الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام وكيع: حياته وآثاره
للشيخ عبد الرحمن الفيرواني
اسمه ونسبه: هو وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس بن جمجة بن سفيان بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن عبيد بن رؤاس الرؤاسي.
كنيته: أبو سفيان نسبة إلى ولده سفيان الذي كان من رواة الحديث.
ولادته: ولد سنة تسع وعشرين ومائة على الراجح.
نشأته: ونشأ وتربى في أسرة عريقة في العلم والدين حيث كان والده من المحدثين، وصاحب منصب حكومي في الدولة العباسية، في مدينة الكوفة. التي كانت من أهم المدن التي كانت تزخر بالعلماء والمحدثين والفقهاء، فتوجه وكيع إلى تحصيل العلم مبكرا، وكان شديد الحرص على تحصيل العلم من المحدثين والفقهاء من أهل بلده والواردين عليه، ثم رحل إلى المراكز العلمية في العالم الإسلامي لتنمية ثقافته، وتكوين شخصيته، وللاستفادة من خبرات علماء الزمن، فقدم بغداد مرات، كما رحل إلى الأنبار، وعبادان، وواسط، والموصل، ودمشق، والمصيصة، وطرطوس، ومكة، والمدينة مرات، وبيت المقدس، ومصر.
شيوخه: وكان لتبكيره في تحصيل العلم، ورحلاته المتكررة إلى مراكز العلم والثقافة أثر كبير في كثره مشايخه، وقد أكثر عن علماء الكوفة حتى اشتهر بروايته عن الكوفيين، وقد لازم بعض هؤلاء ملازمة شديدة واعتنى بمروياتهم وبأقوالهم في معرفة الرجال وعلل الحديث، وفي الفقة، والسنة، ومنهم الأعمش سليمان بن مهران، وسفيان الثوري، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، وجرير بن حازم، ومسعر، والأوزاعي، وابن جريج، ومالك، والحسن وعلي ابنا صالح، وهشام الدستوائي، وعبيد الله العمري. وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال (191) من مشايخه في الكتب الستة (1)، اكتفى الحافظ
(1) تهذيب الكمال.
ابن حجر بذكر واحد وثمانين منهم (1).
تلاميذه: بدأ الإمام وكيع بتدريس علوم الحديث وهو ابن ثلاثين سنة واشتهر أمره حتى قال ابن معين: إنما كانت الرحلة إلى وكيع في زمانه، فأخذ عنه عدد كبير من أهل العلم ذكر المزي منهم (112) راويا، واكتفى الحافظ ابن حجر بذكر (26) راويا منهم، وهؤلاء: شيخه الثوري، وابن المبارك، وابن معين، والحميدي، وابن أبي شيبة، وأحمد، وهناد بن السري، وابن المديني، وأبو خيثمة، وابن سعد، وأبناؤه: سفيان، ومليح، وعبيد، وابن مهدي، وعلي بن خشرم، ومسدد، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن آدم، ومحمد بن أبان بن وزير البلخي المعروف بحمدويه مستملي وكيع، وعباس بن غالب الوراق صاحب وكيع، وإبراهيم بن عبد الله العبسي وهو آخرهم.
مذاكرة الحديث: وكان الإمام يذاكر مع أهل عصره ويسهر الليالي في تلك المذاكرة والبحث.
مكانته العلمية وثناء الناس عليه: ثبتت للإمام وكيع إمامة في كثير من الجوانب العلمية، فهو إمام في العقيدة، وإمام في علوم الحديث رواية ودراية، وإمام في السنة والرد على أهل البدع حتى وصفه الإمام أحمد بأنه كان إمام المسلمين في وقته (2). وحتى قال ابن معين: وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه (3). وقد قال الإمام أحمد: ما رأيت رجلا قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع (4).
توثيقه: وأجمع نقاد الحديث على توثيقه وأشاد بذكره كل من ترجم له من أصحاب المؤلفات، بل هو كان ناقدا كبيرا من النقاد الذين يرجع إلى أقوالهم في الجرح والتعديل، وقد لخص أقوالهم فيه الإمام الذهبي فقال: الإمام الحافظ، الثبت، محدث العراق، أحد الأئمة الأعلام (5).
حفظه: إن نعمة الحفظ وقوة الذاكرة لهما أهمية كبيرة في باب رواية الأحاديث
(1) تهذيب التهذيب.
(2)
تاريخ بغداد (13/ 474).
(3)
تاريخ بغداد (13/ 474).
(4)
تاريخ بغداد (13/ 474).
(5)
تذكرة الحفاظ (1/ 306).
النبوية، وقد رزق الله الإمام وكيع ذهنا وقادا وذاكرة قوية حتى وصف بأحفظ أهل عصره لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد: كان وكيع مطبوع الحفظ كان حافظا حافظا، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرا وكثيرا (1). وقال: ما رأيت أحفظ من وكيع (2).
زهده وورعه: تمتاز القرون الأولى الموصوفة بالخيرية والتي تليها باتصاف أهل العلم بالعمل الطيب والسلوك القويم وكان الإمام من أزهد الناس وأورعهم حتى قال الإمام أحمد: ما رأيت أحدا أوعى للعلم من وكيع، ولا أشبه بأهل النسك (3).
وكان كثير البكاء خشية من الموت، قال ابن معين سمعت وكيعا يقول كثيرا: وأي يوم لنا من الموت، وحدث أنه من شدة بكائه ورقته توقف على حديث ابن عمر:«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (4)» ثلاثة أيام (5).
خلقه: وكان قواما صواما معتكفا، كثير الصلاة والحج والعمرة، وكان يتعفف عن المسألة ويدعو كثيرا أن يصونه الله عن المسألة، وكان يجتنب الشهرة، وما كان يحب أن يطلع الناس على عبادته، وكان مديم الاشتغال بالعلم والزهد والعبادة.
عقيدته وكفاحه من أجل العقيدة: عاش الإمام وكيع في زمن كثر فيه الكلام حول العقيدة لحدوث فرق مبتدعة في الإسلام، بعد أن كان أصول الأئمة في أصول الدين متفقة، وكان موقف أهل الحديث من هؤلاء المبتدعة وكلامهم موقفا شديدا، لا يخفى على من درس تراجم أهل الحديث والسنة والأثر، فكم من أهل العلم قد ترك كتبا مستقلة أو كلاما في ثنايا مؤلفاته في أمور الدين والعقيدة.
ومن هؤلاء الأئمة الأعلام من حماة العقيدة النافين عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين الإمام وكيع الذي اتخذ موقفا شديدا إزاء الفرق الضالة، فندد بهم وزيف آرائهم، وقد كثرت عنه النقول في مسائل العقيدة مثل خلق القرآن والجهمية وتكفير رئيسهم بشر (6).
(1) تقدمة الجرح والتعديل (221).
(2)
سير أعلام النبلاء (7/ 41 / أ).
(3)
تقدمة الجرح والتعديل (220).
(4)
صحيح البخاري الرقاق (6416)، سنن الترمذي الزهد (2333)، سنن ابن ماجه الزهد (4114)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 24).
(5)
تاريخ ابن معين برواية الدوري (2/ 362) وزهد وكيع حديث رقم (11).
(6)
الفتوى الحموية الكبرى، والفتاوى الكبرى (5/ 180).