المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وضع المسلمين تحت الإدارة الأوربية للمستعمرات في غرب أفريقيا: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌خلاف العلماء في أن العقوبة في شرب الخمر هل هي حد أو تعزير

- ‌تطبيق إجمالي على المسائل المطلوب بيان حكمها

- ‌وجهة نظر

- ‌ هل يجوز لمن صلى الفرض أن يؤم جماعة أخرى بالفرض نفسه

- ‌ قراءة الفاتحة للمأموم

- ‌ المسح على الجوارب

- ‌ متابعة المأموم الإمام في التسليمتين

- ‌ نقل زكاة المال إلى بلد غير البلد الذي فيها إقامة المزكي

- ‌ التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله

- ‌ غسل الرجل والمرأة من الجنابة

- ‌ المسح على الجوربين إذا كان الوقت باردا

- ‌ سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه

- ‌ صلاة من يحمل صورة

- ‌ المريض لا يقوى على صيام رمضان، وكان لا يرجى برؤه

- ‌بيع سلعة من الطعام أو غيره إلى أجل معلوم

- ‌ الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية

- ‌ حكم المسح على الجوربين

- ‌ إذا كان عيسى عليه السلام حيا فهل سينزل آخر الزمان

- ‌ لماذا سمي عيسى ابن مريم بالمسيح

- ‌ حكم لبس الذهب المحلق

- ‌تقديم: لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

- ‌ قول ابن القيم في "مختصر الصواعق

- ‌ قول ابن رجب في شرح الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية:

- ‌ قول ابن كثير في تفسير سورة الحديد:

- ‌قواعدفي أدلة الأسماء والصفات

- ‌القاعدة الأولى: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته

- ‌القاعدة الثانية: الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف

- ‌القاعدة الثالثة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر

- ‌القاعدة الرابعة: ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني

- ‌المثال الأول: الحجر الأسود يمين الله في الأرض

- ‌المثال الثالث: إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن

- ‌المثال الرابع: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}

- ‌المثال الحادي عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌المثال الثالث عشر: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

- ‌المثال الرابع عشر: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

- ‌المثال الخامس عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني

- ‌آيات الصفات

- ‌حاجة الإنسان إلى معرفة الله عز وجل

- ‌وسائل المعرفة

- ‌ثانيا: القسم الخارجي (الوحي)

- ‌ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته

- ‌الصحابة وآيات الصفات

- ‌رواد المناهج المنحرفة

- ‌منهج السلف في الأسماء والصفات

- ‌نماذج من أقوال أهل السنة والجماعة في تفسير آيات الصفات

- ‌ جاهلية التصوف:

- ‌مفهوم الدين الإسلامي عند الصوفية:

- ‌من واضع علم التصوف

- ‌مفهوم الذكر عند الصوفية:

- ‌(مشايخ الصوفية يفترون الكذب في سبيل الدعوة إلى طرقهم)

- ‌ألقاب وهمية يستغلها مشايخ الصوفية لاستجلاب الأرزاق وإفساد العقيدة:

- ‌للصوفية ديوان باطني:

- ‌ الفرد المسلم هو الأساس في عملية بناء المجتمع

- ‌ الإعداد الروحي:

- ‌ الإعداد العقلي:

- ‌ الإعداد الوجداني:

- ‌ الإعداد الجسمي:

- ‌ الإعداد الاجتماعي:

- ‌ الإعداد المهني:

- ‌عوامل بناء الشخصية المسلمة:

- ‌البيت المسلم حلقة من حلقات الإعداد:

- ‌وسائل الإعلام:

- ‌رأي القائلين بالتحريم:

- ‌رأي القائلين بجواز الترجمة:

- ‌الحكم في قضية ترجمة معاني القرآن

- ‌الإمام وكيع: حياته وآثاره

- ‌ الفرق بين منهج أهل السنة وبين أهل البدع:

- ‌ ما ورد عنه في معنى قول السلف:

- ‌ كلامه في الفرق المبتدعة:

- ‌ تكفيره لبشر المريسي وأتباعه من الجهيمة:

- ‌ تكفيره لمن قال بخلق القرآن:

- ‌قوله في مسألة الإيمان وزيادته ونقصانه:

- ‌ قوله في مسألة الاستثناء في الإيمان:

- ‌ حمايته للسنة وحثه على التمسك بها:

- ‌ عنايته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ ما ورد عنه في آداب السامع والمحدث

- ‌نصائح وتوجيهات لطلبة العلم:

- ‌مذهبه في الرواية بالمعنى

- ‌مذهبه في العرض على المحدث:

- ‌مذهبه فيما سمع قراءة أن لا يقال فيه حدثنا:

- ‌مذهبه في الإعلام من أنواع الإجازة:

- ‌مذهبه في التدليس والمدلسين:

- ‌مذهبه في السماع عن الضعفاء:

- ‌مذهبه في إجازة الرواية من الكتاب الصحيح

- ‌مذهبه في إلحاق الاسم المتيقن سقوطه في الإسناد:

- ‌ أصح الإسناد عنده:

- ‌مذهبه في الجمع بين الرواية والدراية:

- ‌معرفته بعلل الحديث ونقد الرجال

- ‌مذهبه فيمن يقع الوهم في حديثه كثيرا:

- ‌مذهبه الرجوع إلى قول من خالفه آخر أحفظ منه:

- ‌مذهبه في رواية قبول المبتدعة:

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل عند وكيع بن الجراح

- ‌تأثره بمنهج ابن جريج ويحيى بن أبي زائدة في التأليف:

- ‌منهجه في التصنيف:

- ‌سرد أسماء مؤلفاته:

- ‌فقهه وإفتاؤه

- ‌الإسلام ومواجهته لحركات التبشير الأوروبيفي غرب أفريقيا

- ‌وضع المسلمين تحت الإدارة الأوربية للمستعمرات في غرب أفريقيا:

- ‌مصادر البحث

- ‌الإهابة بالمسلمين لمساعدةإخوانهم في أفريقيا

- ‌ما هكذا الدعوةإلى الله يا صالح

- ‌مؤتمرات إسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌وضع المسلمين تحت الإدارة الأوربية للمستعمرات في غرب أفريقيا:

وطائفة بروستانتية. بل وصل العداء إلى حد التفرقة بين الطائفتين في المدارس والجامعات والوظائف. ومن ثم فقد انتقل الصراع الديني بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروستانتية من أوروبا إلى بعثات التبشير في أفريقيا، كما دخل التنافس السياسي بين فرنسا وبلجيكا وأسبانيا والبرتغال وإيطاليا من ناحية (وهي الدول التي تدين بالكاثوليكية)، وبين إنجلترا وألمانيا وهولندا من ناحية أخرى (وهي الدول التي يدين أغلب سكانها بالبروستانتية)، حتى البروستانتية ذاتها انقسمت فيما بينها إلى عدة طوائف وشيع، لكل ممها كنيسة مستقلة وأتباع. وحتى عام 1951 كان يوجد في عبدان ثماني كنائس مختلفة المذاهب ممثلين لاثنتي عشرة طائفة منفصلة عنها (1). ولعل هذا الانقسام في الكنائس والطوائف المسيحية - كما يقول باريندر barridner قد يبدو أمرا عاديا وطبيعيا للأوروبي، لكن بالنسبة للرجل الأفريقي قد يبدو غريبا وشاذا. وكثير من المسيحيين الأفريقيين لم يفهموا الفرق بين هذه المذاهب، وتنقل بعضهم من مذهب إلى مذهب، بل في جنوب السودان حتى أيامنا هذه نجد المسيحيين يذهبون إلى الكنيسة يوم الأحد، وفي يوم الجمعة يتوجهون تلقائيا إلى المسجد، رغم التعليمات الصارمة التي توجهها لهم البعثات التبشيرية. وكثير من أبناء جنوب السودان ممن التقيت بهم خلال رحلاتي لبلادهم أقرب إلى الإسلام منه للمسيحية، لكن لأسباب خاصة خارجة عن الإيمان يعلنون أنهم مسيحيون.

(1) 10 - Geoffrey Parrinder، Religion in an African City، ondon، 1953.

ص: 357

‌وضع المسلمين تحت الإدارة الأوربية للمستعمرات في غرب أفريقيا:

وبالرغم من الانتصار العسكري للاستعمار الأوروبي في غرب أفريقيا، إلا أن الإسلام حقق انتصارا شعبيا، دفع سلطات الاستعمار إلى الإذعان، وفرض عليهم احترامه كدين يعتنقه غالبية سكان مستعمراتهم في غرب أفريقيا، بل وجدت السلطات المستعمرة نفسها مرغمة على الانصياع لرغبات المسلمين في عدم تشجيع بعثات التبشير المسيحي، وتحريم دخولها المناطق الإسلامية، إلا إذا وافق أمراء هذه المناطق (1). فمثلا عندما حاول " لوجارد " lugard إرسال بعثات تبشيرية إلى ولايات شمال نيجيريا، عاد وسحب هذه البعثات، عندما وجد أن مقاومة المسلمين لها شديدة، ومن هنا خشيت السلطات الاستعمارية من غضب جماهير الأفريقيين في شمال نيجيريا (2). أما بالنسبة لعملية انتشار الإسلام بين القبائل الأفريقية الوثنية، فلم تر سلطات

(1) 11 - Crowder، op. cit.، p. 358.

(2)

12 - Ayandele، The Missionary Impact on Modern Nigeria، pp. 128-150.

ص: 357

الاستعمار مانعا من ذلك، لأنها أدركت أن الإسلام يسهل لها عملية نشر الحضارة الحديثة بين السكان، فلقد كتب السير هاري جونستون في مجلة " الانتداب الثنائي " dual mandatr (1) والتي كان يصدرها المبشر البريطاني لوجارد يقول: " وبالنسبة للمسئول الحكومي، أو للتاجر البريطاني في غرب أفريقيا، فإنه ما من شك في أن الزي المعتنق للإسلام، سواء أكان من عنصر زنجي، أو من قبائل الفولاني، أو الهوسا، أو العرب، أو البربر، أكثر جاذبية في شخصيته من الزنجي المسيحي من أهل سيراليون، أو ليبيريا أو ساحل الذهب أو جنوب نيجيريا (2). ولنبدأ بالزي الذي يرتديه المسلمون إنه زي وطني ومناسب لظروف المناخ، أكثر مما يناسب الرداء الأوروبي لا بسيه من الزنوج المسيحيين، والذي يظهرون فيه بطريقة مضحكة. وإني لأتذكر كيف كنت أشعر خلال رحلاتي المبكرة في غرب أفريقيا بالاحترام لقبائل اليوريا (المسلمة) وهم في زيهم الوطني، وهو إحساس يفوق احترامي للزنوج المسيحيين أو الوثنيين في لاجوس وفي أجبالاند (3). وفي المناطق الشمالية لساحل الذهب كتب المندوب السامي البريطاني السير واترستون watherston (1905- 1909) معترفا بأن الإسلام دين أكثر تقبلا عند السكان الوطنيين لأنه يناسبهم، وهو يساعد بريطانيا في نشر الرقي والتمدن، ويشجع السكان على ممارسة حياة أكثر تحضرا، كما أنه يشجع على السلام وتنشيط حركة التجارة. ولقد عرف عن السير وزرستون أنه كان متعاطفا مع المسلمين إذ اتهمته البعثات التبشيرية المسيحية بأنه يضيق عليها الخناق في بعض المناطق، بالرغم من أن أعداد الوثنيين تفوق أعداد المسلمين في هذه المناطق.

أما بالنسبة لسلطات الاستعمار الفرنسي في أفريقيا الوسطى، فقد نظرت في أول الأمر إلى الإسلام كعقبة كئود في طريق استقرارها، والتبشير بمذهبها الكاثوليكي، كما أنها كانت تخشى من تأثير مد الثورة المهدية من السودان إلى السنغال. وكانت فرنسا تحكم أمبراطورية واسعة في أفريقيا تمتد من جيبوتي إلى السنغال، مارة بأفريقيا الوسطى. ولقد نجحت سلطات الاستعمار الفرنسي المعادية للإسلام في منع انتشاره في ساحل الذهب، وفي سيراليون حتى عام 1900 وبالرغم من توسع الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، إلا أن المجاهدين المسلمين في أفريقيا قد حدوا من توسعها، كما أن مواجهة فرنسا للمجاهدين المسلمين لم تخل من روح الصليبية والكراهية، فعمدوا على سحق أي ثورة

(1) 13 - ugard، Dual Mandate، p. 593.

(2)

14 - the Times، 6th March، 1922.

(3)

15 - D. Kimble، A Political History of Ghana، 1850-1928، ondon، 1963، p. 79.

ص: 358

أو حركة إسلامية، قام بها المجاهدون. كما دار في ساحة الفكر الفرنسي في مطلع الاحتلال الفرنسي لأفريقيا، جدل فكري حول " الخطر الإسلامي " كما عبر زعماء السلطات الاستعمارية من أمثال مانجان mangin وأرشينارد، ARCHINARD وماج MAGE عن وجوب وقف الزحف الإسلامي التلقائي في أفريقيا، بينما جادل مفكرون آخرون بأن الإسلام ليس خطرا، بل هو أهم الظواهر الفكرية والحضارية القائمة في غرب أفريقيا، وأن على فرنسا أن تتعامل معه على هذا الأساس، وتظهر هذه الآراء المعتدلة من خلال تنظيم إدارة الشئون الإسلامية والصحراوية MUSULMANES ET SAHARIENNE SERVICE DES ASFFAIRES التي أسست في باريس عام 1900، والمتمثل في إدارة الشئون الإسلامية التي أسست في داكار عام 1956. ولقد كانت فرنسا أسرع من بريطانيا في إنشاء هذه الإدارات كسبا لود المسلمين في المستوطنات، فلم تعرف بريطانيا تأسيس مثل هذه الإدارات، ولا خبرت ساحة الفكر البريطانية مناقشات عن الإسلام من أمثال مناقشات روبيرت أرنود ROBERT ARNOUDE "، ولوشاتيلييه E CHATELIER، وبول مارتي BAUl MARTY وغيرهم. وقد اقترح بونتي BONTY الذي كان حاكما عاما للممتلكات الفرنسية عام 1908 تطبيق سياسة الفصل بين الطوائف بحيث لا يجوز لحاكم أفريقي مسلم حتى ولو كان معينا من قبل السلطات الفرنسية أن يتحكم في أفريقي غير مسلم (1)، كما طالب بعدم تشجيع استخدام اللغة العربية في المراسلات الرسمية، لأن استخدام اللغة العربية يعطي الفرصة للمسلمين وحدهم لتولي الوظائف. أما كلوزال CLOZEL حاكم السودان الغربي، وفيما بعد الحاكم العام لغرب أفريقيا الفرنسية، فقد طالب بتدعيم المذهب الفيتشي Fetichicme الوثني فكريا وسياسيا ليقف في وجه الإسلام الزاحف، وإلى تقنين الشعائر الوثنية الأفريقية التي تمارسها القبائل الوثنية، مثل قبائل بامبارا، ومالتكي، وبوبو، ورفعها إلى درجة الديانات القومية الأفريقية (2). غير أن كل هذه المحاولات المعادية للإسلام على حد رأي جويللي Gouilly انتهت بتدعيم جبهة الإسلام فقد تبين للفرنسيين أن تصوير الإسلام على أنه خطر يهدد المصالح الفرنسية كان وهما مبالغا فيه من جانب المتطرفين، وبدأت الاتصالات مع المسلمين من أجل إقامة جسور الصداقة. فقد اكتشف الفرنسيون أن الزنوج المسلمين أكثر تهذيبا ورقة من الزنوج المسيحيين أو الوثنيين، ولا يعادون المسيحية. وكل ما يرجونه هو العيش في

(1) 18 - J. Brevie، Islamisme Contre Naturalisme au Soudan Francaise، Paris، 1923، p. 257.

(2)

19 - Gouilly، 1'Islam، p. 254.

ص: 359

سلام على قدر متساو مع الطوائف الأخرى (1). وبقدر ما تعاملت فرنسا مع المسلمين، بقدر ما كانت توجس خيفة من أي حركة دينية إصلاحية يقوم بها المسلمون، قد تؤدي إلى إشعال الثورة الوطنية ضد الفرنسيين. ولقد كانت هناك عدة أسباب للكف عن محاربة الإسلام في المستوطنات الفرنسية، منها أن المذهب الفيتشي الوثني ليس ديانة سماوية واضحة المعالم مثل الإسلام، كما أن الإسلام بمبادئه السامية وشريعته العادلة، يدعو للاحترام والتبجيل كما ساد النفور بين السلطات السياسية، والجهاز الكنسي المسيحي، الذي راح يدس أنفه في كل صغيرة وكبيرة، بينما أعلنت السلطة السياسية تفضيلها لبقاء الإسلام من أجل التخلص من تدخل القسس في الحكم (2) Bour embeter les cures أو بمفهوم أوضح، رأى البعض أن الإسلام هو الجسر الذي يربط بين المجتمعات الأفريقية المنطوية على نفسها، وبين العالم الأكبر، ويساعد الأفريقيين على الخروج من القوقعة الضيقة، للمساهمة في الساحة العالمية، مما يساعد على إدخال الأفكار الحضارية الحديثة، ويوسع مفهوم تبادل المصالح الاقتصادية (3).

وأوضح مثل على ذلك نجده في علاقة فرنسا بأبناء الطائفة المريدية، إحدى الطوائف المنبثقة من الطريقة القادرية في السنغال، وقد أسس هذه الطائفة أحمدو بامبا، على أساس فكري هو " بقدر ما يفعل الإنسان من خير على الأرض، بقدر ما ينال الجزاء في السماء " كما تقوم المريدية على أساس الولاء المطلق بين المريد وشيخ الطائفة. لقد كانت هذه الطائفة الإسلامية شديدة العداء للفرنسيين، وبادلتها فرنسا نفس الكراهية، فقامت بنفي أحمدو بامبا مرتين خارج البلاد، لكن أتباعه ازدادوا تمسكا بتعاليم شيخهم، ثم اكتشف الفرنسيون أن أبناء هذه الطائفة يملكون خبرات نادرة في زراعة الفول السوداني، وأنهم أحسن منتجيه في السنغال كله. فبدأ أصحاب المزارع الفرنسية يشجعونهم على هجر قراهم القديمة، وبناء قرى زراعية على طراز حديث في الأراضي حديثة الاستصلاح " وسرعان ما أصبح أبناء هذه الطائفة من أهم المظاهر الاقتصادية في اقتصاد السنغال الفرنسي. وتوطدت العلاقة بينهم وبين الفرنسيين، الذين كانوا لا يخفون انحيازهم لهم (4)، حتى عندما توسع أبناء هذه الطائفة واستولوا على أراضي قبائل أخرى، كانت السلطات الفرنسية تغمض عيونها وكأن شيئا لم يكن (5).

لقد تبين للدول الأروبية أن ميراث الحقد على الإسلام، والذي ورثته عن الحروب

(1) 21 - Gouilly، op. cit.، p. 118-124.

(2)

22 - Suret - Canal، Afrique Noire، 11، p. 541.

(3)

23 - Gouilly، op. cit.، p. 257.

(4)

24 - Crowder، op. cit.، p. 361، Gouilly، pp. 134 ft.

(5)

25 - Michael Banton، West African City، ondon، 1957، p. 135.

ص: 360

الصليبية التي قادتها الكنيسة، ميراث زائف، وأن الإسلام ليس كما صورته كتب تراثهم، بل إنه دين واضح المعالم، وله مزايا حضارية لا حصر لها. إذ وجدوا أن الطبقة المتعلمة الوحيدة في غرب أفريقيا هي المسلمة، لأن الإسلام حضها على قراءة القرآن الكريم، فتعلمت اللغة العربية، ومبادئ الفقه. وكان هناك فقهاء أفريقيون، تعلموا في الأزهر الشريف في مصر أو جامعة الزيتونة في تونس، يقومون بدورهم بتعليم أبناء المسلمين على نفس المنهج الذي كان يدرس في الجامعات الإسلامية. ولهذا فقد كان المسلمون في غرب أفريقيا هم المصدر الأول للسلطات الأوروبية، للحصول على موظفين يساعدونهم في إدارة المستوطنات، ويكونون حلقة اتصال بين السلطة الأوربية والشعب الأفريقي.

كذلك انبهر المستعمرون الأوروبيون بدقة الشريعة الإسلامية، وعدالتها وسهولة تطبيقها، ففضلوها على العرف القضائي الأفريقي المعقد، لتنوع أشكاله، وغموض تفسيراته. ووجدت السلطات أنه من الأيسر الأخذ بالنظام الإسلامي، وتعيين أعداد من القضاة في القرى والمدن، والأقاليم (1).

وأخيرا وليس آخر رأى المستعمرون الفرنسيون أن غالبية سكان غرب أفريقيا مسلمون، وأن بقاءهم فيها يرتبط برضاء المسلمين عنهم، فحرصوا على احترام الإسلام والمسلمين، كسبا لرضاء الجماهير الأفريقية، فضربت السلطات السياسية الحاكمة بآراء الكنيسة والمبشرين عرض الحائط، وأدارت ظهرها لحقد العصور الوسطى، ومدت يديها لتستعين بالمسلمين. فتعاونت مع زعماء القادرية، والتيجانية، وعملت على كسب رضاهم، بل وساعدتهم إداريا وعسكريا ضد خصومهم حتى وإن كانوا من بين المنشقين عليهم، مثل الطريقة " الحمالية "، التي أسسها الشيخ " حما الله " بهدف العودة بالطريقة التيجانية إلى أصولها الأولى. وبالرغم من أن الشيخ حما الله لم يكن معاديا للفرنسيين، بقدر ما كان معاديا لزعماء الطائفة التيجانية المنشق عليها، إلا أن زعماء التيجانية أرغموا المسلطات الفرنسية على نفي الشيخ حما الله مرتين خارج البلاد، مرة في عام 1925، ومرة أخرى في عام 1942 إلى أن مات في سجنه بفرنسا.

ولقد حاول الفرنسيون كسب رضاء المسلمين في غرب أفريقيا، ببناء عدد من المساجد الجميلة، وبإرسال بعثات رسمية للحج، وافتتحوا المدارس الفرنسية لتعليم أبناء

(1) 26 - Elliott P. Skinner، Islam in Mossi Society، in Islam in Tropical Africa، pp. 361-362.

ص: 361

المسلمين، وزخرفوا الزوايا الدينية. كل هذا من أجل إرضاء المسلمين، وخوفا من ثوراتهم، التي قد تؤدي إلى إعلان الجهاد ضدها. وبذلك انتصر الإسلام على المنتصرين بالسلاح. ففي ظل الحكم الفرنسي لأفريقيا الغربية اعتنق شعب البامبارا الدين الإسلامي بعد مقاومته له لقرون عديدة قبل مجيء الفرنسيين.

كما ساعدت عملية هجرة الوثنيين إلى القرى الإسلامية النشطة على تقبلهم الإسلام في مجتمع المدينة الجديد، الذي يحتاج المرء فيه إلى ديانة قوية وعملية مثل الإسلام؛ لأن عقيدة الأفريقي الوثنية كانت ترتبط بموطنه وبالساحر الكاهن الذي يتحكم في قبيلته، أما في المدن الجديدة فقد أصبح الوثني متحررا من سلطة وهيمنة ساحر القبيلة. كما أن دخوله في المسيحية كان يتطلب طقوسا دينية، لم يستسغها، في حين أن الإسلام كان يفتح ذراعيه لكل من يريد الدخول فيه، وأيضا كان للتنقل الترحالي الموسمي بحثا عن العمل، أثر كبير في انتشار الإسلام في غرب أفريقيا، والمثل على ذلك نجده في قبائل الموسى Mussi، التي دخلت الإسلام من خلال هجرة أبنائها الموسمية للعمل، يسافرون وثنيين ويعودون مسلمين ليدعوا من يعولونهم إلى الدخول في الإسلام. فعندما يسافر الوثني مجموعة من العمال الموسميين، بهم مجموعة كبيرة من المسلمين، أو يقودهم رئيس مسلم، يبدأ في معرفة بعض مظاهر العقيدة، التي كانت تعطي لصاحبها قوة معنوية كبيرة، تساعده في الدفاع عن نفسه ورفع رأسه. كما أن التجمع الإسلامي والتعاون والتراحم بين المسلمين، وعدم اختلاطهم بالوثنيين في الطعام أو السكنى " حث المهاجر الوثني الغريب في المجموعة، أن يكسر عزلته الاجتماعية والنفسية، فيشهر في الطريق إسلامه، لينضم إلى الجماعة الإسلامية المتعاونة، وعندما يعود لقريته يشرع في دعوة الذين يعرفهم للدخول في دين الله.

ولما بدأت فرنسا في تجنيد أبناء غرب أفريقيا منذ الحرب العالمية الأولى، عينت أئمة لهم في الجيش يعظونهم ويؤمون بهم الصلوات الخمس كل يوم، مما ساعد الوثني المجند في الجيش على معرفة قدر عن الإسلام كاف للدخول فيه. كما أن أئمة الجيش كانوا نشطين في التبشير أين ما ذهبوا فني عام 1928 عندما عسكرت فرقة " الاستطلاع السنغالية " Senegalais Tirailleurs في فريجيس FreJus في فرنسا. قام الجنود السنغال بناء على أوامر قائدهم، ببناء مسجد لهم، صمم على نسق المسجد الكبير في

ص: 362

جني DJenne في السنغال - والذي صممه المهندسون المسلمون، بل إن الزي العسكري الذي اختاره مصممو الأزياء الفرنسيون للقوات السنغالية كان مستوحى إلى حد كبير من الزي الإسلامي السنغالي.

وكما سبق أن ذكرنا؟ كان الإسلام يحقق لمعتنقيه الكبرياء والكرامة، كما شعر الوثني بالدفء الإنساني، بعد اعتناقه الإسلام، ولهذا أصبح مسلما مخلصا لا يزعزعه شيء عن إسلامه، فقد كان ضالا حتى وجد الهدى، وكان ضعيفا منكسرا، فوجد في الإسلام القوة، وكان هائما على وجهه في الغابات فأصبح عضوا عاملا في مجتمع إسلامي مسئول عنه، وكان عائلا فأغناه دين الله، وبخاصة بعد أن رأى فرنسا المتصلبة تحني رأسها للإسلام، وتتملق المسلمين. وكما يحدث في الهند اليوم حيث يتدفق أبناء طبقة المنبوذين للدخول في الإسلام، تحررا من الوضع المهين الذي صنفتهم فيه الديانة الهندوكية. تدفقت الطبقات الدنيا من الزنوج الأفارقة، والعبيد على الإسلام، طلبا للحرية وللعتق وللتحرر، ولاستعادة الكرامة المفقودة والدخول في دين يعامل الناس سواسية، كأسنان المشط. فيذكر لنا سكنر Skinner أن جميع العبيد والمستعبدين من أبناء قبيلة النوبير (أو الموسى) دخلوا الإسلام. وكان يكفي للمنبوذ أن يعتنق الإسلام، ويذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج، ليعود وقد حمل لقب " حاج " وهذا كاف لأن يجعله ذا صوت قوي، يخيف السلطات الفرنسية ذاتها.

وإزاء ذلك خفت درجة الغليان الإسلامي في غرب أفريقيا، وهدأت الحركات الإسلامية الداعية إلى الجهاد ضد الإنجليز والفرنسيين. وبالرغم من ذلك فإننا نجد بعض حركات الإصلاح الديني الإسلامي تظهر مثل " الهمالية " Haimallism والسنوسية، وتثير قلق وخوف السلطات الأوروبية الحاكمة، وفيما عدا ذلك أصبحت القوات الإسلامية هي التي تحمل تيارات الحضارة الغربية الحديثة. أما بالنسبة للبعثات التبشيرية المسيحية، فقد ظلت قابضة على المدارس التي تخرج طبقة من الأفارقة " المتفرنجين " سلوكا، ولسانا ورداء، وبالرغم من ذلك فإن عدد الوثنيين الذين تحولوا إلى المسيحية لم يزد عن عشر عدد الذين تحولوا إلى الإسلام.

هذه نظرة سريعة عن سياسة السلطات الاستعمارية في غرب أفريقيا، إزاء الإسلام والمسلمين والله أعلم.

ص: 363