الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقولون بمشابهة صفاته لصفات خلقه، وهذا يقتضي وجود كفو وشبيه به سبحانه عز وجل وتعالى عما يقولون ".
وهذا القول قد اندثر القائلون به، إذ قليل العقل يكفي لمعرفة بطلانه.
ثالثا - الرد على الأشاعرة الذين يثبتون بعض الصفات ويؤولون البعض الآخر بزعم أن المؤول فيه مشابهة.
قال علماء السلف:
(1)
كما أنكم تقولون: إن له ذاتا وأسماء وصفات معدودة لا تشبه ذوات الخلق ولا أسماءهم ولا صفاتهم، فقولوا في المؤول مثل ما قلتموه في المثبت إذ هذا تفريق بمجرد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا.
(2)
ويرد عليهم كذلك بما تقدم في الرد على المعتزلة لمشابهتهم لهم في هذا الأمر.
(3)
ويرد على الجميع بما تقدم في أول المبحث من أن العقل عاجز عن إدراك الأمور الغيبية بنفسه استقلالا لخضوعه للمعلومات الحسية.
نماذج من أقوال أهل السنة والجماعة في تفسير آيات الصفات
ولكي يتضح منهج أهل السنة في تفسير النصوص الواردة في صفات الله عز وجل نورد هنا مجموعة من كلامهم في إحدى صفات الله عز وجل التي نطق بها الكتاب والسنة ألا وهي:
" الاستواء "
ورد إثبات الاستواء في سبع آيات من كتاب الله كقوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1)، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2). . . . . . . . . ونحو ذلك.
قال مالك بن أنس: (الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال
(1) سورة طه الآية 5
(2)
سورة يونس الآية 3
عنه بدعة).
وقال أبو حنيفة - جوابا لمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال: (فقد كفر: لأن الله يقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) وعرشه فوق سبع سماوات) وقال: (إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر).
وقال علي بن المديني - عن مذهب الجماعة - (يؤمنون بالرؤية والكلام وأن الله فوق السماوات على العرش استوى).
وقال الترمذي: (هو على العرش كما وصف نفسه في كتابه وعلمه وقدرته وسلطانه في كل مكان).
وقيل لابن المبارك: بماذا نعرف ربنا؟ قال: (إنه فوق السماوات على عرشه بائن من خلقه).
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه - أصول السنة: (ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه).
وأخيرا: نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) سورة طه الآية 5
صفحة فارغة
التصوف من صور الجاهلية
للشيخ / محمد أمان بن علي الجامي.
رئيس شعبة العقيدة بقسم الدراسات العليا
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (سابقا)
الحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على رسوله الأمين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن الجاهلية التي نريد أن نتحدث عن بعض صورها غير الجاهلية التي تتبادر إلى الأذهان إذا أطلقت.
لأن الجاهلية في الأصل اسم لفترة زمنية قبل الإسلام بما فيها من أعمال وثنية وتصرفات جاهلية من شرك وظلم، وفساد أخلاق، وغير ذلك.
وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم حتى أنار الطريق لكل سالك، فدخل الناس في دين الله أفواجا، فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة، وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل - ولن يوجد لها مثيل قطعا - توحيد خالص لله وحده، وعدل، وإنصاف، وطاعة لله ولرسوله، وتحابب في الله وتآخ، واعتزاز بالإسلام، وعزة، وكرامة، وهيبة في قلوب الأعداء.
وقد سجل لهم القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (1).
هكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن نزل إعلان من السماء بأن الدين قد كمل - فالكامل لا يقبل الزيادة عادة - وأن نعمة الله على أتباع محمد بالإسلام قد تمت، وذلك
(1) سورة المنافقون الآية 8
قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1).
نزلت الآية الكريمة في حجة الوداع في يوم الجمعة، وفي اليوم نفسه خطب النبي الكريم خطبة يوم عرفة المشهورة، جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب أصحابه:«أنتم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون؟. قالوا: نشهد أنك بلغت ونصحت. فجعل يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم اشهد. اللهم اشهد. يرفع أصبعه (3) إلى الصحابة قائلا: اللهم اشهد. اللهم اشهد. اللهم اشهد» . .
ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع طويلا، بل أخذ يحدث أصحابه وأتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى، بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض، إذ قال لهم:«تركتكم على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك (4)» ، وفي لفظ:«تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، كتاب الله (5)» .، «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي (6)». نعم، تركهم على هذا المنهج الموصوف، ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه، ولا يزيدوا فيه، وحذرهم عن الزيادة والخالفات، بل يلتزمون المنهج حرفيا.
فقال عليه الصلاة والسلام محذرا لهم عن الابتداع: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (7)» ، «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد (8)» ، «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (9)» . .
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
صحيح البخاري الحج (1785)، صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن الترمذي الحج (856)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 321)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).
(3)
(2) إلى الله الذي فوقه وفوق كل شيء، ثم ينكبها نكب الإناء ينكبه أماله وكبه.
(4)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن أبو داود السنة (4607)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(5)
سنن ابن ماجه المقدمة (44).
(6)
موطأ مالك الجامع (1661).
(7)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(8)
صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).
(9)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية، في أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصا يشبه حرصه عليه الصلاة والسلام عليهم، وهم رجال رباهم على المنهج، واطمأن إلى فهمهم للمنهج، وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وإخوانهم، فحافظوا على المنهج وأحسنوا التصرف فيه بحزم دونه كل حزم ودعوا إليه بصدق وإخلاص وضحوا في سبيل ذلك بكل ممكن.
وفور وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ارتدت بعض قبائل العرب، وبعضها منعت الزكاة، فنهض أبو بكر لقتالهم، فتوقف باقي الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة مجتهدين، قالوا: كيف نقاتل قوما يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ فأقسم بالله أبو بكر الصديق لو أنهم منعوه عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لقاتلهم، لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة، ولأن الزكاة من حقوق الإسلام وواجباته المالية، ولأن الإسلام بجميع حقوقه وواجباته إنما هو لله الحي الذي لا يموت، فلا يموت الإسلام ولا شيء من واجباته بموت النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا هو أول إعلان أعلنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما علم ما حصل لعمر بن الخطاب عندما قبض النبي عليه الصلاة والسلام، إذ ظن عمر أن النبي لم يقبض بعد، بل إنه سوف يعود، فهدأه أبو بكر فقال فيما قال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (1).
واندهش عمر عند سماعه هذه الآية دهشة قريبة من دهشته من وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى يقول: كأنه لم يسمع هذه الآية قبل هذه المرة، وهو يحفظها ويقرؤها وكأنها نزلت من توها وهي تخاطبه.
وبعد ذلك البيان من الخليفة الأول أبي بكر الصديق، رجع عمر ومن معه إلى رأي أبي بكر فاقتنعوا بوجوب قتال مانعي الزكاة، إذ لو لم يفعلوا لكانت فتنة في صفوف الأمة
(1) سورة آل عمران الآية 144