الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- شهادة الله عز وجل وملائكته له صلى الله عليه وسلم أنه أنزل عليه الكتاب بالحق وأنه المرسل للناس كلهم، كما قال تعالى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (1)، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (2).
- أن الله عز وجل لم يناده باسمه كما نادى غيره من الأنبياء وإنما ناداه بوصفه الشريف " الرسول " أو " النبي "، أو ما هو مشتق من حالته التي كان عليها وهما " المزمل "، " المدثر ". وهذا هو محل الدراسة في هذا البحث، لبيان معاني الآيات التي تضمنت نداء الله عز وجل إياه وتفسيرها ومعرفة الأحكام التي تضمنتها، وما اشتملت عليه من نكات بلاغية ولطائف بيانية وأسرار أسلوبية.
(1) سورة النساء الآية 166
(2)
سورة الفتح الآية 28
المبحث الثاني: النداء في القرآن الكريم:
للنداء مكانة بارزة في اللغة، فله دوره في الحياة البشرية ووظيفته في التواصل بين الناس إما للحوار بينهم وإما لأغراض أخرى تفهم من السياق. وافتتاح الكلام بالنداء دليل على الاعتناء
بما سيلقى على المخاطب، وكأنه يعد نفسه ويهيئها لتلقي ما يقال له.
وتعريفه - كما يقول النحويون -: " هو طلب المتكلم إقبال المخاطب بواسطة أحد حروف النداء، ملفوظا كان حرف النداء أو ملحوظا"(1).
وحروفه ثمانية: الهمزة المقصورة مثل: أمحمد، الهمزة الممدودة مثل: آمحمد، أي المقصورة، آي الممدودة، يا، أيا، هيا، وتستعمل في الندبة لا غير.
و (يا) أكثر حروف النداء استعمالا، وقد ذكر بعض العلماء أنه لم يأت في القرآن نداء بغير يا، ولذلك لا يقدر غيرها من حروف النداء عند الحذف، قال ابن إياز:" القرآن المجيد مع كثرة النداء فيه لم يأت فيه نداء بغير (يا) "(2)، وذكر نحوه ابن هشام (3).
لكن ذكر الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة آيتين، احتملت بعض القراءات فيها أن تكون الهمزة للنداء، وذلك في قوله تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} (4)، حيث قرأ ابن كثير ونافع وحمزة (آمن) بتخفيف
(1) ينظر: شرح التصريح على التوضيح 2/ 163.
(2)
ينظر: الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي 2/ 131.
(3)
ينظر: مغني اللبيب1/ 13.
(4)
سورة الزمر الآية 9
الميم وقرأ الباقون بتشديدها (1).
قال الفراء: " وفسروها، يريد: يا من هو قانت، وهو وجه حسن. العرب تدعو بألف كما تدعو بيا، فيقولون: يا زيد أقبل وأزيد أقبل "(2).
وأيضا قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (3)، حيث قرأ طلحة (أمن) بغير فاء، قيل:" يجوز أن تكون بمعنى حرف النداء "(4).
لكن رد هذا والذي قبله بأنه ليس في التنزيل نداء بغير يا، ولا يخلو من تكلف وكثرة حذف.
ويرى بعض الباحثين أن السر في إيثار القرآن لحرف النداء (يا) هو "أن هذه الأداة تكون الوسيلة الطبيعية في النداء إذ هي أكثرها استعمالا عند الخاصة والعامة، ولأنها أم الباب، ولأنها أخف أحرف النداء في النطق، لأنها تبدو في خفة حركتها كأنها صوت واحد، لانطلاق اللسان بها دون أن يستأنف عملا "(5)، وقد ذكر الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة أنه بعد استقراء الآيات التي ورد فيها النداء ظهر له ما يلي:
(1) ينظر: كتاب السبعة 561، التبصرة في القراءات السبع 658، النشر 2/ 362.
(2)
معاني القرآن 2/ 416.
(3)
سورة فاطر الآية 8
(4)
ينظر: البحر المحيط 7/ 301
(5)
ينظر: خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية 2/ 8.
1 -
نادى الله تعالى جميع أنبيائه ورسله بأسمائهم، ونادى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بوصفه الشريف {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} (1){يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} (2){يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (3){يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (4)
2 -
المنادى المضاف هو أكثر الأنواع في القرآن الكريم، كقوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (5) الآية. 3 - جاء نداء النكرة المقصودة في بضع مواضع، كقوله تعالى:{يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} (6)، أما نداء النكرة غير المقصودة فقد جاء في موضع واحد على الاحتمال، وكذلك نداء الشبيه بالمضاف جاء في موضع واحد على الاحتمال، وهو قوله تعالى:{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (7)، فإنه محتمل لهما ولغيرهما.
4 -
الكثير في القرآن حذف (يا) النداء مع نداء (رب)، وقد ذكرت (يا) في موضعين، هما قوله تعالى:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (8)، وقوله تعالى:{وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ} (9) وحذفت (يا)
(1) سورة الأنفال الآية 64
(2)
سورة المائدة الآية 41
(3)
سورة المزمل الآية 1
(4)
سورة المدثر الآية 1
(5)
سورة النساء الآية 171
(6)
سورة هود الآية 44
(7)
سورة يس الآية 30
(8)
سورة الفرقان الآية 30
(9)
سورة الزخرف الآية 88
في نداء الرب في خمسة وستين موضعا.
- وقع المنادى بالياء في أثناء الجملة وفي ختامها، كقوله تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)، وكقوله تعالى:{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} (2)(3).
إن النداء له وجوهه البلاغية وأسراره الأسلوبية، يتبين ذلك فيما يلي:
1 -
في النداء إقامة علاقة مع شخص آخر، إما للحوار معه وإما لأغراض أخرى تفهم من سياق الكلام.
2 -
فيه حث على الاهتمام بموضوع الكلام ودعوة للتبصر فيه، مما يعطي المضمون قيما رمى إليها المنادي، قال العز بن عبد السلام:
" النداء تنبيه للمنادى ليسمع ما يلقى إليه بعد النداء من الكلام ليعمل بمقتضاه، ولذلك كثر النداء في القرآن "(4).
3 -
فيه توجيه الأنظار إلى المنادى وتركيز الاهتمام حوله.
4 -
أن فيه ضربا من الإيجاز واختصارا للكثير من الكلام.
5 -
أن فيه تلوينا للكلام والتفاتا بليغا يرغب في استمالة المخاطب، ويبعث الاطمئنان في نفس السامع (5).
(1) سورة النور الآية 31
(2)
سورة طه الآية 95
(3)
دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 3، 624، 625.
(4)
ينظر: الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز ص 333.
(5)
ينظر: النداء في اللغة والقرآن 160، 161.