الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلق الرأس، ولعن النامصة والمتنمصة، وأمرنا بإعفاء اللحى، وإرخائها وتوفيرها، وسكت عما سوى ذلك، وما سكت الله عنه ورسوله فهو عفو لا يجوز تحريمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه:«إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء؛ رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» رواه الدارقطني وغيره، قاله النووي رحمه الله، وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم للحديث المذكور، ولما جاء في معناه من الأحاديث والآثار، وقد ذكر بعضها الحافظ بن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم في شرح حديث أبي ثعلبة، فليراجعه من أحب الوقوف عك ذلك. والله أعلم.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
السؤال الثالث: إن بعض النسوة عندنا تشككن وارتبن من فتوى العلامة محمد ناصر الدين الألباني - محدث الديار الشامية - في كتابه آداب الزفاف نحو تحريم لبس الذهب المحلق عموما، وهناك نسوة امتنعن بالفعل عن لبسه؛ فوصفهن النساء اللابسات له بالضلال والإضلال، فما قول سماحتكم في
حكم لبس الذهب المحلق
خصوصا؟ وذلك لحاجتنا الماسة إلى دليلكم وفتواكم بعدما افتحل الأمر وزاد. غفر الله لكم وزادكم بسطة في العلم.
الجواب: يحل لبس النساء للذهب محلقا وغير محلق؛ لعموم قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (1) وحيث ذكر سبحانه أن الحلية من صفات النساء، وهي عامة في الذهب وغيره.
ولما رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند جيد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله في شماله، ثم قال:«إن هذين حرام على ذكور أمتي (2)» . زاد ابن ماجه في روايته: «حل لإناثهم (3)» .
ولما رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصححه وأخرجه أبو داود والحاكم، وصححه وأخرجه الطبراني، وصححه ابن حزم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها (4)» ، وقد أعل بالانقطاع بين سعيد بن أبي هند وأبى موسى، ولا دليل على ذلك يطمئن إليه، وقد ذكرنا آنفا من صححه. وعلى فرض صحة العلة المذكورة فهو منجبر بالأحاديث الأخرى الصحيحة، كما هي القاعدة المعروفة عند أئمة الحديث.
(1) سورة الزخرف الآية 18
(2)
سنن النسائي الزينة (5144)، سنن أبو داود اللباس (4057)، سنن ابن ماجه اللباس (3595)، مسند أحمد (1/ 115).
(3)
سنن ابن ماجه اللباس (3595).
(4)
سنن الترمذي اللباس (1720)، سنن النسائي الزينة (5148).
وعلى هذا درج علماء السلف، ونقل غير واحد الإجماع على جواز لبس المرأة الذهب، فنذكر أقوال بعضهم زيادة في الإيضاح.
قال الجصاص في تفسيره في كلامه عن الذهب: (الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحظر، ودلالة الآية - يقصد بذلك الآية التي ذكرناها آنفا - أيضا ظاهرة في إباحته للنساء، وقد استفاض لبس الحلي للنساء من لدن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن، ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد)(1). اهـ.
وقال الكيا الهراسي في أحكام القرآن عند تفسيره لقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} (2) فيه دليل على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه والأخبار في ذلك لا تحصى) (3) اهـ.
وقال البيهقي في السنن الكبرى لما ذكر بعض الأحاديث الدالة على الذهب والحرير للنساء من غير تفصيل ما نصه: (فهذه الأخبار وما في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء، واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة)(4)، اهـ.
وقال النووي في المجموع: (يجوز للنساء لبس الحرير والتحلي بالفضة وبالذهب بالإجماع؛ للأحاديث الصحيحة)(5)، اهـ.
وقال أيضا: (أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضة والذهب جميعا كالطوق، والعقد، والخاتم، والسوار، والخلخال، والدمالج، والقلائد، والمخانق، وكل ما يتخذ في العنق وغيره، وكل ما يعتدن لبسه، ولا خلاف في شيء من هذا)(6)، اهـ.
وقال في شرح صحيح مسلم في باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام:(أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء)(7)، اهـ.
(1) تفسير الجصاص ج 3 ص 388.
(2)
سورة الزخرف الآية 18
(3)
أحكام القرآن للكيا الهراسي ج 4 ص 391.
(4)
السنن الكبرى للبيهقي ج 4 ص 142.
(5)
المجموع للنووي ج 4 ص 422.
(6)
المجموع للنووي ج 6 ص 40.
(7)
شرح صحيح مسلم للنووي، باب تحريم خاتم الذهب.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث البراء: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع، نهى عن خاتم الذهب (1)» الحديث، قال:(النهي عن خاتم الذهب أو التختم به مختص بالرجال دون النساء، فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء)(2)، اهـ.
ويدل أيضا على حل الذهب للنساء مطلقا محلقا وغير محلق مع الحديثين السابقين، ومع ما ذكره الأئمة المذكورون آنفا من إجماع أهل العلم على ذلك الأحاديث الآتية:
1 -
ما رواه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله (3)» ، فأوضح لها النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة في المسكتين المذكورتين، ولم ينكر عليها لبس ابنتها لهما، فدل على حل ذلك، وهما محلقتان، والحديث صحيح، وإسناده جيد، كما نبه عليه الحافظ في البلوغ.
2 -
ما جاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له، فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي، قالت: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معرضا عنه أو ببعض أصابعه، ثم دعى أمامة ابنة أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال: (تحلي بهذه يا بنية) فقد أعطى صلى الله عليه وسلم أمامة خاتما، وهو حلقة من الذهب وقال: تحلي به (4)» . فدل على حل الذهب المحلق نصا.
-3ما رواه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم - كما في بلوغ المرام - «عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: إذا أديت زكاته فليس بكنز (5)» ، اهـ.
وأما الأحاديث التي ظاهرها النهي عن لبس الذهب للنساء فهي شاذة مخالفة لما هو أصح منها وأثبت، وقد قرر أئمة الحديث أن ما جاء من الأحاديث بأسانيد جيدة لكنها مخالفة لأحاديث أصح منها، ولم يمكن الجمع ولم يعرف التاريخ؛ فإنها تعتبر شاذة لا يعول عليها ولا يعمل بها، قال الحافظ العراقي رحمه الله في الألفية:
وذو الشذوذ مما يخالف الثقة
…
فيه الملا فالشافعي حققه
وقال الحافظ ابن حجر في النخبة ما نصه:
(1) صحيح البخاري اللباس (5863)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2066)، سنن الترمذي الأدب (2809)، سنن النسائي الجنائز (1939)، سنن ابن ماجه الكفارات (2115)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 287).
(2)
فتح الباري للحافظ ابن حجر ج 1ص 317.
(3)
سنن النسائي الزكاة (2479)، سنن أبو داود الزكاة (1563)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 204).
(4)
سنن أبو داود الخاتم (4235)، سنن ابن ماجه اللباس (3644)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 119).
(5)
سنن أبو داود الزكاة (1564).
(فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ) اهـ.
كما ذكروا أن من شرط الحديث الصحيح الذي يعمل به ألا يكون شاذا، ولا شك أن الأحاديث المروية في تحريم الذهب على النساء على تسليم سلامة أسانيدها من العلل لا يمكن الجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على حل الذهب للإناث، ولم يعرف التاريخ، فوجب الحكم عليها بالشذوذ وعدم الصحة عملا بهذه القاعدة الشرعية المعتبرة عند أهل العلم.
وما ذكره أخونا في الله العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه "آداب الزفاف " من الجمع بينها وبين أحاديث الحل بحمل أحاديث التحريم على المحلق وأحاديث الحل على غيره غير صحيح وغير مطابق؛ لما جاءت به الأحاديث الصحيحة الدالة على الحل؛ لأن فيها حل الخاتم وهو محلق، وحل الأسورة وهي محلقة، فاتضح بذلك ما ذكرنا؛ ولأن الأحاديث الدالة على الحل مطلقة غير مقيدة فوجب الأخذ بها؛ لإطلاقها وصحة أسانيدها- وقد تأيدت بما حكاه جماعة من أهل العلم من الإجماع على نسخ الأحاديث الدالة على التحريم كما نقلنا أقوالهم آنفا، وهذا هو الحق بلا ريب، وبذلك تزول الشبهة، ويتضح الحكم الشرعي الذي لا ريب فيه بحل الذهب لإناث الأمة، وتحريمه على الذكور- والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صفحة فارغة
بيان في إثبات علو الله تعالى
ومباينته لخلقه، وأن معيته لعباده
بعلمه واطلاعه وحفظه
للشيخ حمود بن عبد الله التويجري
تقديم لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد اطلعت على ما كتبه أخونا العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في بيان الأدلة الشرعية والعقلية على إثبات علو الله - سبحانه - فوق عرشه، واستوائه عليه استواء يليق بجلاله لا يشابه فيه خلقه، وفي إثبات معيته لعباده بعلمه واطلاعه وحفظه وكلاءته لأوليائه، والرد على من زعم أن معية الله لعباده ذاتية، بل قد سمعته جميعه بقراءة مؤلفه - حفظه الله - فألفيته بحثا عظيم الفائدة، مؤيدا بالأدلة الشرعية والعقلية، كما ألفيته ردا عظيما على أهل البدع القائلين بالحلول والاتحاد، وردا كافيا شافيا على من قال: إن معية الله للخلق ذاتية، فجزاه الله خيرا وزاده علما وهدى وتوفيقا، ونفع به وبمؤلفاته المسلمين.
وبالجملة فهذا البحث عظيم القدر كثير الفائدة مشتمل على أدلة كثيرة من الكتاب والسنة على إثبات أسماء الله وصفاته، وعلوه سبحانه فوق خلقه، والرد على جميع أهل البدع، كما أنه مشتمل على نقول كثيرة من كلام علماء السنة المتقدمين والمتأخرين، ومن كلام الصحابة والتابعين، رضي الله عن الجميع ورحمهم رحمة واسعة.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع به المسلمين، وأن يقيم به الحجة ويقطع به المعذرة، وأن يضاعف المثوبة لمؤلفه، وأن يجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أئمة الهدى وأنصار الحق، وأن يثبتنا جميعا على دينه حتى نلقاه سبحانه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز، سامحه الله وعفى عنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد