الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإهابة بالمسلمين لمساعدة
إخوانهم في أفريقيا
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. . . وبعد:
ما أن علمت حكومة المملكة العربية السعودية بالمجاعة التي يتعرض لها إخواننا المسلمون وغيرهم في أفريقيا، حتى هبت لنجدتهم، وأمر خادم الحرمين الشريفين بتشكيل لجان في سائر البلاد لإغاثتم وبذل المساعدات لهم لاجتياز محنتهم، وقد وجه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى إخوانه المسلمين كلمة بهذه المناسبة في نصها:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيا معشر إخواني المسلمين هذه كلمة أوجهها إليكم للحث والترغيب في مساعدة إخوانكم المسلمين في أفريقيا المنكوبين بالجفاف والجدب والجوع. طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وتعاونا معكم على البر والتقوى عملا بقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1)، وقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (2){الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3).
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة البقرة الآية 267
(3)
سورة البقرة الآية 268
وتعلمون بارك الله فيكم ما حل بالكثير من إخوانكم المسلمين في أفريقيا، وفي السودان بوجه خاص منذ سنوات من جفاف وقحط لاحتباس الأمطار عنهم.
وأنتم أيها المسلمون أولى الناس بمد العون إليهم لأنكم تسمعون وتقرءون كما أسمع وأقرأ عن أخبار جفاف المزارع وهلاك المحاصيل والحيوانات، ومن عدد الذين يموتون جوعا كل يوم من الرجال والأطفال والنساء وأغلبهم من المسلمين، وهؤلاء أخوة لنا في الدين وجيران لنا في الأوطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة (2)» متفق على صحته، ثم اعلموا - بارك الله فيكم - أن المال الذي في أيديكم إنما هو مال الله عز وجل وأنتم مستخلفون فيه، وقد أمركم الله بالإنفاق منه ووعدكم بالخلف فقال تعالى:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (3).
وقال سبحانه: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (4)، وقال سبحانه:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (5).
ومن بخل أيها الأخوة بماله، أو استغنى عن الأجر من ربه، فليس بمأمن من عقاب الله، وقد يحل به ما حل بإخوانه في أفريقيا والعياذ بالله من فجاءة نقمته، وما ذلك على الله بعزيز فهو القائل وقوله الحق:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (6).
(1) سورة المنافقون الآية 10
(2)
صحيح البخاري المظالم والغصب (2442)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580)، سنن الترمذي الحدود (1426)، سنن أبو داود الأدب (4893)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 68).
(3)
سورة الحديد الآية 7
(4)
سورة النور الآية 33
(5)
سورة سبأ الآية 39
(6)
سورة محمد الآية 38
فيا أيها المسلمون استجيبوا لنداء ربكم، وابذلوا من أموالكم في سبيله، واشكروا نعم الله عليكم بأداء حقها، ومن حقها إنقاذ الأنفس المؤمنة وهو حق لو تعلمون عظيم؛ فقد روى جرير بن عبد الله رضي الله عنه واقعة حدثت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيب بالمسلم إلى المبادرة لمواساة إخوانه الفقراء ورحمتهم حيث قال رضي الله عنه:«كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النهار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: إلى آخر الآية، والآية التي في آخر الحشر: تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمرة، حتى قالت: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت تم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (3)» رواه مسلم.
وأنتم أيها المسلمون قد رأيتم بأعينكم، وقرأتم بأنفسكم ما يقال عن هذه المحنة القاسية والمجاعة الأليمة التي تتعرض لها أنفس من إخوانكم المسلمين في أفريقيا، فتصدقوا عليهما مما أفاء الله عليكم أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم في حبه للخير، ودعوته للصدقة، وإنفاقه في سبيل الله، وأسوة بأصحابه رضي الله عنهما في مسارعتهم للإنفاق في وجوه الخير، ففي كل نفس رطبة صدقة ولا يحقرن أحدكم ما يبذل في نفع إخوانه من نقد أو متاع أو طعام، وذلك بما تبذلونه وتنفقونه في سبيل الله لمواساة إخوانكم والإحسان إليهم وإغنائهم عن عدوهم المتربص بهما الدوائر.
واعلموا أن الصدقة تدفع ميتة السوء وتذهب البلاء، وتطفئ الخطيئة، كما روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (4)،
(1) رواه مسلم في باب الحث على الصدقة ج7 ص102.
(2)
سورة النساء الآية 1 (1){يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}
(3)
سورة الحشر الآية 18 (2){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
(4)
سورة النحل الآية 96
وإنها لمبادرة كريمة ومباركة إن شاء الله، تلك التي قام بها خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، إذ أهمه ما يلقاه أخوانه المسلمون وغيرهم في أفريقيا من جوع وعري وعطش وموت، فأمر جلالته حفظه الله بتشكيل لجان في سائر أنحاء المملكة لإغاثة الجياع، ومساعدة المحتاجين هناك فجزاه الله خيرا وضاعف مثوبته ونصر به الحق.
ولقد نشرت الصحف ووسائل الإعلام أخبار هذه اللجان التي نرجو لها التوفيق بإذن الله، وهي أهداف جليلة حيث تعمل على إنقاذ الأنفس من الهلاك، والمساعدة باجتياز المحنة، بما تجود به نفوس طالبي الأجر والمثوبة من الله.
فأهيب بكم أيها الأخوة في الله للمساعدة والتعاون مع هذه اللجان في جميع المساعدات والتشجيع عليها، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه (2)» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (3)» . وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة (4)» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار (5)» ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون أعظم من الجبل (6)» .
والآيات والأحاديث في فضل الصدقة ومساعدة فقراء المسلمين ومواساتهم كثيرة معلومة، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للمسابقة لما يرضيه وأن يتقبل منا ومنكم وأن يجزل مثوبتكم ويخلف عليكم ما تنفقون في سبيل الخير بأحسن الخلف، وأن يرحم إخواننا المسلمين في أفريقيا وغيرها، وأن يغيثهم من فضله ويرفع عنهم ما نزل بهم من بلاء ومصيبة إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) سورة المزمل الآية 20
(2)
صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
(3)
صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
(4)
صحيح البخاري الزكاة (1417)، صحيح مسلم الزكاة (1016)، سنن النسائي الزكاة (2553)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 256).
(5)
سنن الترمذي الجمعة (614).
(6)
صحيح البخاري الزكاة (1410)، صحيح مسلم الزكاة (1014)، سنن الترمذي الزكاة (661)، سنن النسائي الزكاة (2525)، سنن ابن ماجه الزكاة (1842)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 331)، موطأ مالك الجامع (1874)، سنن الدارمي الزكاة (1675).