المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌خلاف العلماء في أن العقوبة في شرب الخمر هل هي حد أو تعزير

- ‌تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها

- ‌وجهة نظر

- ‌ هل يجوز لمن صلى الفرض أن يؤم جماعة أخرى بالفرض نفسه

- ‌ قراءة الفاتحة للمأموم

- ‌ المسح على الجوارب

- ‌ متابعة المأموم الإمام في التسليمتين

- ‌ نقل زكاة المال إلى بلد غير البلد الذي فيها إقامة المزكي

- ‌ التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله

- ‌ غسل الرجل والمرأة من الجنابة

- ‌ المسح على الجوربين إذا كان الوقت باردا

- ‌ سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه

- ‌ صلاة من يحمل صورة

- ‌ المريض لا يقوى على صيام رمضان، وكان لا يرجى برؤه

- ‌بيع سلعة من الطعام أو غيره إلى أجل معلوم

- ‌ الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية

- ‌ حكم المسح على الجوربين

- ‌ إذا كان عيسى عليه السلام حيا فهل سينزل آخر الزمان

- ‌ لماذا سمي عيسى ابن مريم بالمسيح

- ‌ حكم لبس الذهب المحلق

- ‌تقديم: لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

- ‌ قول ابن القيم في "مختصر الصواعق

- ‌ قول ابن رجب في شرح الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية:

- ‌ قول ابن كثير في تفسير سورة الحديد:

- ‌قواعدفي أدلة الأسماء والصفات

- ‌القاعدة الأولى: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته

- ‌القاعدة الثانية: الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف

- ‌القاعدة الثالثة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر

- ‌القاعدة الرابعة: ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني

- ‌المثال الأول: الحجر الأسود يمين الله في الأرض

- ‌المثال الثالث: إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن

- ‌المثال الرابع: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}

- ‌المثال الحادي عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌المثال الثالث عشر: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

- ‌المثال الرابع عشر: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

- ‌المثال الخامس عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني

- ‌آيات الصفات

- ‌حاجة الإنسان إلى معرفة الله عز وجل

- ‌وسائل المعرفة

- ‌ثانيا: القسم الخارجي (الوحي)

- ‌ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته

- ‌الصحابة وآيات الصفات

- ‌رواد المناهج المنحرفة

- ‌منهج السلف في الأسماء والصفات

- ‌نماذج من أقوال أهل السنة والجماعة في تفسير آيات الصفات

- ‌ جاهلية التصوف:

- ‌مفهوم الدين الإسلامي عند الصوفية:

- ‌من واضع علم التصوف

- ‌مفهوم الذكر عند الصوفية:

- ‌(مشايخ الصوفية يفترون الكذب في سبيل الدعوة إلى طرقهم)

- ‌ألقاب وهمية يستغلها مشايخ الصوفية لاستجلاب الأرزاق وإفساد العقيدة:

- ‌للصوفية ديوان باطني:

- ‌ الفرد المسلم هو الأساس في عملية بناء المجتمع

- ‌ الإعداد الروحي:

- ‌ الإعداد العقلي:

- ‌ الإعداد الوجداني:

- ‌ الإعداد الجسمي:

- ‌ الإعداد الاجتماعي:

- ‌ الإعداد المهني:

- ‌عوامل بناء الشخصية المسلمة:

- ‌البيت المسلم حلقة من حلقات الإعداد:

- ‌وسائل الإعلام:

- ‌رأي القائلين بالتحريم:

- ‌رأي القائلين بجواز الترجمة:

- ‌الحكم في قضية ترجمة معاني القرآن

- ‌الإمام وكيع: حياته وآثاره

- ‌ الفرق بين منهج أهل السنة وبين أهل البدع:

- ‌ ما ورد عنه في معنى قول السلف:

- ‌ كلامه في الفرق المبتدعة:

- ‌ تكفيره لبشر المريسي وأتباعه من الجهيمة:

- ‌ تكفيره لمن قال بخلق القرآن:

- ‌قوله في مسألة الإيمان وزيادته ونقصانه:

- ‌ قوله في مسألة الاستثناء في الإيمان:

- ‌ حمايته للسنة وحثه على التمسك بها:

- ‌ عنايته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ ما ورد عنه في آداب السامع والمحدث

- ‌نصائح وتوجيهات لطلبة العلم:

- ‌مذهبه في الرواية بالمعنى

- ‌مذهبه في العرض على المحدث:

- ‌مذهبه فيما سمع قراءة أن لا يقال فيه حدثنا:

- ‌مذهبه في الإعلام من أنواع الإجازة:

- ‌مذهبه في التدليس والمدلسين:

- ‌مذهبه في السماع عن الضعفاء:

- ‌مذهبه في إجازة الرواية من الكتاب الصحيح

- ‌مذهبه في إلحاق الاسم المتيقن سقوطه في الإسناد:

- ‌ أصح الإسناد عنده:

- ‌مذهبه في الجمع بين الرواية والدراية:

- ‌معرفته بعلل الحديث ونقد الرجال

- ‌مذهبه فيمن يقع الوهم في حديثه كثيرا:

- ‌مذهبه الرجوع إلى قول من خالفه آخر أحفظ منه:

- ‌مذهبه في رواية قبول المبتدعة:

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل عند وكيع بن الجراح

- ‌تأثره بمنهج ابن جريج ويحيى بن أبي زائدة في التأليف:

- ‌منهجه في التصنيف:

- ‌سرد أسماء مؤلفاته:

- ‌فقهه وإفتاؤه

- ‌الإسلام ومواجهته لحركات التبشير الأوروبيفي غرب أفريقيا

- ‌وضع المسلمين تحت الإدارة الأوربية للمستعمرات في غرب أفريقيا:

- ‌مصادر البحث

- ‌الإهابة بالمسلمين لمساعدةإخوانهم في أفريقيا

- ‌ما هكذا الدعوةإلى الله يا صالح

- ‌مؤتمرات إسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها

سلبوه خلاف.

ويثبت تناول المسكر أو المخدر أو المفتر بشهادة اثنين تتوفر فيهما شروط الشهادة على التناول، واشترط أبو حنيفة وجود الرائحة عند التحمل. وبالإقرار، وفي اعتبار تكراره خلاف، وبالرائحة والقيء عند مالك وهو رواية عن أحمد فيهما وبوجوده سكران.

10 -

الخلاف في قتل من تكرر منه شرب الخمر بعد عقوبته:

من شرب مسكرا فحد، ثم شرب فحد، ثم شرب فحد، ثم شرب الرابعة أو الخامسة قتل؛ للحديث الصحيح في ذلك وبه قال ابن حزم وجماعة (1)، وقال جمهور العلماء: من تكرر منه شرب ما يسكر يحد أو يعزر ولا يقتل؛ لأن حديث قتله بعد الرابعة منقطع، أو لأنه منسوخ وأن نسخه لم يبلغ عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وبالإجماع على أن قتله بعد الرابعة ترك، وفيما ذكر نظر لرواية الحديث متصلا من طرق، ولأن قتله بعد الرابعة أو الخامسة تعزير فللإمام تركه وفعله بناء على ما يراه مصلحة في الوقائع فلا يدل الترك على النسخ، ولأن الأصل عدم النسخ فلا يصار إليه إلا عند توافر شروطه (2).

(1) ص40 من البحث في هذا العدد

(2)

ص42 من البحث في هذا العدد.

ص: 67

‌تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها

على ضوء ما تقدم يمكن أن يقال:

أولا: أ- من كان ذا منعة وسطا جهارا بسلاح في صحراء ونحوها أو في طائرة، في جو أو سفينة، في بحر أو سيارة، في بر مثلا فقتل أو أخذ مالا أو انتهك عرضا أو أرهب وأخاف، فهو محارب اتفاقا، فللإمام أن يعاقبه بأي عقوبة من العقوبات الأربع التي في آية المحاربة على قول من قال من العلماء: إن- أو- في الآية للتخيير مطلقا حسب ما يراه مما يدرأ المفسدة ويحقق المصلحة لا بالهوى والتشهي.

أما على رأي من يقول: إن- أو- في الآية لتوزيع العقوبة حسب نوع الجريمة، فعلى ولي الأمر أن يقتل من قتل أو يصلبه حتى يموت، وأن يقطع يده ورجله من خلاف إن

ص: 67

أخذ المال فقط، وأن يحده إن زنى، وأن يعزره إن انتهك العرض بما دون الجماع، وأن يعاقبه بمثل جنايته إن كانت دون القتل، وأن ينفيه إن لم يكن منه إلا الإخافة والإرهاب.

ب: وإن وقع ذلك منه في مصر ونحوه فللإمام الخيار في عقوبته كما تقدم عند من رأى أن المحاربة تكون في المصر، وقال: إن- أو- في الآية للتخيير.

أما على قول من قال من العلماء: إن المحاربة لا تكون في المصر فعلى الإمام أن يعاقبه حسب جريمته بالعقوبات المبينة تفصيلا في الكتاب والسنة إلا آية الحرابة؛ لكونه غير محارب في نظرهم.

ثانيا - أ- من كان ذا قوة أو منعة فخطف إنسانا جهارا في صحراء، فقتل أو أخذ مالا أو انتهك عرضا، أو جنى جناية أقل من القتل، أو أخاف وأرهب فقط، فهو محارب، للإمام الخيار في أن يعاقبه بإحدى العقوبات التي بآية المحاربة عند من يقول أن- أو- في آية المحاربة للتخيير، وذلك حسب ما يراه قاضيا على المفسدة ومحققا للمصلحة لا بالهوى والتشهي.

أما على قول من يرى أن- أو- في الآية لتوزيع العقوبة حسب نوع الجريمة، فعلى ولي الأمر أن يقتل من قتل أو يصلبه حتى يموت، وأن يقطع يده ورجله من خلاف إذا أخذ المال فقط، وأن يحده إن زنى، وأن يعزره إذا انتهك العرض بما دون الجماع، وأن يعاقبه بمثل جرمه إن جنى بما دون القتل، وأن ينفيه إن لم يكن منه إلا الإرهاب والإخافة.

ب- وإن وقع ذلك منه في مصر ونحوه فللإمام الخيار في عقوبته، كما تقدم عند من رأى أن المحاربة تكون في المصر ونحوه، وقال: إن- أو- في آية الحرابة للتخيير.

أما على قول من قال: إن المحاربة لا تكون في المصر، فعلى الإمام أن يعاقبه حسب جريمته بالعقوبات التي نص عليها في الكتاب والسنة، فيما عدا آية الحرابة والتي استنبطها العلماء منهما؛ لكونه غير محارب.

ثالثا- من زنى بامرأة بالإكراه أقيم عليهما حد الزنا رجما أو جلدا مع مراعاة تحقيق شروط إقامة الحد بالزنا، وانتفاء الموانع، وإن انتهك حرمتها برضاها لكن بغير جماع؛ عزر بما يقتضيه نظر ولي الأمر أو نائبه في ذلك.

ص: 68

رابعا- من غرر بصبي أو صبية وانتهك العرض كان محاربا في نظر مالك وجماعة، ويقام عليه حد الحرابة على التفصيل الذي تقدم؛ لأن هذا نوع من الغيلة وهي داخلة في الحرابة عندهم.

ومن لم يعتبر هذا غيلة أو لم يجعل الغيلة داخلة في الحرابة، أي أنه يعاقب بما تقتضيه جريمته من حد أو تعزير.

خامسا: الخمر والمخدرات:

إن الله تعالى قد كرم الإنسان بالعقل وميزه به عن الحيوان، وجعله مناط التكليف بالعقائد والعبادات والمعاملات، وصلح به أن يكون خليفة في الأرض يدير شئونها، ويدبر أمورها بما شرع الله تعالى في كتبه وعلى ألسنة رسله، فينتظم بها العمران وتطيب فيها الحياة.

وإن الخمر تؤثر في العقل، وتخل بتوازنه، بل تذهب بإدراكه وتفكيره فيفقد الإنسان بذلك ميزته، ومصدر سعادته، ويصير مثار شر على نفسه، وخطر على مجتمعه دينا ودنيا، فإن السكران تنعكس في نفسه مقاييس الأمور، فيحسب الخير شرا والمعروف منكرا، وتسول له نفسه الاعتداء على النفوس والأموال، والعبث بالأعراض، ولا وزن لديه لآداب ومكارم الأخلاق، وبذلك تسود الفوضى في الأمة، وينتشر فيها الاضطراب، ويختل الأمن، ويداخل النفوس القلق، وعدم الاطمئنان، وليس إدمان المخدرات بأقل خطرا من شرب الخمر، بل ربما كان إدمانها أشد ضررا على من ابتلي بها. وأسوأ عاقبة في مجتمعه في الدنيا والدين.

لذلك حرم الإسلام تناول الخمر وكل مخدر، وشرع فيها الحد أو التعزير؛ تأديبا لمتعاطيها، وراحة لغيره، وحماية للمجتمع من خطرها، وتطهيرا له من رجسها، ومحافظة على أمن الأمة واطمئنانها، وعلى سلامتها في دينها، وصحتها وعرضها ومالها، فعلى ولاة الأمور من العلماء والحكام أن يقوموا بواجبهم في ذلك بيانا وإرشادا أو دعوة ونصحا، وتنفيذا للعقوبة حدا أو تعزيرا، قال الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1).

(1) سورة الحديد الآية 25

ص: 69

وعلى هذا وما تقدم في الإعداد وخاصة ما في كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وما ذكر بعده تحت عنوان: (دراسات حديثة) من مضار الخمر وآثارها السيئة، يمكن أن يقال:

أ - من أدمن تعاطي المسكرات أو المخدرات من خمر وحشيش وأفيون وجوزة الطيب وحبوب مسكرة أو مخدرة ونحوها، بأن طعمها فعوقب، ثم طعمها فعوقب، وهكذا فلولي الأمر أن يعزره ولو بالقتل إذا لم تدرأ المفسدة إلا بذلك. فإن التعزير قد يغلظ بتكرار الجريمة وبفشوها وانتشارها بين الناس، وما ينشأ عنها من شدة الخطر، وما يترتب عليها من عظيم الأضرار.

أما إذا لم يتكرر منه ذلك، أو كانت المفسدة تدرأ بما دون القتل فعلى ولي الأمر أن يعاقبه بما دون القتل من حد أو تعزير.

ب - من روج المسكرات أو المخدرات أيا كان نوعها ببيعها، أو إهدائها، أو تهريبها، أو صنعها، أو تصديرها، أو استيرادها، أو الإغراء بها، وإيهام منافع لها ونحو ذلك، فهو معين على انتشار الشر، وساع في الأرض فسادا، ومتعاون مع متعاطيها على الإثم والعدوان، وربما كان خطر الترويج والتهريب والتجارة فيها وما شابه ذلك أشد من المتناول والضرر به أعم وأشمل، فلولي الأمر تعزيرهم ولو بالقتل إذا لم يردعهم إلا ذلك. ولم تدرأ المفسدة إلا به. فإن تحقيق المصلحة العامة للأمة مقدم على المصلحة الفردية، ودرء المفسدة العامة للمجتمع يجب تقديمه على درء المفسدة الخاصة، وليس هذا بغريب.

فإن جماعة من المنافقين ومرضى القلوب قد تعرضوا بالأذى والفتنة لنساء المؤمنين في الطرقات حين ذهابهن لحاجتهن، فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن؛ ليعرفن بالعفة فلا يطمع في انتهاك حرمتهن منافق أو مريض قلب، ويسلمن من الأذى والفتنة، وأنذر أولئك الذين يتعرضون لهن، وهددهم إن لم ينتهوا عن صنيعهم الكريه من التعرض للمؤمنات أن يغري بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل بهم أليم عقابه؛ تشريدا ونفيا عن المدينة؛ حتى لا يجاوروه فيها إلا قليلا، وأن يسلطه عليهم فيقتلهم تقتيلا أين ما وجدهم، وتمكن من

ص: 70

التنكيل بهم؛ جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم من التعرض لانتهاك حرمات المؤمنات.

وهناك طائفة أخرى أرجفت في المدينة بنشر أخبار كاذبة، كحديثهم عن قوة الكفار واجتماعهم وتعاونهم ومسيرهم إلى المؤمنين؛ ليدخلوا بذلك الفزع على المؤمنين؛ فيتخاذلوا على نحو ما ذكر الله تعالى عنهم في الآيات الأولى من سورة الأحزاب، فهؤلاء ليسوا أقل خطرا ممن قبلهم على كيان الأمة، وإن كانت الأولى في الأعراض إشاعة للفاحشة وتدنيسا للأخلاق، والثانية في السياسة تخذيلا وتحطيما للأعصاب، وقد أنذرهم الله بما أنذر به من تعرض بالأذى لنساء المؤمنين، وهددهم بالتشريد والنفي والتقتيل أين ما ثقفوا، مع أنه لم يثبت على هؤلاء ولا أولئك ما يوجب الرجم أو الجلد أو القصاص، وإنما وقع منهم ما يوجب التعزير بالنفي والتقتيل إن لم يكفوا عن جريمتهم، ولم يكن ذلك لمجرد نفاقهم ومرض قلوبهم وضعف نفوسهم، فليس ببعيد أن يبلغ ولي الأمر بالتعزيز فيما نحن بصدد بحثه أو بيان عقوبته قتلا- والمروجون لشرب الخمر وتناول المخدرات بأي وسيلة من وسائل الترويج والإغراء، وإن لم يتناولوا شيئا مسكرا أو مخدرا، لكنهم سعوا في الأرض فسادا.

وبعد فالواقع الأليم، والبلاء الداهم ليس من عدم وجود أصول علمية واضحة، ولا من عدم وقوف القضاة الأفاضل عليها وفهمهم إياها.

فالنظريات العلمية والقواعد الفقهية متيسرة مطروقة، والقضاة - والحمد لله - قد وقفوا عليها وفهموها، وإنما جاء ذلك من البطء في اتخاذ الإجراءات، والتراخي في تطبيق القواعد الفقهية عليها مع مراعاة الظروف والأحوال المحيطة بها، وشاهد ذلك أنه قد حدثت أحداث من جنس موضوع البحث، ونالت العناية في تعجيل الإجراءات، وأخذ المسئولون عنها أنفسهم بالحزم وقوة العزم والجد والاجتهاد في فحصها، والبت فيها فصدر الحكم، وتم التنفيذ في عدة أيام. والواقع خير شهيد، فطريقة تعجيل النظر في القضايا المهمة وإحكام بحثها وإصدار الحكم فيها معلومة مطروقة. فلتسلك في مثل هذه القضايا مستقبلا كما سلكت قبل في نظائرها؛ فإن هذا هو حل المشكلة والطريق لإنقاذ الأمة من ويلات الحوادث المؤلمة التي تلظى بنارها.

وقد عرض هذا بعض أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة السابعة عشرة، لكن تغلبت فكرة إعداد بحث فأعد بذكر أراء الفقهاء رحمهم الله الاجتهادية والنظرية، وتطبيق ذلك نظريا إجمالا على الجزيئات المقترح بيان الحكم فيها.

أما تطبيقه تفصيلا على

ص: 71

الوقائع الشخصية فهو رهين بالظروف وقرائن الأحوال التي تختص بها كل واقعة بعينها، وهذه مسئولية القضاة - أعانهم الله - والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة لبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

نقاط البحث في القسم الأول في العدد الحادي عشر

صفحة

14 -

مقدمة في وجوب حفظ الأمن. تحقيقا لطمأنينة الأمة.

17 -

كلام بعض علماء التفسير على نصوص من الكتاب والسنة، تتعلق بعقوبة الحرابة والإفساد في الأرض مع مناقشتها.

72 -

أقوال فقهاء الإسلام في تحديد جريمة الحرابة والإفساد في الأرض وفي عقوبتها مع المناقشة.

72 -

مذهب الحنفية.

85 -

مذهب المالكية.

94 -

مذهب الشافعية.

-102 مذهب الحنابلة.

-116 رأي ابن حزم.

-125 نقل عن ابن تيمية في الحرابة وما يتعلق بها.

-137 تعريف الخمر وبيان الفرق بين المسكر والمخدر والمفتر، وذكر أقوال الفقهاء في حكم تعاطيها، وعقوبة من يتعاطها ومن يساعد عليها.

137 -

معنى الخمر لغة وشرعا

نقاط البحث في القسم الثاني في العدد الثاني عشر

الفرق بين حقيقة كل من الخمر والمخدر والمفتر وبيان العلاقة بينها.

12 -

ما يثبت به شرب الخمر.

ص: 72

52 -

عقوبة من ثبت عليه شرب الخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.

53 -

كلمة عن ابن قدامة وابن تيمية في التعزير.

37 -

خلاف العلماء في أن عقوبتها حد أو تعزير.

38 -

حكم من تكرر منه شرب الخمر.

45 -

كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية الحفيد عن الخمر والمخدر والمفتر.

54 -

دراسات حديثة تؤيد وجهة نظر فقهاء الإسلام في حكمهم في الخمر والمخدرات وتبين خطرها.

57 -

خلاصة المقصود مما تقدم.

67 -

تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها.

ص: 73

قرار رقم 83 وتاريخ 23/ 7 / 1401 هـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

فقد اطلع مجلس هيئة كبار العلماء في دورته السابعة عشرة المنعقدة في مدينة الرياض من يوم 12/ 7 / 1401 هـ حتى 23 منه على كتاب جلالة الملك - وفقه الله - الموجه لعضوي هيئة كبار العلماء: رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، برقم 5934/ 2 في 17/ 6 / 1401 هـ المتضمن إشارة جلالته إلى موضوعين هامين، وأن فيهما فسادا للأخلاق وإخلالا بالأمن، وهما تهريب المخدرات وترويجها على اختلاف أنواعها والحشيش والأفيون مما سبب كثرة استعمالها إلى حد الإدمان من البعض، وأنه نتج عن ذلك فساد أخلاق متعاطيها، وذهاب معنوياتهم، وحصول بعض الحوادث الجنائية، والأمر الثاني: كثرة حوادث اختطاف الأشخاص من قبل بعض المجرمين داخل المدن وخارجها بقصد الاعتداء على العرض أو النفس أو المال، ثم قال جلالته: ولا يخفاكم أنه لا يقضي على هذه الأمور إلا جزاءات فورية قوية رادعة في حدود ما تقتضيه الشريعة المطهرة؛ لأن إطالة الإجراء في مثل هذه المسائل يسبب تأخير تنفيذ الجزاء ونسيان الجريمة، ورغب دراسة هذين الموضوعين وإفادة جلالته.

فتم إحالة كتاب جلالته إلى هيئة كبار العلماء، وبعد دراسة الموضوع وتداول الرأي تقرر تشكيل لجنة من المجلس لتقديم توصياتها فقدمت ما توصلت، إليه وبعد الاطلاع على

ص: 73

ما قدمته ولأهمية هذه المواضيع وضرورة البلاد إلى القضاء على الإجرام وإشاعة الأمن بين الأمة في مدنها وقراها، ولما يطلبه ذلك من مزيد البحث والتقصي لإلحاق هذه الجرائم بما يماثلها؛ حتى يسهل تقرير العقوبة الزاجرة عن ارتكاب أمثال هذه الجرائم بإلحاقها بما يشبهها من أنواع الفساد والإجرام، التي قررت الشريعة عقوباتها المناسبة لها، الكفيلة باجتثاث أسبابها، واقتلاع جذورها من المجتمع الإسلامي، ولذا رأى المجلس تأجيل إصدار القرار المتضمن وصف هذه الجرائم وإلحاقها بأشباهها، وتحديد العقوبات المناسبة لأخطارها القاضية على بواعثها، المزيلة لآثارها عن هذا المجتمع الذي اعتاد الأمن ونعم بالاستقرار؛ بسبب تطبيق العقوبات الشرعية ليستمر له أمنه، وتدوم عليه نعمة الأمان على الأنفس والأعراض والأموال، ولتعالج أمراضه بأدوية الشريعة الكاملة القاضية بقطع كل عضو لا ينفع فيه علاج ولا يدفعه تعزير؛ ليعد فيه البحث اللازم.

ورأى المجلس إصدار توصية تعم على الدوائر المختصة بمكافحة الجرائم والتحقيق فيها، ودوائر القضاء بأن يهتم المختصون في تلك الدوائر بإعطاء هذه الجرائم أولوية في النظر والإنجاز، وإيلاءها اهتماما بالغا من الإسراع الذي لا يخل بما يقتضيه العمل من إتقان، وسوف يصدر القرار الخاص بوصف هذه الجرائم وإلحاقها بأمثالها وأشباهها، وتعيين أنواع العقوبات التي نصت عليها الشريعة الكاملة؛ لمعالجة هذه الجرائم، ومنع حدوثها، وزجر من يفكرون في ممارستها بجزاءات تكفل الردع والزجر في الدورة القادمة إن شاء الله تعالى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هيئة كبار العلماء

رئيس الدورة

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

محمد بن علي الحركان

عبد الرزاق عفيفي

عبد الله بن محمد بن حميد

سليمان بن عبيد

عبد الله خياط

عبد العزيز بن صالح

راشد بن خنين

محمد بن جبير

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

عبد الله بن غديان

صالح بن غصون

عبد المجيد حسن

عبد الله بن قعود

عبد الله بن منيع

صالح بن لحيدان

ص: 74

قرار رقم 85 وتاريخ 11/ 11 / 1401هـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:

ففي الدورة السابعة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في شهر رجب عام 1401 هـ، اطلع المجلس على كتاب جلالة الملك خالد بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي بعثه إلى سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وإلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، يطلب فيه جلالته دراسة موضوعين هامين فيهما إفساد للأخلاق وإخلال بالأمن:

أحدهما: قيام بعض المجرمين بحوادث السطو والاختطاف داخل المدن وخارجها بقصد الاعتداء على العرض أو النفس أو المال.

الثاني: تعاطي المسكرات والمخدرات على اختلاف أنواعها، وترويجها وتهريبها، مما سبب كثرة استعمالها، وإدمان بعض المنحرفين على تعاطيها حتى فسدت أخلاقهم، وذهبت معنوياتهم وقاموا بحوادث جنائية.

وذكر جلالته أنه لا يقضي على هذه الأمور إلا عقوبات فورية رادعة، في حدود ما تقتضيه الشريعة الإسلامية المطهرة؛ لأن إطالة الإجراءات في مثل هذه المسائل يسبب تأخير تنفيذ الجزاء ونسيان الجريمة.

وقد أحاله سماحتهما إلى المجلس للقيام بالدراسة المطلوبة، ولما نظر المجلس في الموضوع رأى أنه ينبغي دراسته دراسة وافية متأنية، وأن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا فيه، ثم يناقش في الدورة الثامنة عشر- وأصدر قراره رقم 83 وتاريخ 23/ 7 / 1401 هـ يتضمن الوصية بالتعميم على الدوائر المختصة بمكافحة الجرائم، والتحقيق فيها، ودوائر القضاء، بأن يهتم المختصون في تلك الدوائر بإعطاء هذه الجرائم أولوية في النظر والإنجاز، وأن يولوها اهتماما بالغا من الإسراع الذي لا يخل بما يقتضيه العمل من إتقان.

وفي الدورة الثامنة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف من 29/ 10 / 1401 هـ حتى 11/ 11 / 1401 هـ نظر المجلس في الموضوع واطلع على البحث

ص: 75

الذي أعدته اللجنة الدائمة، وبعد المناقشة المستفيضة وتداول الرأي انتهى المجلس إلى ما يلي:

أولا: ما يتعلق بقضايا السطو والخطف:

لقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة، وهي الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم، وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم، وأبدانهم، وأرواحهم، وأعراضهم وعقولهم؛ بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، وأن تنفيذ مقتضى آية الحرابة، وما حكم به صلى الله عليه وسلم في المحاربين، كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين؛ إذ قال الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1) وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أنس رضي الله عنه قال: «قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا في الصفة فاجتووا المدينة فقالوا: يا رسول الله أبغنا رسلا. فقال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا؛ وقتلوا الراعي، واستاقوا الذود، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ، فبعث الطلب في آثارهم، فما ترجل النهار حتى أتي بهم، فأمر بمساير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وما حسمهم، ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا (2)» . قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله. اهـ.

وبناء على ما تقدم فإن المجلس يقرر الأمور التالية:

أ- إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا، المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل

(1) سورة المائدة الآية 33

(2)

صحيح البخاري الحدود (6804)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي تحريم الدم (4031)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 107).

ص: 76

وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحاري والقفار، كما هو الراجح من آراء العلماء - رحمهم الله تعالى -.

قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه: رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة؛ فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها، ومن جملة المسلمين معه فيها، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين؟ فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج، فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون، ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم، وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته؟ ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج ا. هـ.

ب- يرى المجلس في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} (1) أن (أو) للتخيير كما هو الظاهر من الآية الكريمة. وقول كثيرين من المحققين من أهل العلم رحمهم الله.

جـ- يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام- القضاة - إثبات نوع الجريمة والحكم فيها، فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فسادا؛ فإنهم مخيرون في الحكم فيها بالقتل، أو الصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، بناء على اجتهادهم، مراعين واقع المجرم، وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع، وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين إلا إذا كان المحارب قد قتل؛ فإنه يتعين قتله حتما كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعا، وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة:" لا نزاع فيه ".

ثانيا: ما يتعلق بقضايا المسكرات والمخدرات:

نظرا إلى أن للمخدرات آثارا سيئة على نفوس متعاطيها، وتحملهم على ارتكاب جرائم الفتك وحوادث السيارات والجري. وراء أوهام تؤدي إلى ذلك، وأنها توجد طبقة من المجرمين شأنهم العدوان، وأنها تسبب حالة من المرح والتهيج مع اعتقاد متعاطيها أنه قادر على كل شيء، فضلا عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية تحمله على ارتكاب الجريمة، كما أن

(1) سورة المائدة الآية 33

ص: 77

لها آثارا ضارة بالصحة العامة، وقد تؤدي إلى الخلل في العقل والجنون، وحيث إن أصحاب هذه الجرائم فريقان:

أحدهما: من يتعاطاها للاستعمال فقط، فهذا يجري في حقه الحكم الشرعي للسكر، فإن أدمن على تعاطيها ولم يجد في حقه إقامة الحد؛ كان للحاكم الشرعي الاجتهاد في تقرير العقوبة التعزيرية الموجبة للزجر والردع ولو بقتله.

الثاني: من يروجها سواء كان ذلك بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعا وشراء أو إهداء، ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها، فإن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيرا بليغا بالحبس، أو الجلد، أو الغرامة المالية، أو بها جميعا حسبما يقتضيه النظر القضائي، وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض، وممن تأصل الإجرام في نفوسهم، وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضرب من التعزير، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين الداعي للبدع في الدين إلى أن قال:«وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمد الكذب عليه» وسأله ابن الديلمي عمن لم ينته عن شرب الخمر، فقال:«من لم ينته عنها فاقتلوه (1)» . وفي موضع آخر قال رحمه الله في تعليل القتل تعزيرا ما نصه: وهذا لأن المفسد كالصائل، وإذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتل (2).

ثالثا: نظرا إلى أن جرائم الخطف والسطو وتعاطي المسكرات والمخدرات على سبيل الترويج لها من القضايا الهامة التي قد يحكم فيها بالقتل تعزيرا؛ فإنه ينبغي أن تختص بنظرها المحاكم العامة، وأن تنظر من ثلاثة قضاة كما هو الحال في قضايا القتل والرجم، وأن ترفع للتمييز ثم للمجلس الأعلى للقضاء لمراجعة الأحكام الصادرة بخصوصها؛ براءة للذمة واحتياطا لسفك الدماء.

رابعا: ما يتعلق بالنواحي الإدارية:

نظرا لما لاحظه المجلس من كثرة وقوع جرائم القتل والسطو والخطف وتناول المخدرات

(1) مجموع الفتاوى جـ 28 ص 209.

(2)

مجموع الفتاوى جـ 28 ص 347

ص: 78

والمسكرات وضرورة اتخاذ إجراءات وتدابير وقائية تعين على ما تهدف إليه حكومة جلالة الملك - حفظه الله - من استتباب الأمن وتقليل الحوادث فإنه يوصي بالأمور التالية:

1 -

ستقوم الحكومة وفقها الله بتقوية أجهزة الإمارات ورجال الأمن، وخاصة في كون المسئولين فيها من الرجال المعروفين بالدين والقوة والأمانة، ويشعر كل أمير ناحية بأنه المسئول الأول من ناحية حفظ الأمن في البلاد التي تقع تحت إمارته، وأن على الشرطة ورجال الإمارات الجد والاجتهاد في سبيل تأدية واجباتهم، والقيام بمتابعة الجميع ومعاقبة المقصر في أداء واجبه بما يكفي لردع أمثاله.

2 -

تؤكد الدولة - وفقها الله - على الإمارات بأنه إذا وقعت جريمة القتل أو السطو أو الاعتداء على العرض ونحو ذلك من الجرائم المخلة بالأمن؛ فإن إمارة الجهة التي وقعت فيها مسئولة عن القضية من ابتدائها حتى يتم تنفيذ مقتضى الحكم الصادر فيها، فتقوم ببذل جميع الأسباب والوسائل للقبض على الجاني وسرعة إنهاء الإجراءات الضرورية مادامت لديها، ثم تتابعها وتكلف مندوبا من جهتها يقوم بالتعقيب عليها لدى الجهات الأخرى، ويطلب من كل أمير ناحية أن يكتب تقريرا عن القضية بعد انتهائها وتنفيذ الحكم الصادر فيها يبين سيرها وملاحظاته بشأنها.

3 -

يرى المجلس تأليف لجنة من مندوبين، أحدهما من وزارة الداخلية، والثاني من وزارة العدل؛ لدراسة مجرى المعاملات الجنائية والروتين الذي تمر به، والبحث عن الطريقة المثلى لذلك مما لا يؤثر على الإجراءات الضرورية في التحقيق والنظر القضائي.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رئيس الدورة

عبد العزيز بن صالح

عبد الله خياط

عبد الله بن حميد

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

عبد المجيد حسن

محمد بن علي الحركان

عبد الرزاق عفيفي

محمد بن جبير

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

سليمان بن عبيد

عبد الله بن غديان

صالح بن غصون

راشد بن خنين

عبد الله بن قعود

عبد الله بن منيع

صالح بن لحيدان

ص: 79