة عليهم (5) وفي الإنصاف، وقال أبو بكر: حكهم في المصر والصحراء سواء، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: هو قول الأكثرين. قلت: منهم أبو بكر والقاضي
(1) ص 41 - 44 من البحث في العدد الحادي عشر.
(2)
ص 74 - 82 من البحث في العدد الحادي عشر.
(3)
ص 91 - 130 من البحث في العدد الحادي عشر.
(4)
ص 98 - 99 من البحث في العدد الحادي عشر.
(5)
ص 102 - 103 من البحث في العدد الحادي عشر.
والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي وصححه في الخلاصة وقدمه في الفروع (1).
4 -
من جرائم المحاربة وفاقا وخلافا:
من الجرائم التي تعتبر حرابة اتفاقا القتل، وأخذ المال، وانتهاك العرض، وقطع الطريق، وإخافة السبيل إذا وقع ذلك أو بعضه جهارا بالسلاح في صحراء، ومنها ما حصل من ذلك في مصر بسلاح أو مفجرات ليلا أو نهارا، أو بخشب ونحوه في مصر ليلا عند أبي يوسف ومن وافقه. ومنها ما يقع من ذلك خنقا أو خديعة وتعزيرا أو تنويما بحبوب ونحوها في مصر أو صحراء ليلا أو نهارا عند مالك ومن وافقه (2)، ومنها ما يقع من ذلك في طائرة بالجو أو سفينة في بحر أو قطار أو سيارة بالإرهاب بسلاح ونحوه إلى أمثال ذلك.
5 -
الحلاف في عقوبة جرائم المحاربة ومناقشتها:
اختلف العلماء في عقوبة جرائم الحرابة والسعي في الأرض فسادا هل هي على التوزيع حسب نوع الجريمة، أو هي على التخيير. أيها شاء الإمام فعل، أو بعضها على التخيير، وبعضها على التوزيع، ومنشأ الخلاف في ذلك الخلاف في معنى (أو) في قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} (3) هل هو توزيع للعقوبة تبع نوع الجريمة أو تخيير للإمام فيها مع اتفاق الجميع على أنها من الحدود فلا يجوز العفو فيها من الإمام ولا ولي الدم.
أولا: قال الجمهور: إنها على التوزيع ثم اختلفوا في كيفيته:
أ- فقال الحنفية وجماعة: إن أخذ قبل أن يقتل ويأخذ مالا. وإنما كان منه مجرد إخافة السبيل؛ نفي - أي: حبس - حتى يتوب أو يموت، وإن قتل مسلما أو ذميا ولم يأخذ مالا قتل، وإن أخذ مالا ولم يقتل وكان ما أخذ قدر عشرة دراهم أو ما يعادلها قطعت يده اليمنى
(1) ص 129 من البحث في العدد الحادي عشر.
(2)
ص 130 من البحث في العدد الحادي عشر.
(3)
سورة المائدة الآية 33
ورجله اليسرى، وإن قتل وأخذ المال فالإمام مخير إن شاء قطع يده ورجله من خلاف وقتله وصلبه، وإن شاء قتله وصلبه، وقال محمد: يقتل أو يصلب؛ لأن ما دون النفس يدخل في النفس (1).
ب- وقال الشافعية: إذا أخاف السبيل وأخذ قبل أن يقتل أو يأخذ مالا؛ عزر بما يراه الإمام من حبس ونحوه. وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى إذا بلغ ما أخذه نصاب القطع في السرقة، وإذا قتل قتلا يوجب القود ولم يأخذ مالا قتل فقط، وإذا قتل قتلا يوجب القول وأخذ مالا يوجب القطع قتل ولم يقطع، ثم غسل وكفن وصلي عليه، ثم صلب ثلاثة أيام بلياليها أو يبقى مصلوبا حتى يتهرى لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير آية الحرابة فإن ذلك منه توقيف أو بيان لمعنى- أو لغة - كل منهما من مثله حجة؛ لأنه ترجمان القرآن (2).
ج- وقال ابن جرير الطبري: إذا حارب فقتل فعليه القتل، وإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب. وإذا حارب وأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف.
وإذا حارب وأخاف السبيل فقط فعليه النفي. كل ذلك إذا أخذ قبل التوبة (3).
د- وقال الحنابلة: إن أخافوا السبيل ولم يقتلوا ولم يأخذوا مالا نفوا فلا يتركون يأوون في بلد. وإذا قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا، وفي رواية أخرى عن أحمد يقتلون ويصلبون، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى إذا بلغ ما أخذه نصاب القطع، وإذا قتل وأخذ المال قتل ثم صلب حتى يشتهر، ثم يدفع إلى أهله ليغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن (4).
وقد يقال: أن ما استدل به من يقول بتوزيع العقوبات التي بالآية على الجرائم حسب ما هو معروف من النصوص الأخرى في عقوبة القتل والسرقة. . إلخ من النقل عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يصح؛ لما تقدم من الطعن في سنده، ولأن ما ذكروه من جريمة أخذ المال لا يتحقق فيه ضابط السرقة، لكونه وقع على سبيل الغصب
(1) ص 45 - 72 - 75 من البحث في العدد الحادي عشر.
(2)
ص 94 - 98 - 101 من البحث في العدد الحادي عشر.
(3)
ص 23 - 24 من البحث في العدد الحادي عشر.
(4)
ص 103 وما بعدها من البحث في العدد الحادي عشر.
والمغالبة، وأيضا الحد في الآية لم يعرف في نصوص الشريعة أنه حد للسرقة، فكان حدا للمحاربة مستقلا؛ ولأن الصلب لم يعرف عقوبة شرعية لمجرد القتل. فكان في الآية حدا منفردا للحرابة، ولأن عقوبة قتل النفس قصاصا لا تسمى حدا فيقبل فيها عفو ولي الدم بخلافها في الحرابة والسعي في الأرض فسادا، فكانت حدا منفردا خاصا بها، ولأن عقوبة القتل والقطع لا تتأثر بالتوبة قبل القدرة على القاتل والسارق في غير الحرابة بخلافها في الحرابة فكانت فيها حدا منفردا. أ. هـ
وإذا كان الأمر كذلك وجب ألا تكون العقوبة فيها على التوزيع والترتيب حسب نوع الجريمة؛ ولأنهم قد يجمعون بين عقوبتين من الأربع دون مناسب، ثم دعوى الإجماع على أن المحارب الذي أخاف السبيل فقط لا يقتل، مردودة بوجود الخلاف عن جماعة ممن نقل عنهم القول بتخيير الإمام (1).
وأخيرا ما ذكر عنهم من التوزيع لم يجر على سنن مستقيمة ولا أصل مطرد.
ثانيا: قال الحسن ومجاهد وعطاء والنخعي وجماعة: الإمام بالخيار في المحارب: له أن يفعل أي هذه الأشياء التي ذكرها الله تعالى في الآية، كما هو المراد منها في آيات أخرى ولم يوجد ما يصرفها عن ذلك (2) وهذا مروي عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة ولم يسمع منه. وذكره ابن القاسم عن مالك في إخافة السبيل فقط (3)؛ لأن الظاهر من معنى هذه الآية التخيير، ولأن من أخذ قبل التوبة وقد أخاف السبيل فقط قد يكون أشد بأسا ممن أخذ بعد القتل وأخذ المال، وقد يكون قطع القاتل فقط من خلاف أنكى وأعظم عبرة فجعل الخيار للإمام أرعى للمصلحة (4) وما روي من الأثر "عن ابن عباس رضي الله عنه في التخيير يستأنس به لذلك، ويبطل به وبما ذكره معه عن الحسن ومجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي دعوى الإجماع- وقولهم: إن - أو- إذا كانا للتخيير بدئ بالأسهل فالأشد من الخصال المخير بينها قد يكون فيها المطلوب فيه السماحة والتخفيف، كخصال كفارة اليمين بخلاف ما المطلوب فيه التغليظ كما في آية الحرابة.
ثالثا: جمع مالك بين توزيع العقوبة في الحرابة وترتيبها حسب جريمتها وبين التخيير
(1) ص 25 - 26 من البحث في العدد الحادي عشر.
(2)
ص 25 - 26 - 42 - 44 - 65 - 126 من البحث.
(3)
ص 85 من البحث في العدد الحادي عشر.
(4)
ص 128 من البحث في العدد الحادي عشر.
وبيان ذلك أن المحارب إن قتل قتل أو صلب، ولا تخيير للإمام في قطعه أو نفيه، وإن أخذ المال ولم يقتل فللإمام الخيار في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف دون نفيه، وإن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا فالإمام مخير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف أو نفيه. ومعنى التخيير عنده أن الأمر راجع إلى اجتهاد الإمام، فإن كان المحارب ذا رأى وتدبير في الحرابة خير في قتله أو صلبه؛ لأن شره إنما يزول بذلك، وإن كان ذا بأس وبطش قطع من خلاف. وإلا عزر بأيسر من ذلك من ضرب أو نفي (1).
هذا ويرد على قول مالك بالتخيير في بعض الأحوال دون بعض ما ورد على قول الجمهور، بل فيه زيادة تحكم واضطراب وبعد عن ظاهر الآية من إطلاق التخيير.
6 -
ما يسقط بالتوبة قبل القدرة ولا يسقط بها من الحقوق:
1 -
يسقط بالتوبة حد الحرابة فقط، ولا تسقط حقوق الله الأخرى كحد الزنا وقطع السارق ونحوهما، ولا تسقط حقوق الناس في الدماء والأموال بل يتبعهم بها المستحقون هذا عند الحنفية والمالكية (2).
2 -
وتسقط بها حقوق الله كلها من حد حرابة، وحد زنا، وقطع في سرقة دون حقوق الناس من قصاص ودية وأموال عند الشافعية (3) والحنابلة (4).
3 -
وقيل: يسقط بالتوبة جميع حقوق الله، ويؤخذ بحقوق الناس في الدماء والأموال فيما وجد بعينه في أيديهم ولا تتبع ذممهم (5).
-4 وقيل: التوبة تسقط حقوق الله وحقوق الآدميين من الدماء والأموال إلا ما كان من المال قائما بعينه في يده (6).
(1) ص85 - 92 - 93 من البحث في العدد الحادي عشر
(2)
ص21 - 22 - 37 - 38 من البحث
(3)
ص42 - 45 من البحث
(4)
ص54 - 55 من البحث.
(5)
ص528 من جـ2 من بداية المجتهد.
(6)
ص132 من البحث في العدد الحادي عشر.
7 -
عقوبة شارب الخمر ومتعاطي المخدرات:
أ- «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبة شارب الخمر فضرب في عهده بالجريد والنعال وغيرها (1)» ، وقدر بعض الصحابة رضي الله عنهم ذلك بأربعين أو نحوا من أربعين، وقال أنس رضي الله عنه:«جلد النبي صلى الله عليه وسلم نحو أربعين (2)» ، وقال علي رضي الله عنه:«جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة (3)» ، وقال في جلده أربعين: هو أحب إلي.
وجلده أبو بكر رضي الله عنه أيام خلافته أربعين، وجلده عمر بمشورة الصحابة رضي الله عنهم آخر خلافته ثمانين، ومن هنا اختلف في عقوبة من يتناول المسكر هل هي حد أو تعزير؟ فمن نظر إلى ما نقل من التقدير اعتبرها حدا، ومن نظر إلى أن أمره صلى الله عليه وسلم بها ليس فيه تقدير، وأن الضرب كان مختلفا بالجريد والنعال واليد ونحوها، وأن تقدير من قدره من الصحابة رضي الله عنهم كان على وجه التقريب لا التحديد، وأنها زيدت آخر خلافة عمر رضي الله عنه. قال: إن العقوبة تعزير؛ لعدم التحديد منه صلى الله عليه وسلم والحدود لا تثبت بالتقدير التقريبي، ولا تجوز الزيادة عليها، وإذا كانت تعزيرا فللإمام تركها في بعض الوقائع لما يحيط بها مما يقضي بأن الترك أصلح، وله أن ينفذها مع التفاوت بالزيادة والنقص.
ب- المخدرات أشد خطرا من الخمر على متعاطيها في نفسه وأخلاقه وماله، وأسوأ عاقبة على المجتمع، فهي أشد تحريما من الخمر سواء قيل: إنها مسكرة أم لا، فيجب التشديد في عقوبتها والتغليظ على مروجيها بصناعة أو تجارة أو دعاية، لتعاونهم على الإثم والعدوان من إفساد العقول والأخلاق وانتشار الأمراض وضياع الأموال ونحو ذلك مما يخل بالأمن ويقلق راحة المجتمع.
8 -
مما تغلظ به العقوبة:
قد تغلظ العقوبة بالجهر بالمعصية وبمكابرة مرتكبها، وبفشوها وانتشارها بين الناس، وتتابعهم في ارتكابها، وتغلظ على الفرد بتكراره لها وإصراره عليها، وقد يكون التعزير بالقتل إذا لم تدرأ المفسدة إلا به.
9 -
ما تثبت به الحرابة وشرب الخمر والمخدر والمفتر:
تثبت الحرابة بشهادة عدلين وفي ثبوتها بالشهادة على السماع وبشهادة المسلوبين فيما
(1) صحيح البخاري الحدود (6773)، صحيح مسلم الحدود (1706)، سنن الترمذي الحدود (1443)، سنن أبو داود الحدود (4479)، سنن ابن ماجه الحدود (2570)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 247)، سنن الدارمي الحدود (2311).
(2)
صحيح البخاري الحدود (6776)، صحيح مسلم الحدود (1706)، سنن الترمذي الحدود (1443)، سنن أبو داود الحدود (4479)، سنن ابن ماجه الحدود (2570)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 115)، سنن الدارمي الحدود (2311).
(3)
صحيح مسلم الحدود (1707)، سنن أبو داود الحدود (4480)، سنن ابن ماجه الحدود (2571)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 140)، سنن الدارمي الحدود (2312).