الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليدوية، التي تكون ضمانا لكسب عيشه، من عمل شريف، وإعفاف نفسه وولده عن المسألة وإبعاد غائلة الحاجة وسطوة الجوع عنهم، وضمان عيش كريم لهم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المسلم بمزاولته لأي مهنة شريفة، يكسب بها عيشه، إنما يقدم لها خدمة جليلة لأمته، فإذا أتقنها وصدق في تعامله فيها مع الناس، وبعد عن الجشع والطمع والاستغلال، كان بذلك داعيا لدين الله بعمله، مستغنيا به عن أعدائه، وكان نبي الله داود عليه السلام يأكل من عمل يده وعرق جبينه، قال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (1)، ويقول تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (2)، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ للِصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3){فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4).
هذا ومع تعدد جوانب الإعداد في النفس البشرية، فإن الغاية بعد ذلك كله هو إعداد شخصية واحدة، متكاملة الإعداد والبناء، سوية التكوين متوازية الإعداد، تؤدي إلى شخصية إنسانية ذات خصائص مميزة، شخصية فاعله مؤثرة، تعي أهداف أمتها وتسعى لتحقيقها في واقع الحياة، قادرة على مزاولة مسئولياتها والقيام بوظائفها، بفعالية وتأثير يؤهلها لدورها القيادي المنتظر.
(1) سورة الأنبياء الآية 80
(2)
سورة الملك الآية 15
(3)
سورة الجمعة الآية 9
(4)
سورة الجمعة الآية 10
عوامل بناء الشخصية المسلمة:
أولا: البيئة الاجتماعية - وإذا كان هذا الإعداد لجوانب الشخصية المسلمة لازما، فأين يا ترى يمكن أن يكون إعداده في كل هذه الجوانب وغيرها؟ ومن أين يأتي هذا الإعداد؟
إن مادة الإعداد سبقت الإشارة إليها، وهي أنها موجودة في الكتاب والسنة، وسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وحياة السلف الصالح، من هذه الأمة المسلمة عبر التاريخ،
وحياة المصلحين والقادة العظام، الذين نشروا هذا الدين بما تضمنه من عقيدة ومبادئ وقيم وأخلاق وآداب وعادات، وفي التجربة العملية الفريدة التي تمت في حياة المسلمين في الصدر الأول، وهي غنية تمام الغنى بمادة الإعداد، وروافد التكوين، ولكنها كنوز مهملة وثروة معطلة.
أما عن مكان الإعداد فإنه يتم في التفاعل مع البيئة الاجتماعية، التي ينشأ فيها الطفل ثم ينتقل فيها إلى المدرسة، والمعهد والجامعة، ثم يخرج بها إلى المجتمع بكل تشكيلاته ومؤسساته، والحياة المحيطة به.
وقد سبق أن قلنا في صدر هذا البحث: إن الطفل يولد على الفطرة السليمة، أو بتعبير التربويين الذين قرروا بالاستعدادات والعوامل الوراثية. ذلك يعني أنه يولد خيرا متفتحا للإيمان وكامل الاستعدادات، ولكنه مع ذلك على درجة كبيرة من المرونة والقابلية للتشكيل وفق ما يتلقى في البيئة الاجتماعية التي يولد فيها من توجيه؛ ولهذا فإن للبيئة التي يولد فيها الطفل ويتفاعل معها في مراحل نموه الأولى أثرا بالغا في تشكيل سلوكه، وتحديد اتجاهه والأخذ بيده.
فإذا كانت البيئة الاجتماعية بيئة إسلامية بعقيدتها وآدابها وسلوكها وعاداتها وتعاملها، وتفاعل معها الطفل في كل المواقف، تشرب في هذه البيئة العقيدة والسلوك والآداب والعادات والتعامل، حتى تتطبع نفسه بهذه البيئة، وما يحمله من مقومات الشخصية المسلمة، وتتشكل بذلك سلوك الأفراد، وتصنع القواعد الأساسية لهذا البناء، وتستمر في تغذية هذا الاتجاه في الفرد تلقائيا بواسطة التفاعل، حتى يتكون لدى الطفل الاستعداد الذي يمكنه من تلقي المعلومات والمعارف التي تفسر له حقائق التفاعل والمواقف. وهنا يأتي دور المدرسة كحلقة ثانية في تكوين الشخصية المسلمة القادرة على الاستجابة لدواعي الخير والمؤثرة في حياة الآخرين.
ثانيا: المدرسة - المدرسة وسيلة من وسائل الإعداد التربوي للفرد المسلم، في مرحلة من مراحل نموه، تتلو مرحلة الطفولة والنمو، في محيط البيئة الاجتماعية، وكل الأسرة وهي ليست إلا مقر تجمع للطلاب وموضع تلقي المعلومات المعرفية، والحقائق العلمية والخبرات المتعددة في حدود قدرات الطلاب ونموهم العقلي والجسمي، واستجابتهم في