الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين كله ولوكره المشركون. ولما كان الصراع بين الحق والباطل قديما قدم الإنسان جاء وفق حكمة الله في الخلق والمثال: كان من نعم الله على الإنسان أن تكون هذه الحياة ميدانا فسيحا لهذا الصراع المرير والجولات المتتابعة بين حزب الله وحزب الشيطان، وأن تكون هذه الدار دار اختبار وابتلاء وامتحان يبتلي الله الناس بعضهم ببعض ليعلم الله علم ظهور من يعمل بطاعته أو يختار معصيته كما قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1){الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2)، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (3)، والآيات في هذا كثيرة.
وهذه المعركة القائمة بين الحق والباطل بين حزب الله وحزب الشيطان تتطلب إعدادا متكاملا لحراس دين الله وحماة شرعه لضمان كسب الجولات بكل المواقف والأحوال والأزمان طلبا لمرضاة الله، والله غني عن العالمين {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} (4). ولكنها حكمة الله بالابتلاء والامتحان، وإذا كان الإعداد سنة ماضية فإن المسلم إنما يصنع على عين الله ليحقق الله به مراده في الحياة ويعلي به كلمته سبحانه في الأرض، وإن كان إعداده على منهج الله كانت الغلبة له على أعدائه والنصر له على خصومه إذا صدق الله وأخذ بأسباب القوة.
(1) سورة الملك الآية 1
(2)
سورة الملك الآية 2
(3)
سورة آل عمران الآية 186
(4)
سورة يونس الآية 99
من وسائل الإعداد لتحقيق هذا الهدف:
بناء الفرد المسلم في كل جانب من جوانب حياته.
فإن
الفرد المسلم هو الأساس في عملية بناء المجتمع
المسلم الفاضل إذ إن المجتمع في مجموعته إنما يتكون من أفراد، فإذا صلح الفرد صلحت الجماعة. وما ضعفت أمتنا في العصور المتأخرة من حياة المسلمين إلا بالتفريط في عملية إعداد هذا الفرد والخلل الذي تطرق إلى بنائه حتى صار خاويا بلا روح ومهملا بلا ضوابط وإنسانا بلا غاية يسعى لها، ولا أهداف سامية يعمل على بلوغها ولا رسالة يواصل المسيرة لتحقيقها، بل خلف من
بعد المسلمين الصادقين خلوف ضائعة مستعبدة لأهوائها ممزقة من أعدائها تلهث وراء إشباع غرائزها فعاقبها الله بأن فتح عليها أبواب شهوات البطون والفروج حتى صار كل ما يحصل عليه لا يزيدها إلا شرها ونهما وتكالبا؟ فباعت بذلك كل رصيدها من عزة المؤمنين وكرامة المخلوقين ورسالة المصلحين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإذا أردنا عودة صادقة إلى الله وتطلعنا إلى مقعد القيادة في الحياة لقيادة الناس بالهدى فلا بد من الرجوع إلى منهج الله في بناء الفرد المسلم السوي، المؤمن في ضميره الكامل بإعداده الإنساني في تعامله، المميز في خصائصه، المؤثر في مجتمعه، القادر على القيام بمسئولياته في المجتمع، ومهامه في الحياة، الواعي لأهداف أمته، العامل على تحقيقها في واقع الممارسات اليومية، القادر على التفكير السليم، المستقل في شخصيته، المعتز بذاتيته، الملتزم في انتمائه، المتوازن في شخصيته وتصرفاته، وتفكيره وهذا لا يتم إلا إذا غذي بلبان هذا الدين في مدارج نموه، ومعارج ارتقائه، ومراحل عمره، فإذا علمنا بأن أي مولود إنما يولد على الفطرة السليمة. مهيئا للإيمان متجها إلى الخير، مزودا بالاستعدادات المتيقظة لقبوله، عرفنا أهمية ما يتلقاه الطفل منذ الولادة، وأثره البالي في الدفع به في الاتجاه الصحيح، المتفق مع الفطرة السليمة، وهو الإسلام وأهمية تعاهده في مختلف مراحل حياته، بتنمية هذا الاتجاه في نفسه، وتقويته وبناء شخصيته، وخطورة إهمال الطفل أو توجيهه في غير الاتجاه الصحيح، والانحراف به عن جادة الحق، فإنه كسر لا يجبر، وخسارة لا تعوض، وجريمة لا تغتفر، فالتوجيه الذي يتلقاه الفرد منذ نعومة أظفاره حتى يعود إلى ربه بعد موته، هو ما يعرف عن علماء التربية تنمية قدراته وإكسابه القدرات المتجددة وهي التي قال عليها الرسول صلى الله عليه وسلم:«فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (1)» . في نهاية الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة (2)» .
وإذا كان تعاهد الفرد من أول فجر حياته أمر له أهميته لأنه يحدد اتجاهه منذ الطفولة، وبقية مراحل عمره، فإن هذا الطفل مخلوق عجيب، لنفسيته جوانب مختلفة ومناح متعددة، وطول فترة طفولته تعطيه قدرة على الاستيعاب لما يتلقاه، طوال هذه الفترة وما يليها من مراحل نموه المختلفة، ومرونة فذة على التكيف، وفق متطلبات النشأة
(1) صحيح البخاري الجنائز (1358)، صحيح مسلم القدر (2658)، سنن الترمذي القدر (2138)، سنن النسائي الجنائز (1950)، سنن أبو داود السنة (4714)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 315)، موطأ مالك الجنائز (569).
(2)
صحيح البخاري الجنائز (1385)، صحيح مسلم القدر (2658)، سنن الترمذي القدر (2138)، سنن أبو داود السنة (4714)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 275)، موطأ مالك الجنائز (569).