المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المثال الرابع: قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌خلاف العلماء في أن العقوبة في شرب الخمر هل هي حد أو تعزير

- ‌تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها

- ‌وجهة نظر

- ‌ هل يجوز لمن صلى الفرض أن يؤم جماعة أخرى بالفرض نفسه

- ‌ قراءة الفاتحة للمأموم

- ‌ المسح على الجوارب

- ‌ متابعة المأموم الإمام في التسليمتين

- ‌ نقل زكاة المال إلى بلد غير البلد الذي فيها إقامة المزكي

- ‌ التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله

- ‌ غسل الرجل والمرأة من الجنابة

- ‌ المسح على الجوربين إذا كان الوقت باردا

- ‌ سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه

- ‌ صلاة من يحمل صورة

- ‌ المريض لا يقوى على صيام رمضان، وكان لا يرجى برؤه

- ‌بيع سلعة من الطعام أو غيره إلى أجل معلوم

- ‌ الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية

- ‌ حكم المسح على الجوربين

- ‌ إذا كان عيسى عليه السلام حيا فهل سينزل آخر الزمان

- ‌ لماذا سمي عيسى ابن مريم بالمسيح

- ‌ حكم لبس الذهب المحلق

- ‌تقديم: لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

- ‌ قول ابن القيم في "مختصر الصواعق

- ‌ قول ابن رجب في شرح الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية:

- ‌ قول ابن كثير في تفسير سورة الحديد:

- ‌قواعدفي أدلة الأسماء والصفات

- ‌القاعدة الأولى: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته

- ‌القاعدة الثانية: الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف

- ‌القاعدة الثالثة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر

- ‌القاعدة الرابعة: ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني

- ‌المثال الأول: الحجر الأسود يمين الله في الأرض

- ‌المثال الثالث: إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن

- ‌المثال الرابع: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}

- ‌المثال الحادي عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌المثال الثالث عشر: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

- ‌المثال الرابع عشر: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

- ‌المثال الخامس عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني

- ‌آيات الصفات

- ‌حاجة الإنسان إلى معرفة الله عز وجل

- ‌وسائل المعرفة

- ‌ثانيا: القسم الخارجي (الوحي)

- ‌ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته

- ‌الصحابة وآيات الصفات

- ‌رواد المناهج المنحرفة

- ‌منهج السلف في الأسماء والصفات

- ‌نماذج من أقوال أهل السنة والجماعة في تفسير آيات الصفات

- ‌ جاهلية التصوف:

- ‌مفهوم الدين الإسلامي عند الصوفية:

- ‌من واضع علم التصوف

- ‌مفهوم الذكر عند الصوفية:

- ‌(مشايخ الصوفية يفترون الكذب في سبيل الدعوة إلى طرقهم)

- ‌ألقاب وهمية يستغلها مشايخ الصوفية لاستجلاب الأرزاق وإفساد العقيدة:

- ‌للصوفية ديوان باطني:

- ‌ الفرد المسلم هو الأساس في عملية بناء المجتمع

- ‌ الإعداد الروحي:

- ‌ الإعداد العقلي:

- ‌ الإعداد الوجداني:

- ‌ الإعداد الجسمي:

- ‌ الإعداد الاجتماعي:

- ‌ الإعداد المهني:

- ‌عوامل بناء الشخصية المسلمة:

- ‌البيت المسلم حلقة من حلقات الإعداد:

- ‌وسائل الإعلام:

- ‌رأي القائلين بالتحريم:

- ‌رأي القائلين بجواز الترجمة:

- ‌الحكم في قضية ترجمة معاني القرآن

- ‌الإمام وكيع: حياته وآثاره

- ‌ الفرق بين منهج أهل السنة وبين أهل البدع:

- ‌ ما ورد عنه في معنى قول السلف:

- ‌ كلامه في الفرق المبتدعة:

- ‌ تكفيره لبشر المريسي وأتباعه من الجهيمة:

- ‌ تكفيره لمن قال بخلق القرآن:

- ‌قوله في مسألة الإيمان وزيادته ونقصانه:

- ‌ قوله في مسألة الاستثناء في الإيمان:

- ‌ حمايته للسنة وحثه على التمسك بها:

- ‌ عنايته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ ما ورد عنه في آداب السامع والمحدث

- ‌نصائح وتوجيهات لطلبة العلم:

- ‌مذهبه في الرواية بالمعنى

- ‌مذهبه في العرض على المحدث:

- ‌مذهبه فيما سمع قراءة أن لا يقال فيه حدثنا:

- ‌مذهبه في الإعلام من أنواع الإجازة:

- ‌مذهبه في التدليس والمدلسين:

- ‌مذهبه في السماع عن الضعفاء:

- ‌مذهبه في إجازة الرواية من الكتاب الصحيح

- ‌مذهبه في إلحاق الاسم المتيقن سقوطه في الإسناد:

- ‌ أصح الإسناد عنده:

- ‌مذهبه في الجمع بين الرواية والدراية:

- ‌معرفته بعلل الحديث ونقد الرجال

- ‌مذهبه فيمن يقع الوهم في حديثه كثيرا:

- ‌مذهبه الرجوع إلى قول من خالفه آخر أحفظ منه:

- ‌مذهبه في رواية قبول المبتدعة:

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل عند وكيع بن الجراح

- ‌تأثره بمنهج ابن جريج ويحيى بن أبي زائدة في التأليف:

- ‌منهجه في التصنيف:

- ‌سرد أسماء مؤلفاته:

- ‌فقهه وإفتاؤه

- ‌الإسلام ومواجهته لحركات التبشير الأوروبيفي غرب أفريقيا

- ‌وضع المسلمين تحت الإدارة الأوربية للمستعمرات في غرب أفريقيا:

- ‌مصادر البحث

- ‌الإهابة بالمسلمين لمساعدةإخوانهم في أفريقيا

- ‌ما هكذا الدعوةإلى الله يا صالح

- ‌مؤتمرات إسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المثال الرابع: قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء}

الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن الإيمان يمان، والحمكة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن (1)» . قال في (مجمع الزوائد): رجاله رجال الصحيح غير شبيب، وهو ثقة. قلت: وكذا قال في التقريب عن شبيب: ثقة من الثالثة. وقد روى البخاري نحوه في (التاريخ الكبير).

وهذا الحديث على ظاهره، والنفس فيه اسم مصدر نفس ينفس تنفيسا، مثل فرج يفرج تفريجا وفرجا، هكذا قال أهل اللغة كما في (النهاية والقاموس ومقاييس اللغة)، قال في (مقاييس اللغة): النفس كل شيء يفرج به عن مكروب، فيكون معنى الحديث أن تنفيس الله تعالى عن المؤمنين يكون من أهل اليمن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات. اهـ (2).

(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3301)، صحيح مسلم الحج (1380)، سنن الترمذي الفتن (2243)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 541)، موطأ مالك الجامع (1810).

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن القاسم ج 6 ص 398.

ص: 226

‌المثال الرابع: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}

(1).

والجواب أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:

أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء، وهو الذي رجحه ابن جرير، قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} (2)، علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات. اهـ. وذكره البغوي في تفسيره قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف: وذاك تمسكا بظاهر لفظ (استوى)، وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل.

القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام، وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت، قال ابن كثير: أي قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضمن معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بإلى. وقال البغوي: أي عمد إلى خلق السماء.

وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره، وذلك لأن الفعل (استوى) اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء، فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به، ألا ترى إلى قوله تعالى:

(1) سورة فصلت الآية 11

(2)

سورة البقرة الآية 29

ص: 226

{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (1)، حيث كان معناها يروى بها عباد الله؛ لأن الفعل (يشرب) اقتران بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها، وهو يروى، فالفعل يضمن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام.

(1) سورة الإنسان الآية 6

ص: 227

المثال الخامس والسادس: قوله تعالى في سورة الحديد: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1)، وقوله في سورة المجادلة:{وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (2). .

والجواب: أن الكلام في هاتين الآيتين حق على حقيقته وظاهره. ولكن ما حقيقته وظاهره؟

هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن لله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون مختلطا بهما أو حالا في أمكنتهم؟

أو يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطا بهم علما وقدرة، وسمعا وبصرا، وتدبيرا وسلطانا، وغير ذلك من معاني ربوبيته، مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه؟

ولا ريب أن القول الأول لا يقتضيه السياق، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه، وذلك لأن المعية هنا أضيفت إلى الله عز وجل، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، ولأن المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان، وإنما تدل على مطلق مصاحبة، ثم تفسر في كل موضع بحسبه.

وتفسير معية الله تعالى لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:

الأول: أنه مخالف لإجماع السلف، فما فسرها أحد منهم بذلك، بل كانوا مجمعين على إنكاره.

الثاني: أنه مناف لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة، وإجماع السلف، وما كان منافيا لما ثبت بدليل كان باطلا بما ثبت به ذلك المنافي، وعلى هذا فيكون

(1) سورة الحديد الآية 4

(2)

سورة المجادلة الآية 7

ص: 227

تفسير معية الله لخلقه بالحلول والاختلاط باطلا بالكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع السلف.

الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله سبحانه وتعالى.

ولا يمكن لمن عرف الله تعالى وقدره حق قدره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن يقول: إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطا بهم، أو حالا في أمكنتهم فضلا عن أن تستلزم ذلك، ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة جاهل بعظمة الرب جل وعلا.

فإذا تبين بطلان هذا القول تعين أن يكون الحق هو القول الثاني وهو أن لله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطا بهم علما وقدرة وسمعا وبصرا وتدبيرا وسلطانا وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه.

وهذا هو ظاهر الآيتين بلا ريب؛ لأنهما حق ولا يكون ظاهر الحق إلا حقا، ولا يمكن أن يكون الباطل ظاهر القرآن أبدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية (1): ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} (2). إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (3) دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم. وهذا معنى قول السلف إنه معهم بعلمه وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. وكذلك قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (4) إلى قوله: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (5) الآية.

(1) ص 103ـ ج 5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم.

(2)

سورة الحديد الآية 4

(3)

سورة الحديد الآية 4

(4)

سورة المجادلة الآية 7

(5)

سورة المجادلة الآية 7

ص: 228

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (1) كان هذا أيضا حقا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع والنصر والتأييد. ثم قال: فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أمورا لا يقتضيها في الموضع الآخر، فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها - وإن امتاز كل موضع بخاصية - فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق، حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها. اهـ.

ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق أن الله تعالى ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2).

فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم لا أنه سبحانه مختلط بهم ولا أنه معهم في الأرض.

أما في آية الحديد فقد ذكرها الله تعالى مسبوقة بذكر استوائه على عرشه وعموم علمه متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد، فقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3).

فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده وبصره بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه لا أنه سبحانه مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض، وإلا لكان آخر الآية مناقضا لأولها الدال على علوه واستوائه على عرشه.

فإذا تبين ذلك علمنا أن مقتضى كونه تعالى مع عباده أنه يعلم أحوالهم ويسمع

(1) سورة التوبة الآية 40

(2)

سورة المجادلة الآية 7

(3)

سورة الحديد الآية 4

ص: 229

أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبر شئونهم، فيحيي ويميت ويغني ويفقر ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه، لا يحجبه عن خلقه شيء، ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة (1).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية (2) في الكلام على المعية قال: وهذا الكلام الذي ذكره الله سبحانه من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ا. هـ.

وقال في الفتوى الحموية (3): وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه وقصد اتباع الحق وأعرض عن تحريف الكلام عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته.

ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا ألبتة مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: هو معكم. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه (4)» . ونحو ذلك فإن هذا غلط.

وذلك أن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (5). .

(1) وقد سبق أن المعية في اللغة العربية لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان.

(2)

ص 142 جـ 2 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.

(3)

ص 102، 103 جـ 5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم.

(4)

رواه أبو داود بهذا المعنى

(5)

سورة الحديد الآية 4

ص: 230

فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أين ما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال «والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه (1)» . أ. هـ.

واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله تعالى لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه وذلك من وجوه ثلاثة:

الأول: أن الله تعالى جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.

وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره حتى يتبين لك لقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (2) فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (3) وكل الأمر إلى منزله الذي يعلمه واعلم أن القصور في علمك أو في فهمك وأن القرآن لا تناقض فيه.

وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام في قوله فيما سبق: كما جمع الله بينهما.

وكذلك ابن القيم كما في مختصر الصواعق لابن الموصلي (4) في سياق كلامه على المثال التاسع مما قيل إنه مجاز قال: وقد أخبر الله أنه مع خلقه مع كونه مستويا على عرشه وقرن بين الأمرين كما قال تعالى (وذكر آية سورة الحديد) ثم قال: فأخبر أنه خلق السماوات والأرض وأنه استوى على عرشه وأنه مع خلقه يبصر أعمالهم من فوق عرشه كما في حديث الأوعال: «والله فوق العرش يرى ما أنتم عليه (5)» فعلوه لا يناقض معيته، ومعيته لا تبطل علوه بل كلاهما حق. ا. هـ.

الوجه الثاني: أن حقيقة معنى المعية لا يناقض العلو فالاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا ولا يعد ذلك تناقضا ولا يفهم منه أحد أن القمر نزل في الأرض، فإذا كان هذا ممكنا في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل

(1) رواه الترمذي في التفسير باب ومن سورة الحاقة بهذا المعنى كما رواه بهذا المعنى ابن ماجه في المقدمة وأبو داود في باب في الجهمية وقال الترمذي حديث حسن صحيح

(2)

سورة النساء الآية 82

(3)

سورة آل عمران الآية 7

(4)

ص 410 طبعة الإمام.

(5)

رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود بهذا المعنى.

ص: 231

شيء مع علوه سبحانه من باب أولى وذلك لأن حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.

وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية (1) حيث قال: وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى؛ فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا، ويقال: هذا المتاع معي، لمجامعته لك وإن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة اهـ.

وصدق رحمه الله تعالى فإن من كان عالما بك مطلعا عليك مهيمنا عليك يسمع ما تقول ويرى ما تفعل ويدبر جميع أمورك فهو معك حقيقة، وإن كان فوق عرشه حقيقة لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.

الوجه الثالث: أنه لو فرض امتناع اجتماع المعية والعلو في حق المخلوق لم يلزم أن يكون ذلك ممتنعا في حق الخالق الذي جمع لنفسه بينهما لأن الله تعالى لا يماثله شيء من مخلوقاته كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2).

وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسيطة (3) حيث قال: وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وهو علي في دنوه قريب في علوه. اهـ.

(تتمة) انقسم الناس في معية الله تعالى لخلقه ثلاثة أقسام:

القسم الأول: يقولون: إن معية الله تعالى لخلقه مقتضاها العلم والإحاطة في المعية العامة ومع النصر والتأييد في المعية الخاصة مع ثبوت علوه بذاته واستوائه على عرشه.

(1) ص 103 المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لابن قاسم.

(2)

سورة الشورى الآية 11

(3)

ص 143 ج 3 من مجموع الفتاوى

ص: 232

وهؤلاء هم السلف ومذهبهم هو الحق كما سبق تقريره.

القسم الثاني: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع نفي علوه واستوائه على عرشه.

وهؤلاء هم الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم، ومذهبهم باطل منكر أجمع السلف على بطلانه وإنكاره كما سبق.

القسم الثالث: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع ثبوت علوه فوق عرشه. ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية (1).

وقد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو. وكذبوا في ذلك فضلوا فإن نصوص المعية لا تقتضي ما ادعوه من الحلول لأنه باطل ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله باطلا.

(تنبيه) اعلم أن تفسير السلف لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لا يقتضي الاقتصار على العلم بل المعية تقتضي أيضا إحاطته بهم سمعا وبصرا، وقدرة وتدبيرا، وغير ذلك من معاني ربوبيته.

(تنبيه آخر) أشرت فيما سبق إلى أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة والعقل والفطرة والإجماع، أما الكتاب فقد تنوعت دلالته على ذلك.

فتارة بلفظ العلو والفوقية والاستواء على العرش، وكونه في السماء كقوله تعالى:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2){وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (3)، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4)، {مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (5).

وتارة بلفظ صعود الأشياء وعروجها ورفعها إليه كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (6)

(1) انظر ص 229ج 5 من مجموع الفتاوى.

(2)

سورة الشورى الآية 4

(3)

سورة الأنعام الآية 18

(4)

سورة طه الآية 5

(5)

سورة الملك الآية 16

(6)

سورة فاطر الآية 10

ص: 233

{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (1)، {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (2).

وتارة بلفظ نزول الأشياء منه ونحو ذلك كقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} (3)، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} (4).

وأما السنة فقد دلت عليه بأنواعها القولية والفعلية والإقرارية في أحاديث كثيرة تبلغ حد التواتر وعلى وجوه متنوعة كقوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: «سبحان ربي الأعلى (5)» ، وقوله:«إن الله لما قضي الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي (6)» ، وقوله:«ألا تأمنوا لي وأنا أمين من في السماء (7)» ، «وثبت عنه أنه رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول: اللهم أغثنا (8)»، «وأنه رفع يده إلى السماء وهو في يخطب الناس يوم عرفة حين قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال: اللهم اشهد (9)». وأنه قال للجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء، فأقرها وقال لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة (10)» .

وأما العقل فقد دل على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص. والعلو صفة كمال والسفل نقص فوجب لله تعالى صفة العلو وتنزيهه عن ضده.

وأما الفطرة فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو لا يلتفت عن ذلك يمنة ولا يسرة.

واسأل المصلين يقول الواحد منهم في سجوده: سبحان ربي الأعلى أين تتجه قلوبهم حينذاك.

وأما الإجماع فقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة على أن الله تعالى فوق سماواته مستو على عرشه وكلامهم مشهور في ذلك نصا وظاهرا قال الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن

(1) سورة المعارج الآية 4

(2)

سورة آل عمران الآية 55

(3)

سورة النحل الآية 102

(4)

سورة السجدة الآية 5

(5)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 54).

(6)

صحيح البخاري التوحيد (7422)، صحيح مسلم التوبة (2751)، سنن الترمذي الدعوات (3543)، سنن ابن ماجه المقدمة (189)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 397).

(7)

صحيح البخاري المغازي (4351)، صحيح مسلم الزكاة (1064)، سنن النسائي الزكاة (2578)، سنن أبو داود السنة (4764)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 5).

(8)

صحيح البخاري الجمعة (1013)، صحيح مسلم صلاة الاستسقاء (897)، سنن النسائي الاستسقاء (1518)، سنن أبو داود الصلاة (1174)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 194)، موطأ مالك النداء للصلاة (450)، سنن الدارمي الصلاة (1535).

(9)

صحيح البخاري الحج (1785)، صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن الترمذي الحج (856)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 321)، موطأ مالك الحج (836)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).

(10)

صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (537)، سنن النسائي السهو (1218)، سنن أبو داود الصلاة (930)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 447)، سنن الدارمي الصلاة (1502).

ص: 234

الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات، وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم ومحال أن يقع في مثل ذلك خلاف وقد تطابقت عليه هذه الأدلة العظيمة التي لا يخالفها إلا مكابر، طمس على قلبه، واجتالته الشياطين عن فطرته نسأل الله تعالى السلامة والعافية.

فعلو الله تعالى بذاته وصفاته من أبين الأشياء وأظهرها دليلا وأحق الأشياء وأثبتها واقعا.

ص: 235

المثال السابع والثامن: قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (1)، وقوله:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} (2). حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة.

والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفا للكلام عن ظاهره لمن تدبره.

أما الآية الأولى فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك حيث قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (3){إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} (4){مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (5)، ففي قوله: إذ يتلقى دليل على أن المراد به قرب الملكين المتلقيين.

وأما الآية الثانية فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة وقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (6). ثم إن في قوله: {أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} (7). دليلا بينا على أنهم الملائكة إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله تعالى.

بقي أن يقال: فلماذا أضاف الله القرب إليه، وهل جاء نحو هذا التعبير مرادا به الملائكة؟ فالجواب: أضاف الله تعالى قرب ملائكته إليه لأن قربهم بأمره وهم جنوده.

(1) سورة ق الآية 16

(2)

سورة الواقعة الآية 85

(3)

سورة ق الآية 16

(4)

سورة ق الآية 17

(5)

سورة ق الآية 18

(6)

سورة الأنعام الآية 61

(7)

سورة الطور الآية 15

ص: 235

وقد جاء نحو هذا التعبير مرادا به الملائكة كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (1). . فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله تعالى أضاف القراءة إليه لكن لما كان جبريل يقرؤه على النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى صحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} (2)، وإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.

(1) سورة القيامة الآية 18

(2)

سورة هود الآية 74

ص: 236

المثال التاسع والعاشر: قوله تعالى عن سفينة نوح: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (1).، وقوله لموسى:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (2). .

والجواب: أن المعنى في هاتين الآيتين على ظاهر الكلام وحقيقته لكن ما ظاهر الكلام وحقيقته هنا؟

هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن السفينة تجري في عين الله أو أن موسى عليه الصلاة والسلام يربى فوق عين الله تعالى؟

أو يقال: إن ظاهره أن السفينة تجري وعين الله تعالى ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله تعالى يرعاه ويكلؤه بها.

ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين:

الأول: أنه لا يقتضيه الكلام بمقتضى الخطاب العربي والقرآن إنما نزل بلغة العرب قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3)، وقال تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (4){عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (5){بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (6)، ولا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني أن المعنى أنه يسير داخل عينه، ولا من قول القائل: فلان تخرج على عيني أن تخرجه كان وهو راكب على عينه، ولو ادعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في

(1) سورة القمر الآية 14

(2)

سورة طه الآية 39

(3)

سورة يوسف الآية 2

(4)

سورة الشعراء الآية 193

(5)

سورة الشعراء الآية 194

(6)

سورة الشعراء الآية 195

ص: 236