الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1)، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (2).
ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ".
ويقول الجويني:
(لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لفلان وها أنا أموت على عقيدة أمي)(3).
فهذه النماذج تؤكد عن تجربة، أن العقل لا يستطيع معرفة هذه الحقيقة بنفسه مستقلا، فلا بد إذن من وسيلة أخرى تكون مأمونة من الخطأ، معصومة من الزلل. . وليس هناك إلا وسيلة واحدة أنعم الله بها على هذا الإنسان ألا وهي وسيلة " الوحي " التي عرف بها الأنبياء ربهم وعرفوا الناس به سبحانه وتعالى. وهذا هو القسم الثاني من وسائل المعرفة.
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة طه الآية 110
(3)
راجع الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 10 - 11 من مجموع الفتاوى ج5 ترتيب القاسمي.
ثانيا: القسم الخارجي (الوحي)
رأينا من قبل كيف أن الوسائل البشرية عاجزة، عن معرفة أسماء الله وصفاته عز وجل، فكانت وسيلة الوحي ضرورة لبلوغ تلك المعرفة، وهذا ما أنعم الله به على البشرية، حيث تعهدها بالأنبياء والرسل لتعريفها بخالقها والحكمة من إيجادها، ثم ختمهم بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل عليه كتابه المبين يبين للناس تلك الأمور التي لا يستطيعون معرفتها بأنفسهم استقلالا، فمن اتبعه هدي في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه ضل في الدنيا والآخرة.
منهج القرآن الكريم في عرض الصفات
أسلوب القرآن الكريم في بيان صفات الله عز وجل، دائر بين النفي والإثبات فينفي
عنه ما لا يليق به، ويثبت ما يليق به من كمال الصفات. ولكن الصفات الثبوتية في القرآن الكريم أكثر من الصفات السلبية، إذ إن الوصف بالصفات الثبوتية أكثر إيضاحا من الوصف بالصفات السلبية. فلو وصفنا إنسانا بأنه: ليس حمارا ولا قطا ولا أسدا ولا ذئبا ولا جبلا ولا حجرا. . ولا. . . ولا. . وهكذا فإننا لن نستطيع إفهام السامع بما نريد.
ولكننا لو قلنا: إنه جسم مخلوق متحرك ناطق حساس مفكر له يدان ورجلان وعينان. . . إلى آخر تلك الأوصاف، لكان هذا أقرب إلى البيان. - ولله المثل الأعلى.
ولهذا فإن المطلع على القرآن الكريم يرى ذلك المنهج واضحا جليا.
ففي الإثبات:
يقول عز وجل: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1)، ويقول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2){اللَّهُ الصَّمَدُ} (3)، ويقول {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (4)، {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (5)، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (6)، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (7). . . إلى آخر ما هنالك من الآيات التي تبين ما لربنا سبحانه وتعالى من كمال الصفات.
وفي النفي:
يقول تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (8){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (9).
ويقول {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (10)، وقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (11)، ويقول {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (12).
(1) سورة البقرة الآية 255
(2)
سورة الإخلاص الآية 1
(3)
سورة الإخلاص الآية 2
(4)
سورة التحريم الآية 2
(5)
سورة الروم الآية 54
(6)
سورة الشورى الآية 11
(7)
سورة إبراهيم الآية 4
(8)
سورة الإخلاص الآية 3
(9)
سورة الإخلاص الآية 4
(10)
سورة مريم الآية 65
(11)
سورة الشورى الآية 11
(12)
سورة البقرة الآية 255
هذا هو المنهج القرآني في بيان الصفات (1).
وهو عز وجل يريد أن يعرف عباده به بنفسه إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا عن طريقه عز وجل وحده.
وفي هذا التعريف بيان لعظمته وقدرته وغناه وكماله ورحمته ومغفرته رحمته وعزته وعلمه وحكمته.
كما فيه بيان لمحبته وبغضه ورضاه وغضبه وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه وأنه يفعل ما يريد ويخلق ما يشاء ويختار وأنه إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون. . إلى غير ذلك من صفاته سبحانه وتعالى.
وقد توهم بعض المنتسبين إلى الإسلام أن إثبات هذه الصفات لله عز وجل يوهم التشبيه من حيث إنها أوصاف مشتركة بين الخالق والمخلوق.
وهذا من ضلال فهمهم وسقم تفكيرهم، إذ لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في المسمى، ولا من الاشتراك في الصفة التماثل في الموصوف، وإذا كان من المعلوم بالضرورة، أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره، فلا يقول عاقل: إذا قيل: إن العرش شيء موجود وإن البعوض شيء موجود - إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه بل الذي يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق. وإذا قيل: هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره مع أن الاسم حقيقة في كل منهما وليس مجازا.
ولهذا سمى الله نفسه بأسماء، وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره.
وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت
(1) ولو حسبت آيات الإثبات لزادت على ألف آية مع أن آيات النفي لا تبلغ خمسين آية.
عن الإضافة والتخصيص.
ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماها واتحاده - عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص - اتفاقهما ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.
فقد سمى الله نفسه حيا فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1)، وسمى بعض عباده حيا فقال:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} (2). . . وكذلك سمى نفسه {عَلِيمًا حَكِيمًا} (3)، وسمى بعض عباده عليما فقال:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} (4).
وسمى نفسه سميعا بصيرا فقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (5)، وسمى بعض عباده سمعيا بصيرا فقال:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (6)، وليس الحي كالحي ولا العليم كالعليم ولا السميع البصير كالسميع البصير.
وأما أسماء صفاته فنحو قوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (7)، وقال عن عباده:{فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (8)، ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده بالمحبة فقال:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (9)، ووصف نفسه بالرضا - ووصف عبده بالرضا فقال:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (10)، وليس العلم كالعلم ولا المحبة كالمحبة ولا الرضا كالرضا (11).
(1) سورة البقرة الآية 255
(2)
سورة الروم الآية 19
(3)
سورة النساء الآية 11
(4)
سورة الذاريات الآية 28
(5)
سورة النساء الآية 58
(6)
سورة الإنسان الآية 2
(7)
سورة البقرة الآية 255
(8)
سورة غافر الآية 83
(9)
سورة المائدة الآية 54
(10)
سورة المائدة الآية 119
(11)
راجع التدمرية (10).