الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في الدائرة أيضا: (وينكر الوهابية، وأولهم إمامهم ابن عبد الوهاب التقليد)(1).
(1) الدائرة 9/ 476، التقليد، شاخت
ثانيا:
عدم وجود الأدلة على ما زعموا:
لم يقم دليل واحد على غالب تلك الدعاوى، وقد أخذها أولئك المستشرقون من أعداء الدعوة الإصلاحية " الوهابية " إذ أن تلك هي مفترياتهم القديمة على الدعوة.
ورسائل الشيخ وكتبه ومصنفات تلاميذه موجودة متاحة، فالواجب الرجوع إليها والتأكد من تلك المزاعم.
إن كتب أئمة الدعوة طافحة بخلاف أكثر ما ذكر، مستدلة في جميع مسائلها بالقرآن والحديث وإجماع أهل العلم.
وقد أنكر الشيخ نفسه في حياته كثيرا من هذه المزاعم التي افتراها عليه بعض أعدائه، حيث جاء في إحدى رسائله إلى أهل القصيم: " ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتسبين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى علي أمورا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وأني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أدعي الاجتهاد، وأني خارج عن التقليد، وأني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة. وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري؛ لقوله يا أكرم الخلق، وأني أقول: لو أقدر
على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزابا من خشب، وأني أحرم زيارة قبر النبي، وأني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وأني أكفر ابن الفارض وابن عربي، وأني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين. جوابي عن هذه المسائل: سبحانك هذا بهتان عظيم ".
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف عن أعداء الدعوة:
" وعندما عجز كبراؤهم في ميادين الحجج والبراهين وباءوا بالفشل لجأوا إلى وضع العقبات في سبيل الدعوة وإلى الاعتداء الأمر الذي ألجأ الشيخ وحزبه برياسة الأمير محمد بن سعود أن يقاومهم. . . فجرت الحروب الشديدة بين حزب الشيخ وبين أولئك المخالفين، فكما فشلوا في ميادين الحجج العلمية
وخرجوا صفر اليدين، فشلوا أيضا في ميادين المقارعة والحروب، وكان النصر في الأغلب حليف الشيخ وحزبه. فلما لم يبق لديهم من سلاح يحاربون الدعوة به؛ شرع بعض المدعين للعلم والحكام يزيدون في اختلاقهم للأكاذيب والافتراءات وينسبونها إلى الشيخ، وأخذوا في استعمال الدعايات الكاذبة والإشاعات الباطلة، وطفق بعضهم يكتب إلى الأتراك، وإلى الأشراف في الحجاز: إن هذا مبتدع، ومذهبه خامس المذاهب، ولا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر جميع الناس إلا من كان من أتباعه. . . ".
إن أعداء الدعوة من أهل نجد والحجاز المصريين والأتراك غير مؤهلين للسماع منهم؛ لكون غالب عداوتهم للدعوة من باب الجهل والحسد، وكفهم عما يخالف الشريعة مما ألفوه من البدع، وانقطاع ما يصل إلى بعضهم من أموال حقا كانت أم باطلا.
وقد فطن لذلك التشويه والافتراءات على دعوة الشيخ رحمه الله بعض المؤرخين المسلمين والغربيين المحايدين، فنبهوا على كذب تلك المزاعم، ومن ذلك:
ما ذكره الجبرتي المؤرخ المصري الشهير في حوادث
الحج سنة 1223 هـ، حيث قال عن أهم الأحداث:" ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج، والحال ليس كذلك؛ فإنه لم يمنع أحدا يأتي الحج على الطريقة المشروعة؛ وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع، مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة، وقد وصل طائفة من الحجاج المغاربة حجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله، ولم يتعرض لهم أحد بشيء، ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي، وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها، خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم، ولم يمكث إلا الذي ليس له إيراد من ذلك، وأتوا إلى مصر والشام، ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي، ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين؛ لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من إجراء الأرزاق، واتصال الصلات ".
ومن المعلوم أن الجبرتي شاهد منصف، وليس له أي ميول
في هذه القضية، وقد شهد الجميع بنزاهته وتثبته، ومن ذلك ما جاء في الدائرة نفسها بقلم اثنين من كتابها حيث قال ماكدونالد
في الطبعة الأولى: (ولا شك في نزاهة أحكام الجبرتي، فهو من بيت علم يعرف قدر الرواية المحكمة إذا رواها شاهد عيان)(1). وقال عن تاريخه: (وهو أعظم تواريخ مصر في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة)(2).
كما وصفه إيالون في الطبعة الثانية بقوله حين الحديث عن أسرته: (وظهر في هذه الأسرة مؤرخ عظيم، كان بلا شك ظاهرة فريدة في فن تدوين التاريخ الإسلامي)(3).
وقال العلامة العراقي الآلوسي عن دعوة الشيخ في كتابه "تاريخ نجد": " ونقص عليك شيئا من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونذكر طرفا من أخباره وأحواله؛ ليعلم الناظر فيه بحقيقة أمره، فلا يروج عليه تشنيع من استحوذ عليه الشيطان وأغواه، وبالغ في كفره واستهواه. . . ".
ثم أخذ يسرد فضائله ويبرهن على صحة معتقده (4).
(1) الدائرة 11/ 65، الجبرتي، ماكدونالد
(2)
الدائرة 11/ 65، الجبرتي، ماكدونالد
(3)
الدائرة 11/ 66، الجبرتي، إيالون
(4)
انظر: محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، عبد الله بن سعد الرويشد ص 408، 409، رابطة الأدب الحديث، دطت
وقال برائجس (1): لقد أشاع الباب العالي أنه- أي سعود بن عبد العزيز - نهى الناس عن زيارة المدينة، إلا أن هذا ليس بصحيح، فإنه نهى فقط عن ارتكاب الأعمال الشركية عند الروضة المطهرة، كما نهى عنها عند قبور الأولياء. . . بعض الجهال يرونهم- أي الوهابيين- كفارا، وقد اعتمد الأتراك على الشائعات التي روجها الأشراف، إلا أن الحقيقة أنهم متبعون تماما للقرآن والسنة، وكانت حركتهم تطهيرية خالصة في الإسلام "، وقال أيضا ردا على أحد الفرنسيين وقد ألف كتابا سنة 1808 هـ ادعى بأنه سمع من مقرب من سعود أن سعود ألغى الحج، فرد عليه برائجس: " يجب على الفرنسي الأحمق الذي ذكر نسخ الحج أن يعرف أن سعود نهى عن التقاليد القبيحة في الحج، وأن أول عمل عمله بعد دخول مكة هو الطواف والعمرة ".
فكما أن هذا هو حال أعداء الدعوة في شبهاتهم فإن حالهم كذلك في قتالهم، ولا أدل على ذلك مما ذكره الجبرتي بعد هزائم المصريين والأتراك أول الأمر في الجزيرة العربية، حيث قال نقلا عن بعض من حضر الحرب: " ولقد قال لي بعض أكابرهم- في جيش محمد علي - من الذين يدعون الصلاح: أين لنا بالنصر؟! وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا
(1) أحد الغربيين الذين زاروا الشرق، وكان في البصرة سنة 1784 م، وله كتابه: تاريخ موجز للوهابيين
ينتحل مذهبنا، وبصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضنا أذان، ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون، وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذنون وصلوا صلاة الخوف، فتتقدم للحرب طائفة، وتتأخر الأخرى للصلاة، وعساكرنا يتعجبون من ذلك؛ لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته.
وكان كثيرا من قتلاهم- الجيش المصري- لما ظهرت عورته لغسيله بعد القتل وجدوا غلفا غير مختونين، وقد سبى الجيش المصري نساء في بدر، حتى إن بعض أهل بدر الصلحاء قال لبعض العسكر: أعطني زوجتي. قال: حتى تبيت معي الليلة، وأعطيها لك من الغد " (1).
وقد شهد بصحة معتقد الشيخ محمد وأتباعه رحمهم الله علماء مكة والمدينة من سائر المذاهب وكذا الشريف غالب أمير مكة حينذاك بعد الجلوس مع علماء الدعوة.
كما مدح دعوته وأطنب في مدحه كثير من العلماء والمفكرين
(1) تاريخ الجبرتي 7/ 823
المنصفين من خارج نجد منهم الأمير الصنعاني، ومؤرخ مصر الجبرتي، والشيخ القاسمي الذي حوكم بتهمة العمل على الوهابية، والعلامة الآلوسي، وكذلك الشيخ محمد رشيد رضا والأمير شكيب أرسلان ومحمد كرد علي، والشيخ طاهر